أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبدالرحمن الأبنودى - فرح العمدة..!















المزيد.....

فرح العمدة..!


عبدالرحمن الأبنودى

الحوار المتمدن-العدد: 585 - 2003 / 9 / 8 - 02:28
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


ليتنى كنت أعرف ما تخبئه لهم الأيام، وإلا لتمنيت أن أكون بينهم في ذلك اليوم. أن أكون واحداً من ركاب تلك الطائرة التي أسقطها الليبيون ـ كما اعترفوا ـ علي بلدة »لوكيربى« الأسكتلندية. واحداً مجهولاً، مجرد جثة تناثرت علي البيوت والحقول في تلك القرية الجميلة!!.
أطير مع الطائرين وأسقط مع الساقطين من طائرة »البان أمريكان« فى جو مختلف تماماً عن أجوائنا العربية. ظلت الأسئلة تروح وتجىء وملفات التحقيقات تفتح وتغلق إلي أن استقر الأمر علي أن المسألة من تدبير الإخوة الليبيين، ليسجن من يسجن ويظل الباب مفتوحاً لسجناء قادمين، وفي النهاية تعترف ليبيا بأنها التي دبرت ـ في رحلة نضالها الثورية ـ نسف الطائرة الأمريكية التي كانت تحتوي علي ركاب أمريكيين ـ وهم الأغلب ـ وإنجليز آخرين.

