أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الرؤوف حداد - غوّار والحوت















المزيد.....

غوّار والحوت


عبد الرؤوف حداد

الحوار المتمدن-العدد: 206 - 2002 / 7 / 31 - 00:58
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

أخبار الشرق - 30 تموز 2002

تمثيليات "غوار الطوشة" التي انتشرت في سورية منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، وتمثيليات همام حوت التي بدأت تنتشر كذلك منذ سنين .. ظاهرة تحتاج إلى تأمّل وتحليل، ولها نظائر مشابهة من بعض الوجوه في أقطار مجاورة.

ولست أقصد هنا النقد الفني للتمثيل الإذاعي أو المسرحي، بما فيه من نجاح وفشل، ولا النقد الأدبي والأخلاقي بما يوجه إلى هذه التمثيليات من شهادات على الرقيّ أو الهبوط. إنّما أقصد الوقوف عند تجاوب الجماهير مع النقد اللاذع لما يعجّ به مجتمعنا السوري، ومجتمعات أخرى: من مفاسد سياسية وأمنية وأخلاقيّة واجتماعية.

فأول ما يُوصف به هذا التجاوب هو أنّه من جلد الذات. فعندما نتفرّج على مشاهد رجل المخابرات الذي يُعامل المواطن بعجرفة واستعلاء، وتجاوزٍ لكلّ القوانين والأعراف والقيم .. ويتلقى المواطن ذلك بإذعان وخضوع، وبمحاولة لاتقاء الشرّ والإهانة، كما يتلقى عرقلة مصالحه بمزيد من التذلّل والتزلّف ودفع الرشاوي؛ نضحك بملء أشداقنا، وهذا ينطوي على مأساة عميقة!

فهل نضحك فقط للطريقة الساخرة التي يُصوَّر بها واقعنا؟ أم نضحك لأننا نشمت بمن افتضحت ممارساتهم؟! أم لأن الممثل قام نيابة عنّا فتحدّث فيما نعجز نحن عن الحديث فيه؟!

وحين نشهد - تمثيلياً - موظفي المطارات والحدود وهم يُمرّغون كرامة المواطن في الوحل، ويتعاملون معه بغباء مرّة، وإهمال مرّة أخرى، وابتزاز رخيص في كلّ مرة، ويقف المسافر المسكين أمام مفتش الجمارك ليفرض عليه الإتاوات، وأمام رجل الأمن الذي يقلب جوازه ليجد ذريعة يمنعه بها من السفر .. حين نشهد ذلك فنضحك، هل نضحك من أنفسنا لأنّنا نعايش هذا الذّل ولا نثور عليه؟ أم هو الضحك المساوي للبكاء أن صارت أحوالنا من الزراية بحيث يستوي أمامها الضحك منها أو البكاء عليها؟!

ويزداد الأمر مرارة حين يُقارَن المواطن المسكين بين المعاملة التي يخضع لها في نقاط الحدود "الوطنية" وبين ما يلقاه في مطارات أورلي وبرلين ولندن.

ومن أولى الخواطر التي تجول في الأذهان هو أن هذا النقد وسيلة فعّالة للتغيير، لا سيّما وأنّ أفجع المفاسد التي تدور حولها تلك الأعمال الفنيّة إنّما تقع مسئوليتها على أجهزة السلطة .. فإذا علمت السلطة ذلك، وصار الحديث عن المفاسد مادة تلوكها الألسن، وتتندّر بها المجالس .. فلا بد أن تعمل على العلاج السريع، والاستئصال للفساد من جذوره .. لذلك فنحن نرحّب بهذه الوسيلة الفعّالة للتغيير!!

لكنّنا نسأل أنفسنا: لقد مضى على الانتقادات اللاذعة الساخرة من "غوّار" في "ضيعة تشرين" و"كاسك يا وطن" وأمثالهما، ما يزيد على ربع قرن، وهي انتقادات تدور حول تسلّط أجهزة المخابرات، والحزب القائد!، والمتاجرة بالشعارات، والمزاودة على المواطن وامتهانه. فهل تقلصت هذه المفاسد في حياة المواطن بعد هذا كله أم أنها تفاقمت، وبدأ المواطن يُكيّف نفسه على تقبّلها والتعايش معها لتُصبح جزءاً من حياته، ويكون معها جزء آخر تجميلي هو استمتاعه بمشاهدة هذه التمثيليات؟!

وما السرّ في أن تسمح السلطة لهذا النقد اللاذع وهي التي تضيق ذرعاً بكلّ همسة أو غمزة؟!

والجواب فيما نحسب أنها، وإن غضبت من أي نقد، لا تستطيع أن تتجاهل ما يغلي في صدور الناس من مشاعر ألم وقهر واحتقان، بل إنّ "عيونها" و"آذانها" ينقلون إليها ما يتبادله أبناء الشعب من نكات ساخرة، وشائعات وروايات عن صراعات داخلية، ومفاسد، وتذمّر. وهي حيال ذلك بين خيارات ثلاثة:

إمّا أن تتغافل عن ذلك، وهي تعلم أنّ تفاقم الكبت قد يوصل إلى انفجار ليس بعيد الأمد، وليس معلوم العواقب.

وإمّا أن تستفيد إيجابياً من "التقارير" التي تصل إليها فتعمل على علاج المشكلات واستئصال الفساد .. وهذا ما لم يخطر على بالها بعد، أو أنه عصيٌّ طالما أنّ المفسدين أصبحوا جزءاً من نسيجها المتسلّط!

وإمّا أن تُتيح فرصة للتنفيس، على أن يكون هذا التنفيس تحت السيطرة، فلا ينال من "المقدسات السلطوية"، ولا يكون صادراً عن جهة ذات مبدأ، أو جهة ذات قواعد جماهيرية منظّمة.

ولعل هذا الخيار الأخير هو الذي ما زالت ترى أنّه الأقل خطراً عليها. إنّه الخيار الأرخص، ولكنّه ليس الخيار الصحيح على أية حال!

وإلى أن يقتنع المسئولون بمعنى التغيير المطلوب وأهميته، ويملكون الإرادة والقدرة على إحداثه، أو يُبادر الشرفاء من أبناء الوطن لإحداث ذلك التغيير؛ إلى أن يتمّ هذا أو ذاك، لنشاركْ في المأساة الملهاة مع غوار أو الحوت.

__________ 

* كاتب سوري - حلب

 



#عبد_الرؤوف_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا ...
- تركيا تعلن دعمها ترشيح مارك روته لمنصب أمين عام حلف الناتو
- محاكمة ضابط الماني سابق بتهمة التجسس لصالح روسيا
- عاصفة مطرية وغبارية تصل إلى سوريا وتسجيل أضرار في دمشق (صور) ...
- مصر.. الحكم على مرتضى منصور
- بلينكن: أمام -حماس- اقتراح سخي جدا من جانب إسرائيل وآمل أن ت ...
- جامعة كاليفورنيا تستدعي الشرطة لمنع الصدام بين معارضين للحرب ...
- كيف يستخدم القراصنة وجهك لارتكاب عمليات احتيال؟
- مظاهرة في مدريد تطالب رئيس الحكومة بالبقاء في منصبه
- الولايات المتحدة الأميركية.. احتجاجات تدعم القضية الفلسطينية ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الرؤوف حداد - غوّار والحوت