أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – أقفاص الرمل (4)















المزيد.....

رواية – أقفاص الرمل (4)


حمودي زيارة

الحوار المتمدن-العدد: 4784 - 2015 / 4 / 22 - 00:43
المحور: الادب والفن
    


ترعرع عباس مع تأنبات الخوف ضمن تخوم مدينة الثورة, ومنذ مدارج حياته الاولى التي تتوزع على البيت, المدرسة, والساحة, حيث كان شغوف بممارسة لعبة كرة القدم, وتكاد اْن تكون اللعبة الوحيدة التي تمارس بجنون في مستنقات المدينة. اْوحى البيت الصغير لعباس الذي بالكاد كان يستوعب شخير ابيه, حيث يتكأ على ركام مروع لبيوت اْخرى لا تنتهي وكأنها اكنان خفافيش في مغارة دامسة. خال عباس نفسه بأنه يأمن بخرافة وكاْن دماغه المنسوج بالوجع يوضع في نهر مائه الندى, تحفه اوراق غناء تداعبها اْلحان الخرير, فراحت الخرافة تنمو في ذهنه, وتتوغل في انتفاخات دماغه, هذا بعد ما اخبره عنها قارئ للطالع, باْنه سوف يسافر بعيدا, حيث الرمل والعواصف. في اعقاب هذه النبؤة ادرجت نظراته تبصر الاشياء من خلال منشور, يتشظى الوانا, يزركش الزمن الدميم في تشأم حياته الى واحة لفاء في وسط قسوة الكثبان, وبين تارة واخرى, عندما يفرغ من الحديث مع ذهنه, كان ينظر الى صورة قديمة غير ملونة, قد تقشرت وظهرت بعض الكسور عليها, ولم تعد صقيلة, موضوعة في مكتبته, في الصورة كانت تظهر جدته جسومة وجده احمد الهندي, ومن خلفهم جده جاسم بزيه الجنوبي, فينصرف متذكرا جده جاسم, وكيف يسهر الليالي من دون نوم كيما يحارب الانكليز, في توغلات احراش البردي, من اجل ان يسترد ارضه التي سلبت عنوة منه من قبل الانكليز, مثلما اخبرته اْمه بدرية حسون احمد الهندي, حسون الابن الوحيد الذي استطاع اْن يعيش دون بقية الاطفال الاربعة, فقد اصابهم مرض عضال, اغلب الظن اْنه الكوليرا حيث اخبرته امه باْن الاطفال يموتون كالفراشات بعد اْن تستحوذ عليهم نوبات شرهة من الاسهال والتقيء. ظهر عباس شديد الشبه بجده احمد, فهو داكن السمرة ايضا وقد ورثت جل قسماته جينات جده, وبينما كان عباس منهمك, يتأمل الصورة, نادت اْمه:
- عباس, فلاح ينتظرك على الباب.
عندها ادرك عباس بأنه لم ينم ليلته, نظر الى الساعة كان الوقت يشير الى الثامنة, انتشل عباس جسده النحيف من وثارة الفراش, وذهب قاصدا الباب حافي القدمين, شعث الراْس, وما أن طالعه فلاح, حاول اْن يرسم ابتسامة على وجهه الذي اغتالته انكاد ليلة امس, ثم قال:
- اهلا فلاح تفضل.
دخلا الغرفة, اْلقى فلاح اْليته على بساط هزيل, بينما ذهب عباس لجلب الشاي, وبعد لحظات دخل عباس وهو يحمل صينية الشاي, وبنبرة هامسة نشأ فلاح الحديث عن الهروب, وعن دروب الخلاص, واردف قائلا:
- الحياة هنا محض عدم, دعنا نبحث عن الخرافة في الطرق البعيدة, فمن الغباء اْن نركن حياتنا لهذه السماجة, ونسخر اعمارنا لافكارهم المأفونة حتى ندفعها الى الموت, من دون اْن نجازف بها بالهروب الى اماكن اْخرى.
طفحت غبطة مائسة تمسد وجه عباس, تشارك فلاح فرحته, وبشئ من التفاؤل, قال عباس:
- ياللدهشة, اما زالت هناك فرصة للهروب في هذا الزمن الزنخ, والخلاص من وجر الذئاب, يالعطف السماء, كيف السبيل الى ذلك, والطرق فاغمة برائحة البارود.
افترت اشداق فلاح بفرح:
- هناك اشاعة, تقول بأن جنود الحلفاء, عند ظلال النخيل في اقاصي الجنوب, يحجزون كل من ادعى بأنه جندي, وماعلينا سوى اتقان اللعبة لنقل هذا الجسد الى اماكن اخرى.
وبرقصات صوفية مع ذهنه صرخ عباس بوجع:
- اْليس هنالك ولي تكلست اصابع الحناء على بابه يستل شيطان الحزن من رأسي, فقد اْخذ يغرس جذوره في لحمي ويلازمني كالظل يقتفي خطواتي اينما ضاعت.
نظر عباس الى فلاح, وقد احتقن وجهه بالفرح, وقال بعد لحظة صمت:
- هل من المعقول, سننفى الى تلك الدروب, وسنهشم نفحات الحب الغائرة في الذاكرة على اشباح الارصفة. سأدجن نفسي الضياع والغربة, أنا في الحقيقة اعشق الضياع فما جنيت من دروب الوطن شئ سوى الخوف والخيبة.
وبكلمات تشوبها صبابة, نبس فلاح:
- الحياة كانت دائما وبشكل قسري, تشدنا الى اللاجدوى, لهذا ادمنا الركض واللهاث وراء سراب الحلم, الشئ الوحيد الذي نستطيع اْن ننتمي اليه.
