أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - بريهان قمق - الثقافة الشركسية بين الخصوصيَّة والعالميَّة















المزيد.....

الثقافة الشركسية بين الخصوصيَّة والعالميَّة


بريهان قمق

الحوار المتمدن-العدد: 1926 - 2007 / 5 / 25 - 12:04
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ثمة عبارة تمر بشكل عرضي في أحد المواقع الشركسية على الانترنت تقول:
ستكون شركسيا فقط عندما تكون في بلاد القفقاس .!!!
صدمتني العبارة ، وبرأي أنها تشكل شكلا مأساويا يضيفه هذه المرة الأهل بأنفسهم -دون قصد منهم - لمأساة الشعب الشركسي في الشتات - عبر منطق الإقصاء هذا - في عدم الاعتراف بأهلية الانتماء للشراكسة ثقافيا وعبر ذاكرة جمعية متوارثة على غاية من الأهمية قد تمتع بها المهاجرون طوال عقود طويلة . لكأن شراكسة الشتات ما كان ينقصهم من رحلات التيه والعذاب والمعاناة سوى مثل هذا الإقصاء ..!!
لست في الوطن الأم الآن ، وقد لا أصل إليه ، فقد راحت عني غيمات كثيرة - لم أمتلك خيارها- و لكن مثل هذا الإقصاء الذي يستقبل فيه الموقع زواره يدفعني لحواف الألم بكل عصارة قلب الحياة ، عند تتبع تلك الخلايا السابحة في الشريان ولحظات تفتحها كزهرة لوتس عند الإصغاء لتراتيل الآلهة المنسابة نوتات موسيقية ، عالقة في برزخ الروح . فنستعيد – نحن من في الشتات - ذاكرة ندية لكل ألق حكايا هؤلاء الذين باتوا غبارا مضيئا في الطبيعة اليوم ، لكنهم وبما تمتعوا به من سمات وقيم في غاية السمو الإنساني ، تمكنوا من التغلغل بثقافات الأمم الأخرى كالإغريق مثلا أو بلاد الرافدين ، ولكن بتسميات أخرى وإن كانت بذات الروح في بدئها الطهري النوراني الأول .

