أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد شاويش - مروة الشربيني: آخر ضحايا -الثورات المخملية-؟















المزيد.....

مروة الشربيني: آخر ضحايا -الثورات المخملية-؟


محمد شاويش

الحوار المتمدن-العدد: 2710 - 2009 / 7 / 17 - 09:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في رأيي هناك رمزية عالمية مهمة لجريمة درسدن الأخيرة التي قتلت فيها امرأة مصرية، عملياً لأنها، بالنسبة للقاتل، "مسلمة" ونقطة!
مكان الجريمة كما هو معلوم درسدن، مدينة من مدن "المنظومة الاشتراكية" التي تحولت بعد "ثورة مخملية" إلى انتماء غربي لا زال رغم كل المحاولات الدمجية متعثراً، والقاتل هو أيضاً منتم لأقلية ألمانية سوفيتية سابقاً، وأما الضحية فترمز لما تصوره وسائل الإعلام الغربية يومياً على أنه الخطر الأكبر على المجتمع الغربي، أي الإسلام.
منذ "البيروسترويكا" توالت فصول "الثورات الديمقراطية" في العالم الذي كان سابقاً واقفاً موقف المنافسة للغرب وهو عالم "الاشتراكية"، وقد انتهت آلية الإعلام الغربي الجبارة بقيادة الإعلام الأمريكي إلى إطلاق اسم "الثورات المخملية" على انقلابات كبيرة في أنظمة هذا العالم المنافس سابقاً، والتماثل في المضمون يقابله تماثل موجود حتى في الأسماء، إذ اختار أسماء نباتية (كتسمية تقريظية لهذه الثورات) أحد ما من الموجهين لهذه المنظومة الإعلامية الجبارة التي تشكل فعلاً "المؤسسة الأيديولوجية" الأساسية التي تكفل استقرار نظام السيطرة الرأسمالية العالمي، فلو شهدها غرامشي لربما قدمها على المدرسة والكنيسة اللتان حفظتا على رأيه طويلاً نظام الهيمنة الرأسمالي، فمن "ثورة قرنفل" يوغسلافية إلى "ثورة ورود" جورجية، إلى "ثورة برتقال" أوكرانية إلى "ثورة خشخاش أحمر" قرغيزية إلى "ثورة أرز" لبنانية.
الباحثة الماركسية الأوكرانية ليديا سيماكوفا حاولت في مقال لامع بيان الملامح الكبرى لهذه "الثورات" وتحليل آليات استنهاضها من الخارج ومآلاتها كما تبدت لحد الآن وكما تتوقعها مستقبلاً، وهذا التحليل اللامع يدل على كل حال من جهة على أن الماركسية لا زالت قادرة على المساهمة في تحليل اتجاهات السياسة العالمية، ولهذا الامتياز للمنهج الماركسي في تحليل سياسات الغرب أسباب ليس هنا مكان شرحها. ويدل من جهة أخرى على مواهب الكاتبة الشخصية وتمتعها بقوة الحدس الضرورية للمنظّر، التي تجعله يميز ما هو عام وجوهري مما هو خاص وعرضي، وتجعله يتنبأ باتجاهات حركة اجتماعية معينة، وكلا هاتين الخصلتين غابتا بالمناسبة عن الماركسية العربية، ولا أزال إلى الآن أذكر المناقشات المتعبة التي كنت أخوضها مع الشيوعيين العرب من شتى اتجاهاتهم أيام البيروسترويكا لإقناعهم بما كان يراه كل ذي حس سليم، من أن ما يجري هو رجوع إلى الرأسمالية وليس تقدماً إلى اتجاه اشتراكي أرقى، وأن النهاية ستكون كارثة على العرب فلا لزوم لكل هذا الحماس لها! (مثلاً أذكر ناصرياً كان يؤيدني بخجل، إذ كان يحس أن الشيوعيين سيعادونه حين يقول إن ما يجري ليس تطويراً للاشتراكية وإعادة بناء لها بل هو تهديم لها بالكامل) وهذا العمى لا زال موجوداً عندنا حتى الآن، مثلاً في تناول كتابنا للحركة الاجتماعية الإيرانية الكبيرة التي نشهدها الآن، والتي هي آخر "الثورات المخملية" لحد الآن. فقلما نجد تشخيصاً واضحاً يركز على الطابع الموالي للأمريكان و المعادي للعرب مثلاً في هذه الحركة مع أن هذا ما رآه بنيامين ناتنياهو مثلاً بوضوح وعبر عنه بتأييد حماسي يذكرني بتفوق مارغريت ثاتشر على الشيوعيين في حينها في فهم البيروسترويكا حين دعت الغرب لتأييد غورباتشوف!
ليديا سيماكوفا ترى في هذه "الثورات المخملية" نتيجة مزدوجة لعمليتين متكاملتين: الأولى هي انقسام رأس المال المحلي بين جناح قومي يريد الحفاظ على استقلالية عن رأس المال العالمي المهيمن وجناح مرتهن بهذا الرأسمال المهيمن عالمياً ويريد الالتحاق به، والثانية هي استنهاض موجه خارجياً ومنظم من قبل القوة الأمريكية بأجهزتها المختلفة لتحرك شعبي يشكل رأس الحربة فيه منظمات داعية للديمقراطية وحقوق الإنسان و"منشقون" و "باحثون عن الحقيقة"، وقد نضيف في سياقنا العربي "مثقفون لبراليون" ودعاة "لثقافة الحياة" و "تنويريون" وما شابه ذلك. ونتيجة هذه العملية عند نجاحها تكون استلام ساسة أكثر انسجاماً مع السياسة الأمريكية والتحاقاً بها، علماً أن الطرفين المتعاديين في الداخل، أي كلا جناحي رأس المال المتصارعين، هما في الحقيقة بعيدان عن أن يمثلا مصالح الجماهير، وهما على رأي الكاتبة "وجهان لعملة واحدة".
لكن سيماكوفا قصرت في توضيح ما هو مشترك في "سيكولوجيا جماهير الثورات المخملية" (إن أردنا استعارة مصطلح فلهلم رايش الذي تحدث في النصف الأول من القرن العشرين عن "سيكولوجيا جماهير الفاشية") وهذا التقصير هو أيضاً ليس بالصدفة فيما أرى، إذ هو تعبير عن نقص بنيوي في المنهج الماركسي، إذ بقدر ما يلمع في تحليل الأسباب الاقتصادية-الطبقية الكبرى للسياسة الغربية يقصر تقصيراً كبيراً في التقاط ما هو عام ومشترك في البعد النفسي-الأيديولوجي الاجتماعي للجماهير التي تصنع انقلابات سياسية متماثلة في بلدان مختلفة اللغة والتاريخ، إن المنهج الماركسي يفلح في فهم الآلية الحقيقية للاتجاهات الكبرى للسياسة الغربية ولكنه يخفق في تحليل البعد النفسي-الأيديولوجي الذي يرافق تحركات الجماهير التي تمكنت هذه السياسة من إغوائها واستقطابها لتأييد خططها الكبرى.
مفتاح هذه السيكولوجيا الجماعية هو في اعتقادي يمكن تلخيصه بالتعبير "العطش إلى الحرية"، ولكن مضمون هذه "الحرية" بعيد كل البعد عن ادعاءات المدافعين عن "الثورات المخملية"، إذ "الحرية" ليست كياناً ثابتاً له جوهر لا يتغير عبر الزمان والمكان، بل هي تصور يكتسي مضموناً مختلفاً باختلاف حالة الجماهير العينية، "الحرية" عند جماهير ثورة إيران عام 1978 تختلف في مضمونها كل الاختلاف عن "الحرية" في "الثورة المخملية" في إيران عام 2009، ومضمون هذه الحرية مملوء في كل حال بتصور طوباوي للبديل الذي يبحث عنه الفاعل السياسي في الشارع يتناسب مع الحل الذي يتوق إليه هذا الفاعل لأزمته التي أسميها "الأزمة الاستلابية".
ولكي لا نبقى في التجريد لنتأمل في ثورة إيران بين عام 1978 وعام 2009: في الحالة الأولى كانت الحرية تعني اجتثاث نظام الشاه والعودة إلى تصور لنظام يتلاءم مع الهوية التي أراد الشاه تبديلها جذرياً. إن الحرية عام 1978 كانت تعني لغالبية الفاعلين في الثورة شيئاً سموه "الإسلام"، وهذا الشيء يحتاج تحديد مضمونه النفسي-الفكري الفعلي (أي ما يتضمنه من عواطف وانفعالات وتصورات فكرية وبرنامجية أيضاً) إلى دراسة لأدب أولئك الفاعلين وأيديولوجيتهم وسلوكهم أيضاً. أما "الحرية" بالنسبة للثائر الآن في شوارع طهران فتعيدنا إلى ما هو مشترك حقاً في "الثورات المخملية" التي أبدعت ليديا سيماكوفا في توصيف أسبابها الاقتصادية وطبيعة القوى الطبقية التي تقف وراءها من الخارج والداخل الوطني، ولكنها لم تهتم بدراسة ما هو مشترك في نفسية ووعي جماهيرها.
