أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - دلور ميقري - القصبات الكردية















المزيد.....

القصبات الكردية


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 05:53
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


1 _ الشام التاريخية :

علمنا أن ملك مادي ، كورش ، ضم سورية لممتلكاته ، إثر إنهائه إمبراطورية بابل العظمى . ربما لم يعرف تاريخ الشرق القديم فاتحاً ، يماثل مليكنا هذا ، لجانب إختلاط سيرته بالأساطير ، حدّ تعذر الفصل بينهما . لا غرو أن تختلف التفسيرات المقاربة للآية القرآنية ، المنوّهة ب " ذي القرنيْن " . فإذا غلب الرأي المشير للفاتح المقدوني ، الإسكندر الكبير ؛ فإنّ شبهة القرنيْن الماثليْن على خوذة الملك الميديّ ، ترجح ، أيضاً ، تقمّصه لهذه الشخصية الغامضة ، الخالدة . وبما أن الأفعال توزن الأسماء ، فقد سبق للعهد القديم ( التوراة ) ، الإحتفاء بإسم الملك كورش ، بوصفه " المخلص " لشعب إسرائيل من الأسر البابلي . وفضلاً عن سياسته المتسامحة ، فإن أسطورة اخرى ، تربط إسمه الملفوظ باللاتينية
، بإسم سورية ؛ أي أنه محرّف من إسم " المخلص " ، هذا . Syrus
وإذا نحينا الأساطير جانباً ، فها هو إسم ُ الملك الميديّ ، نفسه ، تحت عين الباحثين المعاصرين ، المتسائلين عن مصدر تسمية سورية : " عندما سقطت الدولة البابلية الثانية بين يديّ كورش ( 539 ق م ) ، أعيد إستخدام اللفظة الميدية القديمة " آشور " ، للدلالة على شمالي بلاد ما بين النهرين ؛ وهي الكلمة التي يظن أنها أختصرت إلى " آسورا " (1) . الواقع ، أن أعراف العالم القديم ، درجت على وَسْم الموطن بإله مواطنيه ، الأكبر ؛ حالُ الإله " كاشو " ، ومملكة الكاشيين ؛ والإله " يهوّه " ، المعرّف على رعيته اليهود ، أو مملكتهم يهودا . وهنا يجوز لنا التساؤل ، عن علاقة إسم إله الشمس " سورياس " ، بإسم سورية ، ما دامت من ممتلكات الميديين .. ؟
إستيفاءً للقب " ذي القرنين " ، لا بد من ذكر أنّ الفاتح الإغريقي ، الإسكندر المقدوني ، تغلب على دولة ميديا ، ملحقاً إياها بإمبراطوريته الشرقية ، الكبرى . بعد موت الإسكندر شاباً ، تصبح سورية تاج مملكة السلوقيين ، الإغريقية . في 64 ق م ، ينتزع الرومان ذلك " التاج " من على رأس المهزوم ، إلى أن يحلّ العام الفاصل ، 635 م ؛ الذي يحدق فيه العرب المسلمون ، الفاتحون ، بأسوار دمشق . كانت المدينة آنذاك ، تعج بالإغريق البيزنطيين ؛ الذين تغيّروا بكل تأكيد عن أسلافهم الأوائل ، المقدونيين ؛ بفعل توالي القرون وتفاعلاتها من إختلاط وتزاوج ، أدى إلى تشابه طباعهم وخصائصهم ، وحتى ملامحهم ، بأهل البلاد الأصليين ، السوريين . وما فتيء هذا الجمال الدمشقي ، المميز ، الآسر ، يلوح للناظر في دروب المدينة القديمة ، وخاصة في أحياء النصارى . على أن هذه الحالة ، الخاصة ، نجد أنها عممت ، لاحقاً ، على ما غمر المدينة من فاتحين ؛ سواءً اولئك القادمين من الأقاليم المشرقية ، كالعرب والكرد والترك والشركس .. أو من الأقاليم الأوربية ، كالألبان والبشناق والمقدونيين وغيرهم .
