تحديات جديدة

ساطع راجي

الحوار المتمدن-العدد: 1944 - 2007 / 6 / 12 - 11:57
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

مجموعة من التحديات الجديدة برزت أمام حكومة المالكي بعد المعلومات التي تكشفت عن حوارات وخطوات جرت بين عدد من التنظيمات والقوى والشخصيات العراقية في القاهرة أواخر شهر نيسان الماضي بهدف تشكيل جبهة لإحداث تغيير في العملية السياسية الجارية منذ أربعة أعوام، ولن تخفف محولات التملص أو التراجع التي قامت بها بعض القوى الموقعة على محاضر تشكيل الجبهة من أهمية وخطورة تلك التحديات، حتى لو لم تكن تلك (الجبهة) كيانا حقيقيا ومؤثرا أو أنها سجلت حالة وفاة مبكرة، فأنها ستبقى مؤشرا ليس على أسلوب وطريقة تفكير بعض الفاعلين السياسيين العراقيين فقط، ولكن أيضا على الطريقة التي تتعامل بها دول الجوار مع الملف العراقي، حيث تمت الاجتماعات بين تلك التنظيمات والقوى والشخصيات العراقية بدعوة ودعم وأحيانا ضغط من اكثر من دولة إقليمية ومجاورة، وتاريخ تلك الاجتماعات كان متزامنا مع الاستعدادات التي كانت جارية لعقد مؤتمري شرم الشيخ، وهما المؤتمران اللذان عولت عليهما الحكومة العراقية كثيرا في كسب الاعتراف والدعم الإقليمي والدولي، وفي الوقت الذي كان الدبلوماسيون والسياسيون العراقيون يحاولون إقناع اكبر عدد ممكن من الدول والمنظمات لحضور المؤتمرين وكذلك العمل على خفض أو إلغاء الديون العراقية، كانت بعض هذه الدول تحرض وتساعد على أحداث تغيير يصل حد الانقلاب في الوضع السياسي العراقي، وبتلخيص قد يبدو مؤلما، كانت الحكومة العراقية في حالة خديعة، ذلك أن كلمات المجاملة واللقاءات الصحفية المشتركة لم تكن أكاذيب فقط وإنما كانت ستارا لشيء آخر يحدث في السر، وبعض أولئك الذين كانوا يصافحون أعضاء الوفد العراقي بحرارة وحماس والابتسامات تعلو وجوههم، كانوا أيضا يخططون لقلب الوضع العراقي في غرف أخرى ربما ليست بعيدة عن تلك التي يقيم فيها الوفد العراقي، وهذه الصورة تضع كل تحركات العراق الدبلوماسية خلال السنوات المنصرمة أمام امتحان عسير، كما أنها تطرح على الحكومة العراقية سؤالا صعبا عن مصير علاقاتها مع بعض دول الجوار التي يبدو أنها غير مقتنعة بالمسار الذي تتخذه العملية السياسية في العراق، كما أنها غير مقتنعة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وإذا كان مصير علاقات العراق مع جيرانه هو إحدى هذه التحديات التي تواجه حكومة المالكي، فان التحدي الآخر يتمثل في الموقف الرسمي والقانوني الذي ستواجه به الحكومة أولئك الذين يتعاونون مع دول إقليمية لإحداث تغيير غير دستوري في العراق، سواء أكانوا أطرافا في العملية السياسية أم كانوا من خارجها، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تحالفهم أو حتى مجرد لقائهم بشخصيات متعاونة مع النظام السابق وفلوله بدون تفويض شرعي أو دستوري أو شعبي، أفلا يعد هذا خرقا للقانون، وخرقا أخلاقيا وسياسيا بالنسبة لأولئك المشتركين في الحكومة؟!.
قد لا يكون ما جرى أواخر نيسان في القاهرة إلا شكلا من أشكال الضغط، دفعت إليه مشاعر ومصالح إقليمية تحت غطاء أمريكي بسبب الحرج الداخلي لواشنطن، بهدف دفع الحكومة العراقية لإنجاز ما يطالب به الأمريكان أو دول الجوار، لكن صيغة الضغط هذه كانت فاضحة اكثر مما يجب وتمت بطريقة استفزازية، وهذا ما يذكر بتحد قديم/جديد تربص بحكومة المالكي منذ اشهر عديدة، وهو تحدي الضعف الذي تعانيه هذه الحكومة، الضعف الذي يسمح للكثيرين، عراقيين وغير عراقيين، باستفزازها والضغط عليها وعدم احترام التعهدات التي تبرم مع هذه الحكومة ولا حتى الصيغ العرفية في التعامل بين حكومات الدول المختلفة، حتى يبدو بعض أعضاء الحكومة أقوى وهم بصفتهم الشخصية أو التنظيمية أو الفئوية مما هم بصفتهم الحكومية، ومسؤولية هذا الضعف تقع بشكل جزئي على الأمريكان لكن الجزء الأكبر منها تتحمله مكونات الحكومة نفسها وبعضهم من اشد المتحمسين والمؤيدين للسيد المالكي، متصورين أن ضعف الحكومة يسمح لتنظيماتهم بالحفاظ على قوتها، لكن هذا غير صحيح خاصة بعدما تفاقم الضعف وصارت الاتهامات بالعنف والفساد وسوء الإدارة توجه علنا لهذا الطرف أو ذاك من الأطراف المكونة للحكومة.
إذا ما أردنا تحديد خارطة التحديات الجديدة التي تواجه الحكومة فأنها ستكون، خارجية تخص العلاقة بدول الجوار، وداخلية تتعلق بالقوى التي تريد الانقلاب على الدستور أو تهدد بذلك، وذاتية تتصل ببناء وفعالية الحكومة، ولو صمتت الحكومة العراقية أمام كل هذه التحديات أو اكتفى بعض مسؤوليها بالتهديد والوعيد، فأن مستقبل العملية السياسية في العراق، بل مستقبل العراق نفسه سيكون في دائرة الخطر المميت، فهذه التحديات تفوق كل التحديات السابقة بما فيها الإرهاب نفسه، لأن القوى التي بدأت تتطلع للإطاحة بالوضع في العراق من نوافذ أحد فنادق القاهرة اكثر خبرة في الدسائس والعنف الممنهج، كما أنها اكثر واقعية وقدرة على الحركة من معظم مكونات العنف والإرهاب الفاعلة على الساحة العراقية منذ سنوات، وهي أيضا تتجول بحرية في أروقة المؤسسة السياسية والأمنية العراقية الحالية.

#ساطع_راجي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل