أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - فيفا أوكرانيا...فيفا أوكرانيا!















المزيد.....

فيفا أوكرانيا...فيفا أوكرانيا!


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1039 - 2004 / 12 / 6 - 08:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خبر عاجل: خرج عشرات الآلاف من الجماهير العربية إلى شوارع العاصمة فى محاولة لحمل البرلمان على التحقيق فى مزاعم التزوير فى نتائج الانتخابات الرئاسية. وتجمع ما يزيد على أربعمائة ألف عربي فى ساحة الاستقلال والشوارع القريبة مع استمرار توافد المزيد من المؤيدين من أقاليم البلاد. واتجه المحتجون بعد الظهر نحو البرلمان وطالبوه بإلغاء نتائج الانتخابات فوراً وإعادة إجرائها بسبب تزوير محتمل. وقد أمضى آلاف المتظاهرين من أنصار مرشح المعارضة الليلة الرابعة على التوالى في وسط العاصمة بالرغم من البرد القارس والثلوج المتساقطة والرياح العاتية. ودعا زعيم المعارضة الى الإضراب العام بعد الإعلان رسمياً عن فوز منافسه في الانتخابات الرئاسية. واعتبر أمام عشرات الآلاف من أنصاره أن نتائج الانتخابات ستقود البلاد الى شفير حرب أهلية.
ودخلت الاحتجاجات الحاشدة على الانتخابات يومها الرابع أمس. ودعت أحزاب المعارضة إلى بدء إضراب عام احتجاجاً على النتائج الرسمية. وفي العاصمة أيضاً تقدم المعارضون بطعن في نتائج الانتخابات أمام المحكمة العليا. وكان فريق المرشح المعارض أعلن أنه سيعترض بقوة على النتائج المزورة التي أعلنتها اللجنة الانتخابية المركزية. وقال إن الرئاسة سُرقت منه بالغش. وعقد بعض النواب المعارضين بالبرلمان اجتماعا قصيراً على مقربة من المتظاهرين لبحث الخطط الخاصة بيوم جديد من الاحتجاج. لكن البرلمان سرعان ما فاجأهم عندما تلا متحدث باسمه بياناً اعتبر فيه الانتخابات الرئاسية باطلة ولا تمثل إرادة الشعب وأن أعضاء المجلس يصوتون بعدم الثقة في لجنة الانتخابات. هذا وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي أن واشنطن لا يمكن أن تعتبر نتائج الانتخابات الرئاسية العربية شرعية قائلاً إنها لا تتطابق مع المعايير الدولية. ومن جانبه أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يرفض نتائج الانتخابات الرئاسية العربية ويعتبرها باطلة بسبب فوز الرئيس المنتهية ولايته فيها بفارق ربع واحد في المائة بطريقة قد تكون مزورة على حد تعبيره. (انتهى الخبر العاجل).
لا شك أنك بدأت تهرش رأسك أخي القارئ متسائلاً عن أي بلد عربي يتحدث الخبر العاجل أعلاه. هل أنا في علم أم في حلم؟ ولا شك أنك محق تماماً. أنك في حلم. فالأنباء التي أوردتها آنفاً بعد حذف اسم البلد تخص أوكرانيا ولا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بأي دولة عربية. ها هو الشعب الأوكراني العظيم وقد أتقن لعبة الديمقراطية خلال أقل من عقد من الزمان وراح يلعبها حسب الأصول الدولية. إن هذه الهبة الشعبية العارمة في أوكرانيا تدل على أن الشعب أيقن أن الديمقراطية مكسب عظيم ولا يمكن التخلي عنه أو التساهل في حمايته حتى لو تطلب ذلك السهر والاعتصام لأيام بلياليها واقتحام البرلمان ومحاصرة القصر الرئاسي ومواجهة أجهزة الأمن وكلاب الشرطة والجيش تحت أقسى الظروف المناخية.
إنها ليست مسألة نسب مئوية صغيرة في نتائج الانتخابات بل هي الديمقراطية بعظمتها الأشمل. أين الشعوب العربية من الأوكرانيين الذين خرجوا بشيبهم وشبابهم تحت الأمطار والثلوج المنهمرة يتحدون البرد والرياح ليحتجوا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي يعتقدون أنها زورت. ويحدثونك عن الإباء والشهامة والكرامة والعزة العربية التي لا نراها إلا في دواوين الشعر. هل لاحظتم كيف يدافع الأوكرانيون عن كرامتهم؟ متى يتعلم العرب أن يهمسوا في وجه مفبركي نتائج الاستفتاءات والانتخابات العربية المهزلة؟ متى يقولون لهم كفى تلاعباً بأصوات الجماهير وتفصيلها حسب رغبات المرشح الأوحد؟ هل سنعيش لنشاهد حشوداً عربية تحاصر هذا القصر الرئاسي أو ذاك للمطالبة بإلغاء نتائج الانتخابات؟ متى تصبح برلماناتنا الممثلة الحقيقية لطموحات وتطلعات الجماهير؟ متى يتوقف أعضاء مجالس الشعب العرب عن رفع أيديهم دفعة واحدة كعازفي آلة الكمان وهم يبصمون على كل المراسيم والتشريعات والقوانين المفروضة بقوة البسطار من "الزعيم التاريخي"؟ متى يثورون وينضمون إلى جماهيرهم وهي تحاصر البرلمانات وتشكك في نزاهة هذه الانتخابات أو تلك أو تطالب بإعادة إجرائها؟ إنهم يزورون حتى الانتخابات البلدية في بلادنا. متى تقف الجيوش العربية على الحياد في وقت الانتخابات والاستفتاءات؟ متى ترفض أن تكون أداة قمع في يد هذا القائد أو ذاك لتمرير استفتاءاته وانتخاباته السخيفة والمفضوحة؟
ولو عرفت أخي العربي حجم التزوير الأوكراني الذي تطلب كل هذه الحملة الشعبية الهائلة لقلبت على ظهرك ضاحكاً. فكل هذه الضجة الأوكرانية التي تردد صداها في كل أنحاء العالم عبر نشرات الأخبار وشاشات التلفزة هي حول اثنين بالمائة من الأصوات، إذ فاز المرشح الأول بمنصب رئيس الجمهورية بحوالي تسعة وأربعين بالمائة من الأصوات. أما منافسه المعارض فقد فاز بحوالي سبعة وأربعين بالمائة من أصوات الناخبين. لقد قامت الدنيا ولم تقعد في أوكرانيا بعد من أجل هذه النسبة المئوية السخيفة جداً بالمقاييس العربية، بينما تصمت الشعوب العربية عن أفظع عملية تزوير مستمرة بحقها منذ عشرات السنين؟ وفيما يتقاتل الأوكرانيون على بضعة أصوات مزورة تـُغتصب أصوات الشعوب العربية عن بكرة أبيها على الملأ دون أن يقوى أحد حتى على مجرد إعلان الاغتصاب. لقد ثارت ثائرة الجماهير الأوكرانية لتصحح تزويراً هزيلاً، بينما يفوز الزعيم العربي بتسعة وتسعين فاصلة تسعة وتسعين بالمائة من أصوات الشعب دون أن يهمس أحد بكلمة واحدة. وطبعاً دون أن يكون له أي منافس. فمن هو المجنون الذي ينازل رئيساً عربياً "تاريخياً" في الانتخابات؟ إنهم يسرقون أصواتنا ويزيفونها دورة بعد دورة دون أن يكون لنا سوى حق التصفيق والتهليل والهتافات الحماسية باسم الزعيم العظيم رضي الله عنه. فبينما خرج مئات الألوف من الأوكرانيين للاحتجاج على نتائج الانتخابات يخرج ملايين العرب عادة للمباركة والرقص والاحتفال والبصم للقائد الذي ينجح في الانتخابات مرة تلو الأخرى بالعلامة التامة إما مائة بالمائة أو أحد مشتقاتها 99099999، ولو حصل أن إحدى وريقات التصويت كانت معبأة بكلمة (لا) فالويل كل الويل لواضعها، فإن أجهزة الزعيم الميمونة التي شبهها الشاعر العراقي الراحل عبد الوهاب البياتي بكلاب الصيد تستطيع أن تتعرف من خلال حاسة شمها العجيبة ولو بعد حين على المجرم الذي اقترفت يده ذلك الجرم الخطير بالتصويت بـ (لا) للزعيم الملهم، هذا طبعاً بعد أن تكون قد صححت الخطأ الوارد في الوريقة المعارضة باستبدال كلمة (لا) بكلمة (نعم) بعد خروج المواطن من مركز التزوير والتزييف الذي يسمونه زوراً وبهتاناً مركز الاقتراع.
ولو اكتفت الشعوب العربية بالتصويت بأيديها لقلنا إنها مغلوبة على أمرها، لكن بعضها يأبى إلا أن يصوت بدمه كي يؤكد ولاءه المطلق للزعيم الأوحد، مع العلم أن العملية بأكملها نفاق في نفاق، فقد حدث أن بعض الشباب العرب في إحدى الدول العربية كانوا يغزون أصابع أيديهم بدبوس حتى يخرج منها الدم ومن ثم يقومون بالبصم باللون الأحمر القاني على كلمة (نعم)، هذا في الوقت الذي يضحي فيه الشباب الأوكراني بدمائهم من أجل الحفاظ على الديمقراطية وعدم السماح للزعيم وزبانيته بتزويرها وتجييرها لصالحهم كي يحكموا إلى أبد الآبدين ويحولوا البلدان إلى مزارع خاصة. (هيك شعوب بدها هيك قادة)