عشية الفتح العربي ، كانت غالبية بلاد الشام تدين بالنصرانية ، فضلاً عن أقلية هامة من اليهود ، متركزة أساساً في المدن الكبيرة . المعروف أن الإنقسام المذهبي ، داخل الكنيسة ، أضعف إلى حدّ بعيد الإمبراطورية البيزنطية . فإن سياسة التسامح الديني ، عموماً ، التي قامت عليها أسس السلطة الرومانية بالنسبة للشعوب الخاضعة ، قد أفسح المجال لعدد من المغامرين العسكريين ، من أصل سوريّ وأرمنيّ ، ليتسلموا عرش النسر وينقشوا أسماءهم في سجل أباطرة روما ، الذهبيّ . فضلاً عن أن العلاقات بين مختلف الجماعات الدينية ، وخاصة في الأناضول وسورية ، كانت تتطور بشكل سلميّ ؛ عدا بعض فترات إضطهاد اليهود والنصارى . ولكن الحالة إختلفت منذ القرن الخامس الميلاديّ ، الذي شهد تنصّر العاهل قسطنطين ؛ القديس المانح مفاتيح سلطته لرجال اللاهوت ، ممن إستنفروا لاحقاً مجتمع الإمبراطورية بأكمله في حملة تنكيل ، لا سابق لها ، شملت الوثنيين والموسويين والزردشتيين ، إضافة للفرق " الهرطوقية " المنشقة عن الكنيسة . وفي هذا الصدد ، يكتب الباحث جورج قرم : " وما تاريخ بيزنطة ، منذ الإعتراف بالمسيحية ديناً رسمياً ، سوى تاريخ الإضطرابات الطائفية التي هزت الإمبراطورية وزعزعت أركانها " . ويضيف إلى ذلك : " وقد إضطرت أنطاكية والإسكندرية ، المركزان الدينيان والثقافيان والإداريان الكبيران في الشرق المسيحي ، إلى سلوك سبيل الإنفصال عملياً بعد إزدياد نزعة الهيمنة عند بيزنطة وروما ، حيث أيقظت تناقضات قومية كانت عبقرية رجال من أقران الإسكندر ويوليوس قيصر ، قد أفلحت في تنويمها " . (2)
خلافات أصحاب الدين السماوي ، سهلتْ على الأرض ، مهمة بداة الصحراء ؛ فسقطت مدن الشام ، كثمار ناضجة ، بيد هؤلاء الفاتحين . بيد أن السكان لم يسلموا حصونهم بالسهولة التي دأب مؤرخو العرب ، المعاصرين ، على التنويه به ، سوقاً لروابط عرقية ، سامية ، مزعومة . دون أن ننسى حقيقة نهوض قيصر بيزنطة بنفسه إلى دمشق ، ومحاولته المستميتة ، المتأخرة على كل حال ، في تنظيم الدفاع عنها وبقية المدن الشامية . ولدينا رواية المؤرخ الواقدي ، في كتابه " فتوح الشام " ؛ وهو من أوائل المصادر الإسلامية ، بالرغم مما يفيض عنه من خرافات وحكايات مختلقة . يتحدث مؤرخنا عن هروع هرقل ، عاهل الروم ، إلى جبهة الحرب ؛ خالطاً بينه وبين الشخصية الأسطورية ، هراكليس ، المعروفة على ما يبدو عند العرب ؛ كي يصار إلى التباهي بقدرة أصحاب الدين الجديد على قهر الأبطال الخارقين . ينقل لنا الواقدي ، إذاً ، كلاماً منسوباً لهرقل الروم ، وهو يخاطب حاشيته عشية فتح دمشق : " وهؤلاء العرب خرجوا من بلاد الجدب والقحط إلى بلاد خصبة كثيرة الأشجار والثمار والفواكه ، فإستحسنوا ما نظروه من بلادنا وخصبنا " . (3)
طوال القرون التي دامت فيها سيطرة روما وبيزنطة في الشرق ، لم تتجاوز دمشق مكانة أي مركز تابع ؛ وبالرغم من موقعها الجغرافي الهام ، وغناها وسحرها المطبق الآفاق . وفي زمن البيزنطيين ، بالأخص ، ما كانت المدينة لتقارن بمثيلاتها من العواصم المشرقية ، الإقليمية ، كإنطاكية والإسكندرية ، ناهيك بالعواصم الإمبراطورية ، الكبرى ، مثل القسطنطينية وروما . أما في العهد الإسلامي ، فالشام شكلت بالنسبة للعرب نوعاً من إستعادة ل " لفردوس المفقود " ؛ يروي من يؤوب منهم إلى الحجاز ، إثر إنتهاء عمليات الفتح ، ما شهده من جنائن ظليلة ومياه وفيرة وعمائر مبهرة ، تحيطها أسوار منيعة . والأغلب أنهم ما كانوا يهتمون بأساطير قاسيون ؛ جبل الخليقة الأول ، وأوابد آدم وهابيل وإبراهيم و .. قدر إهتمامهم بثروات هذه الجنة المترامية على طرف الصحراء . ففي مستهل الحملة الأولى على الشام ، يروى عن الرسول قوله لصحابته : " وإن بالشام اليوم رجالاً لأنتم أحقر في عيونهم من القراد في أعجاز الإبل . . يا أهل الإسلام ، فعليكم بالشام فإن صفوة الله من الأرض الشام ، فمن أبى فليلحق بيمنه وليمت بعذره ، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله " . (4)
تم فتح الشام في عهد الخليفة الراشدي الثاني ، عمر بن الخطاب . دخلها قائد الجند ، خالد بن الوليد ، من بابها الشرقي ، وزميله أبو عبيدة الجراح تسلّم مفتاح " باب الجابية " . كان إبن الخطاب ، على رواية " مروج الذهب " للمسعودي ، قد كتب في تلك الأثناء إلى بعض حكماء عصره : " إنا ناس عرب ، وقد فتح الله علينا البلاد ، ونريد أن نتبوّء الأرض ونسكن الأمصار ، فصف لي المدن وأهويتها ومساكنها وما يؤثره الترب والأهوية في سكانها " ، فأجابه الحكيم إلى ذلك ، كاتباً له : " أما الجبال ، فتخشن الأجسام وتغلظها وتبلو الأفهام وتقطعها وتفسد الأحلام ؛ وهو بلد يزول عنه الإعتدال وإنتسب أهله إلى سوء الحال . وأما الشام ، فمسرح خصب ووابل سكب ، كثرت أشجاره وإضطردت أنهاره وغمرت أعشاره ؛ به منازل الأنبياء والقدس المجتبى وفيه حل أشراف خلق الله من الصالحين والمتعبدين وجباله مساكن المجتهدين " (5) . إقليم الجبل ، المذكور آنفاً ، هو التسمية العربية لميديا ، عند إستخلاصها من أكاسرة الساسانيين ؛ الإقليم الذي سيعرف في صدر الدولة العباسية بإسم " كردستان " . من هذا الإقليم ، المنتسب لسوء الحال ، سيخرج ذلك السلطان العظيم ، الميمم وجهه شطر الشام ، ما أن يفتحها الله على قومه ، الكرد .

