أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جمول - الصندوق














المزيد.....

الصندوق


محمد جمول

الحوار المتمدن-العدد: 1895 - 2007 / 4 / 24 - 08:41
المحور: الادب والفن
    



قصة قصيرة
شيئان لا أزال أذكرهما منذ طفولتي , وما أذكره أكثر هو تلك الدهشة غير المفهومة آنذاك . الشيء الأول كان ذلك النوع الطيب والشهي من الحلويات الذي عرفت أن اسمه " الشعيبيات " . وفي حينه , لم أجد صعوبة في تذكر اسمها إلى أن ذهبت مع والدي إلى المدينة بعد سنوات ورأيت الكثير منها في محلات تعرضها بشكل أحلى بكثير مما بدت عليه في قريتنا. والأجمل من هذا أني اكتشفت أنواعا أخرى كثيرة لم يخطر ببالي أن أسأل عن أسمائها. الشيء الثاني الذي لم تنفع توضيحات أبي في إدخاله إلى ذهني هو الانتخاب أو صندوق الانتخاب ,كما كانوا يسمونه . فما علاقة هذا الذي يسمونه صندوقاَ باجتماع كل هؤلاء الناس في دار بيت المختار – لم تكن المدرسة قد تأسست في قريتنا بعد ؟. وما علاقته بما كان يدور من جدال وخلافات تصل حدود العراك والضرب أحياناَ بين الموجودين هناك. ؟كانوا يرددون أسماء سمعت بها لأول مرة ولا تزال عالقة بذاكرتي منذ خمسين عاما مع أني لم أر صاحب واحد منها في حياتي كلها.لكن مالم يغب عن ذاكرتي أن يوم الانتخابات كان اليوم الذي رأيت فيه تلك الحلوى الطيبة لأول مرة في حياتي.
أسكت والدي كل تساؤلاتي حين قال لي : ستعرف كل هذه الأشياء حين تكبر. ومع ذلك استطعت أن أنتزع منه معنى كلمة انتخاب التي فهمت منها أن بإمكاني اختيار من أحبهم من قائمة طويلة من الأسماء المكتوبة على الأوراق الكثيرة والملونة التي كانت موجودة بكثرة بين أيدي الناس .ولتقريب الفكرة إلى ذهني أكثر قال لي: "هذا مثل أن يكون أمامك تين وعنب وتفاح, ويقولون لك : خذ هذا أو هذا أو هذا " . فهمت ما قاله أبي , ولكن تمنيت لو يقولون لي خذ الكل.فسيكون ذلك أفضل من الانتخاب.

مع الأيام فقدت حبي لتلك الحلوى التي كانت تسحرني, ولم تعد تحرك شهيتي.ولكن لا أعرف لماذا ظل الصندوق يشغل اهتمامي ,ويدفعني إلى معرفة سر اهتمام الناس به. لماذا يتحدثون عنه بكل هذا الحماس ؟وماذا يمكن أن يقدم لهم ؟ صرت ألمس هذا الاهتمام في العالم كله.
لا أزال أتذكر جواب صديقي حين سألته مرة: من اخترع هذا الصندوق العجيب ؟ فبعد لحظة من الصمت,هز رأسه وقال لي :" لم يخترعه أحد. أعتقد أنه كان ضرورة. والضرورة تخترع ذاتها.لا تحتاج إلى من يخترعها هي موجودة دائماَ أمامنا وبيننا و لا تحتاج إلا لمن ينتبه إلى وجودها والتقاطها .بكل بساطة هي
بحاجة فقط إلى من يتقبلها ويتفهمها ,ثم يتعامل معها بعقل منفتح ,بعيدا عن غرائزه البدائية .ربما كان هذا الاختراع العجيب واحدة من أولى المحاولات العاقلة التي قام بها الإنسان ذات يوم لإنهاء آلاف من سنوات الحروب لم يعرف خلالها إلا سنوات متقطعة من السلام والهدوء . ببساطة, ربما تعبوا من استخدام العصا والسيف والمسدس , فاختار العقلاء منهم هذه القطع الخشبية وصنعوا هذا الصندوق العجيب . أما الذين حالفهم الجهل أو حالفوه فلا يزالون ينعمون ببركاته .فبدلاَ من اختيار من يحكمهم , يختارون الأسلحة التي يتحاربون بها, بينما يظل الطرف الأكثر قوة متفرغاَ لإدارة اللعبة واستغلال الجميع . تلك كانت اللحظة التي فصلت بين الشعوب التي اختارت السير إلى الأمام باتجاه المستقبل وتلك التي اختارت السير إلى الوراء نحو الماضي.ولا عزاء للشعوب التي انتظرت وظلت واقفة.فمن لا يتقدم هو أكثر خسارة لأنه مع مرور الزمن سيفقد القدرة حتى على المشي. " وبشيء من الضيق الواضح , أضاف صديقي الذي أعرف فيه كثرة التأفف وضيق الخلق "يا رجل, هل يعقل أن نظل مشغولين بهذه الأمور ونحلم بتحقيقها. كل خلق الله حلوا هذه المشكلة من مئات السنين .هل لاحظت الغجر الذين يمرون من هنا في بعض المواسم ؟ ألم تنتبه إلى أن زعيمهم يتغير بين مرة وأخرى ؟"

في قريتي , التي لم تعد حدودها تتطابق مع حدود العالم كما كانت في طفولتي , صارت " لعبة الصندوق " أكثر وضوحاَ في ذهني وأقل إثارة لاهتمامي , وخصوصاَ بعدما صرت أعرف الأسماء التي أقرأها على الأوراق الملونة . وبعضهم كان من أصحابي وزملائي في العمل. وصار الذهاب إلى صندوق الاقتراع عملاَ روتينياَ مثل الاستيقاظ صباحاَ للذهاب إلى العمل أو التوجه كل شهر لاستلام الراتب .

كنت كلما ذهبت مرة إلى ذاك الصندوق أتذكر كلمات صديقي الجميلة التي فلسف فيها عملية الانتخاب وأزداد تفكيراَ بها .لكنني ,مع ذلك ,سأظل عاتباَ على أبي الذي أكد لي انهم سيقولون لي : " خذ هذا أو هذا أو هذا" . ففي كل المرات التي كنت أحضر فيها إلى الصندوق كانوا يقولون لي : " اختر هذا ."
الكويت 6تموز / يوليو 2006



#محمد_جمول (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية المؤامرة
- أسئلة في زمن الرعب والهذيان


المزيد.....




- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جمول - الصندوق