تتطور المجتمعات، بتطور التكنولوجيا، وتقدم العلم والمعرفة فيها، ومقياس هذا التطور، هو امتلاك أفراد هذا المجتمع، لوسائل التحديث والتطور والإبداع، ومجتمعاتنا العربية عامة، والخاضعة لحكم المحتل خاصة تحظى بقدر كبير من المسافات البعيدة عن تلك التكنولوجيا، وتلك التقنية العملية، العلمية، التي تتمتع بها مجتمعات غربية أخرى . بحكم الاحتكار الغربي الرأسمالي، وبحكم العنصرية، والاستعلاء، وذهنية التفوق، وعقدة الخوف والنقص والانتقام، التي تطغي على العقلية الغربية تجاه أبناء الشرق وخاصة أبناء الأمة العربية. حيث شرعت القوانين لدى الغرب، لمنع العرب من امتلاك التكنولوجيا ووسائل التقدم والتطور حتى بابسط مقوماتها وادنى مستوياتها العلمية والثقافية والإبداعية.
وفي المقابل تعتبر العقول العربية المهجرة، والمستثمرة غربيا في الأسواق العلمية العالمية، من اكفأ العقول الإبداعية، شريطة ان تبقى خارج أوطانها وداخل مؤسسات الغرب الاحتكارية، وان حصل أي خروج من أي عالم أو مبدع عربي فمصيره محتوم بالاغتيال أو الموت.
هذا حال وواقع مجتمعاتنا العربية الذي نرفضه بشدة ونحارب الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع الذي يفرضه الغرب علينا، كأفراد ومواطنين. نريد الحياة الحرة الكريمة لشعبنا وامتنا، ولأجيالنا القادمة. فهل نقبل بما نرفضه ونحاربه، بكل عنفوان وإصرار وتحدي ؟؟؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من داخل زنازين الموت الفاشية في إسرائيل....
لقد تعمدت إسرائيل، ومن خلال مصلحة السجون العامة، وأجهزتها الاستخبارية المختلفة، على اتباع سياسة التضييق، والحرمان،العاطفي والأسرى والإنساني تجاه الاسرى والمعتقلين، لافقداهم الإحساس بقيمهم الإنسانية والأخلاقية، وتحويلهم الى مجرد أرقام تحصى، والى كم مهمل مفرغ من المشاعر والعواطف والقيم النبيلة. ولم تكتف بذلك وانما تعمدت منعهم من مواكبة تطورات العصر والحياة، خارج أسوار المعتقل، من خلال تحديدها المسبق واختيارها للمعلومات، والأخبار والتغيرات، التي تختارها من صحف ومجلات ومحطات متلفزة، أو نشرات الأخبار الإسرائيلية الموجهة باللغة العربية.
وقد حرم الاسرى والمعتقلين، وعلى مدار ستة وثلاثون عاما، ليس من حريتهم فقط، بل من امتلاكهم للمعرفة والثقافة ووسائل الاتصال والتواصل مع مجتمعاتهم واهلهم، ومتطلبات الحياة المتطورة في حالاتها الطبيعية ومتعددة الأوجه.
لقد دأبت إدارة السجون على تكريس وسائلها القمعية، من اجل منع الاسرى من مواكبة التطور الثقافي والتقني، وعملت كل ما في وسعها، لمنع الاسرى من تجاوز حالات الأمية بين صفوفهم. فكان مجرد امتلاك أو تهريب قلم أو ورقة أو كتاب، بمثابة خطرا أمنيا من الدرجة الأولى، تعلن، من اجله حالة الطوارئ في أجهزة مديرية السجون، وتحديدا في السنوات الأولى من عمر المحتل، لان المحتلين كانوا يدركون أن بقاء سيطرتهم وهيمنتهم واحتلالهم يتعلق بمدى وعي، وفهم، وعلم الطرف الضعيف في معادلة الصراع بيننا كعرب وبينهم كمحتلين اغتصبوا الأرض والوطن والخيرات. ومن اجل تغيير موازين القوى، ونتيجة الإدراك والوعي لضرورة العلم وامتلاك المعرفة، والتمتع بفن إدارة الصراع، جازف الاسرى العزل ومن داخل زنازينهم الخالية، بخوض معارك مشرفة، من اجل امتلاك العلم ووسائل التقدم والتطور، فكانت دورات محو الأمية تنطلق بقوة وإصرار، وتعلم اللغات بابسط وسائل التعليم وتدريس اللغة العبرية لفهم ذهنية وتفكير العدو كما يجب. واستطاعوا كسر إحدى حلقات الخوف، والقمع والحرمان في الطوق الصهيوني الذي يلتف حول أعناقهم واندثرت إحدى العقد المستعصية في النظرية والذهنية الأمنية الإسرائيلية التي كانت تشكل تجاه الاسرى والمعتقلين العزل أحد أسباب ودوافع هيمنة أجهزة المحتلين المطلقة على سلوكهم وممارساتها وسبل تطورهم الإنساني داخل المعتقلات.
