أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لطيف شريف - قراءة في شعر كزار حنتوش















المزيد.....

قراءة في شعر كزار حنتوش


لطيف شريف

الحوار المتمدن-العدد: 1885 - 2007 / 4 / 14 - 08:12
المحور: الادب والفن
    


مات الشاعر كزار حنتوش في زمن غير شعري ولهذا ما كان لموته دويا كما كان يتوقع كدوي انهيار برجي التجارة العالميين حسب رواية ثامر الحاج أمين. مر موته صامتا ترافقه بعض الكلمات التأبينية البسيطة من هنا وهناك. لكني اعتقد إن العراقيين سيعودن إلى قراءة شعرائهم الموتى ما إن يحطوا أثقالهم الحربية ويستكينون لبعضهم البعض . وسيكون كزار الحنتوش من أوائل أولئك الشعراء لما يمتاز به من خصائص لغوية وشعرية على صعيد المفردة والبنية وفنية الصورة وعفوية الشعر
.
الصورة عند كزار بسيطة تركيبية تعتمد بنية لغوية متكررة تضفي عليها عفويته الشعرية المتدفقة جمالية رائعة ،تكتنز بين دفتيها مدى عاطفيا وانفعاليا عاليا . يلحم بين جزيئاتها المنتقاة من خامة مألوفة بمفردات دارجة تقريبا بما يكسبها حسا واقعيا، يتحول إلى رمزية عالية تؤشر إلى ثقافة وانتماء طبقيين معينين .فعلا سبيل المثال في قصيدته التي يتحدث فيها عن جملة من المتغيرات في بنية لغوية متشابهة تقريبا من فعل وفاعل ومفعول به أو من مبتدأ وخبر،شخوصها أناس عاديون ينتمون إلى لغة وطبقة بسيطة:

سنة مرت،
والدنيا غير الدنيا في الحي الجمهوري ،
اقلع مكطوف عن السكر،
واصطادت حورية زوجا من دائرة الطابو،
والرجل الماكر ذو اللحية،
راح إلى الشطرة تتبعه اللعنات،
سنة مرت:أفلس باع ورد لسان الثور،
وأغاني أم كلثوم ،
باتت لا تعجب إلا رزام البلدية ،
لكن الشاعر ك الحنتوش ظل على حاله،
أعزب متلافا ..غير مرتب الفراش
الأعزب ..
تبدأ القصيدة بتسجيل تغير عام على مستوى الدنيا ــ الحياة في مكان محدد ( الحي الجمهوري ) " الدنيا غير الدنيا في الحي الجمهوري " ،تعززه تغيرات أخرى على المستوى الشخصي أو الفردي: مكطوف اقلع / حورية اصطادت / وذو اللحية عاد ملعونا /انحسار بعد هيمنة للاغاني أم كلثوم / و كساد بعد رخاء في طب الإعشاب / .كل هذه المتغيرات تقع في مدى زمني قصير ،يكسبها طابع المفاجأة والفورية ... و عبقرية كزار تكمن في انه يلحم بين كل هذه أللقطات المتفرقة التي يصطادها عبر كإمرته الخفية في نسيج واحد ،صورة واحدة متناغمة، يخلق منها كلا متجانسا ليكون خلفية يطلق إزاءها تناظرا يتقاطع معها :
لكن الشاعر ك الحنتوش ظل على حاله،
أعزب متلافا ..غير مرتب الفراش
الأعزب ..

وهذا الثابت إزاء المتغير يفتح القصيدة على مفارقة هائلة بين عالمين واحد يتغير والأخر ثابت بحيث تجد نفسك تنظر في اتجاهين واحد يتعزز شاقوليا والآخر يقاطعه أفقيا في لحظة زمنية تتخطى حدودها الزمنية لما هو غير زمني بقوة الشعر.
لا يلقي كزار الحنتوش بقارئه في عالم الخيال المحض أو في الغموض المبهم، وإنما يبهره بقدرته الفذة التي تستبطن ما في المألوف من مفاجئات وحميمية ودفء في أنتقاءات جميلة معاشة وكأنها "ليموتفات" معروفة للبعيد والقريب: مكطوف / حورية / ذو اللحية / بائع ورد لسان الثور / رزام البلدية / كلهم معروفون .تنتقيها عفويته الشعرية المتفردة بحيث يتحرك قارئه في عالم عرفه وخبره لكنه يفاجئه بما يكتنزه من قوة تعبيرية هائلة لا يتوافر ألامساك بها إلا لشاعر على درجة من الفطنة والذكاء والموهبة والحس الشعري .ولحسن الحض ،يمتاز كزار بكل هذه المواصفات التي تأهله على تشكيل ماهو واقعي مألوف لخدمة غرضه الشعري الذي يتخطى بدوره الواقعي والمألوف إلى ماهو رمزي .
وعليه، تمثل الحياة اليومية المعاشة بكل إيقاعاتها المتناغمة و المتنافرة وبكل مادتها الفجة والراقية معين لا ينضب ينهل منه الشاعر صوره التي تنبض بالروح والحيوية والعاطفة،لان كزار لا يسعى إلى توصيف الأشياء كما هي وإنما ليوظف تلك الذاتية ويدفع بها إلى الإمام بكل ما تكتنزه من حرارة وبرودة وروائح وألوان ومادية وتجريدية لتخدم غرضه الشعري القائم في الكثير من الأحيان على خلق صدمة مفاجئة بين عالميين واقعيين متناقضين بحيث يبث فينا ذلك التصادم موجاته الإيحائية التي تنقلنا إلى متاهة الشعر في إطار غير زمني .
ومن أمثلة تلك الصدمة المفاجئة قصيدته ( عشاء باكونين الأخير ) التي ينبأه فيها ملك الأفاقين السبعة عبر تلبثية (Telepathy ) الموجات الشعرية لا الدموية بحال صديقه الشاعر الذي هيمنت عليه الوحشة، فيتجاز كل الحدود في جو تتداخل فيه الأشياء والأزمنة في سريالية عذبة ، فيطلب قنبلة ـ لا زجاجة عرق ـ لينسف وحشة صديقه التي هي بالأساس وحشته ووحشة كل الشعراء في اتحاد الأدباء وبالتالي هي وحشة الأدب والأدباء عموما وهنا تكمن المفاجأة :
اقفز بار الأدباء!
اتخطى الخافر والساقي والبواب
وأحطُّ على مائدة الليل
حيث الوحشة كالناعور
نازلة صاعدة
صاعدة نازلة
يأتيني رأس الندل المتخفيّ في زي غراب
ماذا تطلب يا سيد؟
-قنبلة!
ويبدو إن هذه التلبثية قوية عند كزار حنتوش إلى درجة إنه يتنبأ بموته :
لا رسمية هذا اليوم،
لا صحو غداً،
اليوم غناء تحت التوت،
وغداً تابوت.

يخلق كزار حنتوش جوا عاما يناسب ثيمته بعفوية فائقة عبر منظومة من صور تنضح من بين ثناياها ما يشكل ذلك الجو وكأنه مراسيم طقوسية . ففي قصيدته الجندي المجهول يبث جو من القدسية تتوشح به كل القصيدة ، يبدأ تأسيسه من خلال تثبت حقيقتين تعكسان حالة من الشفافية والصفاء كسمات للحقيقة الناصعة:
الزرقة في النجم العالي،
والخمرة في الكأس،
ليسند عليهما حقيقته الثالثة وهي قدسية الجندي المجهول التي يبثها من خلال تشبيهات مثل:
كحمام الكاظم / كثريات العباس / اخضر كالخباز / شجيرة آس / فلتقرع الأجراس ...بالإضافة لما تضفي عليه كلمة ( ها ) العامية من دهشة وتعجب تمنحه قدر كبير من بساطة الإنسان العادي :
ها .. صرت أليفا كحمام الكاظم ،
ها .. استلقت روحك كثريات العباس
أنت أساسك طيب،
وقماطك اخضر كالخباز،
ارفع نخب الشعب..تبتسم،
وارسم محبوك فوق الغيم شجيرة آس،
ها ..لا تغتظ من هذي الدنيا ،
ستظل رهيفا كالنخلة ،
وعدوك منحي الرأس،
فلتقرع من أجلك يا جندي
كل الأجراس
إما في قصيدته ( نحن لا نحسن التدبير ) يشير كزار إلى إخفاق مشروعه الشعري لا لأنه لا يمتلك المقومات الشعرية كالموهبة والاصالة والمعاناة ولا لأنه لم يرقى به إلى حالة من الرفعة والسمو الصوفي وإنما بسبب تآمر المتآمرين من خصيان الشعر تلك العملة الرديئة التي تطرد العملة الجيدة .انظر كم يعاني الشعراء المبدعون في الطرق على مادتهم لكي يخلقوا منها تحفة فنية :
حسنا،فلنفرك بأصابعنا هذي....
(كم بردنا جمر السنوات بها،كم عرينا نسوان الشوك بها،
وخرطنا بأصابعنا هذي كل قتاد الشعر/ ألبسناه الحرقة/
وطفقنا...
نتمايل معه في حانات الموت

لكن لصوص الشعر يسرقون كل ذلك الجهد والتعب فيغادر الشعر:
صوب بيوت المحظوظين
كما لأنه يدرك ولو بعد حين إن مهمة الشاعر الحقيقي هي الموت : إن تكون شاعر أي إن تموت لان الشعر بالنسبة للشاعر الحقيقي ليس ترفا ولا ضربا من المتعة وإنما هو موت زؤام ... تدفعه نحوه طفولته الملونة المزركشه التي لا تكفيها كل تضحيات الحنتوش لأنها ليست الطريق الحقيقية إلى الشعر وإنما طريقه هو درب الصد ما رد :
انظر
انظر
تلك طفولتنا زاهية كثياب الكردية ،تنبحنا
(( اولسنا قمرين من الفافون ))
وتشير إلى ((درب الصد ما رد )) ما تبغي بنت الفاعلة،

إذن الشاعر بالنسبة لكزار حنتوش مسيحا آخر يحمل صليبه أينما حط أو رحل أو حسينا يقدم دماءه الزكية قربانا ليعيد التوازن للأمة انحرفت إما طريق التسكع والتشرد والتدمير الذاتي كمنهجية زهدية يسعى الشاعر من خلالها الوصول إلى حالة من الكمال والسمو يبدو أنها غير كافية لخلق شاعر أصيل :

اولست زعيم سني القهر،نديم المحترقين؟
اولست أنا راس الشعراء المقتاتين على أنفسهم ،وزعيم
الأفاقين
هل ننكص،
أم تقدم ؟
فات الوقت الآن ..
و بـ ( فات الوقت الآن ) يغلق كزار حنتوش مسار حياته الشعرية حينما يدرك إن للشعر شمر سيحكم عليه بالحريق والفناء .. يتبعه دور الشعراء الأدعياء يطلقون التهم متشمتين في أماكن ما كان يسعى إليها الحنتوش لانه يعرف من البداية انها لا تمنحه بهاء الشعر وعظمته بقدر ما تجعل منه بهلولا يضحك هذا الملك او ذلك فسلك طريق المتنبي ذلك المشروع الثر الذي يركب الشاعر من اجله عباب المخاطر ويتجرع السم الزعاف .



#لطيف_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحجاب
- المغامرة الامريكية المرتقبة


المزيد.....




- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...
- مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
- الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لطيف شريف - قراءة في شعر كزار حنتوش