أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث زيدان - إعادة تشكيل بناء العراق .. إلى أين ؟















المزيد.....


إعادة تشكيل بناء العراق .. إلى أين ؟


ليث زيدان

الحوار المتمدن-العدد: 1946 - 2007 / 6 / 14 - 12:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اولاً : تشخيص الحاله العراقية :-
" لن نصبح بشراً الا اذا أصبحنا مواطنين " جان جاك روسو .
اذا كانت مقوله ( روسو ) هذه صحيحه ، فإن التساؤلات التي كان يطرحها بعضنا حول تسليم بغداد لمفاتيحها للمارينز الأمريكي بكل سهوله ويسر - لماذا حدث ما حدث ؟ اين القوات والشعب العراقي الحر المدافع عن شرف الارض العراقية ؟ لماذا هذا السلب والنهب الواقع على الدوائر والمؤسسات الحكومية ؟ وغيرها وغيرها - هي تساؤلات قد نظلم بها الشعب العراقي اذا اطلبنا منه حتى الاجابة عليها ، فشعور العراقيين بأنهم ليسوا بشراً - على افتراض انهم لم يتمتعوا بالمواطنه في ظل نظام حكم صدام حسين - هو الذي ادى الى سقوط النظام والدولة في حربها مع الغزاه الأمريكان . فلماذا يطالب الشعب العراقي بالصمود في وجه الغزاه وهو يعيش تحت نير العبوديه والوثينه السياسية ! وهل هو مطالب بالدفاع عن عرش صدام حسين المنهار والذي بني على ذبح ابناء الشعب العراقي ودفنهم في مقابر جماعية ! .
بتقديري لم يكن هناك ثمه امكانيه في الصمود للشعب العراقي طالما كان يعيش في ظل قيود فرضها النظام عليه ، وهو ما اشار اليه المفكر عبد الرحمن الكوكبي في كتابه " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " ، عندما قام بالتنبيه على ان لا امل في الصمود لمن يعيشون في القيود ، فالعراقيون لم ينعموا بطعم الحريه في يوم من الايام ، ولا استشيروا في اداره شؤون حياتهم ووطنهم ولا احترمت مواطنتهم وكرامتهم من طرف حكامهم ، فولدوا وعاشوا في مذله فكان انكسار نظام الحكم هو النتيجه الطبيعيه .
ان ما يعاني منه العراق هو ما سماه فرانسيس فوكوياما " بأوجه الضعف في الدول القوية " وهو انعدام الشرعيه السياسيه ، وإهدار حريه الفرد ، وكل دوله تعاني من ذلك فهي عرضه للسقوط مهما كانت قوتها .
والان وبعد سقوط العراق ، اصبحت هناك حاجه لاعاده بناء وتشكيل العراق كدوله يتحقق فيها تعزيز الهويه الجامعة القوميه بدون طمس الهويات الاخرى ، وتحقيق السلام الداخلي بين الطوائف والاثنيات والهويات الاخرى ، وتعزيز فكره وروح المواطنه بدون الغاء التعدديه في المجتمع .
بالتاكيد ان القول بان الحل يكمن في دوله عراقيه ديمقراطيه اصبح من الامور البديهيه والدارجه على لسان كل سياسي ومفكر ومثقف ، ولكن السؤال المطروح ، كيف يمكن ان يحدث ذلك ؟ فالدوله الديمقراطيه لن تنزل على العراقيين من السماء ، وانما ستولد عبر مخاض صعب ، وانا بتقديري بأن امام العراقيين فرصه تاريخيه يجب استغلالها لبناء دولتهم الديمقراطيه ، فأحدى أليات التحول الديمقراطي كما يقول ( هانتنجتون ) هي التدخل الخارجي او الاجنبي ، وانا ، برأي لا بد من الاستفاده من هذه الاليه لتحقيق التحول الديمقراطي .