2 _ صالحية الأكراد :

في زمن صلاح الدين ، مرّ الرحالة الأندلسي ، إبن جبير ، بدمشق . أطلّ عليها من جبلها الأسطوري ، وتملى من منظرها البديع ، واصفاً ما رآه في النيرب والمزة والربوة ؛ أرباض المدينة الواقعة غربي الصالحية . أما الرحالة الآخر ، إبن بطوطة ، الذي وصل دمشق في زمن المماليك ، فخصّ الصالحية بإعجابه الشديد ، قائلاً عنها : " مدينة عظيمة لها سوق لا نظير لحسنه " (6) . لم تلفت ، إذاً ، هذه الضاحية الدمشقية ، إهتمام إبن جبير ؛ مما يدل على أن إزدهارها وتطورها ، اللافتين لإنتباه زميله إبن بطوطة ، هما حصيلة عهود أخلاف صلاح الدين ؛ الذين منحوها عنايتهم ، فتألقت بفضل ذلك . بلغ من رقي هذه الضاحية ، أن أفراداً من البيت الأيوبي ، المالك ، عهدوا بأرماسهم لتربتها الطاهرة ؛ مثل ربيعة خاتون ، شقيقة صلاح الدين ، والملك المعظم عيسى ، أشهر رجالات دولتهم الشآمية .
والصالحية ، الواقعة شمال مدينة دمشق ، في سفح جبل قاسيون ، كانت زمنئذ مكونة من سبع حواضر ؛ ثلاث منها بأسفل حي الأكراد : بيت أبيات ومقرى والميطور . الأولى ، مكانها اليوم في محلة طاحونة الأشنان ؛ المشهورة عند الأهلين بطاحونة " تورا " ، نسبة للنهر المستمدة ماءها منه . مقرى ، تقع بين نهريْ تورا ويزيد ؛ والى الشرق منها محلة الميطور ، تحت مدرسة ركن الدين ؛ وما زال يحمل إسمها بستان داثر الآن ، بعدما كان حافلاً ؛ حالُ المدرسة التي شيدت فيه بأمر من السيدة خاتون بنت السالار ، التي عاشت في أواخر العهد الأيوبي (7) . ثمة ، في الميطور ، آثار اخرى ، عائدة لذلك العصر الزاهر ؛ كالمدرسة العلمية ، المنسوبة لعلم الدين السنجاري ( توفي عام 1213 م ) ، والمدرسة الآمدية.
لعلّ أول من توطن الصالحية ، هم جماعة من مهجري بيت المقدس ، الذين فروا بأرواحهم من مقتلة الغزاة الصليبيين ، الأوائل . أنشأوا بعيد إستقرارهم جامعاً للحنابلة ، عُرف بإسم عَلمهم ، الشيخ إبن قدامة . بعض المصادر المعاصرة ، ربط مصدر إسم " الصالحية " ، بصفة اولئك المهاجرين ، الصالحين . فيما أعتقد آخرون أنّ الإسم إشتقاق من إسم " صلاح الدين " ؛ بسند أن تأسيس الضاحية ، الفعليّ ، جرى في عهده . أياً كان مصدر تسمية هذه الضاحية الدمشقية الجميلة ، فالمؤكد أنها إزدهرت في فترة التفاعل الحضاريّ بين الشرق والغرب ، الناتج عن الحروب مع الفرنجة ، وأيضاً في ظلال بني أيوب ورعايتهم . من حقنا هنا الإفتراض ، بأن الكرد _ وهم قوم الجبال _ إختاروا الصالحية كمحلة لسكناهم ، بالنظر لإنحدارها من جبل قاسيون ، وفي أكثر ربوعه رواءً وخصوبة . ربما أن الأمر نفسه ، كان في ذهن صلاح الدين ، حينما عيّن سفح جبل المقطم ، في القاهرة ، موضعاً لأساسات قلعته العظيمة . فلا غرو أن يعظم شأن جبل قاسيون ، بنظر الأيوبيين ؛ حماة الإسلام ، تبعاً للأساطير المروّجة لقدسيتها ؛ والتي نقل لنا الرحالة إبن جبير ، بعضها في حديثه عن مغرة الدم ؛ أو " مزار الأربعين " ، كما يسمى : " صلى فيها إبراهيم وموسى وعيسى ولوط وأيوب ، عليهم وعلى نبينا الكريم أفضل الصلاة والسلام . وعليها مسجد أتقن بناؤه ، ويصعد إليه على أدراج ، وهو كالغرفة المستديرة ، وحولها أعواد مشرجبة مطيفة بها ، وبه بيوت ومرافق للسكنى ، وهو يفتح كل يوم خميس " (8) .
