ليث فائز الايوبي
الحوار المتمدن-العدد: 4158 - 2013 / 7 / 19 - 11:20
المحور:
الادب والفن
الشعر العربي المعاصر
و ( مضمار الشفقة ) ..!
- العراق نموذجا -
ليث فائز الايوبي
ما ان وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بعد ان عانت البشرية وخسرت بسبب ما مرت به من اهوال , ضحايا يقدر عددهم باكثر من عشرين مليونا , حتى ظهرت الحاجة امام تلك المحنة الرهيبة الى التفكير جديا في ايجاد اشكال جديدة للكتابة , تؤسس لبناء فكري وابداعي جديد غير مسبوق على انقاض كل ما هو تقليدي وجاهز ومتفق عليه اذا صح التعبير , فتغير التفكير النقدي بظهور البنيوية وتوسع التفكير الفلسفي بظهور الوجودية , وتطور الشكل الروائي بظهور بوادر تأسيس كتابة جديدة للرواية , ظهرت في فرنسا اولا على يد الن روب غرييه ثم سرعان ما اشتطت في جنوحها نحو التجريد , وتراجعت لولا ظهور الواقعية السحرية التي اشتهرت على ايدي طائفة من كتاب امريكا الشمالية امثال بورخس وماركيز , وتغير المضمون الشعري قبلها بسنوات بظهور قصيدة ( الارض الخراب ) لاليوت , هذه القصيدة الدرامية المكثفة الواعية التي غيرت زوايا النظر والابعاد في ذلك الحين الى عالم يمضي حثيثا نحو الانهيار .
.. في الجانب الاخر من العالم , ظهر في العالم العربي صدى لتلك الحاجة الى التغيير , لكننا لم نظفر من حفل المتغيرات ذاك , الا بباروكة (الكونتيسة الصلعاء ) وشعرها المستعار , وكأننا سنبقى دوما نعتاش على ما ندسه في جيوبنا من اقداح فارغة في الحفلات التنكرية اياها بسبب قصورنا في فرز الطرود المرسلة , لم نظفر الا باستعارة اشكال جديدة للقصيدة مع الاسف , او بالاحرى تجردنا من ملابسنا القديمة وارتدينا رداءا فضفاضا مليئا بالجيوب الخلفية والامامية لاخفاء مسكوكات العصور الغابرة والاباريق المهشمة واكياس القنابل الصوتية المليئة بالرنين ليس الا ! , بدون اي فهم حقيقي .. اما المضامين فبقيت على حالها , جنوح نحو البكاء وتمزيق الجيوب على الاطلال وشوارع المدن المعادية للرسل والاولياء وتهويمات لا طائل منها وسذاجة طاغية ورغوات غير صالحة لازالة ذقن اصغر عرف او تقليد ادبي راسخ , ولا تفنيد اي مسلمة من المسلمات الطاعنة بالثبوت وعدم النقض .
في تلك الفترة كان الشعر العربي يحبو كأي رضيع طاعن بالركاكةعلى بطنه , منتظرا ان تنمو له اسنان لبنية لكي تتساقط كما تتساقط العروش في احلام الفقراء, ما حصل ان الاسنان بقيت على حالها ينخرها السوس وبصاق العطارين , واستسهال المتخبطين لولا ازاميل بعض العباقرة من الشعراء المغايرين للسائد الذين اعقبوا ظهور جيل الرواد بسنوات وعلى رأسهم محمود درويش وسركون بولص وشكل وجودهم للقصيدة العربية فترة انتقالية بين السذاجة الشعرية اذا صح التعبير وسن الرشد اما عراقيا فان النخبة الشعرية لم تكن وحتى يومنا هذا , مكونة الا من عدد محدود جدا من الشعراء المجددين المترفعين عن مجاراة الخراب الشعري واغلبهم بعيد عن الاضواء نسبيا بسبب ضحالة النقد وفساده يشكلون اقلية امام هذا الزخم الهائل من عربات السيرك المتنقلة والالعاب النارية الزائفة , مدعومة بمؤسسات اعلامية وصحف زقاقية يدير صفحاتها شعراء متواضعون في العادة وناقمون على كل ما من شأنه اظهار ضآلة ما يكتبون وانحطاط ما يروجون , مدججين بمجلات براقة ومحافل عشائرية مخصصة لترويج الشعر الساذج والمكرور, ومؤتمرات وبرامج تلفازية مثيرة للسخرية تكرس الخراب الشعري عن سابق اصرار وترصد واجيال وهمية مسيجة بالاسلاك الشائكة وطهاة مهرة لسلق البيض الفاسد في قدور انطلوجيات ( الشعر المصاب بداء السيلان المزمن والانزلاق الغضروفي ) .. والفاقد لاي قيمة ابداعية الا في نظر باعة التبريكات من نقاد ( الخط السريع ) اياهم او نقاد ( خفر السواحل ) في حالات الضرورة القصوى .
اليوم .. كم نحن بحاجة الى اعادة نظر بهذا الكم الهائل من الصهاريج المليئة بسوائل شعرية غير قابلة للاشتعال , وهذه العربات الخشبية التي تجرها خيول هرمة تمتهن الثرثرة وتهويل كل ما هو ضئيل وفق اتفاقات مبرمة , والاصغاء بتمعن لما تصدره تلك العجلات المتصدعة من ضجيج اخرق , مخلفة وراءها مخازن هائلة من الورق الفاقد لاي قيمة , لا يعوزه الا عود كبريت واحد , لكي تختفي كل هذه المساحيق المزيفة عن وجه القصيدة العراقية المعاصرة , متناسين ان العجين الفاسد لا ينقلب مطلقا في افران من ليسوا بشعراء مهرة الى ارغفة مهما جندوا او حشدوا لها من نيران , اما الاصرار على الدخول في مراهنات خاسرة سلفا وسلق انطلوجيات ملفقة شبيهة بتذاكر حافلات نقل الركاب مثلا متاحة امام كل من يركب الموجة / الباص فهو مجرد سباحة في اكياس مليئة بالمياه الضحلة , واشتراك غير حكيم في ( مضمار الشفقة ) ... ليس الا !
متسائلا .. متى تنقذونا من هذه الرغوات المتفاقمة والزوارق الخشبية المتصدعة الراسية على الاسفلت بانتظار غودو ربما او أي ريح مؤاتية ؟ متى ينبري احد النقاد الشجعان لكي يكشف وبجرأة نادرة عن فيالق ممتدة من العراة شعريا وتجريدهم من هيبة الادعاء والعودة مجددا الى بيع المناديل الورقية في مفترقات الطرق والساحات بدلا من هدرها جزافا في ما لا يضر ولا ينفع ؟ .. متى نعيد للشعر العراقي بريقه ؟ ومكانته المتقدمة في الشعر العربي كما هومعروف تعد وبجدارة مكانة القمة امام السفوح , متى نبتعد عن المجاملات الممجوجة ومظاهر الربت على الاكتاف التي اصبحت ظاهرة رائجة جعلت الغربان تستوطن الظهيرة وتملأ سماءنا بالنعيق ..وتلوث ليالينا المتربصة بالنجوم بلوثة الذراق . . متى ؟
انها مجرد اسئلة حائرة .. ليس الا
* ( مضمار الشفقة ) عنوان قصيدة منشورة للشاعر
#ليث_فائز_الايوبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