لا داعي لسرد التفاصيل إذ لم يعد هناك إنسان علي قيد الوعى تخفي عليه منها تفصيلة واحدة. المهم أن عدد القتلى في تلك الواقعة بلغ 270 إنساناً.
بعد المحاكمات والمساومات والشد والجذب، تقرر أن تدفع ليبيا العربية عشرة ملايين دولار عن كل قتيل، أي بحسب سعر الدولار اليوم ـ في السوق السوداء ـ لا أعرف. اضرب 10 ملايين فى 7.6. وبذلك بلغ حجم التعويضات عن ركاب الطائرة الأمريكانية: 7.2 مليار دولار.
أراقب دائماً ـ حسب المتاح لى ـ أسعار لاعبي الكرة العالميين فأري الأثمان تعلو عاماً بعد عام من لاعب للاعب ومن ناد لناد ومن بلد لبلد حسب تقدمه الحضارى والمعيشى والرفاهي فأقول لنفسى: »ألم تجد مهنة غير هذه المهنة المهنية فى عوائدها المالية والتي لا تضمن لك أية بادرة أمل للاستمرار في تربية أبنائك أو أملاً يطمئنك وأنت تتخيل مستقبلك وقد هدتك الشيخوخة التي تتكىء على فقدان عناصر البقاء والعطاء«؟.
استدير من هنا لأتجه إلى هناك حيث الممثلون المحترفون في هوليوود وحتي في أوروبا يتقاضون الملايين التى لا يمكن حسابها بالجنيه المصري المشلول مسلوب الإرادة، وأسأل نفسى: »ألم تكن أمامك تلك المهنة أىضاً؟ لماذا لم تترازل وتمارس بعضاً من ثقل الظل والتنطع السمج لتصير بالإلحاح والتراكم الغبى والمزاحمة ممثلاً بارعاً يضعون أمامه وصف »الكبير« فقد كان ذلك كفيلاً بإغنائك وسد عيون المستقبل وفمه الشره عنك وعن أسرتك الصغيرة؟«.
لكني وجدت أن »اللعيبة« في بلادنا بقدر ما يبذلون من جهد وينهبون من أموال ـ كما نعتقد ـ لا يحققون ـ مجتمعين ـ في عدة مواسم ما يحققه لاعب واحد محترف في ناد عالمي كبير، وقد يكون هذا اللاعب أسمر أو أسود، أفريقياً أو أتعس من ذلك لكنه يكون قد نال رضاء أمه، وقذفت به دعواتها إلي »ريال مدريد« أو »ليفربول« أو »باريس سان جرمان«.. أو...
أما المملثون فى بلادنا فهم يكسبون أموالاً كثيرة جداً، سواء كانوا نجوماً شباباً، أو حتي كهولاً إذ إن موضوعات السينما وقصص الحياة دائماً يشارك فيها الصغار والكبار ومن هم على أبواب الرحيل. لكل منهم دوره الذى خلق له ويحتاجون فيه لعجزه وشيخوخته. كل هؤلاء يعملون ويقبضون في لعبتهم التجارية الناجحة، وتتفاوت أجورهم ما بين نجم الشباك والسنيد والمرأة الأم أو الجدة، أو الطفل اليتيم الذى يعثر علي أهله الباشوات. لكنهم جميعاً ـ في النهاية ـ أصحاب دخول تتابعهم دخولهم من بدء العمل حتي نهاية الرحلة.
لقد اكتشفت في النهاية أن كل تلك الأموال ليست أموالاً وإنما هى مجرد ورق مصرى تفقده حرارة الجو الكثير من لياقته القيمية ليقترب شديداً في ظروفنا الاقتصادية الآنية من أن يصبح فى قيمة ورق الجرائد. ذلك لأن مصر تعاني ضائقة معيشية لم تمر بشعبها من قبل. عسر ما بعده عسر يراه علي الوجوه كل واحد من إخوتنا في الأمة العربية فيدير وجهه ليهتم بشئونه، ويرعى أبناء شعبه ليقيهم ما وصل إليه المصرى!!.
لما كانت لم أصر ممثلاً موهوباً، أو لاعب كرة عبقرياً أو خلافه، فإن أحداً لا يلومنى حين اتمني لو كنت واحداً من الذين اسقطتهم القنبلة الليبية ـ التى اعترفت »ليبيا« بها واعتذرت عنها ـ فوق بلدة »لوكيربى« بأسكتلندا علي الأقل فإن أسرتى ـ مثلها مثل الأمريكيين والإنجليز ـ كانت سوف تقبض العشرة ملايين دولار ثمناً لجسدي القليل، ووزني الهزيل، وقيمتي المحدودة في هذه الحياة، فيعيش أفرادها سعداء يمارسون ما يمارسه أثرياء العالم و»رزق الهبل علي المجانين«. أعلم جيداً أن هذا المبلغ يعتبر »فكة« تافهة بالنسبة للأثرياء، بل حتي بالنسبة للصوصنا »الوطنيين« الذين سرقوا ونهبوا بنوكنا ـ الوطنية أىضاً ـ وفروا بالمال الذى تبدو العشرة ملايين دولار إلي جواره مخلوقاً هزيلاً. لكنه بالنسبة لنا نعمة كبيرة كبيرة وصفقة ناجحة رابحة كنا سنحمد الله عليها كثيراً كثيراً. ثم إن الملايين العشرة في النهاية مال عربى ينتمي إلينا وأنا ـ لا شك ـ أحق به من كل هؤلاء الأجانب الذين سيقبضون.