كان لتأثير هذه المشاهد ، وأساطيرها ، من القوة بحيث أن أحاديث نبوية ، منسوبة ، تناقلها الخلق عن بعض المشايخ ؛ نظير عز الدين إبن عبد السلام ، ( الملقب بسلطان العلماء ! ) ، صاحب كتاب " ترغيب أهل الإسلام بسكنى الشام " . ولم يخفف من غلواء فكرة " قدسية الشام " ، تفنيد مرجع فقهيّ كبير ، كإبن تيمية ، لها ؛ بتبيانه أن كثيراً من الأحاديث النبوية ، المتناقلة ، إنما هي موضوعة وغير مسندة (9) . إنما الصالحية ، في واقع الحال ، ليست قاسيون ومغره ومشاهده ، حسب ؛ فهي درة دمشق ، الخضراء ، بمناظرها الطبيعية الخلابة ومنتزهاتها وأنهارها . ويبدو أن إزدهار بساتينها ، وجد له مبتدء في العصر الأيوبي ؛ فالرحالة والمؤرخون أطنبوا بثمارها وخضارها المتنوعة ؛ من مشمش وخوخ وتوت وتين ورمان وتفاح ودراق وأجاص .. إلى الخس والطرخون والباذنجان والطماطم .. علاوة على ما كان يغرس فيها من أزاهير ورياحين ، وخاصة البنفسج والزنبق . حتى أن هذا الأخير ، أضحى شعار دولة بني أيوب ؛ يستبين المرء نقشه على أحجار أسوارها وبواباتها وقلاعها .
رأينا شدة إعجاب الرحالة المغربي ، إبن بطوطة ، بسوق الصالحية . إنه " سوق الجمعة " ، المحتفظ إلى الآن برونقه وحيويته ؛ بدءً بمدخله قرب مدرسة الصاحبة ، على مشارف حيّ الأكراد ، وإنتهاءً بتلاشيه في محلة الشركسية . كان السوق ، وما إنفكّ على الدوام ، مركزاً للحياة الإقتصادية في حيّ الصالحية وبدرجة أقل في جاره ؛ الحيّ الكرديّ ، الأحدث عهداً . آثار الأيوبيين ، الجليلة ، المتركنة على جانبيّ الجادة المحتبية " سوق الجمعة " ، والمتداخلة مع المحلات التجارية والدور السكنية ، لدليل على أهميته في ذلك العصر المتلازم فيه العمران والمنجزات العسكرية . ها هنا حوانيتٌ تبيع الطعام الجاهز والحلوى ؛ باعة يبسطون دكاتهم الخشبية ، المتخمة بالخضار والفواكه ؛ أغراب متسوقون ، بعضهم مقيم في الخانقاهات ( الزوايا الصوفية ) ، وغيرهم من الطلاب المحصلين علومهم الفقهية ، أو العلمية ، في المدارس العديدة ، المشهود لها بالعراقة في عالم الإسلام ؛ مدارس الصالحية ذات السعة المميزة ، كما نلاحظ من نموذجين منها ؛ الصاحبة والعمرية ، والغنية بما ربط لها آنذاك من بساتين . وأكثر مدارس حيّنا الأيوبيّ هذا ، كانت مخصصة لأصحاب المذهب الشافعي ( الغالب على ملة الكرد ) ، فيما وجدت أخريات للحنفية ؛ كمدرسة الركنية . ورغم أن المذهب الحنبلي ، طرأ على دمشق ، متأخراً ، ( إبتداءً من القرن الرابع عشر ) ، فقد غلبَ على أهل الصالحية في القرون التالية .
علاوة على المدارس ، أمتدحت مرافق هذا الحيّ العتيق ، من حمامات وبيمارستانات وخانات وغيرها . من ذلك ، حمام ارزونة ، قرب البساتين المذيلة بحيّ الأكراد ، جهة القابون ؛ أين جسر النمرود . وحمام النحاس ، في الحارة الحاملة إسمه ، غربي الحيّ ؛ والذي بني في الفترة الأيوبية ، منسوباً لأحد رجالاتها ؛ عماد الدين إبن النحاس (10) . ومن بين ست بيمارستانات ( مشافي ذلك الزمن ) ، في دمشق القرون الوسطى ، فإن أشهرها " القيمري " ، تتباهى به محلة الصالحية . أنشأ هذا البيمارستان أمير مملوكيّ ، من أصل كرديّ ، هو سيف الدين القيمري ( توفي 1257 م ) ؛ والذي أوقف على نفقته قريتيْن ، فضلاً عن أملاك اخرى من مطاحن وحوانيت . من هذا المشفى العريق ، المطل على دمشق من سفح قاسيون ، أشرفَ تيمورلنك على مشهد الحاضرة ، مأخوذاً بمناظرها . بيد أن الفاتح التتري هذا ، ما أسرع أن تغيّر مزاجه ، صاباً حقده المدمر ، الأعمى ، على المحلة ، إنتقاماً لإنتفاضة أهليها ضده . وبالرغم من الكوارث والدمار ، وجد في صالحية العهد المملوكيّ سبع دور للحديث وستة عشر رباطاً وثلاثون حارة وسبعون مسجداً . (11)

