رئيسان سابقان يدليان بصوتيهما في الأنتخابات
الرئاسية في العراق... هكذا قالتها مذيعة قناة الجزيرة بغنج يليق بالمناسبة، لحظتها
احسست بفيض من حلم يراود ني منذ ايام..حلم في الديموقراطية والتغيير المرتقب في
العراق،روساء سابقين احياء ياالله.... وتحسست جسدي بلمسة من يريد
التأكد من صحوته ، نعم كنت صاحياً وكانت الساعة تعلن السادسة مساء يوم الإستفتاء
الرئاسي العراقي ولكن... من هما ؟؟... رئيسان سابقان في العراق؟؟ هل بُعث أهل
القبور؟.... هل المقصود فعلاً رؤساء جمهورية ؟... أم رؤساء عرفاء من اًصحاب أنقلاب
الدبابة الواحده؟.
وسرعان ماخاب ظنّي الذي ذهب بعيداً وتصورت على الأقل حضور
المواطن عبد الرحمن عارف الانتخابات... خاب ظني بعد انتظاري دوران عقارب
الساعة حتى نشرة الأخبار التالية لأرى احمد بن بيلا رئيس الجزائري
المخلوع ورئيس افريقي آخر مخلوع هو ايضاً يدليان ضمن من يدلون بأصواتهم
تأيداً وانتخابا ًلصدام حسين... بن بيلا وبلغة التحرّر التي يؤلف فيها المجلدات..
وباليد التي ارضحت فرنسا .. بهذه اليد وهذه اللغة يوقع امام شاشات التلفزة العالمية
لصدام ....(( نعم نعم ل صدام )) ...و بلغة العولمة التي يحاضر عنها
وينتقدها في محاضراته في القاهرة، يضع صوته في صندوق الأنتخابات في صف الرئيس الذي
تعلم منه دروس الغدر والخيانة بالرفاق، بن بيللا.. الذي سقط من قمة الرمز في ثورة
المليون شهيد وأخذته السلطة في سلسلة من خيانة الماضي والرفاق؛ ففي حزيران 1963
خان بن بيلا رفيقه "بوضياف" واعتقله ثم ابعده، وفي حزيران 1965 يجيء دور بن
بيلا ليخونه رفيقه بومدين فينقلب عليه ويعتقله.... وبالأمس هبط في بغداد وأخذه صدام
في الأحضان مستذكراً وأياه دروس الغدر السياسي ، بن بيلا الذي ظهر اكثر من
مرة في السنة الأخيرة على شاشة فضائية النظام يكيل لصدام المديح...يبدو
انه ارسل أخيراً بوساطات عربية لإقناع صدام بالتخلي عن منصبه والإلتحاق بالمنفى
الذي طاب ل بن بيلا بعد ان أمضى نصف قرن في السجن ، بن بيلا الذي تابع كل العرب
أخباره يوم 22 أكتوبرمن عام 1956يوم أختطفت فرنسا طائرة مغربية كان على متنها
القادة الخمسة لجبهة التحرير الجزائرية ، ومنهم الرئيس بن بيللا ... الأسرى في
باريس. بن بيللا البطل... وقف ذليلاً أمام صلف صدام الذي يصدم كل من يقابلوه، بن
بيللا... الذي حشد الشعب الجزائري يوم حصل مؤيدو الاستقلال على الأغلبية الساحقة في
استفتاء تقرير المصير ليعلن رسمياً استقلال الجزائر... أينه الآن من ذلك
الإستفتاء.. وأينه من حرية الشعوب في تقرير مصيرها ... يقف بين يدي صدام .... اين
«مزيان مسعود» ذلك الاسم الذي شغل قلوب كل من ينشدون التحرر ذلك الشاب الذي وقف
جمال عبد الناصر بإستقباله في أعظم استقبال شعبي ينظم على شرف رئيس دولة لم يتكرر
حتى اليوم...يوم خرجت مصر كلها لرؤية «مزيان مسعود» بإسمه الحركي او بن خيدا الذي
عرف فيما بعد ببن بيلا... يوم جلس جمال عبد الناصر الى جانب أحمد بن بيلا لتحية
الجماهير الغفيرة... بن بيللا الذي ثارت لأجله الثورات الكلامية يوم كتب عنه محمد
قطب من القاهرة بعد سنوات واصفاً اياه بعدو الإسلام؛ (( ان التجارب التالية علمتنا
أن هذا المنطق الذي لا منطق. فيه، هو الطريقة المثلى لمحاربة الإسلام... إن الذي
يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد الإسلام ينبغي أن يكون (بطلا) لتتدارى في
ظل (البطولة) أعمال التخريب والتحطيم!...كمال أتاتورك.. جمال عبد الناصر..
