أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح طافش - هاجس الهواجس















المزيد.....

هاجس الهواجس


كفاح طافش

الحوار المتمدن-العدد: 4571 - 2014 / 9 / 11 - 18:27
المحور: الادب والفن
    


هاجس الهواجس

في غمرة من الحيرة والتأمل يكمن ما لم تقدر أن تحدد شكله، عنوانه، أسلوبه إرادة حقيقية تجرك باتجاه معلوم مأمول لا غير، وأنت تسير تخط هنا كلمة وهناك أمنية، تسيجك الظروف وكل المكان سيكون حاضرا حتما، كشجرة عمياء تثمر دون إرادة منها فتصبح هدف الشهوة والرغبة، أما خياراتك طريق السري للهروب مما أنت فيه، فمل الأسوار وكل الجدران، والقضبان من حول لن تزيد من عزلة واقعك وانحناء الوقت لديك نحو ما لم تكن تتوقعه.
هكذا كنت دائما ارتب نفسي في حضور طقس فريد من كل شيء، فكل شيء يجمعه في حدود اللاشيء هنا، تتعود الرتابة التي تذبح عواطفك باتجاهات متناقضة، الصدق كذب، الحب كره، الصداقة عداوة، التافه قيم وأنت... أنت من دون عمر سكبته في ثنايا الاسمنت هنا، عزائك الوحيد عهد الوطن المؤجل برسم الشهداء على شمس غد قادم، أدور حول ما أريد هنا على هذه الصفحات، استخرج سؤال لا تستطيع تقديم الإجابات عليه دون عرض كل ما تخاف منه وتعتقده.
السجن هو سؤالي المحير على البيضات المتناثرة بين الأزرق الممتد، بحيرة ودهاء، السجن مكان سكني الحالي والذي قررت جاهداً وبعد مخاض عسير أن أعيد ترتيبه في داخلي لكي استطيع أن أساوم عليه، من يريد أن يساوم؟ فالأساطير وحدها هي ما سمعته عن السجن وما فيه قبل الولوج إلى عالم الاسمنت هذا، في كل يوم يمضي هنا تتكسر قيم لتحل مكانها أخرى، أحاول أن الجم هذه التغيير باتجاه واحد، لكن المكان هذا له منطقته وإسقاطاته، جموحه هيجان يذوب ما لم تكن تستطيع أن تصهره خارجاً ويبني أمامك ذوات وحيوات عدة إما نزقاً أو ترفاً، لا تقدر أن تصنع من أيامك غير مفكرة تعدد مدى التغيرات التي تعلق بك، وبعد فترة من الزمن تحصيها وإذ أنت أما غيرك، فتكون أنت غيرك الفارغ تواً من ذاتك.
فراغك هنا قاتل برسم وجودك، لا أظن أن من قرر وضعك في السجن كان عبثيا كساعاتك العبثية هنا، هدفيته لا استطيع أن اقدرها أو احددها، لو كنت خبيراً نفسياً أو باحثاً اجتماعياً لاستطعت أن احدد أي تفصيل أراده، لكني مقتنع أن السبب في عقلية هذا الشرطي... السجان... القاضي... الاحتلال، راسخة برسوخ قناعاتي بالحرية دائماً وأبداً، لكن متى؟ أنا سيكون موعدي مع هذه الأماكن، ثمانية سنوات لا غير، آخرين اختار العيش برهن الحلم السائر بين براثن الأيام لتغدو الأيام حاجز الأمل والإحباط معاً، وهي ذاتها وعد الغد القادم والذي يحمل الفرح حتما كذلك هي آه من هي، تفتك بك، تخلع منك سكونك، والفتك وكذلك شكلك، تمر يومياً على المرآة لكت من دون التعرف لمدى تأثيرها بك، ما بين ذاكرة وأخرى يمكن أن تلتقط صورة لك أمامها، لا داعي للشرح، أنت غيرك وغيرك آخر... إلى أن تعرف أن هناك أناس ما زالوا يقبعون هنا وتجاوزا عامهم الرابع والثلاثين دون معرفة يوم الإفراج.