لا بأس ، فسواء قد تم الاعتراف أم لا ، بشركسية من في الشتات ، فثمة جينات تحمل خريطتها تترنح بذاكرة يتشققها الرعد وأنين الأمهات ، تستعيد عبر وعيها وذاكرتها الجمعية ، جبال الماضي والسهام الثلاثة المؤمنة بالقدر وتصاريفه ، حسب رحلات كونية تتوالى ، بالإضافة لنجمات الكون المكثفة باثنتي عشرة نجمة محمولة بأسرار الحياة ..
أرقام و أسرار الخلق والتكوين مخبوءة في جرار ستناي وانانا .. فمن ذا سيفرق بين العظام ولهاث الوحشة ..!؟
سرب من الفراشات يعلو أنين امرأة تفكك الشمس بكفيها كل مساء أجزاء صغيرة ، ترشها في الصندوق الخشبي المطعم بدبابيس فضية قفقاسية سحرية .. مرددة أغنيات الليل العاصف في دم الهجرة القسرية ، قد رمت فراخها الذين أصيبوا بالطاعون من على ظهر المركب العثماني الذي صادها كغيرها لرحلة التيه ، واحدا تلو الآخر في بحر باتت مياهه واسمه أسود حتى اليوم ..ماذا أقول لها هل أنت يا نينا نج لست بشركسية..!! ؟؟؟
....
انانا أو النانا أو نينانج تمسد الصباحات والمساءات بابتهالات سكان قاع البحر ..
وثمة صغيرة فضولية واقفة عند الباب تسترق النظر كي تحظى بسر الصندوق الخشبي الموشاة بفضة الليل العجيب ، تنادي الجدة العجوز كي تقترب الصغيرة التي حتى اللحظة لم تبارح ذاكرتها الدهشة من كل هذه الأخاديد العجيبة المحفورة في وجه الجدة ..
وما أن تقترب منها حتى تلتمع عينا العجوز المخبوءتان في عمق الجمجمة فتضيء كل الأجزاء والقطع الصغيرة في الصندوق ، تعود كرة شمس مستديرة بكف العجوز تمسد بها ضفيرة الصغيرة الفضولية منفلتة للريح ..
وتهمس بحزم شركسي حنون : لما جديلتك مفككة يا حانتسة جواشا .!؟
فتستيقظ الغيمة ويهطل مطر تشرين ..
تجتمع القبيلة على حكايات العجوز المتشابكة بأغصان شجر البلوط وحبات الكستناء ليغنوا مع الجدة التي تجيد العزف على الأكورديون . وكالعادة ترفض العزف بحجة الشيخوخة ولكن سرعان ما تلبث الاذعان للرجاءات فتمسك الأكورديون بكل طاقات كونية وبما تمتلكه من سلطة الأم الأولى مستدعية كل النارتيين ليصطفوا أمام البيت الطيني القديم كل يعانق جواده، كلهم / كلنا / أنا / أنت/ نحن/ هم يبتهلون لأرض النجوم السبعة ، لقديسة القديسات الإنسانة الشفيفة : ستناي الجميلة البعيدة الحبيبة ، الحلم ، الساكنة في الصندوق السحري في أقصى الشمال هناك البعيد القريب جدا في القفص الصدري ، حيث أربع حجرات بحجم الكف ولكن بوسع الكون ..!
فتتيقن صاحب الجديلة المفككة اللاهثة في الريح أن النارتيين قد دخلوا بجيادهم المجنّحة صندوق الجدة ، وباتوا عن طيب خاطر وبكل محبة ، أجزاء شمس متناهية في الصغر تبحر مضيئة في الشريان ، يشتعلون ويشعلون سلالم الآلهة نجمات تضيء وحشة الاغتراب والموت المجاني وكل الأحزان القفقاسية ، كلما أصغى القلب إلى موسيقاهم ..
...
اليوم ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين الذي يتسم بوضوح شديد تجاوزه إشكاليات الزمكان وانهيار الحدود الجغرافية بين دول العالم ، وفي ظل هيمنة المفاهيم الاقتصادية عبر نظم ونظريات تعدت تماما الحدود والمكان ومفاهيم الدولة القطرية ، بالتالي يصير الوطن الأم قادرا أكثر من أي وقت مضى على احتواء كل شراكسة العالم أينما كانوا بوعي ومنطق جديد . عبر ثقافة تتكئ الرموز العظيمة التي يمتلكها وعينا للأجداد العظام كالنارتيين الذين بعد هم في كل صناديق الشراكسة شموسا مضيئة سواء أكانوا في الوطن الأم ، أم في الشتات حيث نتساوى ونتسامق هذا الولع فيهم ..
اليوم لم يعد من المبرر أبدا ترديد عبارات الشعور بالذنب لانهيارهم ، أو أنهم لم يستطيعوا الاحتفاظ بحديقة ألهة السماء ، وباتوا - أي الشراكسة المهاجرين - خارج مساحاته الضوئية .
بل بات من الأهمية بمكان الاستفادة من متغيرات العصر التي وضعتنا اليوم بمواجهة جملة حقائق يمكن تطويعها لصالح الإثنيات والعرقيات المتعددة بغية إثراء الثقافة والتنوع الحضاري الإنساني عبر تواجد شركسي فاعل ، رغم التخوفات التي تشيع بعكس ذلك ..
فمثلا من الضروري اليوم إجراء دراسات واعية عميقة لحديقة السماء بمنظور ما بعد حداثي ودراسة الإرث الأسطوري والثقافي بوعي شديد ودقيق الاختصاص للحفاظ عليه ، ولكشف المزيد من أسراره الجمالية ومحمولاته المعرفية ، ودلالاته القيمية الإنسانية ، لنشره بين كل الأوساط الثقافية عالميا ، مستفيدين من تعدد الأمكنة الجغرافية للتواجد الشركسي .