اعتقد بان الشعب العراقي يواجه مهمه شاقه للغايه ومحفوظه بالمخاطر ، ويجب أن يقوم بها بحذر شديد ، فالمعطيات تشير الى تخبط وتنافس وصراع يسود العراق في هذه المرحله على مستوى الأحزاب والاعراق .
فالاحزاب والقوى السياسية التي ظهرت بعد سقوط نظام صدام منهمكة في تثبيت وتعزيز وجودها
في الشارع والمدن العراقيه ، وبدون أن يكون لديها رؤيه ناضجه للتعامل مع هذه المرحله ، كما أن حجم التباينات في مواقفها السياسيه لا تشير الى التفاؤل في امكانيه المشاركة في مشروع سياسي شامل لانقاذ العراق واقامة سلطه مركزيه ونظام يحظى بالاجماع الوطني ، فهناك خلافات جذريه عميقه بين الأحزاب في منطلقاتها وسياساتها .
وبالنسبه للاعراق التي يتكون منها المجتمع العراقي ، فهي ايضاً تتسابق في تعزيز اسمها على الارض وعلى الحلبه السياسيه ، ومنها ما يمارس عمليه تطهير عرقي واضح ، كما هو الحال في شمال العراق ووسطه ، ومنها من يقول نحن في عراق موحد ، ومنها من يقول نحن عراق متعدد الاعراق ، وان المشاركه يجب أن تكون نسبه وتناسب مع عدد السكان وغيرها من الخلافات العراقيه .
الا أن ذلك لا يعني على الاطلاق أن مهمه بناء دوله عراقيه ديمقراطيه باتت مستحيله ، فالشعب العراقي يملك القدرة على إقامة وأدراة مؤسسات جديده ستكون ضروريه للحلول محل هيكليه النظام العراقي القديم ، فهو يملك مقومات ذلك ، فالعراق من اوسع الدول العربيه ثراءً ، واحسنها تعليماً ، واكبرها استثماراً في البحث العلمي ، اضافة الى ارث تاريخي عظيم يبعث على احترام الذات الذي هو منبع كل ابداع وبناء ، فهذه المقومات اذا استغلت كما يجب ، فستجعل من العراق قوة عظيمة لدفع عجله الديمقراطيه واعادة البناء الاقتصادي .
ثانياً : نظرياً : ما هو مطلوب عراقياً :-
أستطيع القول بان السبب الرئيسي لما حدث في العراق ، هو طبيعه السلطه الشموليه والممارسه التاريخيه المترتبه عليها ، فهذه السلطه نظرت الى نفسها بوصفها التعبير الكلي عن المجتمع ، لتصبح درجه الولاء للسلطه هي المعيار الحاسم للمواطنه والوطنيه ، ودرجه المعارضه لها المعيار الحاسم للتآمر عليها .
واعاده الامور الى طبيعتها في العراق ، يقضي بالضرورة تحقيق معايير العمليه الديمقراطيه والقائمة على اربعه عناصر رئيسيه – كما تحدث عنها روبرت دال – هي :،
1- المساهمة الفاعله : فيجب توفير الفرصه المناسبه والمتساويه مع الاخرين لكل مواطن للمشاركة والتعبير عن رغباته واماله وطرح الاسئله على جدول الاعمال والتعبير عن الاسباب التي دفعته الى اقرار نتيجه معينه .
2- المساواه في الاقتراع في المرحله الحاسمه : وهي المرحله التي تحدد فيها الاختيارات ، فيجب أن يوفر لكل مواطن مساواه في التصويت مع غيره حتى يتمكن من التعبير عن اختياره بشكل متكافئ مع غيره ، وبذلك يتم توفير حمايه للمساواه الذاتيه للمواطنين .
3- الفهم المستنير : وهو أن يتوفر لكل المواطنين الحق بإكتساب المعلومات بصورة متساويه تمكنهم من الامور المراد اتخاذ القرار بشانها ، فالمواطنون ليسوا جميعاً مؤهلين كما ينبغي ، فقد يختارون غايات كانوا سيرفضونها لو انهم اكثر علماً وادراكاً ، وبالتالي فالتنوير الفكري مهم للعمليه الديمقراطيه من خلال طرق واساليب كالتعليم والمناقشات العامه .
4- مراقبه جدول الاعمال :- بمعنى أن يكون هناك سيطره نهائيه من قبل الشعب على جدول الاعمال بحيث تتوفر لهم الفرصه لاتخاذ القرار حول الكيفيه التي يتمو بموجبها وضع القضايا على جدول الاعمال التي يراد اصدار قرار بخصوصها عن طريق العمليه الديمقراطيه ، فالشعب هو صاحب السيادة ، واذا لم يكن كذلك فلن تكتمل العمليه الديمقراطيه وستصبح مسيره من قبل مجموعه معينه ، بحيث تضع ما تريد على جدول الاعمال ، فتصبح العمليه الديمقراطيه صوريه .
وتحقيق العمليه الديمقراطيه هذه يستلزمها شرطاً ضرورياً يتمثل بالمجتمع المدني ، فالمجتمع المدني – كما يقول عزمي بشاره – " يقود الى الديمقراطيه لانه هو عمليه تطور الديمقراطيه نفسها " وتحقيق المجتمع المدني يستلزم استعاده العناصر الاساسية المكونة له وتأكيد حضورها الفاعل ، عناصر من مثل، الفرد الحر المستقل ، الذات الفاعله ، المواطنه ، الحقوق بأجيالها الثلاثة.
وحتى يكون تاسيس المجتمع المدني شرعياً يجب أن يستند على قاعده الشعب والمجتمع الحر القائم على منظمومه الافراد الاحرار ( المواطنين ) الذين هم اساس الشرعية ، وهذا يفترض بالضرورة وضع المصير الراهن والمستقبل بين ايديهم وتمكينهم منه ، وذلك من خلال قيام المجتمع المدني على قاعده الحقوق الاساسية للانسان ، في إطار المركب الثلاثي ( السوق ، الدوله ، المجتمع ) ، وفي انتظام الافراد الطوعي المستقل عن الدوله والسوق معاً في كافه علاقاتهم الاجتماعية .
وقاعده الحقوق الاساسيه للانسان هذه ، وما ترتبه من حريات ، هي العلاقه أو الارتباط ما بين النظام الديمقراطي والمجتمع المدني ، التي تقوم على القوانين ، فالنظام الديمقراطي يمثل حصانات على شكل حقوق ويعطي حريات في نطاق معين ضمن حدود تضعها القوانين ، وفي نفس الوقت اذا كان المجتمع المدني هو الحيز العام الذي يسمح للافراد بممارسه نشاطاتهم ، فإن الذي يضمن وجود هذا الحيز وتوسيعه او تضييقه ، هو القوانين وما تتضمنة من حقوق وحريات ، وبالتالي فالقوانين مهمة لاستقرار المجتمع المدني ، والمهم فيها هو مضمونها وما تحتويه من حقوق وحريات ، والقوانين ايضاً مهمه لاستقرار المجتمع المدني ، والمهم فيها هو مضمونها وما تحتويه من حقوق وحريات . والقوانين ايضاً مهمه لتعزيز المواطنه التي تقوم بالاساس على تواجد الفرد داخل المجتمع بصفته كياناً حقوقياً حراً مستقلاً عن علاقاته الارثيه والدينيه والعرقيه وغيرها ، وبالتالي فالانتماء يتعزز ، من خلال هذه الحقوق والحريات ، للدوله وليس للنظام او الرئيس او الدين ، بعد اعاده رسم العلاقه بين الفرد والمجتمع من خلال هذه القوانين ، وهذا الانتماء سيؤدي بالضرورة الى ظهور هوية قومية جامعه لكل المواطنين ، وهذا لا يمنع من وجود هويات اخرى بداخل المجتمع .
