أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فارس حامد عبد الكريم - هل يصح الصحيح في بلاد الرافدين يوما ؟















المزيد.....

هل يصح الصحيح في بلاد الرافدين يوما ؟


فارس حامد عبد الكريم

الحوار المتمدن-العدد: 2632 - 2009 / 4 / 30 - 03:36
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


عبر رسالة بريد الكتروني، شكا لي ذات مرة باحث متخصص محترم يحمل شهادة عالية وسبق ان اختارته الأمم المتحدة خبيراً في مناسبات عدة، انه نقل من رئاسة الدائرة التي يعمل فيها مديراً عاماً إلى رئيس قسم الآليات لتكون مهمته اليومية هي منح تصاريح للسائقين وصرف اجور تصليح العجلات والاطارات .... ونوه في رسالته ان حبه للعراق وحرصه على مصلحته العليا وسهر الليالي وهو يعد البحوث العلمية لتطوير العمل وإمكانياته..، فان كل ذلك لم يشفع له واحل محله شخص لا يصلح حتى ان يكون تلميذا عنده ...
الواقع إني اتخذت في ذلك الوقت بعض الإجراءات التي لم تجد نفعاً في النهاية،فهدأت من خاطره ورددت له المقولة القديمة المشكوك في صحتها في تاريخ بلاد الرافدين حصراً من انه ( لن يصح إلا الصحيح في النهاية ) .. وأجدني اليوم،بعد ان علمت انه ترك العراق ويرأس حالياً مؤسسة دولية، بحاجة بل وبرغبة ملحة إلى ان أعيد صياغة جوابي إليه بشكل أخر...
أخي الذي لم أره يوماً ... ربما لم نلتقي في مكان معين او لم نجتمع على مائدة واحدة ، ولكن من المؤكد اننا نلتقي عند شعور وإحساس واحد هو حب العراق وأهله الطيبين ، كما ونجتمع عند هدف واحد هو مصلحة العراق والعراقيين . ولا يهم بعد ذلك ان اختلفنا في طريقة التعبير واسلوبه ،لان المهم في هذا المقام ، كما قلت في مقال سابق ، ان الإبداع سواء كان في مجال العلم أو الأدب أو الفن هو نتاج فكر وحدس الكاتب والأديب والفنان الذي يغور في العمق الباطن للأشياء والموجودات فيكشف عن جوهرها متجاوزاً ما هو عرضي وزائف في ظاهرها وشكلها الخارجي.
يقال انه ليس كل ما يلمع ذهباً ، ولكن للأسف فان المزيف المطلي بما هو يلمع كثير الظهور في حياة أبناء بلاد الرافدين ، وحقائق التاريخ تؤكد ذلك ، فصوت يزيد هو المسموع في كل العصور العراقية اما صوت الحسين (ع) ومريديه فتحجبه الأصوات النشاز دائماً.
في مصر مثلاً ، الكل باشا وست هانم مادام مبدعاً او نصف مبدع ،من الراقصة والطبال الى الاديب والمحامي والطبيب والسياسي ....
اما في العراق فان الباشا الوحيد هو المزيف ذو البريق الخارجي الخادع ، اما الحقيقي فهو في حالة اللاباشا دائماً ،وتاريخ العراق القديم والحديث يؤكد هذه الحقيقة، والسبب في اغلب الأحيان هو انعدام التقاليد المؤسساتية الراسخة وتلك الحاشية التي تحيط بالحاكم ويوليها ثقته التامة ، بما لها من قدرة وقابلية على تغيير القناعات وتوجيه إرادته بأساليب ملتوية غادرة.
في زيارة لي إلى القاهرة مع صديق يعمل قاضياً وتجمعنا هواية مشتركة هي حب القراءة واقتناء الكتب،وبعد ان اقتنينا بلهفة مجموعة من الكتب القانونية من مكتبات القاهرة العامرة لفت انتباهنا وجود بعض الأخطاء الموضوعية في كتاب لأحد كبار المؤلفين المصريين،وبعد جدل ونقاش اتفقنا على مراجعة المكتبة التي نشرت الكتاب للحصول على البريد الالكتروني للمؤلف، وعند وصولنا إلى المكتبة وسؤالنا عن البريد الالكتروني أجابنا مدير المكتبة:
ـ انتم عاوزين ايه من عنوان الكاتب
أجابه صديقي القاضي:
ـ لقد وجدنا في مؤلفه هذا بعض الأخطاء ونرغب بأن ننبهه عليها.
وهنا ابتسم مدير المكتبة وقال ساخراً:
ـ انتو عاوزين تخطئوا الاستاز ... ده باشا يابه ... عارفين ايه يعني باشا ...
وقد رفض رفضاً قاطعاً اعطاء العنوان وكل ما عرفناه منه ان الأستاذ المقصود غير مقيم في مصر وانه يعمل أستاذا ورئيس قسم علمي في أحدى الجامعات الأمريكية المرموقة...
الواقع ان الشعب المصري شعب متحضر وحضارته متصلة وثقافته هي ثقافة التسامح بشكل عام، وتمتاز مؤسساته الاجتماعية والسياسية والقضائية وحتى التجارية بالاستقرار والثبات منذ قرون عديدة مما ولد أعراف وتقاليد راسخة في ميدان المجتمع والمهن والعمل الرسمي والخاص يصعب على أي مصري تجاوزها او نكرانها، خاصة واني لمست ان معظم المؤسسات المصرية يديرها أشخاص يمكن اعتبارهم فطاحل في مجال اختصاصهم.
وثقافة المصري ابعد ما تكون عن ثقافة البداوة التي لا تعترف لأحد بالفضل الا في الحدود الشخصية والقبلية...بل أنهم يعطون الاشخاص والاشياء أهمية اكبر من قيمتها الحقيقية من باب التكريم والمجاملة.
ومن محاسن صدف المصريين ان الأجانب الذين احتلوا مصر، وهم من ملل ونحل شتى، أتراك ومماليك وفرنسيين وانكليز، ساهموا في اغناء الثقافة والحضارة المصرية القابلة أصلا للتطور الذاتي واستيعاب الثقافات الأخرى ...
الفرق بيننا وبين المصريين، وحضارتنا أقدم من الحضارة المصرية ولها السبق في أمور جوهرية في حياة البشرية ومعارفها ، هو عدم الاستقرار الذي شهده العراق في تاريخه القديم والحديث المليء بالمغازي الأجنبية التي دمرت الحضارات العراقية المتعاقبة ولم تقدم لها أي شيء جديد، فكانت في اغلبها غزوات سلب ونهب وامتصاص دماء وخيرات العراقيين...
وما ان تنشأ مؤسسة عامة أو خاصة حتى تنهار بعد وقت قصير لتحل محلها مؤسسات أخرى بأفكار جديدة تتنكر لما قبلها، وعلى هذا النحو لم تنشأ لدينا أعراف وتقاليد للعمل والمهن،وبقى الاجتهاد الشخصي القائم على المزاج الآني في كثير من الأحيان هو السائد، وتتولد عن ذلك في كثير من الأحيان قرارات وإجراءات غير منطقية وغير متوقعة البتة، فقد يجد الموظف نفسه قد عوقب أو انتقم منه أو انتقصت حقوقه المكتسبة فجأة بناءا على رؤى ومقاييس شخصية لا عامة خلافاً لقاعدة (عدم جواز الانتقاص من الحقوق المكتسبة) ذات الطابع الدستوري (1).
ان انعدام التقاليد والأعراف في العمل يخلق الفوضى وعدم الاستقرار ويولد الأخطاء المتراكمة ويضر في النهاية بقواعد العدالة والمساواة ويكون عاملاً من عوامل استبعاد الكفاءات والعقول النيرة وانهيار المؤسسات في النهاية.
الواقع ان ثقافتنا العراقية الأصيلة، بسبب ثقافة الدكتاتوريات المتعاقبة، تبقى غالباً خارج نطاق العمل وتبقى أسيرة المؤلفات والمكتبات ومعارف المثقفين النظرية.
كنت تساءلت ذات مرة عن ماهية الأدوار الرسمية التي أسندتها الحكومات العراقية المتعاقبة لعباقرة مثل الرصافي والجواهري ونازك الملائكة والسياب والآلاف من فطاحل الطب والهندسة والقانون ومختلف العلوم ، لاشيء يذكر ، بل حتى يندر وجود حملة الشهادات العليا في الوزارات العراقية لدرجة ان حظ خريج متوسطة في ان يحصل على فرصة عمل فيها أقوى من حظ حامل الشهادة العليا.
وعلى هذا فان ديك العراق سيبقى يصيح للأبد ( ست الحسن بالتنور وعويران بره ) ولكن سوف لن ينتبه إليه أحدا ولن يصحو أحدا من نومه على صياحه ، لان صوته ليس مزيفاً ، وصوت الحقيقة لا تألفه قلوبنا من كثرة الصدأ الذي تراكم عليها منذ عصور ودهور طويلة.
وعلى هذا النحو من الحقيقة والواقع ورغم اننا كنا ومابرحنا نسمع القول المأثور ( في النهاية لا يصح الا الصحيح ) ومن كثرة سماعي هذا القول منذ طفولتي دون ان أرى له تطبيقاً في وقائع حياتنا الماضية ولا في المدى المنظور بت اكره سماعه وبت اعتقد او على وشك الاعتقاد ان الصحيح لن يصح في العراق ابداً.
فلم نره يصح في زمن اجدادنا ولا في زمن ابائنا ولا في زمننا ولا يوجد ما يؤشر إلى انه سيصح في زمن ابنائنا أو احفادنا ....
قبل الفي عام كتب شاعر قصيدة تقول كلماتها:
من أخاطب اليوم؟
أقران المرء أشرار
وأصدقاء اليوم لا يجيبون
من أخاطب اليوم؟
مات من كان وديعا
أما الشرس فعلى اتصال بكل إنسان
من أخاطب اليوم؟
ليس من يذكر عظات الماضي
وليس من يفعل اليوم معروفا لقاء معروف!
وقبل حوالي أربعة عشر قرناً من تاريخنا خرج الحسين (ع) رافعاً سيف الحق بوجه الظلم وأهله واستشهد في سبيل ذلك مع كوكبة من أحفاد الرسول المصطفى
صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، ولليوم فان الذين يعتقدون بأحقيته هم من القلة بحيث تكاد نسبتهم لا تقارن بأعداد الذين يرون انه خرج على إمام زمانه، فان كان هذا حال من كان جده سيد البشر ،فكيف هو حال المواطن غير المشمول بالمحاصصة السياسية؟
ولكن هل نتخلى عن العراق وأهله الطيبين ... الجواب اننا لا نتخلى عن وطننا ابداً ولن نحب غيره ... ولا ينبغي لنا غير ذلك، فالقلب لا يتسع لغير حب العراق وأهله، فقد نكون مخطئين في رأينا ويصح الصحيح في يوم ما وان بدا غير منظور....
قد لايرضي هذا الكلام الكثير ... ولكنه الحقيقة المرة.
******
1ـ يرتبط الحق المكتسب بمبدأ عدم رجعية القانون للماضي ومبدأ امن وسكينة المجتمع برابطة وثيقة وهما اللذان يوفران له الأساس القانوني للحماية وتقوم فكرة الحقوق المكتسبة في الغالب على اساس حق سواء كان مصدره مشروعاً او غير مشروع عند نشأته ولكنه يتحول إلى حق مشروع بفعل عامل الزمن في الغالب تطبيقاً لمبدأ قانوني كلي هو مبدأ استقرار المعاملات وامن المجتمع الذي يتقدم عند التعارض على مبدأ العدل القانوني والحق الطبيعي، ومن ذلك كسب حائز العقار ولو كان متعدياً لملكية العقار بالتقادم،حيث تفضل مصلحة الحائز على مصلحة المالك الشرعي تطبيقا للمبدأ المذكور، ومن ذلك تحديد مدد الطعن بالقرارات القضائية والإدارية، فلا يستطيع من تعرض لقرار جائر ان يطعن به الا خلال مدد محددة وبخلافه يسقط حقه بالطعن، ومقابل ذلك لا تستطيع الإدارة ان تلغي قراراتها غير المشروعة التي تولدت عنها حقوق مكتسبة للآخرين الا خلال المدد المحددة للطعن القضائي، لانه بفوات المدة ليس للقاضي ان يلغي قراراً إداريا ولو كان غير مشروع ومن باب أولى ان لا يكون للإدارة ما ليس للقضاء.
وقد اعترفت الشريعة الإسلامية في مواضع كثيرة بالحقوق المكتسبة قبل الإسلام :
قال تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ....(الآية) إلى قوله تعالى (... وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيما ً) (النساء:23)
***********
فارس حامد عبد الكريم العجرش الزبيدي
ماجستير في القانون
نائب رئيس هيئة النزاهة سابقاً
باحث في فلسفة القانون
والثقافة القانونية العامة
بغداد ـ العراق