هوامش ومصادر :

1 _ مجموعة باحثين غربيين ، الآثار السورية _ الطبعة العربية في فيينا 1985 ، ص 12
2 _ جورج قرم ، تعدد الأديان وأنظمة الحكم _ بيروت 1979 ، ص 121
3 _ الواقدي ، فتوح الشام _ بيروت ، بلا تاريخ ، ص 41 ج 1
4 _ ياقوت الحموي ، معجم البلدان _ دمشق 1982 ، ص 261 ج 1
5 _ المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر _ بيروت 1966 ، ص 976 ج 2
6 _ رحلة إبن بطوطة _ القاهرة 1969 ، ص 61
7 _ محمد أحمد دهمان ، في رحاب دمشق _ دمشق 1982 ، ص 33
8 _ رحلة إبن جبير _ بيروت 1964 ، ص 247
9 _ نقولا زياده ، دمشق في عصر المماليك _ الطبعة العربية في بيروت 1966 ، ص 213
10 _ أحمد حلمي العلاف ، دمشق في مطلع القرن العشرين _ دمشق 1976 ، ص 396
11 _ نقولا زياده ، مصدر مذكور ، ص 118

( القسم الأول من الفصل الثاني لدراسة بعنوان : ملامح اللوحة الكردية الدمشقية )



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهاجر الكردية الأولى
- كي لا ينام الدم
- سنوات النهضة الكردية: مدرسة الشام
- المصادر الاسطورية لملحمة ياشار کمال ..جبل آ?ري


المزيد.....




- المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟
- دراسة: مجرى قديم للنيل ساهم استخدامه ببناء عدد كبير من الأهر ...
- -شريان حياة- بعد إغلاق معبر رفح.. نظرة على الرصيف الأمريكي ا ...
- صحيفة تكشف استراتيجية نتانياهو من أجل البقاء في السلطة
- أولمبياد باريس 2024: كيف يستعد الشباب لتمثيل بلدانهم؟
- وزير خارجية تايوان يقول إن الصين وروسيا تدعمان -النزعة التوس ...
- لقاء الفن والإبداع لرسومات صديقة للبيئة في معرض هونغ كونغ
- -يونهاب-: كوريا الشمالية تزرع الألغام وتنصب الأسلاك الشائكة ...
- الصحف الغربية: تزايد استخدام مقاتلة -سو-57- مع صواريخ -خا-69 ...
- هنغاريا تقترح اعتماد قانون بشأن العملاء الأجانب في الاتحاد ا ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - دلور ميقري - القصبات الكردية