وقد شهدت أحد الانتخابات العربية ذات مرة حدثاً ديمقراطياً "تاريخياً" لم يحصل في بلد من هذا العالم إذ فاز الزعيم الضرورة بمائة وسبعة عشر بالمائة من أصوات الجماهير. هل عرفتم كيف؟ لقد سمح للأموات بأن يشاركوا في "العرس الديمقراطي العظيم"، فهب مئات الألوف من قبورهم ليلبوا النداء. إنها أرقى درجات الديموقراطية، فبينما لا تسمح الدول الغربية إلا للأحياء بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات فإن بعض الدول العربية"السوبر ديمقراطية" أبت إلا أن تطور الديمقراطية ليكون الأحياء والأموات على قدم المساواة في الحقوق الدستورية. لكن لا تتشاءموا كثيراً فقد بدأ بعض رؤسائنا الأشاوس يجرون نوعاً من التنزيلات أو التخفيضات التجارية على نتائج استفتاءاتهم وانتخاباتهم الفلكية بحيث خفضوا النسبة إلى سبعة وتسعين بالمائة، أي اثنين بالمائة تخفيضات. ومالو!
"لقد أثبت الأوكرانيون بنزولهم سلماً إلى شوارع العاصمة كييف، ومحاصرتهم قصر الرئاسة، ومطالبتهم المؤسسات السياسية بالاعتراف بالنتائج الفعلية للانتخابات وتسليم الحكم لمرشح غالبية أفراد الشعب يوتشينكو، كذب وسفه وتفاهة نظرية الديمقراطية قطرة قطرة المصنعة في بلادنا العربية، إذ لطالما زعم الحاكم العربي أن أوان الإصلاح والتغيير لم يأت بعد وأن أمام الشعوب العربية وقتاً طويلاً حتى تنضج وتكون جديرة بالديمقراطية". هاهم الأوكرانيون وقد تعلموا أصول الديمقراطية دفعة واحدة خلال سنوات قليلة بعد رزوحهم أكثر من سبعين عاماً تحت نير القهر والاستبداد الشيوعي الذي استورده الكثير من الحكام العرب بحجة التيمن بالاشتراكية السوفييتية. وعندما تطالبهم بتطبيق الديمقراطية يردون عليك بغضب بأنهم لا يريدون استيراد أنظمة ديمقراطية غربية مع العلم أنهم لم يترددوا للحظة واحدة في استيراد النموذج الأوروبي الديكتاتوري السوفييتي القبيح.
والأنكى من كل ذلك أن الدول الديمقراطية الغربية كالولايات المتحدة وبلدان أوروبا لم تعلق يوماً على انتخابات عربية بل نراها تبارك الأنظمة والقادة الذين تفرزهم انتخاباتنا العربية السافلة. فبينما رفضت واشنطن ومعها الاتحاد الأوروبي نتائج الانتخابات الأوكرانية بحجة التزوير بنسبة اثنين بالمائة فهي تبارك النسب التسعينية التي يحصدها هذا الرئيس العربي أو ذاك دون أن تنبس ببنت شفه. وقد شاهدنا كيف أن الرئيس الأمريكي اثنى قبل فترة في البيت الأبيض على "السجل الديمقراطي" لأحد الرؤساء العرب الذي كان يزوره مع العلم أن الرئيس العربي الذي نحن بصدده يتزعم أحد أعتى النظم القمعية والجهنمية في العالم العربي ويفوز عادة في الانتخابات بأكثر من سبعة وتسعين بالمائة من الأصوات. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الاهتمام والتحمس الأمريكي خصوصاً، والغربي عموماً لقيام الديمقراطية في العالم العربي.
لكن لا داعي للتشاؤم بعد كل ذلك، فالأمر بسيط جداً. وقد لخصه الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي في بيته الشهير: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر" فما بالك القادة. وإذا أراد الرجال فلا بد أن تفج الجبال لهم المجال. لكن طالما أردنا الذل والهوان ولم نرد الحياة بعد، دعونا على الأقل نهمس بالصوت الخافت: فيفا أوكرانيا... فيفا أوكرانيا، لعلها تـُلهمنا يوماً وتدفعنا إلى الحياة!



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصفر الوطني والصفر الاستعماري
- باي باي إصلاحات
- متى نتخلص من عقدة القائد التاريخي


المزيد.....




- وزير الدفاع السلوفاكي يعلن خضوع رئيس الوزراء لعملية جراحية ج ...
- عالم الزلازل الهولندي الشهير هوغربيتس ينشر تغريدة مثيرة عن ا ...
- -رحلة خطيرة عبر طريق سرّي-.. مخرج إيراني يكشف طريقة هروبه حك ...
- في دارفور -قد تظهر إبادة جماعية جديدة- - نيويورك تايمز
- شاهد: إجلاء آلاف الأشخاص من منطقة خاركيف الأوكرانية
- بوتين يشيد بالعلاقات الثنائية المتنامية مع بكين في مجال الط ...
- بوتين معلقا على مؤتمر سويسرا: السياسة لا تقبل -لو-
- وزير خارجية إيطاليا لا يرى مؤامرة سياسية في محاولة اغتيال في ...
- غزة: الجيش الإسرائيلي حرق أجزاء كبيرة من مخيم جباليا
- مصطفى بكري يكشف سرا عن سيارات العرجاني


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - فيفا أوكرانيا...فيفا أوكرانيا!