أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - نادي التثقيف العمالي - الوضع الصحي للكادحين من أجل خدمات صحية ومجانية للكادحين















المزيد.....



الوضع الصحي للكادحين من أجل خدمات صحية ومجانية للكادحين


نادي التثقيف العمالي

الحوار المتمدن-العدد: 592 - 2003 / 9 / 15 - 04:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


عرض بالأسبوع الثقافي لنادي التثقيف العمالي بأنزا / اكادير/ المغرب (أبريل 2000)

1-السياق العام لتدهور الأوضاع الإجتماعية بالمغرب.
2-العوامل المؤثرة في صحة المواطنين.
3-الحالة الصحية لكادحي المغرب.
4-الجهاز الصحي بالمغرب.
5-من أجل صحة مجانية وجيدة.

أولا: السياق العام لتدهور الأوضاع الإجتماعية بالمغرب

بفعل الطريق الذي تسلكه دولة المغرب منذ الإستقلال الشكلي، والذي يهدف إلى توفير سبل الرفاه والإغتناء لقلة على حساب حياة لائقة لغالبية المغاربة، ظلت الخدمات الصحية التي توفرها الدولة هزيلة ودون الحاجات المتزايدة. ورغم الجهود التي بدلتها جماهير الشعب لتحسين أوضاعها الإجتماعية، من خلال منظماتها النقابية والسياسية واحتجاجاتها العفوية، زادت أحوالها سوءا بفعل موازين القوى الاجتماعية غير الملائمة.
وقد مثلت سنوات بداية الثمانينات منعطفا في سيرورة تدهور الأوضاع الإجتماعية. فنتيجة تطبيق سياسة ما يسمى بالتقويم الهيكلي منذ 1983، كحل لمعضلة الديون، ثم الحد من كل النفقات العمومية ذات الصبغة الإجتماعية. أي أن مشكل الديون الذي لا يتحمل فيه الشعب أية مسؤولية باعتباره لا يمارس السلطة بمؤسسات تمثيلية حقيقية ولا علم له بكيفية صرف الأموال المقترضة، يتم حله على حساب صحة وتعليم وشغل وغداء وسكن المواطن الفقير.
إن المواطن الفقير عندما يحرم من حقه في الصحة قصد أداء الديون، إنما يودي لفائدة الأقلية المستفيدة منذ عقود من نهج الدولة. ومثال على ذلك سياسة السدود التي كلفت أموالا طائلة ولم يستفد منها غير كبار ملاكي الأراضي، بينما ساءت أحوال الفلاحين الصغار فتحولوا إلى عمال زراعيين أو هاجروا إلى المدن معززين صفوف جيش البطالة المقنعة.
إن الكيفية الجديدة التي تسير بها صحة غالبية المواطنين، عمالا ومزارعين فقراء وحرفيين وتجار صغار، تقوم على خفض اعتمادات الدولة المخصصة للصحة والبيئة وكل ما هو اجتماعي  ثم تحديد تسديد تكاليف الخدمات الهزيلة المتبقية للمستهلكين.
وتتضمن سياسة التقويم الهيكلي جوانب أخرى إلى تدهور الأوضاع الإجتماعية وإلغاء على ما تبقى من المكاسب:
• مرونة الشغل وما تفضي إليه من توسيع دائرة البطالة وانتشار أشكال العمل غير القار والبطالة المقنعة.
• الخوصصة وما تؤدي إليه من تسريحات واضرار بمكاسب العمال.
• إدخال منطق الربح في العديد من الخدمات الإجتماعية الأخرى: التعليم، الحماية الإجتماعية، التطهير، الكهرباء والماء الشروب…
• تطبيق ما يسمى بحقيقة الأسعار أي رفع أي تدخل الدولة في تنظيمها. ومن مستتبعات ذلك إلغاء صندوق الموازنة (دعم أسعار السكر والطحين والزيت والغاز…).
• ما سمي بـ"الإصلاح الضريبي" الذي زاد من إلقاء العبء على الجماهير الشعبية (تمثل الضرائب غير المباشرة ثلثي مداخيل الضريبة، ويتحملها بالأساس المستهلك). قاعدة الضريبة بالمغرب هي: كل ما كان دخلك قليلا كلما أديت ضريبة أكبر. وأكبر الأغنياء لا يؤدون شيئا.

ثانيا: العوامل المؤثرة في صحة المواطنين:الناس ليسوا متساوين أمام الموت:

غالبا ما يجد الكائن الفقير مواساة لوضعه اللاإنساني في أن الموت يساوي بين الناس جميعا: كل من عليها فان غنيا كان أم فقيرا. لكن الواقع ينطق بالعكس فالفقير لقمة سائغة لكل أنواع الخطر المحدق بالصحة. لا من ناحية عمله، أو تغديته، أو راحته، أو قدرته المادية على علاج ما يصيب بدنه. إن عددا كبيرا من حالات الوفاة قابلة للتفادي لولا العوز الإقتصادي المفروض على غالبية الناس بفعل طبيعة النظام الإقتصادي-الإجتماعي القائم. فمجال الصحة هو من المجالات التي تبرز فيها التفاوتات الطبقية في المجتمع بجلاء مثير للسخط. ففرق كبير يفصل النظام الصحي العمومي عن نظام صحة الأغنياء. إن حظوظ الحياة يتم تقاسمها بنفس الكيفية التي تقتسم بها الخيرات والثروات. ويتجلى تفاوت الإستفادة من نفقات الصحة في الأرقام التالية (جريدة أنوال الجديدة 09 ماي 97): 20% من السكان ذوي الدخل المرتفع يستفيدون من 40% من النفقات العامة المتعلقة بالصحة مقابل 40% من السكان ذوي الدخل المحدود يستفيدون من 20% من تلك النفقات.
70% من المصالح الطبية والإستشفائية و40% من نفقات المختبر البيولوجي والراديو يستفيد منها 20% فقط من ذوي الدخل المرتفع مقابل 09% و12% يستفيد منها 40% من ذوي الدخل المحدود.
هذا التفاوث الناتج عن طبيعة العلاقات الإجتماعية كان يبرز بوقاحة في الإقصاء  الذي يتعرض له قسم هام من المواطنين ويجعلهم في وضع بالغ الهشاشة وفي تفاوت الدخل والأمية وسوء التغدية وتدهور البيئة وحوادث الشغل والأمراض المهنية وحوادث السير (إنهم العاطلون)