من بين الألم هنا وجوه الواقع المؤلم، أفضل أن اقتات وجباتي منه بانتظام ورتابة لأحاول ترتيب هذه السطور، فكرت كثيرا وكثيرا، كيف يمكن أقدم هذه الواقع لإنسان لم يعشه؟ كيف استطيع أن أتجاوز أسطرة الحياة هنا؟ كيف سيقتنع الناس هناك أن السجن ليس مكان مقدس وليس الأناس هنا أنبياء؟ كيف استطيع منع وقوع الصدمة التي هزت كياني حين دخلت السجن لغيري؟ وكيف احمل هذا الواقع هناك دون تهويل وأرقام صماء؟ كيف التقط الصور كما هي هنا لتكون البوم هناك وكيف... وكيف.
أسئلة كثيرة اجتاحتني، ومع كتابة هذه الكلمات هنا قررت أن اقفز من مدرجات المشاهدين لخشبة المسرح، لأعيد رسم حكايتي هنا لتكون منبر لهذا الواقع بشرط دون ابتذال!!، فالسجن حكاية شعبية سمعتها مراراً وتكراراَ على شفاه نساء الوطن، كتبتها جداتنا على أبواب بيوتهن حيث قررن الخروج عام ثمانية وأربعين، فالتقطها هذا العدو عنوة من على جدران منازلنا، ليعيد فك طلاسم الحكاية وبسادية أكثر ليعيد نبش ما لم ينبش وليفرك على ذاك الفانوس ليوقظ هذا العملاق والذي ما زال جاثما على حيتنا بأبوابه وزنازينه وسجانيه وجنازيره وقيوده.
أخاف أنا من كل شيء حتى من الصمت والسكون، خوفي هذا هاجسي الأزلي هنا، كيف سأعود هناك؟ كيف سأخرج من هنا دون بثور؟ هل سأتجاوز وحدتي؟ هل هناك من حب آخر لأضيعه أو يضيعني؟ كيف استطيع العودة لجامعتي؟ إلى تلك الأنثى التي افتقدها في عالم الذكور هنا فأصبحت عاهتي المستديمة؟... وهل.... آلاف الهل هذه تهجس بي يومياً تسيطر على عقلي وتفكيري، مع أنني حافظت على نصيحة احد الرفاق قالها لي منذ دخولي السجن وهي بالمناسبة للشاعر ناظم حكمت فقال "عش في السجن ولا تدع السجن يعيش فيك، اسكن السجن ولا تدع السجن يسكن فيك".
هذا كان شعاري الدائم، لكنني سئمت من التصنع والرياء فقد عاش السجن بي، ها هو اليوم يتفجر على شكل هواجس ألملمها لكم هنا على هذه الأوراق علي أشفى منها، لقد قرأت في إحدى الروايات "أننا نكتب الحدث لكي ننساه ونحذفه من ذاكرتنا"، وهي محاولة لإخراج السجن من داخلي إذاً، القيه بعيداً بعد أن أضاع الكثير من البراءة والعفة لدي، ادعي في كل شيء حتى أصبحت أرى شخص آخر في المرآة كل يوم، اخرج إذا أيها اللعين، فسأصاب بك مرة أخرى لكن لابد من العلاج لإعادة المتعة الأولى، فهم يقولون "المتعة الأولى كنز الذاكرة الأزلي". إن المتعة الأولى في كل شيء أول مرة، لذلك ستبقى أزلي في كل شيء حتى في طريقة دخولي الحمام!!