واذا كان المجتمع المدني يقوم على تعزيز فكرة وروح المواطنه فهذا لا يعني الغاء التعدديه في المجتمع ، بل على العكس تماماً فهو يعزز المواطنه والتعدديه في أن واحد
فالمجتمع المدني هو ، من حيث المبدا ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين افراده من جهه ، وبينهم وبين الدوله من جهه اخرى . وهي علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع والتعاقد والتراضي والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسؤوليات ومحاسبه الدوله في كافه الاوقات التي يستدعي فيها الامر محاسبتها .
ومن جهه اجرائيه ، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي ، لكي يكون ذا جدوى ، أن يتجسد في مؤسسات طوعيه سياسية واجتماعيه واقتصاديه وثقافيه وحقوقيه متعدده ، تشكل في مجموعها القاعده الاساسيه التي ترتكز عليها مشروعيه الدوله من جهه ، ووسيله الضغط عليها ومحاسبتها من جهه اخرى ، ومن الضروري حتى تكون هذه المؤسسات ذات فاعليه ومضمون أن تعمل على تعزيز حق المواطنه الذي يشمل حق المساواه امام القانون ، وحق الاجتماع والتنظيم في احزاب او اتحادات ، والمشاركة في الحياه العامه ومراقبة مسيرتها والمساهمة في تصحيح الخلل الذي يحدث فيها ، والاهم من ذلك أن تتفكك الجماعات العضويه القائمه على العرق او العشيره او المذهب او الطائفه او غيرها ، الى مواطنين لهم شخصياتهم الحقوقيه والسياسيه والاجتماعيه والثقافيه بوصفها كائنات انسانيه مستقلة ذات سيادة ومتعاضدة ، وتنتمي إلى معاييرها الإنسانية ، وليس إلى معايير تلك الجماعات التي كانوا مندمجين عضوياً فيها .
وإن دل ذلك على شيء ، فإن أهم ما يدل عليه هو أن المجتمع المدني يرتكز على قاعدة أساسية هي التعددية ، حيث لا يحق لأحد وفقاً للمعنى الأول ، الادعاء بأنه يملك الحقيقة كلها ، وبالتالي لا يحق لأحد مصادرة آراء وأفكار ومعتقدات الآخر .
وبالنسبة للمعنى الثاني ، فإن التعددية واقعة أساسية داخل المجتمع ، فالمجتمع منقسم عمودياً إلى فئات وطبقات تتمايز في الملكية والنفوذ والمشاركة في عملية الإنتاج ، وأفقياً إلى جماعات أثنيه ودينية ولغوية ومذهبية ... ذات ثقافات متنوعة ، الأمر الذي يستدعي إعطاء المشروعية لكل هذه التنوعات والتباينات لتعبر عن نفسها في صيغ مختلفة ، ثقافية واجتماعية وسياسية وغيرها ، بحيث يكون المجتمع المدني على هذا الأساس ميداناً رحباً لتنافس القوى والتيارات الاجتماعية والسياسية والثقافية ، ذات المصالح والرؤى والمواقف المختلفة ، من أجل صياغة أفضل للإجابات للمشكلات المطروحة وتقديم أنجح الحلول لها .
هناك عنصر مهم آخر من عناصر عملية إعادة البناء ، وهو الهوية الثقافية ، التي تلعب دوراً مهماً في إطار المجتمع المدني من خلال تحقيق الهيمنة الفكرية والثقافية على المجتمع ، ولذلك لا بد من وجود هوية ثقافية عراقية تعزز الهوية الجامعة القومية للعراقيين ، وأن تكون مبنية على أطر ثقافية عراقية جديدة خالية من كل مفردات التطرف والعنصرية وفردية الرمز ، ومبنية على فضيلة التسامح التي لا يمكن لأي نظام ديمقراطي البقاء بدونها ، إذا كانت هناك نية صادقة للمصالحة ، فبهذا تبنى ثقافة عراقية ديمقراطية موحدة ، تحترم فيها خصوصية التعايش السلمي في العراق ، وتعميق الشعور بالحرية وقبول الآخر ، والتفكير بكيفية بناء مجتمع مؤسساتي ، تلتغي فيه الفردية وحالة جمع السلطات وما يرافقها من خرق متعمد لكل حقوق الإنسان ، وهذا يستلزم تغيير المناهج الدراسية ، والتركيز على حقوق الإنسان والديمقراطية ، وحرية التعبير والتعددية ، وفصل المثقف عن السلطة بحيث يكون له وضع مستقل مادياً واعتبارياً يوفر له فرصة الإبداع .
