علي الشلقاني
الحوار المتمدن-العدد: 1869 - 2007 / 3 / 29 - 04:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تقديري أن مؤتمر القمة العربي الذي سوف يعقد في الرياض سيناقش حتماً الموقف العربي الموحد الذي يجب ان يتخذ إزاء مشروع قانون البترول العراقي . وذلك رغم أني فشلت في أن أجد موضوع البترول العراقي من بين الموضوعات التي أشارت الصحف العربية أنها سوف تكون محلاً للمناقشة في المؤتمر .
والذي يدعوني إلي هذا التقدير مجموعتين من الأسباب: المجموعة الأولى تخص النتائج الخطيرة التي تصيب العراق فيما لو وافق البرلمان العراقي على هذا القانون. والمجموعة الثانية تخص النتائج الخطيرة التي تصيب البلاد المصدرة للبترول فيما لو تمت الموافقة على القانون. ولأن المملكة العربية السعودية هي أهم بلاد العالم تصديرا للبترول، فالأغلب ان السعودية لن تترك مشروعاً في أهمية هذا القانون دون أن تبادر بعرض مخاطره وأثاره على مؤتمر القمة.
ولا تقتصر خطورة مشروع القانون بالنسبة للعراق على مجرد أنه سرقة لثروة العراق البترولية. وقد ذكرت في مقال سابق أن مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس الوزراء العراقي أخيراً يسمح للشركات الأجنبية ان تمتلك 70% من بترول العراق بما في ذلك المخزون. والبترول حالياً مملوك بالكامل للحكومة العراقية. بينما يسمح مشروع القانون للملكية الأجنبية أن تستمر إلي ما يزيد على ربع قرن.
ولكني لم أشر في المقال السابق إلي أهم المخاطر السياسية لهذا القانون وهي أنه تدعيم مستتر إلي تقسيم العراق لأنه ينقل ملكية البترول من ملكية عامة لدولة العراق ولو كانت هذه الدولة فيدرالية إلي ملكية عامة لكل إقليم من أقاليم العراق المقترحة بين الشيعة والسنة والأكراد. وقليل من التأمل يؤكد لنا أن مصلحة الولايات المتحدة فيما إذا تمت الموافقة على مشروع القانون هو في تقسيم العراق. ذلك أن سرقة البترول لن تتم دون مقاومة. وهذه المقاومة للسرقة لن تقتصر على السنة بل سوف تمتد إلي فريق من الشيعة وكذالك فريق من الأكراد؛ والمعروف حتى الآن أن الزعيم الشيعي مقتدي الصدر قد أعلن رفضه لمشروع القانون؛ والتغلب على المقاومة أسهل كثيراً إذا اختلفت الأقاليم الثلاثة على ملكية البترول وإذا أدعت أمريكا أن وجودها لحماية مصالح الأقلية السنية.لأن بترول العراق كما هو معروف موجود في إقليم الشيعة جنوباً وإقليم الأكراد شمالاً. والاستعمار يتبع دائما سياسة فرق تسد.
ولا تتوقف الخطورة السياسية على مجرد تقسيم العراق. ذلك أن الملكية الأجنبية للثروة البترولية من جانب ومخاطر الحرب الأهلية حول البترول من جانب ثاني،والتحالف مع حكومة عراقية عميلة من جانب ثالث تعطي للإدارة الأمريكية عذراً بسيطا وواضحا للاحتفاظ بقواعد أمريكية دائمة بحجة حماية مصالح الشركات البترولية الأمريكية والبريطانية في العراق من تهديدات الخلافات الناشئة بين الملاك العراقيين وكذلك بينهم وبين الملاك الأجانب لبترول العراق. وهي قوة سوف تتركز في قواعد عسكرية معزولة عن الاحتكاك بشعب العراق بل وقد تتمتع بمزايا مالية. وذلك حتي يوافق الرأي العام الأمريكي على استمرار الاحتلال.
ثم يضاف إلي الأسباب السياسية الخاصة بالعراق أسباب اقتصادية وسياسية معا تخص البلاد المصدرة للبترول ومن أهم هذه البلاد: السعودية والخليج وليبيا والجزائر؛ ويذكر القارئ أن تأميم البترول في العالم تم بعد معارك مستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان التأميم الأول هو لبترول إيران في ظل حكم مصدق ثم تآمرت أمريكا للإطاحة بمصدق وبالتأميم .ولكن المعركة استمرت بحيث لا يزيد البترول المملوك ملكية خاصة حالياً عن 12%من بترول العالم.وهكذا فإن نقل 70% من بترول العراق من الملكية العامة إلي الملكية الخاصة هي حركة مضادة اقتصاديا للتأميم الذي تم من قبل. وتمثل سابقة في ظل العولمة تشجع البلاد الغربية على الضغط لتعديل اتفاقات البترول الحالية بحجة أن البترول سلعة حيوية للبلاد الغربية التي لا تستطيع أن تستمر في البقاء بدونه.
وتمتد الأسباب الاقتصادية إلي الأوبك والتأثير على أسعار البترول. إذ من المنتظر إذا استقرت الملكية الأجنبية لسبعين في المائة من بترول العراق أن يكون للشركات الأجنبية رأي مؤثر في سعر البترول. والأغلب ألا يكون هذا السعر هو السعر الأفضل للبلاد المصدرة للبترول. وهذا رغم أن سياسة أوبك سياسة ذكية تراعي دائما ألا ترتفع أسعار البترول إلي الدرجة التي تضر النشاط الاقتصادي في العالم.
وهناك أخيراً الجانب السياسي بالنسبة إلي السعودية وبلاد الخليج؛ الناشئ عن وجود قوة عسكرية دائمة في العراق،.إذ أن وجود القواعد في العراق هو حجة لاستمرار وجود قوات أجنبية، وبالتحديد قوات أمريكية، في السعودية والكويت وبلاد الخليج.
و كانت المصالح السياسية متوافقة بسبب وجود صدام حسين، ولكن صدام حسين أُعدم. ثم أن الصين وكذلك الهند تمران بتجربة نمو لها مطالب استثنائية في استهلاك البترول وهذا النمو في النهاية هو منافس للولايات المتحدة الأمريكية على طلب البترول ومن المنتظر ان تؤدي هذه المنافسة إلي صدام بين المصالح الاقتصادية للبلاد المصدرة للبترول وبين مصالح الولايات المتحدة بوصفها أكبر مستهلك لبترول العالم.
ولهذه الأسباب أعتقد ان السعودية سوف تنتهز فرصة اجتماع القمة العربي في الرياض لكي تناقش الأبعاد الاقتصادية والسياسية لمشروع قانون البترول العراقي. ولأن الاجتماع يتم في السعودية فأني متفائل بأنها سوف تصل بالمناقشات إلي نتيجة عملية تحمي مصالح العراق ومصالح البلاد المصدرة للبترول والعربية منها بالذات.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