للاستفادة أيضا من أصوات ومطالب الشعوب الأخرى التي تشاركنا هم الخوف من الامحاء أو التهميش ، وذلك عبر أكبر هيئة ثقافية رسمية في العالم أي اليونسكو بأهمية الحفاظ على التعدد والتنوع الثقافي بل إحياء النائم منها لمواجهة ثقافة أحادية توغلت و تغولت بما تمتلكه من وسائل اتصال حديثة وإمساكها زمام مفاتيح القوى الاقتصادية الضاربة كل ثقافات الأمم والشعوب بهدف حماية مصالحها الخاصة مكرسة ثقافتها لخدمة غاياتها ..
وبالتالي كي لا تذوب هذه الثقافة – الاثنية والعرقية بما في ذلك الشراكسة والقفقاسيين عموما - وتمحي تماما من خريطة التنوع الثقافي العالمي وكي لا يصير الوطن الأم مجرد ملحقية تتواجد في كتابات متفرقة ، دعونا نقفز عن مقولات الشركسي لا يكون شركسيا إلا في الوطن الأم ، إلى ما هو مجد ومؤثر وفاعل عبر الاستفادة من وسائل تنوع الميديا الحديثة لتوظيفها للتقارب بين شراكسة العالم للذهاب للعالمية قدما وبفاعلية..
فنحن نلحظ إن التقاليد المطبقة بحذافيرها "الاديغة خابزة " المتوارثة شفاهيا عبر قرون طويلة من الزمن ، لا تمجد الإنسان كفرد في حد ذاته، بل تنظر لقيمة ما يتركه من إبداع وأثر ، وهذا جوهر البشرية في حضارتها المتعاقبة للارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي . وبالتالي ما نسميه ضعفا مثل التبعثر الشركسي اليوم ، سيكون من أقوى وسائل العالمية ، بالرغبة الحقة في الأخذ والعطاء في التعارف والحوار والتلاقح, إنها طريق الأنا للتعامل مع الآخر بوصفه (أنا ثانية) طريقها إلى جعل أنا ملموسة معروفة مهمة للثانية.
هي الفرصة إذن لشراكسة الداخل في الوطن الأم والخارج في الشتات لتقديم ثقافة شركسية غنية كي تكون عالمية عوضا أن تكون فقط للداخل في الوطن الأم لا يعرفها سوى المختصون والشراكسة فقط في الخارج الذين هم في تناقص عددي لا يستهان به قياسا بأعداد سكان الشعوب الأخرى ..
وبذلك تكون لأرض النجوم معنى واعتبار، ولشعبها الذي تسبح في شرايينه خلايا أول بشر القارة الأوروبية الذين وقفوا بقامتهم يطالون قمم الجبال البيضاء النقية كأرواحهم تماما ..
بذلك ستشرق آلاف الشموس من صناديق الجدات الخشبية ليسقط رذاذ مطر مضيء بروح ستناي الأرض الجميلة ليس فقط لمن هم في الوطن فحسب بل أيضا لمن هم مثلنا باتوا بعيدين جغرافيا ولكنهم بعد ذاكرتهم ندية للغاية ، فنردد مع الشاعر الشركسي الكبير غوبجوقة ليوان:
إن أمجاد أولئك الذين قاتلوا من أجل ضوء الحياة
ستزيَّن بيارق مستقبلي إلى الأبد
....
والمستقبل ليس الأنا الشركسية بل الأنا والانا في نحن الدافئة ، وماذا قدمنا للثقافة الإنسانية ولكل من يشاركوننا الهواء على الكرة الأرضية ويتقاسمون معنا ضوء الحياة ..
استذكر مقولة للشاعر الداغستاني القفقاسي العظيم رسول حمزاتوف :
عندما يسألونك من أنت، تستطيع أن تبرز وثيقة، أو جواز سفر، يحتوي على المعلومات الأساس، أما إذا سألوا شعباً من أنت، فإنه سيقدم علماءه، كتابه، فنانيه ، موسيقيه، رجاله كوثائق..
فماذا صنعنا كشراكسة في الداخل والخارج لسؤال كهذا ؟؟؟
...
وللحديث كثير من بقية ..
.........
ستناي : المرأة الجميلة رمز الوطن والأرض لدى الشراكسة
انانا : الأم الكبرى ورمز الحكمة
نينانج : الأم الكبرى وتحديدا الجدة
حانتسة جواشا إلهة المطر ورمز المحبة باتت بسبب قوى الشر دمية خشبية
النارتيون : مقاتلون أشداء وسارقو المعرفة من السماء لخدمة البشر
أرض النجوم السبعة : بلاد القفقاس كما يسميها أهلها



#بريهان_قمق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة
- في يوم النكبة .. ثمة بوح
- بالدمع ننمو ثانية
- زهرةُ بركانٍ .. تبوح
- قراءة في كتاب الإنترنت والبحث العلمي للدكتور عباس مصطفى صادق
- حوار مع الإعلامية والكاتبة بريهان قمق
- سعد اردش
- يتوبيا الأنوثة/في الثامن من مارس/ آذار
- المغاربة والقدس وبعض من أمل
- مايكرفون طبيعي للغاية
- أتفرس حالي
- ظمئي
- المثقف خارج العزلة
- هل ستنجح عودة أوروبا للمنطقة ..؟؟
- هذيان السديم
- خريف هيئة الأمم المتحدة
- بوحٌ عند شبّاك القلب
- فقر إنسانيّ


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - بريهان قمق - الثقافة الشركسية بين الخصوصيَّة والعالميَّة