بقي أن نقول ، أن الاقتصاد من ا لعناصر المهمة في عملية إعادة البناء المنشودة ، ولا بد من التأكيد على ضرورة أن يكون اقتصاد سوق حر ، لأن ذلك يعني بالضرورة خصخصة السلطة العامة ، بحيث لا يتحكم فيه جهة واحدة أو فرد واحد ، وإنما هي خصخصة موجودة في أكثر من جهة ، وموزعة على أكثر من جهة .
فإذن المطلوب عراقياً ، عملية ديمقراطية تشمل نظام المؤسسات وضمانات الحقوق الأساسية التي يشترك بها كل أبناء الشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبه وأعراقه ، ومجتمع مدني يوفر المواطنة ويعزز التعددية ، قوانين تتضمن الحقوق والحريات بما تنسجم مع المجتمع المدني الجديد ، وسيادة القانون واستقلال القضاء ، وحق المشاركة السياسية ، وتعزيز هوية ثقافية وديمقراطية ، واقتصاد سوق حر .
اعتقد بأن هذه الأفكار النظرية التي تمثل عناصر إعادة البناء لدولة العراق ، ضرورية ولكنها بالتأكيد غير كافية ، فيستلزم لتحقيقها خطوات عملية نحو بناء دولة العراق الديمقراطية ، فكيف يتم ذلك ؟
ثالثاً : النموذج العملي لعراق ديمقراطي :
بداية لا بد من التأكيد على أن عملية بناء دولة عراقية ديمقراطية ، ستكون شبه مستحيلة في ظل احتلال أمريكي – بريطاني للعراق ، ويكفي هنا أن أذكّر بمقولة محمد حسنين هيكل "ليس هناك ديمقراطية في وطن ، إذا كان الوطن نفسه يفتقد حريته" ؛ لذلك فهذا النموذج العملي يفترض أولاً إنهاء الاحتلال الأمريكي ، ويقسم بعد ذلك عملية إعادة بناء دولة العراق على مرحلتين :
المرحلة الأولى : مرحلة السلطة الانتقالية (السلطة التأسيسية) : والتي يجب أن تكون الإدارة فيها إدارة عراقية مدنية وليست إدارة عسكرية ، لتدبير أمور البلد خلال المرحلة الانتقالية ، وينبغي أن تعمل هذه الحكومة المؤقتة ، المكونة من الفنيين المؤهلين ، بتوجيه من مجلس مستقل يتم اختيار أعضائه بعد مشاورات وحوارات يجريها العراقيين المنتميين إلى جميع المشارب السياسية ، فلا بد من استشارة الأغلبية الضخمة من العراقيين الموجودة داخل العراق قبل تنصيب أي سلطة فيها .
وستكون أولى مهمات هذه السلطة الانتقالية ، لإقامة ديمقراطية مقبولة ، هي إنهاء النظام القديم المستبد بكوادره ودعائمه وتطهير أجهزة الدولة ووسائل الإعلام منها ، واستبدالهم بالإصلاحيين الديمقراطيين ، وذلك حتى تسير عملية التحول الديمقراطي بشكل سليم وحقيقي ، وهو ما تحدث عنه هانتنجتون في كتابه (الموجة الثالثة) .
وبعد ذلك يجب أن تستكمل مهمات الإدارة الانتقالية الرئيسية والمتمثلة في المحافظة على القانون والنظام والدفاع عن وحدة وسلامة الأراضي العراقية وسيادتها ، وتوفير الخدمات الضرورية ، وإنعاش الاقتصاد ، والإعداد للانتخابات ، وسيكون من الضروري اتخاذ خطوات فورية بتمكين الأفراد من المشاركة بحرية في النشاط السياسي (كتأسيس الأحزاب السياسية) ، ويجب على الإدارة الانتقالية أن تسن قانون انتخابي على أساس تمتع جميع الراشدين بحق الاقتراع ليقوموا ، تحت إشراف دولي ، بانتخاب مجلس تشريعي تكون مهمته الأولى صياغة الدستور الذي سيكون بمثابة العقد الاجتماعي الجديد الذي سيضمن تحقيق السلام الداخلي بين الطوائف والأثنيات والهويات الأخرى ، من خلال شموله على ضمانات للحقوق الإنسانية الأساسية ، وحقوق الأقليات والأعراق المختلفة (فالديمقراطية التي تعني حكم الأغلبية ، لا تكفي لحماية حقوق الأقليات ، لذلك يجب أن تحمى حقوقهم دستورياً) ، ويؤمن هذا الدستور إجراء انتخابات بصورة دورية وعادلة ونزيهة بما يكفل التداول على السلطة سلمياً ، ويضمن إخضاع المؤسسة العسكرية للحكومة المدنية ، كما ينبغي أن يضمن حكم القانون في ظل نظام قضائي مستقل ، كما يجب أن يحظر التعذيب والإعدام الغير مبرر قانوناً ، والعقوبات المهينة والاعتقال العشوائي وغيرها من الانتهاكات الرئيسية التي كانت تمارس بحق الشعب العراقي في العهد السابق .
ويجب عرض صيغة الدستور (العقد الاجتماعي الجديد) على الشعب العراقي لإجراء الاستفتاء عليه ، تحت إشراف دولي ، وعند ذلك يمكن إجراء الانتخابات لاختيار أول حكومة ديمقراطية في العراق .
ولكن السؤال المطروح هنا ، ما هو شكل أو نوع الدولة الذي يكفل تحقيق عناصر إعادة البناء للدولة العراقية – التي ذكرت سابقاً – والتي تهدف إلى تعزيز الهوية الجامعة القومية ، وتحقيق السلام الداخلي بين الطوائف والأعراق والأديان والهويات الأخرى ، وتعزيز مفهوم المواطنة والتعددية في آن واحد ؟
المرحلة الثانية : الصيغة الفيدرالية لحكم دولة العراق الديمقراطية :
أعتقد بأن الصيغة الفيدرالية هي الصيغة المثالية لضمان وحدة الدولة العراقية الجديدة ، فالنظام الفيدرالي غايته الأولى صنع التعددية والمشاركة الفاعلة الحقيقية في الحياة السياسية بصورة ديمقراطية وعادلة وتحقيق مأسسه الدولة في ظل القانون والرقابة الدستورية .
إن النظام الفيدرالي يحقق التوازن بين السلطة المركزية والسلطات المحلية لكل ولاية ، فيكون للحكومات المحلية للأقاليم تمثيل في مركز القرار في السلطة المركزية ، هذا إلى جانب الإدارة الذاتية للإقليم ، مما يحقق التوازن في العلاقة ويوسع المشاركة في إدارة الدولة ، ويلغي دور الفرد في الحكم ، ويعزز حكم الجماعة من خلال المؤسسات الدستورية ، وبالتالي لا يمكن أن توجد شخصنة في الحكم مع النظام الفيدرالي لأن النظامين نقيضان لا يجتمعان .
والفيدرالية هي أفضل وسيلة في إدارة الدولة التي فيها أكثر من قومية أو طوائف أو مذاهب متعددة ، خاصة إذا كانت الحريات والحقوق معطلة كلياً في الدولة ، ففي الفيدرالية احترام للتعددية القومية والدينية والمذهبية والسياسية ، وهذا يعني أنها ضرورية لتحقيق السلام الداخلي بين هذه الطوائف والقوميات ، والنظام الفيدرالي يقوم على توزيع الثروات الوطنية توزيعاً عادلاً يصب في خدمة الإنسان وفي تأسيس وبناء قواعد المجتمع المدني .
والفيدرالية طريقة قانونية للحكم قائمة على تفعيل دور المؤسسات الدستورية ، وليست تقسيماً للدولة بدليل أن النظام الفيدرالي يقوم على الاتحاد الاختياري ووفقاً للقانون والدستور الدائم الذي يحدد الحقوق والواجبات لكل طرف ، وإذا كانت الدولة التي تختار هذا الطريق للحكم ، فلماذا الخوف من التجزئة ! ثم أن الدولة التي تختار هذا الأسلوب ، لا بد أن تقوم على نظام المؤسسات الدستورية وحكم الجماعة في إدارة الدولة ، وليس على حكم الفرد أو الأقلية مما يجعل الضمانات موجودة في تطبيق وسريان القانون وشيوع الحكم المؤسسي والفصل بين السلطات مما يقلص من فرص الاضطهاد أو الاستبداد والظلم الذي يعتبر السبب في التجزئة ، كما سيجعل توظيف موارد الدولة لخدمة أبنائها دون إهدار أو انفاق في اتجاهات تضر بأبناء الوطن الواحد ، سبباً للوحدة وليس للتجزئة ، وأخيراً أن الدولة التي تختار الفيدرالية ، تقوم على مقومات الوحدة والشراكة في الوطن ، وعلى مقومات تضمن هذه الوحدة وتقف ضد التقسيم والتجزئة وهي مثلاً ، وحدة الشعب في الدولة ضمن حقوق متساوية يحددها الدستور الدائم والقوانين المختصة التي ترسم حقوق وواجبات المواطنة ، وحدة إقليم الدولة ووحدة العملة ووحدة المؤسسات العسكرية ووحدة القوانين والقضاء ووحدة التمثيل الخارجي والسفارات ووحدة العلم ووحدة الموازنة العامة والثروات والمعاهدات الدولية وغيرها تكون بيد وصلاحيات الدولة الفيدرالية المركزية ، وتكون باقي الأمور الإدارية للإقليم متروكة لشؤون الإقليم والحكومة الفيدرالية المحلية ، بما في ذلك إقرار دساتير محلية لا تتعارض مع الدستور الفيدرالي ، حيث سيكون هناك محكمة دستورية عليا فيدرالية تراقب تطبيق القانون وهي صاحبة الكلمة الأخيرة في المنازعات .
فإذن الفيدرالية هي نظام قانوني يقوم على أساس قواعد دستورية واضحة ، تضمن العيش المشترك لمختلف القوميات والأديان والمذاهب والأطياف ، ضمن دولة واحدة تديرها المؤسسات الدستورية في دولة القانون ، ولذلك فإن أقوى الدول اقتصادياً واستقراراً وأمناً هي الدول ذات النظام الفيدرالي مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، وكندا ، وسويسرا ، وغيرها



#ليث_زيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإفراج بالكفالة بين مطرقة الشارع وسندان القانون
- إنفلات أمني أم إنفلات سياسي وإجتماعي !
- ماذا نقصد بالسلام الديمقراطي ؟
- ماذا نريد من العقد الإجتماعي ؟
- عندما تتصارع الفيلة ، العشب يدفع الثمن
- حبيبتي .. وحدتي
- مساءلة الحكام في الإسلام
- مفهوم المواطنة في النظام الديمقراطي
- مفهوم المواطنة في النظام الديمقراطي - التربية المواطنية
- عوائق تكوين المجتمع المدني في الدول العربية


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث زيدان - إعادة تشكيل بناء العراق .. إلى أين ؟