صحيح أننى لا أفقه حتي الآن معني ضرب طائرة ركاب أجنبية لدفع كل هذا المال ـ 7.2 مليار دولار ـ وأراه أشبه بنشل جيب الأمة العربية في المولد، أو »فرح العمدة« الذى يطرقعون فيه زخات رصاص من أجل البهجة والاحتفال الذى يذهب كل مشارك بعده إلي داره، وقد تصيب رصاصة أحد المشاركين طفلاً أو رجلاً أو امرأة، وقد يقام »مجلس عرب« ومحاكمة شعبية لينتهى الأمر بدفع دية لا تتجاوز مئات الجنيهات أو الألف أو عدة آلاف. لكنني أبداً غير قادر علي كبح جماح حسدى وأنا أري تلك المليارات التي كان يمكن أن تسهم في التنمية سواء كانت هناك أو هنا، وهي بتدخل جيوب الأجانب، وفي الحسابات البنكية لبشر لم نعرفهم من قبل، فقط لأننا قتلنا أهاليهم وأبناءهم بمبرر غير مبرر!!.
فجأة تغير العالم القديم. اختفت رموزه الثورية، وقضاياه المتفق عليها، والدولة التي كانت كبيرة وتمد يدها في لحظات المآزق. تبدلت طرق النضال القديمة لنقع في الفخ المنصوب بطول وعرض العالم في هذا العصر الأمريكى.
لا أريد أن أنوح علي المال العربي المراق، والذى كان يمكن أن يسد أزمات عربية وأن ينقذ البعض من مسغبة وعطش مميت. لا أريد هنا أن أطرح قضايا ضخمة أو أناقش مأساة الأمة. فقط أردت أن أفصح عن أمنيتى بأن أكون يومها في بطن طائرة »البان أمريكان« التي سقطت علي »لوكيربي« أو علي الأقل داخل طائرة »أوتا« الفرنسية التي أسقطها إخواننا الليبيون علي »النيجر« حسب اعترافهم وراح ضحيتها ـ أيضاً ـ 170 إنساناً والتي قبلت »فرنسا« فيهم ـ بالجملة ـ مبلغ 35 مليون دولار وحين رأت حجم تعويضات طائرة »لوكيربى« »حزنت« وعادت للمساومة وستدفع ليبيا في السقوط هنا نفس ما سوف تدفعه في السقوط هناك. أما أنا فلا اتمني السقوط فوق »النيجر« مهما كان السعر. أما السقوط من سماء »اسكتلندا« نظير عشرة ملايين دولار، فهى تجربة تستحق أن »تعاش« مهما كانت اعتراضات البعض، بمن فيهم أسرتى المستفيدة!!.
إلا الخبز يا مولاى!!
كان شراء خبز البندر عاراً، حتي عندما فتحت »طوابين الخبز« فإنها كانت للغرباء، وكان أهل القرى يفضلون استدانة الخبز ورده بعد الخبيز عن شرائه من الأفران.
نادرون الآن هؤلاء الذين يوقدون الأفران في بيوتهم. صار سعر الدقيق فوق احتمال الفقراء: سواء كان السعر المعلن، أو السعر الحقيقى الذى يضاعف ثمنه الفساد مهما ارتفع الثمن.
ماتت الأفران والطواحين والخبز المصري، وصار رغيف الشعب هو ما نرى أفراده يحملونه إلي بيوتهم وهو لا يشبه الرغيف القديم من وجهه أو من قفاه.
لا أريد أن اتحدث تفصيلياً لما حدث للدقيق خلال الأسبوعين الماضيين أي بكم كان الجوال، وأصبح بكم؟ ما يعانيه أصحاب المخابز وانعكاس ذلك علي البشر؟!!.
في أحيائنا قررت الأفران ألا تبيع للفرد سوى بجنيه واحد، مهما كان عدد أفراد أسرته. ليت الأمر يقف عند ذلك، إذا ما أعطاك الرجل »لكة« عجين فعليك ألا تنظر إليه لأن روحه في حلقه ولا يعرف هل يلاقيها من الحكومة أو منك، وقد لا تحمد العواقب!!.
والحكومة ورجالها لا يأكلون خبزنا وإلا كان هذا هو السبب الوحيد لسوء أدائها، وإلا انتقل غباؤنا إليها!!.
