أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - كولا سعيد عبدالله - الشعب يريد















المزيد.....

الشعب يريد


كولا سعيد عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4323 - 2014 / 1 / 1 - 13:31
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الشعب يريد...

من تونس كثرت الأحداث في نشرات الأخبار ليكون البوعزيزي هو بطل القرن، و الكثيرون يقولون أن ما نعيشه الآن يستحق ما فعله هو. اذاً بن علي هرب و كان زين الفارين لتعود بعض الحياة. في مصر دخلت الجِمال ميدان التحرير و كأننا في عصرٍ قديم فأم الدنيا تريد اسقاط النظام و تبادلت النشرات أخبار الثورة الليبية ثم اليمنية ليجمع العالم أنه الربيع العربي بحق. رمى الموت ثوب الحياء ليصبح حدثاً عادياً و ينقل لنا على الهواء مباشرة، حيث خصصت القنوات لكل ثورة نشرتها الخاصة لنرى الدمار و الركام، دون أن نفكر يوماً أنه سيكون في غرفتنا البعيدة. هناك حيث كنا نفرح كثيراً لسقوط الحكام واحداً تلو الآخر وبتنا نرغب بالحرية في وطننا. كنا نعشق عبارة "الشعب يريد اسقاط النظام"، كنّا نتمتم بها في الممر و المطبخ إلى أن وصلتنا عبارة العصر (الشعب يريد...)

دخلت بلادي "نشرة الثامنة". بدأ الموت من درعا و مازال بعيداً بعض الشيء و نحن مصرون على إسقاط النظام. كانت فرحتنا الأعظم بظهور الجيش الحر و كأنه جيش صلاح الدين عائدٌ من قرونٍ ماضية ليحرر شعباً من شعبٍ مجدداً. أصبحنا حديث الساعة رغم بعدنا عن كل شيء. بين سطور الأحداث كنا عائلة سورية كان لها من التشرد نصيب، تشردٌ كريم بعيداًعن المخيمات، أصبحنا نتنقل بين رصاصاتٍ و قذائف طائشة من منزلٍ لآخر بحقائب صغيرة مع طفلٍ صغير جاء إلى أرضٍ بلا عنوان بلا ضوء و لا شمس و لا دفئ، بين قال و قيل و مشكلات صغيرة تفاقمت من ازدحام الاسر داخل البيوت. نعاني البرد الشديد و ليالٍ طويلة بعتمة لا نهاية لها. لكننا لم نعش اللحظات الحرجة بمعناها الكامل، فعند فرحتي بساعة الكهرباء التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر كنت أتابع مآسي الكثيرين من الأطفال يموتون من البرد وبيوت تحولت إلى أنقاض. طفلةٌ صغيرة صرخت في وجه العالم و عائلتها كانت تموت أمام عينيها المليئة بدموعٍ أكبر منها تحت ركام منزلٍ بالٍ، غادروا الحياة و تركوها وحيدةً تدفع ثمن الحرية. كل شيء كان في تغير، الموت يمضي في شوارع بلادي و الحياة تنهار.

أمام منزلنا الحرب جارية آخذة معها ملامح الوجود و العالم يندّد و يأمر بوقف العنف و يتأسف. يتكلمون عن حقوق الإنسان و هو يكاد ينقرض، ينظرون إلى الجثث و كأنها دمى تذهب، مجازر و مجازر تأتي و هم مازالو ينددون. على الحرب في بلادي اجتمع العالم، نقل له الموت مباشرة بكل الطرق. في بلدي كان للحرية ثمنٌ باهظ لم يعرفه الشعب المسكين الذي كان معتقداً أنه بلفظه لعبارة العصر "الشعب يريد..." سينال حريته التي سمع عنها، لم يعلم أنه يصارع نظاماً سيجرده من حاضره و ماضيه حتى يكره الحرية، نظاماً شرد و حرق واغتصب حتى الخط الأحمر، و السلاح الأبشع تبعثر في سماء بلادي ليحرم مئات الأطفال من الأنفاس، لم يعد شيئآ محظوراً، رأينا ما لم نراه في أي ثورة، سمعناه و عشناه لحظةً بلحظة.