أحمد بن بيللا.. وعشرات غيرهم من (الأبطال)الذين حاربوا الإسلام بوسيلة من
الوسائل.. كلهم ينبغي أن يكونوا (أبطالا) وقت قيامهم بمحاربة الإسلام، وإلا انكشفت
اللعبة من ورائهم، وانكشفت عمالتهم لأعداء الإسلام من الصليبيين واليهود))... اين
قطب ليرى بن بيللا يحاضر عن الإسلام ويؤلف الكتب... حيث ألّف اخيراً كتابه الشهير(
الإسلام دعوة للتحرر ).
أنه الافلاس السياسي.. أو بداية النهاية الحقيقية.. او
ربما هي الشماتات المبطّنة التي يدركها صدام اكثر من غيره... فلربما اقترح بن بيلا
على صدام بالأمس حين استقبله في القصر الجمهوري.. اقترح عليه التنحي واللجوء الى
بلد عربي ليضمن سلامته... لكن صدام دفع به من الصباح الى صندوق الاقتراع ليدلي
بصوته... دفع به مثلما دفع بكل الكرامة العربية ورموزها الى مزبلة الوهم ... بن
بيللا الذي ظنّ ان ثمة خطوط عودة في مخيلة صدام وظنّ انه سينضمّ الى قافلة من
تـنحوا عن مناصبهم او رضوا بالهزيمة بروح رياضية ولم يستمروا بحمامات الدم... رضوا
بهذالأجل التاريخ... وممن قابلهم في مصر وشاركهم النفي في القاهرة مثل " النميري
"و" بورقيبة " و " السنوسي " و " الملك سعود " و " القوتلي " و "شاه إيران
رضا بهلوي "....بن بيللا ظنّ ان صدام حسين ينتمي ولو بالقليل الى سلسلة
الدكتاتوريات هذه ليختار نهاية جميلة وإنسانية ... أيعقل ان يكون بن بيللا هو الآخر
مرّت عليه حكاية صدام بسهولة..؟
أم هو زمن الهرم السياسي العربي والفكري ...
اقول هذا بألم بعد ان قرأت من أيام ان الممثل نوري شريف ينشغل هذه الأيام ببطولة
فلم بعنوان(( ذاكرة الجسد)) للمخرج خالد يوسف المأخوذ عن رواية الكاتبة الجزائرية
أحلام مستغانمي حيث سيجسد نور الشريف دور أحمد بن بيللا في
الفيلم.
مثل هذه الأخبار لم تعد تسرّ العراقيين ممن ذاقوا ويلات الثورات وصار
مجرد قراءة شيء عنها يثير رعب اربعة عقود دموية... رعب ثورة أعطى فيها الشعب
العراقي شبابه وبراعمه.. الشعب العراقي الذي سيصرخ بوجه العرب فلتسقط كل رموزكم ...
ولتحيا الحرية.. الشعب الذي سيصرخ بوجه بن بيللا بعيداً بعيداً... اتركوا لنا
خيارنا بالقصاص... بعيداً بعيداً بن بيللا بفطنة القومية وافكارك المتنوّره وحكمك
الخالده .. بعيداً بعيداً بن بيللا .. اترك لنا خيار القصاص .. بعيداً
بعيداً... ان كنت انت نجوت من القصاص فليس كل ناجٍ حكيماً.
* (( ليس كل ناج حكيماً )) من كلام للشيخ
النفّري- ت 345هـ -