وقد كانت معارك الاسرى والمعتقلين ومنذ ان وطأت أولى أقدام المعتقلين السجون الإسرائيلية، مضرجة بدماء الشهداء الذين سقطوا فداء لمطالب المعتقلين، وانتقلوا الى جنات الخالدين في سجل شعبنا النضالي، بدءً من معارك انتزاع الحقوق في امتلاك القلم والورقة والسرير، والغطاء والفراش، وتحسين الأكل، كما ونوعا، وتقديم العلاج الصحي، وامتلاك الجريدة والكتاب، ومتابعة التحصيل العلمي في الجامعات المفتوحة، كأي معتقلين سياسيين في كل دول العالم الاستعمارية، التي تضمن حقوق الاسرى والمعتقلين في ذلك كما تنص عليه المواثيق والمعاهدات الدولية. والاعتراف بالأسرى كبشر، يحق لهم التمتع بقدسية العيش الحر الكريم، رغم وجودهم في داخل الأسر الإسرائيلي بعد معارك عسكرية، ومواجهات وطنية وقومية طاحنة، تم آسرهم بعدها، واقتيادهم الى أقبية التحقيق.
ان الإنجازات العظيمة التي حققها الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، لم تكن معروفا أو منةً من قبل سجانيهم، وانما بفعل التضحيات الجسام التي قدمها أولئك المعتقلين، حتى وصلت التضحية بالنفس والاستشهاد على مذبح الحرية، رغم كل الضغوطات، والممارسات القمعية التي طالت أجساد المعتقلين بالضرب والتعذيب والعزل، وكيل الشتائم والإهانات في محاولة لردع الاسرى عن المطالبة في حقوقهم. وصون كرامتهم، وكان سلاحهم الوحيد، في مواجهة سياسة القتل البطيء، والتعذيب المركز، في خطوات نضالية عظمت مع الوقت، بإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام، ورفض استلامه، أو تناوله، وتحميل السلطات المحتلة، مسؤولية حياتهم كاملة، لفترات وصلت حتى 36 يوما، سقط فيها العديد من الشهداء الاسرى دفاعا عن الحقوق العادلة النبيلة.
ان المعارك التي يخوضها الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال دفاعا عن حقوقهم ووجودهم لم ولن تتوقف، ولم يتوقف الاسرى يوما عن الطموح في تحسين ظروف حياتهم الاعتقالية، والتمتع بالحياة الحرة الكريمة، وفي المقابل يدرك الاسرى جيدا ان إدارة السجون ومن ورائها سلطة الاحتلال الفاشية لن تتورع في مصادرة كامل تلك الحقوق التي ينتزعها الاسرى بدمائهم وأمعائهم، ولن تتوانى لحظة واحدة في منعهم من اكتساب أي إنجاز جديد يصون ويطور حياتهم الاعتقالية.
أمام هذه التجارب النضالية الأليمة، وضعت الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال استراتيجية جديدة، لا رجعة عنها، في مواصلة واستمرار المطالبة بابسط الأمور الحياتية التي جهدت إدارة السجون على سحبها رويدا رويدا، حتى غدت ظروفنا اليوم اشبه بظروف حياة العبيد الذين لا يحق لهم المطالبة بأي حق إلا إذا تكرم أسيادهم عليهم بحقوقهم وإلا مصيرهم المزيد من الاستعباد والإذلال. وعلى ما يبدو، يراهن مهندسي الطواقم البشرية في أجهزة الأمن الإسرائيلية على خضوع وامتثال الاسرى لكل الاملاءات والاشتراطات التي يرونها هم، وبالتالي افتقاد الاسرى لأي شكل من أشكال الحياة الحرة النبيلة وابرزها تواصل العلاقة بين الأسير وذويه التي تشكل اليوم أهم دافع أمامنا لإفشال مخطط إدارة السجون في قطع التواصل العاطفي والإنساني والاجتماعي مع أهلنا وذوينا.
وقد أبتدأ هذا المسلسل الإجرامي القمعي قبل سنوات، في إصدار إدارة السجون العامة قرارات عنصرية وفاشية :
· تحديد زيارة المعتقلين للأقارب من الدرجة الأولى أي الأب، الأخت، آلام، الأخ، الابن. واحيانا يكون أحد الأقارب معتقلا سابقا فيمنع تلقائيا من زيارة ابنه لاسباب أمنية.
· تحديد عدد الرسائل التي يرسلها الاسرى الى ذويهم الى رسالتين فقط في الشهر الواحد.
· تأخير تسليم الاسرى رسائلهم المرسلة من ذويهم واحيانا كثير، يكون مصيرها سلة المهملات في غرفة ضابط امن المعتقل، ولا تصل الى الأسير.
· مصادرة حق الأسير في إجراء اتصال هاتفي مع أقاربه في حالات وفاة أحدهم، أو زواجه، كما كان متفقا عليه رسميا خلال انتفاضة السجون عام 1992.والتي استمرت 20 يوما، في الإضراب عن الطعام.
· منع اسرى البلدان العربية " اسرى الدوريات " من التواصل هاتفيا مع ذويهم لمدة عشر دقائق كل ستة اشهر، كما كان متبعا، ومتفقا علية عام 1992.
· منع الاسرى من اخراج أعمالهم اليدوية المهداة الى ذويهم، بعد ان كان ذلك متبعا وقائما منذ سنين طويلة.
· ملاحقة ومصادرة الهواتف النقالة والتي استطاع الاسرى تهريبها وإدخالها الى المعتقل للتواصل مع ذويهم وأصدقائهم واقاربهم بعد انقطاع دام سنوات طويلة. انتصروا في كسر عقدة الهوس الأمني والنظريات الأمنية الإسرائيلية في منعها
· معاقبة أي اسير بأشد العقوبات ان وجد بحوزته هاتف نقال.
· الرفض المطلق من قبل إدارة السجون في تركيب هاتف عمومي في باحة السجن يخضع لذات المعايير التي يتمتع بها السجناء الجنائئين.
عند هذا الواقع نقف قليلا نحن الاسرى لنقول لكل كلمة حسمتها ظروفنا القهرية،بأننا اليوم نستعد لجولة جديدة، ومعركة جديدة نواجه بها إدارة السجون حول أهم مطلب إنساني، سيضطر مسئولي مصلحة السجون وأجهزة الاستخبارات على الاستجابة له، وهو حق الأسير في إجراء الاتصال الهاتفي مع ذويه، أسوة بباقي معتقلي الحرية في العالم، والتزاما بالمواثيق الدولية، ومساواة "غير مرغوبة" مع ظروف السجناء الجنائئين، الذين يخضعون لنفس الإدارة واحيانا لنفس القسم. وإصرارنا على ذلك نابع من موافقة إدارة السجون في العام 1992 "انتفاضة السجون" على حق كل اسير بإجراء مكالمة هاتفية مع ذويه، في كل حالة وفاة أو فرح لمدة عشر دقائق من مقر مكتب ضابط الأمن، وذلك على اثر الإضراب المفتوح من ذات العام الذي دام 20 يوما.
وكان الاتصال التلفوني ممنوعا لاسباب أمنية، لكن كسر هذه القاعدة الأمنية من قبل المعتقلين مرارا وتكرارا، جعل إدارة السجون تسلم عمليا في وجود هواتف نقالة داخل السجن، رغم عدم تشريع ذلك، ورغم تحفظنا على مدة الاتصال، إلا إننا نطالب بإعادة هذا الحق دون أي تأخير، بعد مصادرته، الأمر الذي دفع الاسرى الى البحث عن وسائل بديلة أخرى، تستعيض عن مزاجية إدارة السجون وضغوطاتها، على الاسرى كل اتصال لكل سجين لكن يرافقه تنازلات خطيرة، وطنيا ومعنويا وسياسيا .وكانت تلك البدائل، في نجاح الاسرى والمعتقلين في امتلاك الهواتف النقالة داخل غرفهم ومحادثتهم لذويهم وأصدقائهم واقاربهم، وابنائهم، ومحاميهم. والمشاركة في أفراحهم وأحزانهم، ووجودهم البارز على الساحة الإعلامية والسياسية،واسماع صوتهم المخنوق، وتسليط الأضواء على تلك الأوضاع الخطيرة والممارسات الإجرامية التي تنفذ ضد الاسرى والمعتقلين داخل سجون الاحتلال لهذا كان لا بد من التركيز على أهمية وضرورة انتزاع حق الأسير في الاتصال الهاتفي، وصولا الى انتزاع كامل الحقوق، حتى نيل الحرية.
حركة المقاومة السرية
منظمة الشهيد نزيه ابو زيد
معتقل شطة 13 آب « أغسطس » 2003