أقلام العالم كله كتبت عن مجازر بلادي و صورها بأدق التفاصيل بلا جدوى، فالحرب ما زالت مستمرةً بين شعبٍ و شعبٍ صديق و أخ، اجتمعوا ليدمروا معالم بلادي، شوارعها و حجارتها العظيمة، دمروا المآذن و الكنائس و القلاع. لم يعد للمدارس فيها مكان، أسدلوا الستائر بين الشوارع، فتحوا جدران البيوت، لا حدائق و لا ملامح، حواجز ثم حواجز، و ما بقي من جدران تحول إلى جرائد للسب و الشتم بين المؤيد و المعارض. فمن هنا مروا رجال الأسد ليزرعوا الخوف، و من بعدهم كتيبة و لواء ليحولوا المكان إلى خراب. حتى سماء بلادي تلوثت بطائراتٍ احتلت مكان العصافير، ارعبتهم بهديرها و قتلتهم بدخانها. دبابة أمام المنزل احتلت مكان السيارات، اخترقت الرصيف الضيق، دهست كل ما في طريقها. مناظر لم يراها سوى القليل ممن بقي خلف شباكٍ مازال يملك ستارة و بعض الزجاج المتكسر، و أنا في شرفة معتمة كنت شاهدة على كل هذا. جميع الأصوات و الأحداث كانت تهز منزلنا الطويل، لنركض و نعود أنا و صغيري ننام في أبعد زاوية خوفاً من رصاصة طائشة و ننظر إلى سقفٍ ربما لا يكون فوقنا بعد دقائق. كان علينا الخروج للهروب من كل الاحتمالات، فصباحَ يومٍ كان لا بد منه، أخذنا ما يلزم للاستمرار و رحلنا أقفلنا الأبواب. لا شجر و لا بشر، رصيفٌ ازدحم بالرصاص، عبرنا كالريح حتى لا يلمحنا قناص. و من شرفة كانت تملؤها الشمس و بعض الزهور، لم نرَ شيئاً من الحياة سوى جثة مطوية على نفسها، كان الغبار طاغيآ على ملايين الذكريات. طرفٌ من أطراف الحرب كسر الأبواب و اقتحم المنزل المهجور، نام بحذائه على فراشنا، و بفمه الذي أمر فيه بالموت أكل بملعقتي و صحني، و بيديه

الملوثتين بزناد آلة القتل عبث بذكرياتنا، و قال ما قال لصورنا، حمل أشيائنا الغالية منها و الرخيصة، مشى فوق غبارٍ تركناه ليحمي ما تبقى لنا. خلعوا الأقفال و هجموا على حياتنا و نحن بعيدون نعيش حياة مؤقتة.

تناثر شعب بلادي في أرجاء الأرض و نحن معهم، من سورية خرجنا لكل منا حكاية، تعرفنا على حدود البلدان، و رأينا المخيمات الباهتة داخلها العشرات. خيمٌ غارقة في وحل و ثلج، فيها صغارٌ يموتون برداً، أو يحترقون داخلها. أصبحنا العائلة المضطرة إلى العيش في بلدٍ صديق لأصادف الكثيرين من بلادي، صغيرهم بات كبيراً، و كبيرهم كاد يموت همّاً،الناس هنا اعتقدوا أننا من زمنٍ قديم، لا نملك حضارة، و لا حتى بيوتٍ من حجر. في جنتهم كان صغارنا في شوارعها، و مثقفونا على أرصفتهم، و نساؤنا حديثهم في الصباح و المساء. هم صدروا لنا الأرهاب.. أغانيهم هادئة جميلة..

حولوا منازلنا إلى ركام.. ستائرهم ناعمة منسدلة

أرسلوا لسمائنا الدخان.. لهم الأنفاس النظيفة

أصبحت شوارعنا بلا ملامح.. أرضهم قمة في التنظيم

نحن و الملايين من بلادي نعيش الواقع المؤقت و نأكل بملعقةً موقتة. لا يعرفون أننا أيضاً كنا نملك الأضواء و البناء و لسنا من زمن الأدغال كما يعتقدون. أنتم يا من في بلادي تحاربون عابرين مدمرين لم تتركوا لنا حاضراً نحياه و لا ماضٍ نتذكره، ناهيك عن كل الموت و التعذيب لشعبٍ كان يريد بعض الحرية، يا نظاماً لم يزرع سوى الفوضى و الجهل وجيشَ حر بعيدٌ كل البعد عن الحرية، كلاكما مستمرفي دمار وطن و صانعون شعباً بلا عنوان و لا مكان، شعباً مؤقت بلا لسان.

نحن شعبٌ نريد عودة السلام و أن نلملم كرامةً تبعثرت على الحدود و المعابر، فلم نكن أصحاباً للمكان، و لا ضيوفاً عند الجيران.

Gula Abdulla



#كولا_سعيد_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الرسالة المفتوحة رقم 02 من المكتب السياسي لحزب التقدم والاشت ...
- تجديد 15 يوم لمعتقلي “بانر التضامن مع غزة” بالإسكندرية
- وقفة احتجاجية نادرة أمام البرلمان ضد فصل الموظفين بزعم تعاطي ...
- الجامعة الوطنية للتعليم FNE التوجه الديمقراطي تساند وتدعم ال ...
- وكالة حماية البيئة الأمريكية تحذر من زيادة الهجمات الإلكترون ...
- عمدة نيويورك يبرر رد الشرطة العنيف على متظاهرين مؤيدين لفلسط ...
- في الذكرى السابعة والثلاثين لمهدي عامل، المفكر والقيادي الثو ...
- “مياه المنيا” تنهي تعاقد 5 موظفين بعد المطالبة بالتثبيت
- أمن الدولة تجدد حبس عمال المحلة 15 يوم
- للمطالبة بالتثبيت.. اعتصام موظفي تحصيل “مياه الشرب” بأسوان


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - كولا سعيد عبدالله - الشعب يريد