أ) البطالة:
 
من مساوئ التنظيم الحالي أنه لا يرى في الإنسان كائنا يعمل ليندمج في الجماعة ويحقق ذاته ويشبع حاجاته بل موردا من بين موارد أخرى في يد أقلية لها أهدافها الخاصة وتقوم بتوجيه كافة جوانب الحياة الإجتماعية لخدمة ثلك الأهداف لا غير ومهما حاولت إخفاء ذلك. ينتج عن هذا أن قسما من المواطنين يظل دون عمل وعلى هامش الحياة عمليا. وقد نمت البطالة في المغرب نموا كبيرا نتيجة التحولات التي شهدها العالم القروي، حيث لفظت الأرياف جماهير غفيرة من الفلاحين الذين أفقرهم تقدم الزراعة الرأسمالية. وأدت السياسة الإقتصادية المتبعة إلى إغلاق أبواب العمل في وجه الشباب لذا فإن نسبة البطالة بين السكان النشيطين في ارتفاع متواصل: 16.9% سنة 97 إلى 19.1% سنة 98 وتمس بالأساس الشباب: 35% في فئة الأعمار 15-24 و26.2% في فئة 25-34 سنة 98.
ينعدم أي اهتمام بأثر البطالة على صحة الإنسان. وفي بلاد البطالة الجماهيرية كالمغرب يمثل انعدام الإهتمام بالمشاكل الصحية الناتجة عن الإقصاء وجها من أوجه الإقصاء نفسه. وضع البطالة في ظل غياب التعويضات للعاطلين من الضمان الإجتماعي تعني عمليا الحرمان شبه المطلق والموت التدريجي. أبانت أبحاث أجريت في فرنسا ارتفاع الإضطرابات النفسية وفي الشرايين والجهاز التنفسي والهضمي بين المطرودين من العمل. وكذا ارتفاع نسبة إدمان الكحول والإضطرابات العقلية وأمراض القلب والدورة الدموية وتفاقما لظواهر الشيخوخة.

ب) الدخل:
إن إلقاء نظرة خاطفة على حاجات الكائن البشري، بما يضمن له حياة لائقة من غداء (مواد نشوية وسكرية وبروتينيات ودهنيات وفيتامينات، ومعادن وألياف) ونظافة وملابس ومسكن لائق وراحة، كافية لإدراك أن الطريقة الحالية لـ"تنظيم" المجتمع تحكم على أغلبيته بالمرض والموت. فمداخيل الفئات الشعبية تكفيها بالكاد للبقاء على قيد الحياة أو بالأحرى بالموت التدريجي. فالدخل الشهري لربع سكان المغرب يقل عن 300 درهم. وأكثر من 28% يتراوح دخلهم بين 300 و600 درهم.
فكيف لهذا الشعب من الفقراء أن يواجه أدنى متطلبات حياة لائقة بالبشر؟

ت) الأمية:

تجهيل المواطنين يعني تركهم منزوعي السلاح في وجه شتى أنواع المخاطر التي تهدد حياتهم وعلى رأسها أخطار المرض. بل أن الأمية تضيف خطرا آخر هو المعتقدات الخرافية. لذا فالأمية عامل مضر بالصحة بشكل مباشر. وقد بلغت الأمية في المغرب حجما مرعبا:
أمية السكان القرويين الذين يفوق عمرهم عشر سنوات: 71% منها 54% من الذكور و87% بين الإناث (أرقام1991). تبلغ نسبة الأمية بالمغرب عام 1995 : 56.3% (الجزائر 38.4%).

ج) سوء التغذية:

يعتبر سوء تغذية،  كل تغذية غير سليمة خارجة عن المعايير العلمية لإحتياجات الإنسان الفعلية للمواد الغذائية مما يؤدي إلى اعتلال الصحة. ويشكل النقص النوعي من فيتامينات أوالبروتينات النمط السائد لسوء التغذية لذا فإن التعبير اللائق هو الجوع النوعي. يعتبر سوء التغذية أزمة غير مرئية ومأساة يومية تحرم مئات ملايين من تحقيق حقوقهم منذ الولادة، وإن كان سوء التغذية لا يأخذ صفة الأخبار المأساوية فإن تأثيرها في حياة الإنسان يفوق تأثير المجاعات التي تحدث كل حين. يمثل سوء التغذية المشكل الصحي الأول في البلدان المتخلفة.
يقول أحد خبراء هيئة الرقابة الدولية «إذا كان سوء التغذية مظهرا من مظاهر الفقر، فإن جذوره تقع في البنيان السياسي والإقتصادي وهي الجذور التي لا يمكن إقلاعها كاملا بالتخطيط الحكيم فقط ولكن بالإصلاح الإجتماعي الرئيسي. إن استمرار سوء التغذية واسع الانتشار في عالم ينتج طعاما كافيا للجميع يمكن أن يكون مقياسا للفشل في التركيب الإجتماعي للعالم.»
أظهر البحث أن أول سبب لظهور الجوع في العالم الثالث هو الإستغلال الوحشي لثروات المستعمرات ممثلا في نظام المزارع الكبيرة أو الإقتصار على محصول واحد وهو النظام الذي كان يقود المستعمرة لكي يمكن للدولة المستعمرة الحاكمة الحصول على المواد الأولية الرخيصة، التي يحتاجها إقتصادها الصناعي المزدهر. والموقف اليوم لا يختلف كثيرا عما كان عليه بالأمس، فالتبعية السياسية والإقتصادية، هي القاسم المشترك بين معظم بلدان العالم الثالث وما تعانيه هذه الدول من آثار الركود الإقتصادي ومشكلة الديون ومعدلات التبادل التجاري غير المتكافئة، إلا إنعكاسات مباشرة لهذه التبعية.
أسباب سوء التغذية: الفقر مستويات منخفضة للصحة والتعليم، البنيات التحتية المتردية ، التقاليد الاجتماعية البالية، انتشار سوق الصناعات الغذائية وفرض سيطرتها الدعائية للطعام المعلب والمشروبات الغازية التي تفتقر لأي قيمة غذائية.
يجب أن تشتمل الرعاية الصحية تيسير الحصول على الطعام والتوعية بالتغدية الصحية والمياه النقية والعناية بصحة الأم والطفل والتلقيح ضد الأمراض المعدية ومكافحة الأمراض الطفيلية والعلاج المناسب للأمراض الشائعة بتوفير الأدوية الأساسية.
ومما يكشف سوء التغذية طبيعة المواد المستهلكة على نطاق واسع. مازال استهلاك الحبوب يحتل مكانة كبيرة: إرتفاع فيما بين 1970 و1985 ب07% في المدن وانخفاض ب01.3% بالقرى.
إستهلاك الحليب ومشتقاته: إرتفاع ب06.6% في نفس الفترة وسنة 1985 بلغ استهلاك الحليب 30.26 لتر للفرد في السنة. أما الجبن فبلغ في نفس السنة ما يعادل 1.92 لتر حليب طري.
إستهلاك اللحوم: سنة 1970: 17.85 كلغ – سنة 1985: 15.95كلغ وقد مس هذا الإنخفاض بالخصوص اللحوم الحمراء. لقد أصبح لحم الدجاج موضوع استهلاك الفقراء.
إستهلاك الأسماك: 6.25 كلغ (1985).
من العوامل الرئيسية لإنتشار الأمراض في الأوساط الشعبية تلوث الماء الشروب. فهذا يسهل انتقال امراض خطيرة من قبل: الإسهال، الكوليرا والتهاب السحايا والسل والشلل والتيفوويد. لدا فإن المغرب حقل خصب لإنتشار هذه الأمراض بفعل النقص الكبير في ماء الشرب النقي. حيث أن 50% من السكان غير مرتبطين بشبكة الماء الصالح للشرب. في القرى 6 إلى 7% فقط. 82% من السكان القرويون يتزودون بالماء في ظروف لا تضمن المعايير الصحية. 12% يتزودون من نقاط ماء جماعية غير مهيأة. 23% يتزودون من نقاط الماء الخاصة. 10% من تخزين ماء المطر. 21% يتزودون من قنوات السقي. 16% يشترون الماء. ويمثل المطالبة بالماء الشروب إلى جانب الحاجات الأساسية الأخرى أحد أوجه النهوض الشعبي الذي تشهده القرى والأحياء الشعبية بالمغرب في السنوات الأخيرة، (في ضواحي أكادير: سكان بيكران ودوار الموس ودوار البحري)
وتجدر الإشارة، إلى أن ملايين السكان بأحياء الصفيح، يتزودون من الحنفيات العمومية بماء صالح للشرب لكن ظروف حفظه والشروط العامة للنظافة في الأكواخ ليست صحية بأي وجه.
ظواهر قلة النظافة وتلوث الماء الشروب …الخ منتشرة في أحياء السكن غير اللائق من بناء عشوائي وأكواخ الصفيح، ولا شك أن الدولة تبدل جهدا جبارا لإخفاء حقيقة هذه الكارثة الإجتماعية إذ تدعي أن عدد سكان القصدير إنخفض خلال عشر سنوات (1982-1992) بـ 22%. ولنا في أنزا مثال جلي عن تزايد المهول لسكان الصفيح وللسكن وللبناء العشوائي في محيط أكادير الكبير. ويقدر العجز السكني في المغرب بـ 3 ملايين وحدة سكنية بينما لا يتجاوز بناء السكن الإجتماعي 10 آلاف وحدة في السنة.

د) انعدام النظافة:

شبكة الواد الحار: 60% ليسوا مرتبطين بشبكة لتصريف المياه المستعملة، 98% بالعالم القروي.
الأزبال المنزلية وانتشار الجرذان والذباب والصراصير وكلها ناقلات لأمراض معدية وفتاكة: الكوليرا والتيفويد وأمراض الجلد والعيون وإسهال الأطفال.
الكهرباء: 58% لا يتوفرون على شبكة الكهرباء المنزلية –90% بالعالم القروي. حسب التقرير الإستراتيجي للمغرب لعام 1998 فإن 12% من سكان القرى يتوفرون على الكهرباء جزء كبير منها إقامات ثانوية للسكان الحضريين الأثرياء.

ذ) تلوث الهواء:

مصدره غازات الصناعة والمحروقات، وهو من أكبر مسببات التلوث بأنزا. ويؤدي إلى ارتفاع وفيات الأطفال وانخفاض معدل الأمل في الحياة والحساسيات وأمراض الجهاز التنفسي وأمراض السرطان خصوصا سرطان الرئة وأمراض القلب والدورة الدموية وقرحة المعدة والأمعاء، تقدر منظمة الصحة العالمية ب75% حالات السرطان الجديدة التي تظهر في الوقت الحاضر بسبب عوامل بيئية منها الثلوت.
كم من دخان السيارات يحتوي غازات مثل أول أكسيد الكاربون السام وعدد كبير من جزئيات الرصاص وهذه الأخيرة لها علاقة ببعض الأمراض الصدرية وتؤثر على الجهاز الهضمي والجهاز العصبي وتؤدي إلى ضعف في العضلات ونوع من الأنيميا.

ر) حوادث الشغل والأمراض المهنية:

يعزوها أرباب العمل إلى قلة الإنتباه والإهمال من طرف العامل بينما الحوادث نتائج مباشرة لظروف العمل المفروضة على العمال وللتنظيم الرأسمالي للعمل وللوثائر، مما يؤدي إلى التعب، ونقص قواعد السلامة وعدم احترام القوانين وهزالتها مثل الإستمرار في استعمال آلات قديمة خطيرة أو تجنب معدات الحماية نظرا لكلفتها المرتفعة.
إن الرأسماليين ومسيري المنشآت هم المسؤولين عن ضحايا الحوادث إلى جانب الحكومات التي تقرر تشريعات الشغل.
إن ضرورات الإنتاج الصناعي الرأسمالي هي الربح والمردود والنمو الإقتصادي أي اعتصار أقصى ربح من الآلة البشرية ولو أدى ذلك إلى تحميل العمال مخاطر جمة. بالنسبة لارباب العمل يعتبر الإستثمار لتحسين ظروف العمل عنصرا يرفع كلفة الإنتاج فالتنافسية تفرض العمل بأقل كلفة لضمان معدل أرباح مرض. إذا فإن سلامة وصحة وحياة العمال يتم التضحية بها لأجل أرباح الرأسماليين.

سنة 1993 كان عدد حالات المرض المهني المصرح بها 225 حالة منها 217 حالة سيليكوز. أما عدد حوادث الشغل: تضارب المعلومات حسب المصدر (وزارة الشغل، المفتشية الطبية للشغل، شركات التأمين) من 25 ألف إلى 60 ألف.
عدم التصريح بالحوادث. حسب  وزارة الشغل: 20800 حادثة سنة 1993 فيها 61 حالة وفاة و862 حالة عجز أما شركات التأمين فقد صرحت ب60ألف حالة منها 15 ألف حادث خطير.
هذه الأرقام لا معنى لها سوى أن الأمراض المهنية لا يتم إحصاؤها. فالعمال لا يصرحون بإصابتهم مخافة الطرد. يضاف إلى ذلك ندرة الهياكل الطبية ونقص تشخيص الأمراض وعدم تصريح الأطباء بعدد من الأمراض بسبب تبعيتهم لأرباب العمل وشركات التأمين.
ومن المنتظر أن تسوء أكثر أوضاع الشغيلة الصحية بفعل لجوء الرأسمال المتزايد إلى ما يسمى بمرونة الشغل.
فمن ركائز سياسة الرأسمال على المستوى العالمي تمكين أرباب العمل من إستعمال اليد العاملة بكامل الحرية حسب متطلبات أقصى الربح. وتتجسد المرونة في عقود العمل محدودة المدة وكل أشكال عدم استقرار علاقة الشغل. وقد تعممت هذه الظاهرة في الحواضر الإمبريالية كما أمر بها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بلدان العالم الثالث المغلوبة على أمرها بثقل الديون. وهو ما يتجلى، في حالة المغرب، في مشروع مدونة الشغل الذي يرتقب أن يناقشه ويصادق عليه البرلمان هذا العام.
وقد تبث أن المرونة يرافقها إرتفاع في الأضرار بصحة الشغيلة. إذ لوحض تكاثر حوادث الشغل ومخاطره في مجالات العمل الهش (غير المستقر –المؤقت: عقود العمل محدودة المدة)
مثلا في فرنسا عام 1990 سجل أن 82% من ضحايا التعرض للإشعاعات الأيونية هم من شغيلة العمل الهش في المواقع الكهرونووية بينما النسبة 18% بين العمال القاريين.
عام 1992 كان عمال الإنابة Interim عرضة لحوادث الشغل بمؤشر 108 مقابل 54 لباقي الأجراء من ألف عامل في جميع القطاعات. (حسب كتاب قانون الشغل الطبعة 19 نشر دالوز 1998)
إن الشغل المرن يستعمل عن قصد في الأشغال الأكثر خطرا. ويؤدي عدم معرفة العمال هؤلاء لمكان العمل ولمخاطره إلى إرتفاع حوادث الشغل المرن.
هكذا نرى كيف أن المرونة التي طبقتها ارباب العمل على أوسع نطاق، ضاربة عرض الحائط بقانون الشغل نفسه، بتواطؤ مفضوح مع الدولة، والتي تسعى إلى تكريسها قانونيا عبر المدونة، إنما هي حرب ضروس على صحة وسلامة العمال. وهذا طبعا باسم تنافسية الإقتصاد «الوطني»
إن حماية الطبقة العاملة من حوادث الشغل وأمراضه يتطلب قبل كل شيء خفض ساعات العمل إلى 35 في الأسبوع ومراقبة العمال للوثائر وثانيا تعميم لجان الوقاية والسلامة لأن العمال أدرى بما يهدد صحتهم في العمل وأن يكون لها حق الإعتراض ووقف فوري لكل عمل خطير واستقلال طب الشغل عن أرباب العمل وإخضاعه لرقابة نقابات العمال ولجان السلامة.

حوادث السير كمشكل صحي:

أدت حوادث السير سنة 1998 بالمغرب إلى سقوط 65 ألف ضحية منهم 3240 قتيل مسجلة بذلك إرتفاعا قدره 3.5%. من المسؤول عن عمليات القتل هذه؟
بالنسبة لما هو سائد يعتبر السائق مسؤولا بسبب ولعه بالسرعة وتعطشه للقوة ونقص الحذر لديه وقلة وعيه، وعدم إستعماله حزام السلامة وشرب الخمر، لا ينضبط. وهناك أيضا النقص التقني لعناصر التي تعزز سلامة السيارات والحالة السيئة لشبكة الطرق. الواقع أن المسؤولية الرئيسية تتقاسمها مختلف مجموعات الإنتاج (التروستات الصناعية) والسلطة المتداخلة تداخلا وثيقا على المستوى الوطني والدولي بالدول الرأسمالية الصناعية. وهذه المجموعات هي أولا شركات صناعة السيارات، والطرقات والتروستات البترولية وصناع ومالكوا الشاحنات وشركات البناء والأشغال العمومية كما أن المسؤولين هم بدرجة أكبر الحكومات الرأسمالية التي لها خيارات سياسية واعية بالخصوص تفضيل النقل عبر الطرقات نظرا لمردوده الإقتصادي الأكبر مقارنة مع النقل في السكك الحديدية الذي يقل خطورة. ثم الأفضلية الممنوحة للسيارات الفردية الخاصة على حساب النقل الجماعي العمومي. ثم هناك الشروط القاسية للسكن الحضري والتي تدفع السكان لعمليات هروب أسبوعية أو سنوية في الغالب إلى نفس المكان (الغابات والشواطئ) إضافة إلى الصورة التي يعطيها الإشهار عن السيارات والسرعة كرمز للقوة والنجاح.
رغم الضجة المفتعلة حول الوقاية من حوادث السير لا تتخد الإجراءات الحقيقية لاتقاء القسم الأكبر منها: وأول الإجراءات هذه تحسين سلامة السيارات. وهو ما يتم تفاديه من قبل صانعيها لأنه ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار مما يخفض الطلب على السيارات. والإجراء الثاني هو الحد أوتوماتيكيا من سرعة السيارات وتحسين شروط عمل وأجور سائقي الشاحنات وبالخصوص التغيير الجذري لمجموع سياسة النقل الفردي والجماعي.

وفيات الشغل وحوادث السير، وهما في الجوهر صنف واحد، يعبر عنها بكيفية أفضل النسب التالية المسجلة بالمغرب: تمثل الحوادث وتسمم وصدمات: 13.2% من الذكور و5.9% من الإناث سنة 1996 من مجموع الوفيات وهو من النسب الكبيرة ضمن أسباب الوفاة.

ثالثا: الحالة الصحية لكادحي المغرب:

إن عوامل تردي صحة الكادحين كامنة في ظروف حياتهم: فجميع أسباب المرض واستحالة مقاومتها قائمة في الفقر والجهل والإستغلال الفاحش وسياسة الدولة المعادية لما هو إجتماعي. لا غرابة إذن في خطورة الوضع الصحي لغالبية السكان.
إن الدولة توفر للميكروبات والفيروسات كل شروط الإنتشار والفتك بالبشر. تقوي أسباب المرض (الفقرات السابقة) وتضعف قدرة الإنسان على المقاومة (الفقرة التالية).
لا يوجد، حسب علمنا، أي تشخيص دقيق ومتكامل للحالة الصحية للمغاربة، بل يعمل واضعو الأرقام على إخفاء نتائج أقبح أوجه السياسة الطبقية الإجرامية. إن كل المعطيات هي ما رصدته المؤسسات المعنية بالصحة، بينما قسم من الشعب ما زال يتداوى بالأساليب العتيقة المرتكزة في معظمها على الخرافة والشعوذة، لاسيما في الأرياف. ولا شك أن إلغاء مجانية خدمات الصحة الهزيلة أصلا سينمي ظاهرة "الطب" اللا علمي.
يمكن إدراك حجم الكارثة التي حلت بغالبية المغاربة، بعد أكثر من أربعين سنة من الإستقلال، من خلال أرقام الدولة نفسها. فالتدهور بلغ مستوى لا يمكن حجبه. ويتجلى في الوضع الصحي للأمهات والأطفال:


أ) المرأة والطفل:
- نسبة وفيات الأطفال بالمغرب: أقل من سنة : 57.3 وفاة في كل ألف ولادة وهي في كوبا البلد المحاصر من طرف أمريكا لا يتعدى 10 وفيات من كل ألف ولادة. ترجع أسباب وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات إلى الإسهال (39%) والأمراض المعدية (22%) والأمراض التنفسية الحادة (14%). ويواجه المفلتون من الموت مصاعب للإستمرار في الحياة فثلث الأطفال يعانون من مشاكل غذائية سنة 1987 (28.2% منهم يعانون من تأخر النمو (القامة بالمقارنة بالسن) و3.1% يعانون من مشكل سوء التغذية الحاد (الوزن بالمقارنة بالسن)
- نسبة وفيات الأمهات: ما بين سنة 85 و91: 332 وفاة لكل 100ألف ولادة وأسباب هذه الوفيات: النزيف الدموي (28%) وارتفاع الضغط الدموي (17%) تمزق الرحم (11%) التعفنات (11%) ويرجع إرتفاع الوفيات إلى التردي العام الموصوف آنفا.
48% من النساء، تم توليدهن من طرف قابلات تقليديات سنة 1992. كما أن إحصاءات وزارة الصحة، في نفس السنة، تقر بأن 39.5% من نساء المدن و82.5% من نساء القرى، ولدن بغير مساعدة طبية أو مولدة.
عدد ولادات سنة 96: 449920، بينما النساء المستفيدات من تعويضات الأمومة من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي: 14919 أي بنسبة 03.3% .

أمراض كادحي المغرب وأوجه من مآسيها:

ينتشر الرماد الحبيبي انتشارا سريعا ومتزايدا بالمغرب حسب أرقام الدولة نفسها. (* عام 1992: 100705      * عام1993: 116235    * عام 1994: 213160 [160213]    * عام1995: 188774      * عام1996: 296860) أي ثلاثة أضعاف. (منها 10217 بأكادير إداوتنان)
هذا المرض مرتبط إرتباطا قويا بالفقر والإزدحام والأزبال والتخلف الحضاري. الذباب ينقل الفيروس من العيون وقد يصاب الطفل الوليد بهذا المرض عند خروجه من الممرات التناسلية المصابة لأمه.
الرمد: 19097 (التهاب الملتحمة: غشاء صفحة المقلة الخارجية وصفحة الأجفان الداخلية)
أبان بحث أجري سنة 1992 أن مليون ونصف مليون مغربي يعانون من نقص بصري عميق (195000أعمى و1300000 مهددون بالعمى.
2000000 في حاجة إلى نظارات لكن لا يتوفر عليها سوى 40%. وهناك حاجة إلى 502000 عملية جراحية للعينين… ونشير إلى أن عدد أطباء أمراض العيون لا يتجاوز 110.
السل: (*1992: 27429     *1993: 27626     *1994: 30316     *1995: 29829      *1996: 31771)
البلهارسيا: 446.       الملاريا: 105 .        الكباد الحموي: 2155 .   رثة مفصلية: 5195.       التهاب الأحاليل: 33269 .  وفي سنة 1992: 17977. الزهري: 4934.  السيدا: 306.
ودون الإغراق في الأرقام،  نثير مثالا بالغ الدلالة عن إهمال صحة الجماهير الشعبية ألا وهو: الإضطرابات الناتجة عن النقص في مادة اليود. لاسيما تضخم الغدة الدرقية والغباوة: سبب أضرارا بليغة بالسكان تجعل المغرب من بين البلدان ذات درجة خطورة متوسطة. بحيث أجري في مدينة أزيلال بحث أبان أن 65% من أطفال المدارس مصابون بتضخم الغدة الدرقية وأبان بحث آخر على المستوى الوطني وجود مناطق تبلغ فيها نسبة المصابين باضطرابات نقص اليود 40% وهي بالخصوص المناطق الجبلية. كما أبان أن 22% من أطفال فئة 6إلى 12 سنة مصابون بتضخم الغدة الدرقية وتبلغ النسبة في بعض المناطق 77.4% . الهيئات الدولية تعتبر أن تجاوز هذه النسبة 10% يجعل المشكل يستدعي حلا على المستوى الوطني.
من مظاهر إهمال صحة الجماهير، تأخر الاهتمام بهذا المشكل وتباطؤ اتخاذ الإجراءات اللازمة لحله، سيما أنها لا تتطلب جهدا كبيرا إذ يكفي تطعيم الملح بمادة اليود. وهو أمر غير مكلف. وجدة هي المدينة الوحيدة التي تنعدم فيها هذه الإضطرابات بفعل إستعمال سكانها لملح مصنوع من الجزائر يحتوي على مادة اليود.
مرضى القصور الكلوي:
 يبرز بوضوح تفاوت الناس أمام الموت: هذا المرض لا يفارق المريض إلا بزرع الكلية مما يجعله مضطرا للتصفية الآلية للدم مدى الحياة مما يعاني نفقات طائلة لا طاقة له بها. تتراوح حصة تصفية الدم إصطناعيا بين 300 و500 درهم، وهنا علينا أن نعيد إلى الأذهان أن الدخل الفردي الشهري لربع السكان لا يتعدى 300درهم.
بالمغرب 73 مركز لتصفية الدم (60% منها بالقطاع الخاص). ويبلغ عدد مرضى الذين يصفون الدم 2300 مريض فقط، بينما يوجد بالمغرب 9000 مريض في حاجة إلى تصفية الدم. حسب وزير الصحة عبد الواحد الفاسي.
ولسد الثغرة الناتجة عن تهرب الدولة من مسؤوليتها على صحة المغاربة المرضى بالقصور الكلوي، فإنها تلجأ إلى تسول المحسنين.
تجد السياسة الصحية تتويجها في أمل في الحياة: فهذا يبلغ 64.5 سنة بالمغرب (مقابل 67.1 بالجزائر و75 في كوبا). وكدا في عدد ونوع الوفيات، لذا نورد بعض المعطيات الدالة:

الوفيات:
الأمراض القاتلة بالمغرب: أمراض القلب والشرايين:21% من وفيات الذكور عام 96 و25.4% من الإناث. بمدينة الرباط أربع مصالح لأمراض القلب مجهزة ولا يوجد بمدينة الدار البيضاء أي مصلحة عمومية مختصة بأمراض القلب.
الأورام: 7.8% من الرجال و8.8 من الإناث سنة 1996
أمراض الطفولة الأولى : 21.8% من الذكور و 21.5% من الإناث عام 1995.
وفيات الأطفال بسبب ظروف عمل النساء ،الحوادث وتسمم وصدمات: 13.2% من الذكور و5.9% من الإناث سنة 1996.


رابعا: الجهاز الصحي بالمغرب:

يتجلى الطابع الطبقي في توازي نظامين عمومي وخاص. ورغم الضعف الأصلي للنظام العمومي فقد دأبت الدولة على مواصلة إضعافه وفتح مزيد من الأبواب أمام القطاع الخاص وتشجيعه. لقد أصبحت صحة المواطنين مجالا لاستثمار الأموال بغية تحقيق الأرباح: صناعة الدواء، مصحات خاصة، دور الأمومة خاصة، مختبرات، فحص بالأشعة...
يتبين خلال فحص ميزانية الدولة خلال 15 سنة الأخيرة (إلى غاية 1985) أنها تجاوزت 06% في الستينات لتنخفض إلى أقل من 05% إنطلاقا من 1974 وتجمدت في حوالي 04% منذ 1990، 04.9% سنة 1994 و4.8% سنة 1996.
ميزانية هذا العام المخصصة للصحة ارتفعت ب32% لكن هذه الزيادة تعود بالدرجة الأولى إلى ترقية وتعويضات الشغيلة. وليس إرتفاعا في الاعتمادات المخصصة لصحة المواطنين.
يلاحض أيضا أن اعتمادات وزارة الصحة برسم سنة 99-2000 المخصصة للمعدات والاستثمار تقل عن نظيرها الخاص بالداخلية أي أن الدولة تقتني من معدات لقمع وضبط ومراقبة المواطنين أكثر مما تقتني لوقايته وعلاجه. وينعكس ضعف مجهود الدولة في تمويل الصحة العمومية في النقص الكبير في البنية التحتية:
نسبة سرير لكل 100000 مواطن:   *1956: 168     *1968: 150      *1980: 125     سنة 1998 بلغ عدد الأسرة العمومية 23661 (قارن مع عدد السكان) 85 سرير لكل 1000000 مواطن
06.5% فقط من سكان القرى يتوفرون على مستوصف ويبعد ساعة تقريبا ل50% من السكان مقابل 10 من سكان المدن توجد في نفس الوضع.
مصحات وزارة الصحة 25 من المستشفيات العامة: إقليم 44 وجهوي6 المستشفيات الوطنية 12 توجد أغلبها بجهة الدار البيضاء والرباط.
مجموع عدد الأسرة بالمغرب: 25676 منها 18132 بالمستشفيات العامة و7544 بالمستشفيات المختصة.
ولا يكفي الحديث عن عدد المستشفيات، فنوعيتها تجعلها لا تستحق هذا الإسم:
29% من المؤسسات يتجاوز عمرها 50 سنة و28% تتراوح عمرها بين 30 و50 سنة
16% لم يمض على بنائها عشر سنوات (أرقام 1994).
تتعرض 40% من أجهزة الراديو لأعطاب متتالية.
عدد سيارات الإسعاف: 281 سيارة 50% منها تجاوز عمرها 8 سنوات بمعدل 5 لكل إقليم (60 عمالة وإقليم ).
من خصائص النظام الصحي طابعه الجغرافي المتفاوت أي تهميش مناطق بكاملها وترك سكانها عرضة للأمراض:
فالصحة تقتصر فقط على مدينة الرباط التي تتوفر على 3000 سرير إذ يوجد بها مستشفى إبن سيناء ومستشفى الشيخ زايد والمستشفى العسكري وكلها مجهزة بمختلف المعدات علما أن سكان الرباط لا يتجاوزون مليون نسمة في حين ان الدار البيضاء بأزيد من 5 ملايين نسمة ولا تتوفر على شيء.
عدد الأطباء:
بلغ العدد الإجمالي لأطباء القطاع الخاص 600 مقابل 4567 بالقطاع العام. وإذا إنتبهنا إلى تطور هذا العدد، نجد أن عدد أطباء القطاع الخاص إرتفع منذ 1995 بنسبة 29.6% بينما النسبة بالقطاع العام لا تتجاوز 9.8%. (سنة 1993: طبيب لكل 1000 مواطن جزائري مقابل طبيب لكل 3300 مواطن مغربي).
ويتجلى بوضوح لا مثيل له الطابع الطبقي للنظام الصحي في المغرب في الإهتمام الذي تناله صحة الشغيلة في أماكن العمل حيث يقضون القسم الأهم من حياتهم. فمن بين 610 ممارس لطب الشغل (منهم حتى بعض المندوبين الجهويين لوزارة الصحة) 11% فقط لهم دبلوم طب الشغل. في الصحة العمومية 35 طبيب شغل بدبلوم و30 منهم فقط يشتغل كامل الوقت. سنة 1998 تقدر لشغيلة حضرية ب5 ملايين مما يعني أن 93% من العمال لا يحميهم طب الشغل، أي التي تشغل أكثر من 50 عاملا، لا توجد مصلحة طبية سوى في 1500 منها. وأية مصلحة طبية؟ إنها مجرد أوكار للتواطؤ المكشوف بين أطباء الشغل وارباب العمل ضد صحة وحياة العمال. أما معدل الممرضين بالصحة العمومية فيبلغ ممرضا واحدا لكل 1083 مواطن (في فرنسا ممرض واحد لكل 200 مواطن).
أما قطاع الصيادلة، فقد تركته الدولة بالكامل للقطاع الخاص: 3547 صيدلي خاص مقابل 26 بالقطاع العام.
هذا الإزدهار في القطاع الخاص ناتج عن تردي القطاع العام سواء من ناحية ظروف العمل أو الأوضاع الإجتماعية للعاملين فيه، وفي نفس الوقت الإغراء الذي يمثله القطاع الخاص حيث تركت الدولة المصحات الخاصة تنهب المرضى وتراكم الثروات على حساب معاناتهم. وهذا نهج متواصل في عهد حكومة "التغيير" فوزير الصحة الحالي ينصح الأطباء المتخرجين بفتح محلات "لأنهم في القطاع الخاص سيعيشون أفضل من المراهنة على القطاع العام"، ويعتبر أنه لا يمكن للقطاع العام أن يستوعب كل الخريجين (600 في العام) متجاهلا مئات الاف المواطنين الذين يكابدون معاناة  آلام المرض، لاسيما في الجهات المهمشة (المغرب غير النافع) نزيف الأطر الطبية الكفأة من العام نحو الخاص: 40% من الأساتدة الجامعيين ممن تفوق أقدميتهم 15 سنة غادروا كلية الطب بالدار البيضاء نحو القطاع الخاص في بداية التسعينات. سنة 1996 غادر القطاع العام 3.6% من أطبائه (151 طبيب). ومنذ 1995 أصبح عدد أطباء القطاع الخاص يفوق عدد أطباء القطاع العام.
مخصصات الدولة لصحة المواطن (مستشفيات وتجهيزات وأطباء وممرضين وأدوية) يلمسها هذا بنفسه في الحياة اليومية: يحمل معه الأغطية إلى  المستشفى، يشتري جافيل والتيد والتغدية ولوازم التطبيب من حقن وأدوية ويؤدي سيارة الإسعاف ويخصص رشاوي لشراء بعض العناية من بعض المستخدمين بما فيهم بعض الأطباء الجراحين. هذا الإصطدام اليومي بالإستخفاف بصحة الشعب وتدمره من ذلك هو ما جعل الدكتور عز الدين الطاهري رئيس مصلحة أمراض القلب بمستشفى إبن رشد بالدار البيضاء يقول (جريدة الإتحاد الإشتراكي 14 يناير 2000): "إذا كانت هناك ثورة في المغرب فإنها ستبدأ من باب مستشفى إبن رشد، لأن المواطنين ساخطين على الوضعية".
جانب من النظام الصحي الذي ترعاه الدولة هو الشعودة. في ظل تملص الدولة والإلغاء التدريجي للمجانية، نجدها تتغاضى عن الآف المشعودين الذين يعملون في واضح النهار ويفتكون بصحة المواطنين ويرتكبون جرائم قتل ويعرقلون عمليا الطب الحديث عن أداء دوره في عدد من المجالات، لاسيما الصحة النفسية.
رغم هذا الوضع المأساوي لصحة غالبية المغاربة تواصل الدولة البورجوازية هجومها على الكادحين، فقد صدر بالجريدة الرسمية قبل عام مرسوم 30 مارس 99 الذي عنوانه العريض كل خدمة من داخل أي مؤسسة تابعة لوزارة الصحة لها مقابل.
وخلافا للتطبيل والتزمير الذي يحيط بالإجراءات الإجتماعية للحكومة ظل هذا المرسوم الذي يتم تطبيقه بالتدريج لتفادي إنفجار الغضب الشعبي، الضربة القاضية على ما تبقى من صحة عمومية.
أما شهادة الإحتياج التي صدرت بشأنها مذكرة مشتركة بين وزارة الصحة العمومية و وزارة الداخلية فيقتصر تعليقنا على أمرين:
• ستكون شهادة الإحتياج فرصة إضافية لإبتزاز المواطنين من طرف أعوان الداخلية الفاسدين.
• بالنسبة لأغلبية المغاربة تمثل بطاقة التعريف الوطنية شهادة إحتياج.

