قضايا علمية 2

فتح الله الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 1915 - 2007 / 5 / 14 - 05:53
المحور: الطب , والعلوم
    

يتفرد الغلاف الجوى للأرض عن كل الأغلفة الجوية لكواكب المجموعة الشمسية فى أمرين. الأمر الأول أنه يحتوى على نسبة كبيرة من الأكسجين، أما الثانى فهو وجوده على شكل طبقات متمايزة. ويرجع هذا التفرد فى رأى العلماء إلى نشأة الحياة على الأرض. بدأ غلاف الأرض كغيره من أغلفة الكواكب بلا أكسجين وكان مكونا من النيتروجين وثانى أكسيد الكربون والنشادر والميثان وبخار الماء وبعض الغازات الخاملة والنادرة مثل الأرجون، جاءت كلها من النشاط الجيولوجى العنيف الذى اجتاح كوكب الأرض بعد تكونه مباشرة. وكانت أشعة الشمس بكل مكوناتها تنهال على الأرض دون أى عائق فأخذت الأشعة فوق البنفسجية فى تفكيك جزيئات الماء إلى الأكسجين والهيدروجين. يمتص الأكسجين جزءا من الأشعة فوق البنفسجية ليكون الأوزون، والذى يمتص بدوره جزءا آخر من هذه الأشعة ليتحول إلى الأكسجين ثانية. وبعد فترة توقف تراكم الأكسجين والأوزون نتيجة الاتزان بين معدل تكونهما ومعدل تفككهما. إلا أن نشأة الحياة فى أعماق المياه الساكنة فى شكل طحالب بدائية تمارس التمثيل الضوئى أدى إلى تراكم الأكسجين الذى ينتج عنها فى الغلاف الجوى وتراكم الأوزون المتكون من تأثير الأشعة فوق البنفسجية فى الأكسجين. وتمت عملية بناء الغلاف الجوى الحديث لكوكب الأرض، بأكسجينه وأوزونه وثانى أكسيد الكربون على مدى ملايين السنين بحيث أصبح داعما للحياة بصورها المتقدمة، وكأنه يرد الدين الذى فى عنقه للحياة التى حورته وتعهدته فى بداياتها وبداياته حتى أصبح الاثنان على الصورة الحالية. ومع تراكم الأكسجين والأوزون فى الغلاف الجوى للأرض تطورت الحياة وتشعبت وازدادت تقدما وتعددا وثراء لتتوج فى النهاية بالرئيسيات وعلى قمتها الإنسان. ظلت نسبة الأكسجين تتراوح بين 15 % و 25% والدليل على ذلك مسجل فى الحفريات الجيولوجية والصخور.
أدت تفاعلات الأكسجين والأوزون إلى تراكم الأخير فى طبقة "ستراتوسفير" التى تشغل ارتفاعا من 17 إلى 50 كم، ليصبح درعا واقيا من الأشعة فوق البنفسجية الفتاكة، ذات الموجات الأطول. أما الأشعة فوق البنفسجية ذات الموجات الأقصر فيتكفل بها الأكسجين. وهكذا يدور الحوار الكيميائى بين الأطراف الثلاثة: الأكسجين والأوزون والأشعة فوق البنفسجية فى طبقة الـ"ستراتوسفير" ليتوفر للحياة الظروف الموائمة لممارسة وظائفها وازدهارها وتطورها. وفى الوقت نفسه كان حوار فيزيائى آخر يدور بين أشعة الشمس وبعض مكونات الغلاف الجوى من الغازات التى يطلق عليها غازات "الصوبة الزجاجية". وقد أطلق هذا الاسم على مجموعة من الغازات لأنها تعمل عمل الصوبات الزجاجية فى الغلاف الجوى لكوكب الأرض، أى أنها تسبب ظاهرة الاحترار أو الاحتباس الحرارى، بمعنى أنها تمنع تسرب الحرارة من سطح الكوكب. وفى الواقع لولا هذه الظاهرة لكانت درجة حرارة كوكب الأرض أبرد بمقدار 33 درجة سلزية (الدرجة التى كانت تسمى مئوية سابقا)، ومن المعروف أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض هى 15 درجة. وتشمل غازات الصوبة الزجاجية بخار الماء وثانى أكسيد الكربون والميثان والنشادر ومجموعة غازات الكلوروفلوروكربون (التى كانت تستخدم على نطاق واسع فى الثلاجات وأجهزة تكييف الهواء والعبوات المضغوطة المستخدمة فى العناية الشخصية). ونظرا لأن بخار الماء موجود باستمرار فى الغلاف الجوى فإن تأثيره ثابت بينما التأثير المتغير يعود للغازات الأخرى، وهى التى تشغل بال المهتمين بقضية الاحتباس الحرارى أو الاحترار.
استقرت الأمور فى الغلاف الجوى للأرض فكان تنفس الحيوانات والحرائق الطبيعية يستهلك الأكسجين لينتج ثانى أكسيد الكربون، بينما يقوم التمثيل الضوئى فى النباتات الخضراء (المحتوية على الكلوروفيل) باستهلاك ثانى أكسيد الكربون وبخار الماء لينتج السكريات والسيليلوز ويطلق الأكسجين. وكانت معدلات استهلاك وإنتاج الأكسجين وإنتاج واستهلاك ثانى أكسيد الكربون متساوية ومتزنة. وظل الحال على هذا النحو حتى بداية الثورة الصناعية، أى بداية احتياج البشرية للطاقة المحركة للآلات والميكنة وزيادة الإنتاج واستخدام الوقود الحفرى للحصول على هذه الطاقة. بدأت البشرية بحرق الفحم ثم تحولت إلى البترول ومشتقاته وأخيرا دخل الغاز الطبيعى الميدان. أرتبطت الثورة الصناعية بالزيادة المطردة فى نسبة ثانى أكسيد الكربون، أحد أبطال دراما الاحتباس الحرارى. وحيث إن ثانى أكسيد الكربون يرتبط ارتباطا وثيقا بدرجة حرارة الأرض فقد أصبح محل الاتهام فى هذه القضية.
وسنوالى عرض النواحى المختلفة للقضية تباعا.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل