أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - غادا السمان - غادا السمان خاضت المستنقع وكشفت زيف أسماء كبيرة وأدانتها















المزيد.....


غادا السمان خاضت المستنقع وكشفت زيف أسماء كبيرة وأدانتها


غادا السمان

الحوار المتمدن-العدد: 1936 - 2007 / 6 / 4 - 11:20
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع صانعة لغم الإسرائيليات التي تضعها الأقلام العربية
غادا السمان خاضت المستنقع وكشـــــــفـــــت زيف أسماء كبيرة وأدانتها

أنا أم مثقلة بالام الأمة وأوجاعها وخيباتها المتكررة ولا أفهم الهجمة الشرسة على المجتمع الدمشقي
في أعطاف كل شخصية فرنسية نزعة محتل
القلم هو الحرب المعلنة والدفاع عن الذات والاقتحام بلا هوادة
العدو وحده الذي يمتلك مفاتيح الكثير من الامتيازات التي حلت على مثقفي الأمة
حاورتها لـ اللواء كلود أبو شقرا- بيروت
عندما يذكر إسم الشاعرة الأديبة والباحثة السوريّة غادا فؤاد السمّان يتبادر إلى الذهن فوراً كتابها الأخير إسرائيليات بأقلام عربية الذي حدّدته هي نفسها باللغم الذي وضعته حيث يستحقّ أن يكون ، وفجّرت من خلاله الحقائق المذهلة حول أفكار شخصيّات أدبية لها صيتها الواسع في دنيا الإنتشار .. من أفواههم ، ونتاجهم ، وتديّنهم ، وتكسر المألوف لا طمعا في الوهج والمعاداة ، بل سعياً إلى خضّ هذا المستنقع البرّاق ، كي تؤكّد أن الينابيع الحرّة في مكان آخر ... كما يقول ناشر الكتاب .
غادا السمّان تهاجم محمود درويش وأحلام مستغانمي وفدوى طوقان ، هكذا أعلنت الصحف عن إصدار الكتاب الذي اعتبره البعض أنه تجاوز كل الخطوط الحمراء .إلا أنه في الحقيقة لم ترد غادا السمّان من خلال كتابها أي إثارة بل السعي إلى طرح الأسئلة حول بديهيّات وأسماء ورموز بغية إماطة اللثام عن قضايا كبرى لم يعتد الناس على مناقشتها لا سيما قناعات المثقف وبديهيّاته .
على الرغم من أن الطبعة الثانية للكتاب صدرت في العام 2002 ، إلا أنه لا يزال يؤثر بإرتداداته على المؤلفة التي أكدت في حديث مع اللواء في منزلها في بيروت ، أن لا يوجد أي غضاضة أوأي نيّة مبيّتة سلفا ... لكن صار بيني وبين النصّ الذي خلّفه هؤلاء أكثر من علاقة تتعلّق بالموروث الفكري والمفهوم التاريخي والتجربة الوجوديّة والموقف الإنساني ... كل هذه المعطيات وجدتها متناقضة مع دعوة هؤلاء المبطّنة والعلنيّة للتسامح والتماهي وقد تعارضت مع قناعاتي ..
إنسانة شاعرة مشحونة بالإنفعال الذي يسيّر قلمها ويوجّه فكرها ، ويحوّل نصّها إلى طاقة تفجيريّة تشعل العاطفة عند القارئ . لم تتأثّر غادا السمّان بتشابه إسمها وإسم الشاعرة غادا السمّان بل خاضت مغامرة الكتابة منطلقة من عالم الإنفعال الذي نهلت منه قصائدها وكل كتاباتها، وإذا بها على ، الرغم من الإشكالية التي أحدثها تطابق إسمها مع غيرها ، تحقق إختراقا في الآفاق الإبداعية متسلّحة بشحنة لا تنضب من الأحاسيس والإنفعالات أضفت على نصّها الحركة والحياة ونجحت في إدخال القارئ ضمن دائرة الإشتعال ، فإمّا إن يصيبه الدفء من جرّاء تماهيه مع أفكارها وإما الإحتراق من جراء لهيب رفضه للتطرّف الذي قد تصل إليه السمّان في طرحها لإشكاليّات الفكر العربي في زمن الإستسلام والتمويه في ما يخص القضاياالمصيريّة الكبرى .
تحمل في شعرها كل خطوط التجارب والآثار المؤلمة التي تركتها ، كل إصرار على الإباء وعلى التصدّي وعلى المواجهة وكأنها تريد أن تحيا حالا من الإنتصار المستحضر في كتاباتها والغائب عن الواقع من حولها . هكذا فهمت إبداعها وهكذا فهمت الحياة وهكذا فهمت العلاقات ، وإذا بها تعلن على الملأ تمرّدها على التراكمات والموروثات التي جعلت من المرأة تابعة للرجل وتحقق حضورها الذي أرادته قويا متجاوزا حتى الحقيقة الحتميّة التي هي الموت ، وتعلي رأسها بالكلمة أمام أمّتي التي أدمنت تنكيس رأسها منذ نصف قرن ويزيد.
غادا فؤاد السمّان من أنت؟
ليس من السهل أن نلخّص أنفسنا وأن نتعرّف على ماهيتنا . جميعنا يعلم من هي الوردة وجميعنا يعلم ما هي الشمس ولكن السؤال العصيّ أن نقول لكل كائن على حدة من أنا وأنا واحدة من هذه الكائنات. وجدتُ لأضيء ربما ، لأسمو ، لأتعالى ، وباختصار شديد لأحاول . وهذا ما أنا عليه. أخرج من محاولة وأدخل في أخرى كي أبرز وجودي ضمن الفترة المتاحة على هذا الكوكب ريثما أستعيد موطني الأصلي السماء .
ماذا تركت الطفولة في نفسك وفي شعرك لا سيما أنك لم تعيشي الإستقرار الذي يعطي الطفل عموما توازنا عاطفيا واستقرارا نفسيا ؟
طفولتي منقوصة . عانيت فيها من فقدان الأب بسنّ مبكرة . والدتي إمرأة طيّبة لدرجة عندما أشعر باستحضارها في كينونتي أنفر مني لأنني أتمثل بهذه الطيبة . العائلة مفقودة بالنسبة لي . لم أستطع تشكيل عائلة بديلة . ربما الظروف لعبت دورا ، وربما خياراتي الصعبة جعلتني في مسار مغاير عن طبيعة العائلة ككل ، فازدادت الهوّة وتشعّبت الطرقات وربما خياراتي كانت عبئا على سواي تماما كما هي عبئا علي . من هنا أستطيع الجزم أنني لا أعلم إذا كانت مفردة الفشل تصلح لتوصيف حياتي الخاصة . فقد أقبلت على زواجين خرجت منهما بطفلين يتفهّمان أكثر مما أستطيع أن أقدم لهما كأم مثقلة بآلام الأمّة وأوجاعها وخيباتها المتكررة .
ماذا أكسبك المجتمع الدمشقي الذي تربيت في كنفه وهل ما زالت صور الأحياء والأزقة والبيوت والناس حاضرة في ذاكرتك أنت التي تنقلت بين بيروت وباريس ؟
المجتمع الدمشقي هو بالنسبة إلي ذاكرة ، كيان ، شخصية ، تفاصيل كينونتي ، عراقة وأصالة أعتزّ بهما . ما يؤلمني اليوم أنني لا أستطيع أن ألمّ بتلك التفاصيل خصوصا أن الهجمة شرسة على المجتمع الدمشقي تحديدا . ثمة محاولات متكررة لمحو معالم المجتمع الدمشقي الذي استطاع أن يمتدّ بعراقته وحضارته إلى غرناطة ويترك بصماته في الأندلس ، خاصة أن هذا المجتمع هو سليل الحضارة الأموية . اليوم هذه الحضارة مهدّدة ومريّفة من الريف ، وأصبح كل دخيل هو الأصل . دمشق التي عهدتها ونشأت في أرقى معالمها لم تعد دمشق التي أحبّ ، والحديث عنها يمكن أن يمتدّ بي إلى ما لا نهاية أوصف عادة بها بالتطرّف والتعصّب . ويزعجني أن هذا الإتهام يأتي من متعصّبين لقناعاتهم الشاذة عادة .
تمّت مراحل التعليم كلّها في دمشق في مدرسة نائلة الوفيّة وقبلها في مدرسة خاصة جميلة بو حريد المناضلة الجزائرية . تنوّعت دراستي بين المدارس الخاصة والحكومية إلى أن وصلت إلى جامعة دمشق وتسجّلت في كلّية الآداب فرع الأدب الفرنسي . في السنة الثانية بدأت مرحلة الكتابة والإصدارات ، وذلك بإصداري الأول وهكذا أتكلّم أنا مجموعة شعرية .
خلاف ذلك ، بدأت المساءلات من قبل بعض الجهات المعنيّة في الجامعة عن سبب عدم إنتمائي لحزب ما . وعندما تكاثفت هذه الأسئلة إلى درجة المطاردة ، قصدت فرنسا لهدفين : الأول هو التعرف على سميّتي والثاني متابعة دراستي في فرنسا . صادف وقتها أن كان المسؤول عن التسجيل يهوديا ومتعصّبا ضدي ، ولاحظت أن السوري مرفوض في المجتمع الفرنسي ، وهذا جعلني ربما آخذ موقفاً من اللغة الفرنسية التي أعشق ومن متابعة تخصصي في الأدب الفرنسي خاصة ، لا سيما عندما لمست في أعطاف كل شخصية فرنسية نزعة محتلّ ، وفي قناعتها أننا أدنى من العالم الثالث . دفعني إعتزازي بنفسي واعتدادي بها إلى اتخاذ القرار بالتوقف عن متابعة تخصصي في الأدب الفرنسي ، ولا أعلم إلى أي مدى كان صائبا .
عندما عدت إلى دمشق خائبة من فرنسا عموما ، توقفت عن متابعة الدراسة ، وأقدمت على التسجيل في الجامعة اللبنانية في كلّية العلوم السياسية في بيروت ، وأصبحت بيروت بالنسبة إلي هي الحلم المرتجى . وتكاثفت زياراتي لها ، وكان يؤلمني بإستمرار ما تعانيه من حرب أهلية وما أسمع من تصفيات لحسابات كبيرة على أرضها ، ومن تآمر المجتمع العربي قبل الدولي على هذا البلد الآمن ، وأصبحت معنية بكلّ التفاصيل .
بيروت الأمل والمرتجى كما أسلفت ، ماذا أضفت على شخصيتك وعلى أدبك ؟
في العام 1993 ، انتقلت كلّيا للإقامة في بيروت ، وكنت ارتبطت للمرّة الثانية . عملت في الصحافة اللبنانية وكتبت في صحف عدّة وأدين لصحيفة الديار ولشارل أيّوب تحديدا الذي ، ما إن التقيته حتى أعطاني منصب سكرتير تحرير القسم الثقافي لمدّة أربع سنوات . في ما بعد ، وبحكم التحايلات التي صادفها ربما شارل أيوب من القيّمين على هذا القسم ومن معظم المثقّفين ، قرّر إلغاء ما يسمّى بالقسم الثقافي في هذه الجريدة . ومنذ ذلك الحين ، وأنا أعاني البطالة ، مع أني كنت أجد بعض المنابر كالنهار أيام الشاعر شوقي أبي شقرا ، أيضا جريدة الحياة وجريدة السفير وجريدة الكفاح العربي عندما كانت في أوج عطائها ونشاطها .
كنت أكتب في شكل أسبوعي زوايا أسبوعيّة ، إلى أن كان إصدار كتابي- اللغم إسرائيليات بأقلام عربية . ومن الواضح أن هذا اللغم قد أطاح بمكانتي في كافة هذه المنابر وأخرجني من دائرة الإستقرار المادي إلى القلق الذي لا يعلمه إلا من يعانيه .
ماذا تعني الكتابة بالنسبة إليك ؟
للقلم قيمة الحضور ، وإذا شئنا هو الحرب المعلنة والدفاع عن الذات والإقتحام بلا هوادة والندّية مع الآخر والبصمة المؤكّدة والعلامة الفارقة . لا أخفي أنني بحثت عن نفسي كثيرا بمواهب . فأنا أرسم ولكنني لم أؤثر أن أقدّم نفسي كفنانة تشكيلية . وأنا صاحبة حنجرة لو كنت في مجتمع آخر كان يمكن إستثمارها على أكمل وجه . ولكن أيضا لم يكن يليق بعائلتي وبشخصي أن أكون مطربة. فكانت الكتابة هي المجال الأسطع لتأكيد الذات وترجمة ما فيها .
إلى أي مدى تشكّل الكتابة عندك المرآة لذاتك لتجاربك لنظرتك الشخصية للآخر مهما قرب أوبعد ؟
كتابتي التي تولّدت مع وهكذا أتكلّم أنا في العام 1989 والمجموعة الثانية الترياق في العام 1991 والمجموعة الثالثة بعض التفاصيل في العام 1995 ، أعتبرها مراياي الثلاث التي تشبهني إلى حدّ التطابق . فلا انفصام بيني وبين حرفي ونصي . أنا أكتب نتيجة حالة أعيشها بأدق تفاصيلها . لا أستحضر ما ينبغي أن أكتب بل أتمخّض فعلياً بكل ما أكتب . ربما على النطاق الشخصي ، كانت لي معاناتي الصغيرة التي أستخفّ بها قياساً لما عرفت من أوجاع هذه الأمّة . أنا واحدة من جيل سمع عن الثورات ولم يعمل بها ، ينظر إلى الماضي بعين الإكبار ويتطلّع إلى المستقبل بعين مفقؤة ، ليس لأنني لا أرتقي إلى الغد ، ولكن لأن مستقبل هذه الأمّة مبهم ، غامض ، إن لم نقل ضبابي أسود . من هنا جاء نص غادا فؤاد السمّان انتقاداً لما يجب إنتقاده ، علّني بحروفي الواخزة حتى الضمير أستطيع أن أسمع من كان لا يزال حيّا .
ولكن أين هو دور الحلم في حياتك وفي أدبك ، ألا تعتبرينه المتنفّس لك من الواقع المرير ؟
الحلم بالنسبة إلى هو حلقة مفرغة . كي أحلم ، لا بدّ من الشعور بالآفاق ، لا بدّ من الإسترخاء والطمأنينة ، وقتها يأتي الحلم وهو من تداعيات الرؤى . لكن واقعنا يتطلّب الكثير من اليقظة ، واليقظة تقودنا إلى التنبه المستمرّ والإستنفار العام على مستوى الجملة العصبية والعمل الذي لا يهادن داخل جمجمتنا الصغيرة . كل ذلك سلبني القدرة على الحلم .
بحثي الدؤوب عن رجل يصلح لميزة الرجولة في زمن أصبح فيه التخاذل هو سيّد المرحلة وحاكمها والمستبدّ بها ، هو ما يجعلني فاقدة للحلم وعصيّة عليه .
ماذا عن الكتاب - اللغم إسرائيليات بأقلام عربية، ما هي ظروف ولادته وما الغاية منه لا سيما اعتبره البعض فور صدوره فضيحة سياسية ؟ ثقافية في آن معا؟
أظنّ أن كلمة فضيحة مجحفة بحقّ عمل جاد وبحث رصين عن تمييز الإلتباس من عدمه . جميعنا يعلم ولا يخفى على أحد أننا لا زلنا نسير كأمّة في اتجاهين متناقضين تماما . ثمّة آخر كان يوسم بالعداوة ويجتمع الكلّ على أنّه عدو زُرع داخل هذه الأمّة واسمه إسرائيل . إتّضح لي في العديد من المتابعات أن هذا العدوليس عدوّا في المطلق ، وأن هذا العدوالذي هو الآخر مطمح للصلح وللصداقة والتسامح والتطبيع والتواصل والإمتيازات . وحده هذا الآخر هو الذي يمتلك مفتاح الكثير الكثير من الإمتيازات التي حلّت على مثقفي هذه الأمّة . لنبدأ بنوبل ولنقس إلى ذلك ما يليها من تظاهرات ثقافية أصبحت تهتمّ بتظهير المثقف العربي في محافلها الدولية . كل ذلك ليس إكراما لهذا المثقف الجهبذ المبدع إبداعا مثاليا ، ولكن لأنه آداة من أدوات التواصل ومد الجسور .
من هذا المنطلق ، كنت أحاول وضع النقاط على الحروف والإحتفاظ بمكنون الكلمة ومضمون المفردة حفاظا عليها من التداول المشاع والمكرّس من الإلتباس . فكيف نقول عن شاعر مقاومة على أنّه شاعر قضيّة وقد آثر التسامح مع الآخر . وهذا الآخر يعنيه بالتأكيد أكثر مما يعني سواه .
إنطلاقا مما تقدّم كيف تحددين صورة المثقف اليوم في ظل التحدّيات التي تواجه العالم العربي وفي ظل بروز أكثر من عدوله؟
ربما ، عندما خضت في خضمّ هذا المعترك الكبير والذي استهلكني لأكثر من خمس سنوات، وأعقبتها خمس أخرى من الأصداء والنتائج التي ترتّبت على إصدار كهذا ، توصّلت بقناعتي اليوم إلى أن المثقف الذي كنت أعتقده نبياً يحمل رسالة مقدّسة بكلّ ما تعنيه القداسة من معنى، هو مهزوم داخل وطنه قبل أن يهزمه الآخر . نحن في أزمنة متهالكة ، لم تعد تستقطب الأنبياء . والعداوة التي تحدّثت عنها هي عداوتنا لبعضنا البعض قبل أن تكون عداوة الآخر لنا . هي عداوة حكامنا المتربّصين بأنفاسنا وأحلامنا وآمالنا وتطلّعاتنا ومستقبلنا بشكل عام .
عندما يصبح الشعب في واد والمثقّف في واد والحاكم في واد ، فلا شكّ أن الآخر سينشط نشاطا ملحوظا بين هؤلاء جميعا . ولا شكّ أن المثقف الذي لا يملك سوى قلمه والذي يحمل موقفه منارة للدرب وحرفه كشّافا لكلّ خزي سيضعف إن لم نقل سيقضي متهالكا وحيدا منبوذا قانطا من هؤلاء جميعا . وقتها ربما يجد الوقت الكافي ليتصالح مع الذئب ويتصادق مع قطّاع الطريق . وما يعانيه من سأم ووحشة سيكون شفيعا له . قراه الحاسم بالتسامح مع الذئب عندما يصبح الوطن هو الذئب بعينه ، والحاكم ومن حوله هم قطاع الطريق .
تعيشين في كتاباتك هاجس الموت في شكل واضح ، هل تحاولين محاربته بالشعر ؟
الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا بدّ من الإيمان بها ، وحديثي الدائم عن الموت هو صلح معلن وترحيب مبكر لحتميّة ستأتي عاجلا أم آجلا ، وفي قرارتي أستعجلها ما استطعت ، ليس تقهقرا من هذا الواقع ، فلديّ روح أبيّة تتمتّع بالقدرة على المواجهة والندّية ، ولكن لأن الندّية لا تصلح إلا للنفوس الكبيرة ، للأسف إن معظم النفوس قد تضاءلت وفقدت أهمّ مقوّمات الإباء والكبرياء والكرامة . لهذا أصبحت أشمئز من فكرة المتابعة في أي غمار .
رددت في سياق الحديث كلمتي الندّية والإباء ، هل تتسلّحين بهذه القيم لمواجهة الواقع لا سيما حال المرأة وعلاقتها مع الرجل؟
عندما أتحدّث عن عنفوان المرأة ، هذا لا يعني أنني أنتقد المرأة عموما بما فيهنّ أنا . لكن أنا دائما أنظر إلى هذا الشرق بكلّ ما يتمتّع من مجتمع ذكوري . الرجل ، وهو خلاف الذكر ، كان في ما مضى شخصيّة إستثنائية سمعت عنها الكثير وقرأت عنها الأكثر وعرفت بعض صورها في شخصيّات كثيرة في العائلة .
بعد رحيل هذه الشخصيّات وبعد انطلاقتي في دروب الحياة ، طمعا في ما يسمّى تحرّر المرأة ، وجدت أن الزمن خلا من معاني الرجولة ) الشهامة ، الكرم ، الكرامة ... ( وكأن القاموس قد ضاق وألغيت من جنباته كل هذه المفردات الشامخة ليصبح الرجل مجرّد ذكر يطارد الأنثى أينما كانت ، وكأن الإمرأة ، وأنا أصرّ على ألف الإمتشاق ، أصبحت في زمن إستهلاكي رخيص وكأن الرقص المشاع والمعلن أصبح سمة من سمات العصر وحقّ مشروع لكلّ تواصل ومفتاح للغز العلاقات المشبوهة بشكل علني . لهذا أجدني في غربة دائمة وعزلة كبيرة آملة أن تنهض روح صلاح الدين وروح المعتصم وروح من كان رجلا بمعنى الكلمة في كائن حاضر يفهم كيف يكون الرجل ويرفض قبل أن أرفضه لمجرّد أن يكون ذكرا .
ما قبل القيامة مجموعة شعرية لم تصدر بعد ، إلى أي مدى تسير ضمن خط المجموعات السابقة؟
ما قبل القيامة مجموعتي المتوقّعة كانت مرتقبة منذ أكثر من ثلاث سنوات للإصدار ، وهي جاهزة للطبع . لكن لا إخفي أن ما عصف في لبنان من أحداث إعتبارا من إغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من إغتيالات مفجعة أبعدتني عن كل نتاج وجعلت كل مبتغى بالنسبة إلي ، إن لم يكن منتهي الصلاحيّة ، فهو مؤجّل ريثما أستعيد فرحي .
حزنت ليس من أجل أشخاص قضوا يطريقة مؤلمة فقط ، وإنما حزنت لما يتربّص بهذا البلد داخليّا وخارجيّا ، خاصّة أن هذا البلد المسمّى لبنان أمضيت فيه وما زلت ، وهو الوطن المستعار بالنسبة لي ، أجمل فترة عمر وأكثرها حيوية ونشاطا وحراكاً . عرفت ألق الشباب في بيروت وها أنا في غمار النضج وقد قطعت الأربعين بشوطين .
لهذا تأخرت في إصدار المجموعة المرتقبة ، أنتظر ربما ناشرا يقدّر تجربتي الكتابية ويقدّم عرضا إستثنائيا يكون دعماً لحرفي ولحرفتي الكتابية لا مساوماً وتاجراً ، خاصة أنني سأدخله دائرة الضؤ . المتعارف أنني لم أخرج منها على الرغم من كلّ التعتيم الذي يحاك لإحكام الدائرة المغلقة حولي ، وإشاعة الظلام الذي ينفذ منه ضؤ الحرف وضؤ الموقف رغما عنه .
ما قبل القيامة هي نصوص فيها ما عهدني القارئ من حماسة للموقف وجرأة في الطرح وشراسة في المواجهة وعنف في إيصال الرسالة .
إلى أي مدى أثر كتاب إسرائيليات بأقلام عربية على إقبال دور النشر على كتبك وهل هو السبب غير المباشر ربما في تأخّرك في نشر مجموعتك الجديدة ؟
لا أخفي أن المفارقات التي وقفت عليها بعد مجازفتي في إصدار كتابي اللغم ؟ إسرائيليات- يمكن أن تفتح آفاقا واسعة لإصدارات عدّة ترصد الكثير الكثير من التناقض والإزدواجيّة التي يعيشها المثقف العربي ، ولكن كما يقول القائل- أسمعت لو ناديت حيّا ؟ وقلّة هم من كان لديهم الجرأة للكشف والحديث والعلن عن مواقفهم بمنتهى الوضوح والصراحة تجاه الإصدار الذي جوبه بالصمت العارم المتعمّد حتى من قبل أكثر المعنيين في هذا الشأن والذين ساهموا مساهمة فعّالة ومباشرة في استشراس الجهات القادرة على حصاري بإمتياز . لهذا عندما يتحدّث الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرةعن محاربة إصدار كإسرائيليات بأقلام عربية ، ويوصف الحالة العدائية المقدّرة بخبث مركّز من قبل الوسط الثقافي لغادا فؤاد السمّان وأنا لم أتشرّف بمعرفة هذا الشاعر شخصيّا لأجده يتحدّث بمصداقيّة رائعة في حوار أجراه مؤخرا في الأهرام العربي)العدد 514 تاريخ 27 / 1/ 2007 ( أعاد لي بعض الثقة في جدوى الحرف . كذلك الشاعر الفلسطيني أيمن اللبدي عندما لم يوفر حرفه وحبره لإستضافتي في حوار مطوّل عن معاناة ما بعد الإصدار عبر منبره ؟ الحقائق اللندنية ؟ ويكتب مقالة وافية) 1/ 4/ 6002 (بعنوان : يا صديقي أنت شاعر جائزة . وربما هناك من كتب بضمير مماثل ولكن لم يتوفر لي فرصة الإطلاع ، خاصة أن هذا الإصدار قد كتب عنه ما لم يكتب عن كتاب سواه ، وما زال مجال بحث ومتابعة من قبل الكثيرين ، إلى جانب الحوارات التي تفتح معي للحديث الدائم والمستمرّ عنه ، كل ذلك يضاعف مسؤوليتي تجاه هذا الإصدار الذي كبّدني فقط تطاول أصحاب المنابر على مصدر رزقي عندما اتفقوا جميعا على تجميد حرفي في ثلاجة الوقت إكراما لعرّاب طموحاتهم الأكبر.





#غادا_السمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة مابعد الإختناق


المزيد.....




- شاهد ما جرى لحظة اقتحام الشرطة الأمريكية جامعة كاليفورنيا لف ...
- ساويرس يُعلق على تشبيه أحداث جامعة كاليفورنيا بـ-موقعة الجمل ...
- على غرار الجامعات الأمريكية.. الطلبة البريطانيون ينظمون احتج ...
- اليمين الأمريكي يستخدم نظرية -الاستبدال العظيم- لمهاجمة خصوم ...
- شاهد: لحظة اقتحام الشرطة لجامعة كاليفورنيا لفض اعتصام داعم ل ...
- بالأرقام.. عمّال غزة في مهب الحرب: بين قتيل وعاطل الآلاف يكا ...
- بوندسليغا.. طموح لمزيد من المجد الأوروبي وصراع شرس في القاع ...
- زعيم المعارضة الإسرائيلية لابيد يزور الإمارات ويلتقي بن زايد ...
- شاحنة آيس كريم تصدم عشرات الأطفال في قرغيزستان أثناء احتفال ...
- أوربان: البعض في قيادة الاتحاد الأوروبي يستفيد من الصراع في ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - غادا السمان - غادا السمان خاضت المستنقع وكشفت زيف أسماء كبيرة وأدانتها