ما نراه في مفهوم هؤلاء للحرية هو مشترك في "الثورات المخملية" جميعاً: أولاً: إنهم يريدون الحرية في التخلص من كل الأفكار والسياسات التي تجعل البلد في حالة مواجهة مع أمريكا أولاً ومع توابعها المهمة كالكيان الصهيوني ثانياً. ثانياً: إنهم يريدون الحرية في فك العلاقة مع "المتخلفين" من الشعوب التي تواجه هذا الثنائي الأمريكي-الصهيوني، وتمنعهم العلاقة التي يبنيها النظام المكروه مع هؤلاء المتخلفين من الانضمام إلى هذا الثنائي "الراقي، الأعلى".
إن كراهية العرب والإسلام هي الكتاب المقدس للثورات المخملية التي رأيناها لحد الآن!
ألم نر كيف كانت إعادة العلاقات مع أمريكا و"إسرائيل" على رأس مطالب الحركة الديمقراطية البولونية في السبعينات؟ ثم صارت أول ما فعله "معيدو البناء" الغورباتشوفيون؟ لقد كان أول ما فعله مثلاً بعد ظهور البيروسترويكا الكاتب الذي عشقه المثقف العربي وترجمه وقرأه أكثر مما قرأه مواطنوه وهو جنكيز إتماتوف كان زيارة "إسرائيل"!
وكل من يحتك بأطراف المعارضة الإيرانية في أوروبا يلاحظ هذه النزعة الشوفينية الصارخة المعادية للعرب، وللإسلام باعتبار أن العرب هم من ابتلوا إيران به!
إنها سمة ملازمة حتى لثوار ثورة الأرز! ألم يستعد سنّة لبنان، الذين كانوا تاريخياً قلب العروبة النابض في ذلك البلد، بالحرف الواحد شعارات الانعزالية الكتائبية بعد أن انقلبوا دفعة واحدة عام 2005 إلى "ثوار مخمليين"؟ أليسوا هم من يرفع الآن شعار "لبنان أولاً"؟ ألم يكن التضامن مع غزة في المناطق السنية أقل مما كان عليه في المناطق المارونية؟.
والتفسير النفسي لهذا العداء للعرب (في حالة لبنان الكراهية للبعد العربي متمحورة حول الكراهية للسوري بما هو كذلك، حتى بغض النظر عن موقفه من النظام السوري، وراجعوا إن شئتم التعليقات العنصرية على الشعب السوري في البرامج الفكاهية في قناة المستقبل) يكمن في الأوالية الاستلابية التي وصفتها سابقاً في كتاب "دراسات في علم نفس الشخصية المستلبة" حين حللت عاطفة "الاحتقار": إن المستلب يريد أن يتخلص من كل ارتباط مع من يشخصه بأنه "أدنى" لأنه ببساطه ما هو إلا الذات التي يريد المستلب نبذها. ومن هنا يكون كره العرب عند الأجانب الطامحين للالتحاق بالغرب أعنف في أشكاله من الغربيين الأصليين. وكل من يعيش في أوروبا يذهل لأشكال البغض التي يلاحظها عند أجانب غير غربيين للمسلمين رغم أنهم ليسوا بأي شكل من الأشكال معنيين بصراعات منطقتنا مثلاً، وليس لهم أي تاريخ من الصراع (أو أي تاريخ!) مع العرب!
ومن هنا أضع شهيدة درسدن مروة الشربيني في الخانة نفسها التي أضع فيها عشرات العمال السوريين الذين اغتالهم بلا شفقة ولا رحمة "ثوار الأرز"! إنها آخر ضحايا الثورات المخملية!




-برلين




#محمد_شاويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- للمرة الأولى في فرنسا... محاكمة غيابية لمسؤولين بالنظام السو ...
- الشركة المنتجة لمروحية الرئيس الإيراني المنكوبة تصدر بيانا ...
- ماذا لو أصدرت الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قيادات إسرا ...
- تمر بأربع مدن.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه تبدأ ال ...
- برلين وواشنطن تنتقدان خطوة -الجنائية الدولية- ضد نتانياهو
- وزيرة الخارجية الألمانية تصل كييف في زيارة مفاجئة
- ألمانيا تدعو لتشكيل تحالف لتزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي
- -بوليتيكو-: الاتحاد الأوروبي سيبدأ في يونيو مفاوضات رسمية حو ...
- الجنائية الدولية -تسجن- نتنياهو في إسرائيل
- تحذير من الإفراط في تناول الشاي الأسود


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد شاويش - مروة الشربيني: آخر ضحايا -الثورات المخملية-؟