كما أن هذا السياق قد يخدع منطقي، سأبقى حافظاً لكل ما شاهدته وعايشته، لان مجتمع الحديد والاسمنت لا يقدر على استخراج غير الوحش والتوجس، ففي كل مرة تقرر فيها أن تنتفض على نفسك تعود بخيبة أخرى دون طائل المحاولة حتى، هذا ما لم يوافقني عليه الكثير من رفاق المعاناة هنا، لان غالبيتهم يتقن الادعاء والكذب، وهو مصر على أن يكون السجن صفحة مشرفة من صفحات نضال شعبنا –لا ضير- لكن الحقيقة هي الهدي الأكيد والتي تؤسس إلى إعادة ترتيب ذواتنا أولاً ومن ثم احتمالات وجودنا الجماعي، لذلك لا بد أن يكون السجن برأي الأغلبية موقف المنطق المبتور "مكان الرجال"، كما سمعت الكثير الكثير يقول "السجن للرجال"، من قال هذا؟ آه، أريد أن أتعرف عليه بكل كذبه وادعائه لأقف أمامه بعاهاتي وأواجهه بالحقيقة، أنا هنا وأنا أشك برجولتي!!
إن كان مفهوم الرجولة كما يريدون فحولتك وقدرتك الجنسية؟ لا اعتقد أن السجن يمسها بشكل عام، فأنت هنا تصاب بجوع جنسي لدرجة التوحش وهذا هاجس سأطرح به هنا، فالرجولة أن تحافظ على إنسانيتك أكثر من أي شيء آخر!! وهنا من يستطيع؟
في استمرار النقاش لما لا يصح نقاشه من شعارات طهقت بها وبسماعها، شعار الرئيس الراحل أبو عمار حين قال "إن خيرة أبناء شعبي في السجون". لو انك تعاد لتبعث حيا من جديد على هذه البقعة المعزولة عن الحقائق بزيفها، ستكتشف أن كلامك منافي للحقائق وان هناك الكثير من أبناء شعبك الموجودون في السجن حثالة هذه المجتمع بل أرذله، فقط في حالتنا العربية النضال يعطي شهادة أخلاق وبراءة ذمة عن الوساخة والوضاعة، إن السراق حين يسجن يبقى سراق، والمنحرف أخلاقياً وجنسيا كذلك والعميل أيضاً والكذاب... وكل هذه الأنواع من البشر لن تتغير لمجرد رخصة الوطن والتي يصكها الاحتلال لمجرد اعتقال احدهم لذلك سيبقى السجن مكان مجتمعي يحمل في ثناياه آلاف البشر من كل الفئات، اعرف أن هذا الكلام لن يعجب الكثيرين هنا، لكن في لحظة من اللحظات تقرر الاعتراف، ولا أريد أن ينتابني أي ندم لذلك بدأت الكتابة.
للإنصاف أيضا لا بد من الإشارة أن هذا الواقع المأساوي يحمل أيضا قصصا ومناضلين تخط التضحية والمعاناة ملاحم تستحق أن نسجلها ونؤرخها، لكي لا يقال عني باني سلبي وسوداوي مع قناعتي أن كل ما سجل من واقع هذه هو المشرق والمشرف فقط ولم يتطرق احد لسواد السواد هنا، سمعت على إحدى الفضائيات تعليقا عابرا أن السجون الإسرائيلية فنادق!! سأعتبر أن الجهل فتك بمن عبر عن ذلك، فلو تبره للوطن بيوم واحد وعاش هنا بين أربعة وعشرين ساعة سيعرف أن هذه الفنادق أوهام تأكلها أدمغة التافهين الذين يعرفون الوطن نشرات الأخبار وكل ارتباطهم به عبارة عن شعور حزن عابر لمشهد من الشهداء عابرا بفعل آلة القتل الصهيونية، أسوأهم يتعرف على المواطن عبر تأشيرات البنك الشهرية التي تؤشر دائما لزيادة رصيده وكل زيادة للرصيد المالي يقل رصيد الانتماء لديه الملايين المشردة في أصقاع العالم لاجئين، نازحين!! أي اسم يتفق عليه بفعل الإنسانية المبتورة في العالم.
أما السجن فهو يحمل صفحة أخرى لواقع رسم بتضحيات الشهداء ودمائهم وجوع الآلاف في معارك "الأمعاء الخاوية" لكي يحققوا ولو جزء بسيط من إنسانيتهم غبر انتزاع حقوقهم والتي كفلتها الشرعية الدولية، قد يقول قائل أي عقول هذه تضع التلفاز أو سخان الماء وحتى السرير والفرشة والملابس في ميزان الجوع والحياة... إنها تفاهة ووضاعة لدرجة عدم احترام إنسانيتهم، اسمحوا لي أن أعيد ضبط شعور من يقولون ذلك إنسانياً، إن التلفاز والسخان... الخ ليست المعادل للحياة ولكنها معادل الكرامة، فان خيرتنا بين الكرامة والحياة... سنختار الكرامة، مع أن هذه الخيار خيار الأغلبية في السجون لكن ليس الجميع، فهناك من يساوم على كرامته بالحياة والأكل والشراب، فأصبح هذا الواقع اقرب لخردة عفت عليها حكايات المجد والصمود الأسطوري، فسيطرت هذه الفئة على مقاليد الأمور هنا وأصبحنا نشعر أن الكرامة شعور برجوازي في السجون هذه الأيام، لكن هذه الحالة ليست مؤبد نرزح تحته دون إمكانيات للتغيير.
سيقودني هذا الاعتراف بالحقائق كما هي إلى متاعب كثيرة أهمها أننا مجتمع يحترف قلب هزائمه لانتصارات، فنغدوا باحثين عن الوهم في الوهم دون محاولة لقول الحقائق، من يجرؤ على ذلك يكون عميلاً للامبريالية العالمية متواطئا مع الاحتلال وفي أدنى التهم مهزوم من الداخل!!
اعذروني هنا، لقد قررت مسبقا عدم ترك السياق الزماني والمكاني يسوق تجربتي هذه، عفوية ما كان يختلج النفس من كل هواجسي القيها دفعة واحدة، قد يحدث عطب هنا وآخر هناك وقد تتنازع وجهات نظر عن إمكانية العلاج بهذه الطريقة لكنني أبشركم بأنكم ستجدون السجن هنا بين ظهراني هذه الصفحات بطريقة جديدة تمدون أيديكم وتتلمسون المعاناة والأعطاب الإنسانية دون أرقام ولا تهويل وكذب... فقط ستلملمون شظايا إنسانيتي من كل هذا وان حاولتم إعادة ترتيبها... أشكركم مسبقا، لكن اعتقد بأن أشباه الإنسان الذي يخط هذه الكلمات قد فقد الكثير ليعود هو... هو، فالهزائم هي بمثابة عودة على بدء دون مراجعات ولا حتى استخلاصات للعبر، أنا للأسف مصر على هزائمي وهواجسي هذه فالوطن محراب وجودي في هذه الحياة والى هذه اللحظة لا اعتقد أنني جاهز لا غير نمط عبارتي الوثنية، ليكون هذا هاجس هواجسي الأسيرة.

( من كتاب هواجس اسيرة والذي نشر عن دار الجندي للنشر والتوزيع القدس )



#كفاح_طافش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرخة
- عبث اضافي
- بلاغ عاجل


المزيد.....




- أكثر من 300 لوحة.. ليس معرضا بل شهادة على فنانين من غزة رحلو ...
- RT العربية توقع اتفاقات تعاون مع وكالتي -بترا- و-عمون- في ال ...
- جامع دجينغاربير.. تحفة تمبكتو ذات السبعة قرون
- حملة ترامب تطالب بوقف عرض فيلم -ذي أبرنتيس- وتتهم صانعيه بال ...
- ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي
- فنانو مسرح ماريوبول يتلقون دورات تدريبية في موسكو
- محاكمة ترامب.. -الجلسة سرية- في قضية شراء صمت الممثلة الإباح ...
- دائرة الثقافة والإعلام الحزبي تعقد ندوة سياسية في ذكرى النكب ...
- كراسنويارسك الروسية تستضيف مهرجان -البطل- الدولي لأفلام الأط ...
- كيت بلانشيت تدعو السينمائيين للاهتمام بقصص اللاجئين -المذهلة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح طافش - هاجس الهواجس