رد عباس بصوت رخيم محاولا اْن يضفي على كلماته لمسة ناعمة قائلا:
- حاولت مرارا اْن اطارد الحلم في دروبه الوعرة, ولكن في كل لحظة من زمني الذي ينزف ايامه بلوعة, الحياة كانت تبالغ في غرس سنان سيفها في رئتي واْن شرعت بالصراخ تتمادى حقدا.
وبعد اْن احتسى فلاح رشفة شاي, زم شفتيه وتفوه ساخرا:
- انه اقرب الى مذاق الماء منه الى الشاي.
رد عباس بحسرة:
- كانت الحصة التموينية قليلة هذا الشهر لأمر لا أعرفه, وقد نفدت الحصة, فاْضطرت امي اْن تطلب من الجيران القليل من الشاي لحين قدوم الحصة, واضاف, بلد نفطه يحرك نصف العالم, ومازال يتسول, اْلا فلتعقم الارحام ان لم تلد سوى عبيد.
وبصوت تنتابه نبرات الحزن, قال فلاح:
- لسنا عبيد, ولكن أرادونا ان نكون كذلك, فأنهم يقاتلون شيئا ما في دواخلنا, فليس ثمة حكومة في الشرق لا تعتمد السجن والقتل من اجل بقائها.
قال عباس مبررا:
- ربما ليس لدينا القدر الكافي من الشجاعة للانقضاض على جزارينا, ولكن لا تنس, عندما تشتد القسوة و تبداْ مراسيم القتل, تتباين الافكار, ويبدأ التشتت, ومن هنا يبدأ الصراع, وما اتعسنا عندما حاولنا اْن نهرب من سخرية الحياة الى دهاليز الحرية السرية حيث الاماكن الممنوعة, والكلمات الممنوعة, فوجدنا الافكار المخباْة على الارصفة, والمركونة على مناضد المقاهي اكثر قسوة وايلاما. على العموم, لم تمنحنا الحياة, فرصة من التأمل والنقاء كيما نفهم وجودنا هنا, لذا اصبح سيان لدينا, اْن متنا او خضنا في غمار الحياة. الشئ الوحيد الذي لم يمل عشرتنا, الحلم فهو الاكسير الذي يبدد غلالة الاسى, ويغرس الامل في جفاف ايامنا.
وقبل ان يغادر فلاح قال:
- على اية حال, ساّذهب الان لأتساقط الاخبار, عليك ان تهيأ نفسك ليوم غد, لا تفضي بالامر, وسيكون اللقاء في موقف الباصات عند سوق مريدي, الساعة الخامسة صباحا.
في اللحظة التي غادر فيها فلاح, فما كان من عباس الا ان رجع الى غرفته البغيضة, تكوم في فراشه يهذي ببعض الكلمات:
- دفنت الحلم منذ زمن في ثقوب الجدران التي كانت امي تستخدمها مخابئ لخصلات شعرها, زمن الذي تولى الغجر فيه شوؤن البلاد, انئذ ازمعت ان اغادر الحلم لاني مللت اعذاره, ولكن يبدو لا مندوحة, فاْنه عاد يداعبني من جديد.
***
مخاوف عديدة ساورت عباس في ذلك اليوم, مالت الى التفاقم وبالخصوص حينما عتم الليل الافق بظلمته.
هواجس الهروب تضرم هلع عاصف في مدارات ذهنه, مما اخذت تنظم كيميائية احاسيسه ازاء الاشياء, وتحاول ان تضعه في مضمار الانعتاق بشكل قسري, ثابرت الهواجس تكبل افكاره وتضايقه في تناول على الاقل شاردة من النوم... وقع كقشة في مويجات نهر شرس الجريان لتفكيره في العائلة وكيف سيولي الادبار بعيدا عنهم, كانت رباب تأخذ كل تفكره. كبرت بحنو غنج تحت نظراته الوالهة, وكثيرا ماكانت تنام معه. الظلام في الغرفة اسمل عيون المعالم, الشئ الذي كشف عن اضواء تاْتي من الخارج, وفي غمرة التفكير, سمع طرقات خفيفة على باب غرفته, سكنت انفاسه, فسمع الطرقات مرة اخرى, الظلام ما زال يخبأ الفراغ في الخارج, هرع الى الباب وما اْن دار مصراعيه واذا برباب ظهرت تسند لحمها الغض الى الحائط, ادخلها الى الغرفة , عرف انها تريد ان تنام معه, رقدت رباب الى جانبه لما تبقى من الليل, حاول عباس ان يسر لها الامر ويبوح بكل شئ, لكنه خاف ان تنهال بالبكاء وتذهب الى ابيه وتخبره. الامر الذي كان يكيل له العناء. حبه الشديد الى اخته رباب يحيل الوجود الى غيمة ماطرة ما تلبث ان تزول حيالها. ومع لجة المساجلة كان هناك صوت موارب يأتي من ناحية ما من دماغه, يردد:
- بأن الايام ستضمن لهم النسيان من دون شك, لا تتاْخر فما عليك الا حزم امرك بعبور الحدود.
ندت بأحتراق من مقلتيه دموع لسعته, تأفف بعدها من اجل أن ينبذ ركام الحزن الجاثم على صدره. وما أن انتابه التعب حتى استسلم الى النوم, ورباب تكورت تحت ابطه.



#حمودي_زيارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية – أقفاص الرمل (3)
- رواية – اقفاص الرمل (2)
- رواية - اقفاص الرمل (1)


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – أقفاص الرمل (4)