مصباح غيبة
الحوار المتمدن-العدد: 1872 - 2007 / 4 / 1 - 10:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الزاوية الأسبوعية (جرة قلم) في العدد 285 تاريخ 14 آذار 2007 من جريدة (النور)، كتب الرفيق عطية مسوح مقالة بعنوان (أخطاء كبيرة في مقالة صغيرة). يفند فيها ما ورد من طروح منافية لمنطق الأمور، ومتعدية على الحقائق، وداعية للدهشة والاستغراب. والتي وردت في مقالة الدكتور مهدي دخل الله (لماذا التباكي على ثنائية القطب، العرب تحت مطرقة الثنائية وسندان الأحادية) المنشورة في جريدة (تشرين) تاريخ 21 شباط 2007. ولا أود في مقالتي هذه إعادة مناقشة مقالة الدكتور دخل الله، فقد تناول الرفيق عطية مسوح بأسلوب يتسم بالموضوعية والعلمية والدقة، وأحاط بكل جوانب ما طرح فيها، فلا حاجة للمزيد وإليه تحيتي.
ما دفعني للكتابة هو شعوري بضرورة تسليط مزيد من الضوء على موضوع هام كان موضع نقاش في مقالَتيْ الدكتور دخل الله والرفيق عطية، وهو قرار التقسيم وحقيقة موقف الاتحاد السوفييتي منه. إذ لا تزال هنالك أسئلة حائرة لدى بعض الأصدقاء تتعلق بالموضوع، إضافة إلى محاولة جهات معادية للاشتراكية استعماله للتشكيك بمصداقية الاتحاد السوفييتي تجاه القضايا العربية.
من أجل ذلك سأحاول إعادة الذاكرة لمعرفة الأجواء والأوضاع التي كانت سائدة في تلك الفترة، أي تاريخ صدور القرار عام 1947 سواء في أروقة مجلس الأمن أم على الأرض الفلسطينية.
من المعروف تاريخياً أن الدول الاستعمارية كانت مصرة على إقامة دولة صهيونية في فلسطين، لاستعمالها في مواجهة حركة التحرر العربية ولتحقيق هيمنتها على المنطقة. فمشروع التقسيم قدمته الدول الغربية بهدف الوصول إلى إقامة الدولة الصهيونية.
أما الاتحاد السوفييتي فلم يؤيد هذا القرار بل كان معارضاً له. لذلك أعد مشروعاً بديلاً دعي (مشروع غروميكو) نسبة لأندريه غروميكو الذي كان مندوباً للاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة.
وينص هذا المشروع على إقامة دولة واحدة في فلسطين يكون برلمانها مشكلاً بنسبة 75% من العرب
و25% من الإسرائيليين، وبذلك يفوّت على الغرب إقامة دولة صهيونية. وللمضي قدماً بهذا المشروع قام غروميكو، كخطوة أولى، بدعوة المندوبين العرب في الأمم المتحدة إلى حفلة شاي لإطلاعهم على مضمون المشروع ومناقشته معهم. وفوجئ غروميكو بأن أحداً من هؤلاء المندوبين لم يلبّ الدعوة.
فقام بإرسال نسخة من المشروع لكل مندوب عربي للاطلاع عليه ولإبداء رأي فيه. ولكن جميع المندوبين العرب رفضوا استلام نسخ المشروع، باستثناء واحد، منهم استلم النسخة وأرسلها إلى وزارة خارجيته، فجاء الجواب بتوبيخه على استلام النسخة.
ويقول الكاتب المصري المعروف أحمد بهاء الدين في مقالة نشرها في مجلة (روز اليوسف) في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي: (إن موقف المندوبين العرب كان معبراً عن موقف حكوماتهم الذين رموا بأنفسهم في أحضان الغرب). ومن الطبيعي أنه لم يعد من الممكن للاتحاد السوفييتي الحديث عن مشروعه.
أمام هذا الموقف كان على الاتحاد السوفييتي إما أن يوافق على قرار التقسيم أو أن يرفضه، دون أن يكون هنالك مشروع بديل. فرجّح الموافقة على مشروع التقسيم، وعلّل غروميكو هذا الموقف بقوله: (وافقنا على التقسيم لتؤمن موطئ قدم للفلسطينيين على أرضهم).
ولمعرفة مضمون ما عناه غروميكو بهذا القول علينا أن نلقي نظرة على واقع الأمور على الأرض الفلسطينية في ذلك الحين. كان ذلك بعد الهدنة، أي أن الجيوش العربية التي أخذت على عاتقها تحرير فلسطين توفقت في مكانها. في حين يوجد على الأرض الفلسطينية عدد من العصابات الصهيونية الكاملة التسليح والمدربة تدريباً عالياً على يد المستعمر البريطاني. إضافة إلى أن أعداداً منهم خاضوا الحرب العالمية الثانية، في صفوف القوات البريطانية، فامتلكوا خبرة قتالية كبيرة. في المقابل كانت المقاومة الفلسطينية مشكلة من متطوعين ذوي خبرة قتالية محدودة. ويفتقرون إلى التسليح الكافي. فالتوازن بين الطرفين مفقود ويميل بشدة نحو العصابات الصهيونية. وكانت هذه العصابات تجتاح الأراضي الفلسطينية وتواجه السكان بهمجية منقطعة النظير بهدف إرعاب الأهالي وإجبارهم على الهجرة.
وقد عبرت زوجة إسحاق رابين بعد اغتياله وميلها نحو معسكر السلام عن تلك الهجمة بقولها (لا يحقُّ لنا نحن الإسرائيليين أن ندين الإرهاب لأن دولتنا كلها قامت على أعمال إرهابية).
أمام هذا الواقع كان رأي الاتحاد السوفييتي أن الأفضل قبوله وقبول العرب بقرار التقسيم، ليضمنوا قيام دولة لهم ولو كان حقهم منقوصاً بهذا القرار، لأن البديل أي رفض القرار هو غياب أي شكل من الشرعية، مما يعطي المجال للعصابات الصهيونية على ما لديها من قدرة، احتلال المزيد من الأراضي وتهجير المزيد من السكان. وفي النهاية إقامة دولة لهم كأمر واقع دون أن يكون للفلسطينيين دولة. ولكن العرب رفضوا القرار ولم يقبلوا إقامة دولة فلسطينية. في حين أن إسرائيل سارعت للإعلان عن دولتها، وجرى الاعتراف بها طبقاً لقرار التقسيم. وبقي الفلسطينيون حتى الآن دون دولة.
هكذا كانت الأجواء والوقائع عند صدور قرار التقسيم. فماذا كان على الاتحاد السوفييتي أن يفعل؟
د. مصباح غيبة
#مصباح_غيبة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