خامسا: من أجل صحة مجانية وجيدة:

في ظل الإستغلال المفرط للطبقة العاملة وعموم الكادحين وإجبارهم على العيش في البؤس والمرض، تتمثل وظيفة النظام الصحي القائم بالمغرب في:
1-  معالجة ناقصة وغير شاملة للعمال والعاملات ضحايا التنظيم الرأسمالي للعمل مع إخفاء الأسباب الحقيقية للأمراض.
2-  فتح مجال للاستثمار وتحقيق أرباح غزيرة، باختصار إستغلال المرض والمعاناة لتراكم الأرباح:
أداء الفحوصات والعلاجات والإسعاف وارباح في صناعة الدواء، تجارة التجهيزات الطبية والإستشفائية وإسناد عدد من الأشغال بالمستشفيات للقطاع الخاص: تنظيف، أغذية.
فلا لأرباح الرأسمالية في الصحة ومن أجل نظام وطني للصحة مخطط ديموقراطي ومراقب من العمال ومنظماتهم. إن قيام مثل هذا النظام تعوقه الديون الخارجية، لذا يجب إلغاؤها.
والإجراء الفوري المطلوب والمطروح النضال من أجله، على جميع المنظمات الشعبية، هو إلغاء مرسوم 99 والزيادة في ميزانية الصحة بما يتيح الزيادة في المستشفيات وتحسين الخدمات.
وتشغيل الطاقم الصحي الكافي بأجور لائقة وظروف عمل حسنة (35 ساعة عمل في الأسبوع). إن الطريق نحو النظام الصحي المطلوب يمر عبر تأمين كل قطاع العلاج والإستشفاء (مصحات خاصة).
تحمل الضمان الإجتماعي لكل نفقات الصحة ومجانية الدواء.
وسيكون هذا النظام بالضرورة، ثمرة نضال الكادحين بواسطة منظماتهم النقابية والسياسية، وسيمثل جزءا من تنظيم ديموقراطي حقيقي للمجتمع.
وستتكون بنيته الأساسية من مراكز عناية واستشفاء صغيرة في الأحياء والمقاولات، هاته المراكز ستتيح رقابة أسهل وتتفادى فصل المريض عن وسطه وتسمح بتطوير طب يواجه أسباب الأمراض وليس الأعراض فقط وسيكون لهذه المراكز ثلاث وظائف : الإعلام حول الصحة والوقاية والعلاج مع مصلحة إستعجال ليل نهار.
كما أن رقابة العمال على المؤسسات الصحية، لن يقتصر على العاملين في قطاع الصحة، بل يستتبع مشاركة المنظمات العمالية الجماهبيرية وحركات النساء وجمعيات الأحياء ومنظمات الشباب. وستمارس هذه الرقابة على ظروف العمل والممارسة الطبية وعلى حجم الميزانية واستعمالها.
إن غياب التربية الصحية المطابقة للمعارف العلمية والتقنية، هو الذي يسهل خضوع العمال والمرضى للأطباء. وحدها تربية صحية جماهيرية يضطلع بها العاملون بالصحة سيسمح بنزع طابع الغرابة عن الطب ويجب على هذه التربية أن تشمل أيضا تعلم وضائف الجسم وأصل الأمراض وعواقب الشغل والبيئة وكذلك التمرين على الطب الوقائي وممارسة العلاجات.
لأجل هذا يجب إلغاء الإمتيازات التي تدافع عنها بشراسة الفئة الطبية المغلقة التي تحد من الوصول إلى المعارف والممارسة الطبية: هيأة الأطباء حارسة الطب الرأسمالي.
يجب حل هذه الهيأة فورا وفتح مجال الدراسات الطبية أمام الجميع ولكي تصبح الصحة شأنا للجميع يجب إقامة نظام تكوين متعدد الكفاءات لصالح العاملين في الصحة تمتزج فيه فترات العمل وفترة التكوين وموجه نحو إيصال معارفه نحو التربية الصحية الجماهيرية.


المراجع:
• النشرة الإحصائية للمغرب 1999
• المسألة الصحية بالمغرب: محمد حساوي جريدة المنظمة الأعاد 824 إلى 827 (فبراير 2000)
• التقرير الإستراتيجي للمغرب 1997-1998
• Les droits économiques, sociaux et culturels au Maroc –A. Boudhrain 1999
• أمراض الفقر. المشكلات الصحية في العالم الثالث بقلم الدكتور فليب عطية . سلسلة عالم المعرفة ماي 1992- الكويت
• La médcine en question. G Caro. Ed Maspero
• Les risques de travail
•  Ed La découverte Paris 1985
 

 



#نادي_التثقيف_العمالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الامريكية شجرة تخفي ...
- العولمة الرأسمالية الهجوم المقاومة البــديـــل


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - نادي التثقيف العمالي - الوضع الصحي للكادحين من أجل خدمات صحية ومجانية للكادحين