#فارس_حامد_عبد_الكريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق باق رغم تعاقب الحكومات
- الثقافة المضادة للفساد
- هل يتقاعد الرئيس ؟
- الفرق بين الأخيار والأشرار
- دولة المؤسسات ودولة الحاشية
- نحو محو ثقافة الدكتاتورية في دولة القانون والديمقراطية
- القانون والقضاء والحريات العامة
- ضوابط العمل الاعلامي واساليب الاعلام المعادي في صناعة الرأي ...
- شلون تموت وانته من اهل العمارة
- الشعر الشعبي في الوجدان العراقي قراءة في قصيدة مظفر النواب ...
- المحاصصة الطائفية والصعود بنية الانتحار
- فنان الشعب
- النزاهة ومتلازمة الفساد والفقر والارهاب الجزء الاول
- الموصل مدينة المجد
- المتهم محصن بأصل براءته
- معايير التقييم .... الخطأ والصواب ... الحسن والقبح
- اعدام صدام حسين حسب نظرية ارسطو


المزيد.....




- فيديو يظهر تصرفا غريبا لشرطي أمريكي أمام حانة.. أشعل سيجارًا ...
- كيف كشفت صحفيتان كوريتان عن فضائح جنسية خطرة لنجوم كبار في ع ...
- غالانت يهاجم نتنياهو: هل بدأ تبادل الاتهامات بين الحكومة الإ ...
- حقوق مجتمع الميم في أوروبا.. مالطا تحتفط بالصدارة
- أغذية لا ينصح بها على متن الطائرة
- نتنياهو: منفتح على فكرة تولي فلسطينيين محليين إدارة غزة إلا ...
- سيرسكي: أوكرانيا تتخذ الاستعدادات للدفاع في مقاطعة سومي
- بوتين يصف الخطط الروسية الصينية لاستكشاف القمر بأنها -مثيرة ...
- بوتين يتحدث عن مهام بيلاوسوف وشويغو
- نزوح فلسطيني جديد من رفح


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فارس حامد عبد الكريم - هل يصح الصحيح في بلاد الرافدين يوما ؟