هذا عن مسلك البائع الذى أعذره تماماً. أما عن مسلك الجماهير العاملة التي تتعب كثيراً وتأكل قليلاً، فإنها من الممكن أن تتحمل مبالغات رفع أسعار الشاى والسكر والزيت والأرز والمكرونة و... تقريباً.. كل شىء، ما عدا الخبز. فهو محطة الحياة الأخيرة، ونحن شعب »عياش« نعيش علي العيش كما نعلم، ونحن من أكثر شعوب الدنيا استهلاكاً للعيش ـ وأنا استعمل كلمة »عيش« لأنها فرعونية وقديمة وهذا يدل علي مدي صلتنا برغيف العيش وصلته هو بالحياة. لذلك فإنني أنبه الدولة إلي أنها من الممكن أن تفلت أسعار كل شىء فى حياة فقراء الشعب المصري عدا هذا العيش.
إن الرغيف نفسه يتخذ شكل »اللغم« ونحن نذكر هبة الخبز وثورة الجياع التي اطلق عليها الرئيس السادات: »انتفاضة الحرامية«.
لم تكن انتفاضة حرامية، وإنما كانت تلامس أسلاك الكهرباء التي أدت شرارتها إلي الحريق المدمر الكبير. فقط داست الحكومة يومها علي اللغم المختبيء تحت عيون البشر والضمير المصري فتفجر الحب إلي ذرات، وانقطعت أواصر الصلة بين البشر وحكامهم وكان ما كان!.
منذ أيام حدثت واقعة في »أسيوط ربما لم تنتبه الدولة لها، ولكننا نحن الذين نعيش حياة البشر تنبهنا لها وننبه لها فنحن لا نريد لمصر ـ لا قدر الله ـ سوءاً ولا انهياراً«.
وإليكم الواقعة التي حملت عنوان: »إطلاق الرصاص في معركة علي الخبز بأسيوط«:
»تسببت أزمة الخبز بأسيوط في إصابة 6 مواطنين بطلقات نارية، بعد تبادلهم إطلاق الرصاص من بنادق آلية أمام مخبز »بلدي« في مركز »القوصية«.. تبين أن المصابين تسابقوا للحصول علي الخبز، وامتنعوا »عن عدم الوقوف« ـ كما وردت بالخبر وتعني العكس ـ في الطابور، ونشبت بينهم مشادة »فأخرجوا« بنادقهم الآلية وتبادلوا إطلاق النيران. تم نقل المصابين إلي المستشفى، وتم وضعهم تحت حراسة مشددة«.
ما حدث في »القوصية« »مجرد إنذار« أرجو من الدولة أن تنظر إليه بكل جدية.
أما التصريحات »الهميونية« من مثل أن خطط استصلاح الأراضى سوف ترفع إنتاجية فدان القمح إلي ثلاثين أردباً للفدان وخمسة أطنان أرز وأربعين أردباً للذرة الشامية ـ كما لاحظ الأستاذ »ناصف سليم« ـ فإنها تصريحات رائعة لا نريد منها سوي رغيف متوفر تصل إليه أيدي الفقراء، وإلا فسوف نجد الكثيرين من هؤلاء الذين ذهبوا للحصول علي الخبز من الأفران وهم يخبئون تحت جلابيبهم البنادق الآلية التي لن نضمن دائماً أنهم سوف يوجهونها نحو صدور بعضهم بعضا.
 
 

 



#عبدالرحمن_الأبنودى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تركيا تعلن وقف التعاملات التجارية مع إسرائيل.. ووزير إسرائيل ...
- صحيفة أمريكية تتحدث عن انتصار السنوار في الحرب وهدفه النهائي ...
- الإعلان عن بطلان محاكمة أمريكية في دعوى قضائية رفعها ضحايا - ...
- تكريم سائق الفورمولا واحد الأسطوري آيرتون سينا في إيمولا وفي ...
- حانة -الكتابات على الجدران-.. أكثر من مجرد بار في بودابست
- لمواجهة الاحتجاجات.. الحكومة الفرنسية تمنح رؤساء الجامعات ال ...
- شاهد: مظاهرة وسط العاصمة الباكستانية كراتشي للمطالبة بوقف ال ...
- اليابان في مرمى انتقادات بايدن: -كارهة للأجانب- مثل الصين ور ...
- مسؤول أمني إسرائيلي: بايدن -يحتقر- نتنياهو وواشنطن تقف إلى ج ...
- ألمانيا: تراجع عدد المواليد والزيجات لأدنى مستوى منذ عام 201 ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبدالرحمن الأبنودى - فرح العمدة..!