أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الجبار خضير عباس - حوار مع المفكر الإسلامي الديمقراطي ضياء الشكرجي :حركة التاريخ والتطور تسير إلى الأمام،















المزيد.....



حوار مع المفكر الإسلامي الديمقراطي ضياء الشكرجي :حركة التاريخ والتطور تسير إلى الأمام،


عبد الجبار خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1869 - 2007 / 3 / 29 - 11:44
المحور: مقابلات و حوارات
    


حاوره:عبد الجبار خضيرعباس
يشكل المفكر والباحث الاسلامي الديمقراطي ضياء الشكرجي،حضورا مهما في المشهد الثقافي والسياسي من خلال تناوله للفكر الاسلامي برؤية حداثوية وتبنيه رؤى وافكارا عبر محاولاته الجادة لتفكيك الخطاب الديني التقليدي واطروحات جماعات الاسلام السياسي.واشتغاله على استنبات قيم العقلانية، والانفلات من مهيمنات القداسة المزيفة للافراد على حساب الدين واخضاع الفكر للواقع، رافضا الخضوع للماضوية واجترار تجارب الاسلاف، والتحرر من الفكر المثقل بكل الموروث الثقافي للاسلام المتوهم او المدعى الذي صاغه اسلام السلطة المستبدة، التي سخرت الفقهاء والمفسرين والكلاميين من اجل اضفاء الشرعية الدينية والقداسة غير المسموح بالانتقاص منها، ويرى الشكرجي ان ما ورثناه هو اسلام السلطة، وهو ذاته ما استعارته الاحزاب الاسلامية المؤسسة لعصر الصحوة الاسلامية.
ويقف الشكرجي في طليعة دعاة اصلاح الفكر الديني، ماسكا بقوة بادوات التجديد والمراجعة والنقد،اذ يرى ان المتمسكين بتلابيب الاصولية التقليدية والجمود والتراجع بحجة توهم الحفاظ على الهوية مع جهل رهيب بحقيقة تلك الهوية المدعاة،يرجمون دعاة التجديد والعقلانية بالكفر والمروق والارتداد.
ولاهمية مايطرحه الشكرجي من فكر مفارق للتقليد والاتباع،وطرحه لثقافة وفكر اسلامي، ومن اجل سيادة ثقافة اسلامية حديثة،وقراءة جديدة للمدرسة الكلاسيكية التقليدية، وبناء فكري اسلامي حداثوي ينسجم مع معطيات الظرفية الراهنة، والارتفاع بمستوى الحدث المعاصر، كان لنا هذا الحوار ،مع المفكر ضياء الشكرجي،الذي كانت استجابته سريعة .
• حركة التاريخ والتطور تسير إلى الأمام. إلا أن البوصلة بالاتجاه المعاكس لحركة التاريخ بالنسبة للمجتمعات الإسلامية. إذ نرى على سبيل المثال ما قدمه محمد عبده وطه حسين وآخرون من التنويريين الذين جاءت أفكارهم متساوقة مع معطيات عصرهم. لكننا الآن لا نجد سببا للإصرار على التحرك باتجاه معاكس لكل القوانين الطبيعية والوضعية. واجترار ثقافة كارهة للحضارة والإنسان مبتدعة أساليب بشعة في محاربة الإنسانية ونحرها وتقنين الدين لصناعة البهائم المفخخة والعودة للكهف. ما تعليقك؟

- رغم ما قدمه من أسميتموهم بالتنويريين من عطاء فكري في خط إصلاح الفكر الديني، بقي هذا الفكر مُثقـَلا بكل الموروث الثقافي للإسلام المُتـَوَهَّم، أو الإسلام المُدَّعى، الذي كان نتاجا لجهد ثقافي مُشوَّه، صاغه إسلام السلطة المستبدة عبر كل تلك القرون، التي كانت مضطرة من أجل ضمان البقاء على رأس التسلط المتعسف، والتي سُخـِّر الفقهاء والمفسرون والكلاميون من أجل إضفاء الشرعية الدينية والقداسة غير المسموح بالانتقاص منها عليها، فورثنا نحن المسلمين جيلا بعد جيل ثقافة إسلام السلطة، الذي استعارته الأحزاب الإسلامية المؤسِّسة لعصر الصحوة الإسلامية، كما نـُعِت مُجانـَبة للدقة، فأضفت هذه الأحزاب المنتمية تاريخيا إلى مدرسة إسلام السلطة القداسة المُدَّعاة من تلك السلطة على نفسها هذه المرة، ومما استعارته من تلك الثقافة دعوى احتكار الحق واحتكار الشرعية، ثم جاءت الأحزاب المنتمية تاريخيا إلى مدرسة إسلام المعارضة لتستنسخ التجربة الحركية الحزبية الصحووية من الأحزاب السابقة لها بالتأسيس. ثم حدثت تلك الهزة العاطفية الصاخبة من خلال صدمة توهم اكتشاف الهوية من قبل الأمة، مما أدى إلى هيجان عاطفي، وحماس منفلت، لتدين سياسي، يطفو على السطح في فهم الإسلام، وفي فهم التدين، متوهِّما أنه دون غيره يغور في العمق، وأنه دون غيره قد اكتشف هويته المُغيَّبة. كل هذا أدى إلى الاستغراق في شكليات التدين وقوالب النصوص، وإهمال الجوهر الحقيقي للدين، فأسس كل ذلك وغيره من عوامل تضافرت لما يمكن تسميته بالأصولية الإسلامية، التي سَيَّست الدين، ورفضت كل إصلاح للفكر الديني، ووسمت دعاته بالارتداد، وغيرها من التهم الجاهزة في خط القمع النفسي للفكر ولحركة التجديد والمراجعة والنقد، مما أدى إلى جمود الثقافة والفكر في قوالب، آلت إلى الكفر بكل حركة التطور والنمو، فاختارت الجمود والتراجع، بحجة أو توهم الحفاظ على الهوية، مع جهل رهيب بحقيقة وجوهر تلك الهوية المُدَّعاة.
وحتى الذين أشار السؤال إليهم، فقد انبرت في وقت لاحق شخصيات إسلامية وأحزاب أصولية بوسمهم بالماسونية والانحراف عن الخط الإسلامي الأصيل، وهكذا هو الحال مع كل مُجدِّد أو مُصلِح، وهذا لا يعني دعوى إصابة كل المجددين والتنويريين للصواب بالضرورة وفي كل الأحوال، ولكن إذا أخطأ هؤلاء في شيء، فخطأ السلفيين والتقليديين والمحافظين والمتقولبين الجامدين أكبر بكثير، وأكبر الأخطاء هو رفض وجود فكرة أخرى، تتفاوت ولو قليلا عن قناعات وثوابت أهل الجمود، بدعوى قداسة الجمود، وجعله مرادفا للأصالة.

* ثمة من يعتقد أن الشعوب العربية والإسلامية، خارج العصرية والحداثوية. وإنها عصية على التغيير ويجب تحضيرها بالقوة كما يرى ذلك برنارد لويس، هل تتفق أم تختلف مع هذه القناعات.؟
- إني اتفق مع من يعتقد ذلك في الشق الأول، أي كون الشعوب العربية والإسلامية ما زالت خارج العصرية والحداثة، ولكني قد لا أتفق مع كونها عصية على التـَّغـَيُّر، أو أنها يجب أن تـُغـَيَّر بالقوة. فسنن التاريخ حسب مصطلح الشهيد محمد باقر الصدر (رض) المستوحى من القرآن، أو الحتمية التاريخية حسب مصطلح كارل ماركس، يحتم ألا يصحّ إلا الصحيح، وأن العقلانية هي التي ستملك المستقبل.
ولو درسنا تجربة الشعوب التي رست على خيار الديمقراطية والعقلانية والسلام ومبادئ حقوق الإنسان، لوجدنا أنها مرت بحقب طويلة، غارقة في العنف والدماء والتخلف والخرافة والاحتراب، حتى بلغت ما بلغت من رشد، استمدته فيما استمدته من قسوة التجربة.
- نعم ربما ستكون عملية التغيير والإصلاح في العالمين العربي والإسلامي أشق، بسبب أن الإسلام يملك قدرة على التأثير على العقل الجمعي والعاطفة الجمعية أكثر مما هو الحال مع المسيحية، دين الأكثرية في العالم الذي تبنى خيار الديمقراطية، إذ هذه الخاصية للإسلام، والتي كان من الممكن أن توظف إيجابيا لصالح الدين والمثل الإنسانية، استطاع للأسف أهل الجمود أن يوظفوها بعكس الاتجاه المراد لها. ولكن هذا الإسلام الذي يملك هذه الطاقة في التأثير سلبا على ثقافة وعاطفة الأمة، بما أنه ليس الإسلام الحقيقي في جوهره، بل هو الموروث الثقافي لإسلام السلطة، لا بد من بداية عهد جديد من اكتشاف حقيقي للهوية، وليس توهم اكتشاف، مقرون بصخب العاطفة الحماسية المنفلتة، والرافضة للحوار، والمكفرة لأصحاب الرأي المغاير، حتى لو مغايرة جزئية في بعض الأحيان.
وإن البذور التي بذرها ويبذرها المجددون والمصلحون والتنويريون لا بد أن تثمر "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للناس
- * متى يستطيع الإنسان العربي والإسلامي الانفكاك من أسر التاريخ والماضوية، ويعالج مشاكل اللحظة الراهنة على وفق معطيات العصر لا عن طريق استخدام أدوات قديمة واجترار تجارب الأسلاف المختلفة مع الواقع اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا فضلا عما حققه الإنسان من إنجازات علمية وتكنولوجيا وثورة معلوماتية هائلة.؟
- - في تصوري أن الأفكار والإيديولوجيات الشمولية، كفكر الإسلام السياسي، والفكر القومي، إضافة إلى عهود القهر والاستبداد، قد ساهم كل ذلك في بعث ثقافة مُشوَّهة، حالت دون مواكبة العرب والمسلمين لحركة التطور. ولكننا عندما نلحظ أن هناك ثورة ثقافية تنطلق بالذات من البلدان التي أسهمت بشكل أساسي في بعث الفكر السلفي والمتطرف، فنجد رواد هذه الثورة الثقافية ينطلقون من السعودية، موطن السلفية والوهابية، ومن إيران منتجة ثورة ولاية الفقيه، وباعثة ما يسمى بالصحوة الإسلامية، أو مطلقتها من دوائرها النخبوية الإخوانية-الدعوتية إلى حالة جماهيرية في طول وعرض العالم الإسلامي، عندما نرى هذا النشاط الثقافي التجديدي والإصلاحي من هذين الجغرافيتين، رغم السلفية الدينية للأولى، والأصولية السياسية للثانية، نعي أن السلفية والأصولية لن تستطيعا أن تحولا دون حتمية حركة التعقلن. ومن هنا فإني أتصور أن الإسلام السياسي، الذي لا يمثل في قناعتي حقيقة وجوهر الإسلام، سيبقى ربما لفترة من الصعب تحديد مداها، يتسع ويتفاعل ويلتهب ويُلهـِب، ثم ومن خلال ما سيكتشف العرب والمسلمون ما سببه أو سيسببه هذا اللون من الدين، من إرباك رهيب لواقعهم، وتنغيص لحياتهم، ومنعهم من مواكبة العصر، والتنعم بنعمة السلام، حلم الإنسانية، عندها ستحصل ثورة نفور من هذا اللون من الدين والتدين، ولعله سيدفع الدين البريء مما قدمه الأصوليون والسلفيون من صورة عنه ضريبة كل ذلك، فتحدث ربما ردة عن الدين اعتقادا، أو عن التدين التزاما، وبعدما تهدأ عاصفة الصحوة الجديدة المتجسدة هذه المرة بالردة أو ما يشبه الردة، ستكون هناك صحوة جديدة، هي صحوة اكتشاف زيف الصحوة المُدَّعاة والمُتوَهَّمة فيما قبل الردة، والمُرتدّ عنها لاحقا، عندها سيبدأ المسلمون باكتشاف جوهر الدين، في بعده العقلاني، وبعده الإنساني، ولن يكون الدين ولا التدين حائلا دون التقدم والسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان.
- في تصوري أن القرن الحادي والعشرين سيشهد هذه الولادة العسيرة، بعد كل المخاضات الموجعة، التي سيشتد وجعها، حتى تسمع الدنيا كلها صرخاته. ولعل العراق يكون واحدا من الساحات الأولى التي ستقطف ثمار الصحوة الحقيقية، بعد اكتمال اكتشاف زيف الصحوة المتوَهَّمة.
* لماذا لا تخضع شخصياتنا السياسية والرموز الدينية للرؤية التحليلية النقدية، ولماذا يرتقي الحديث بهذا الشأن للشتيمة بالنسبة لأتباع هذا الرمز الكاريزمي، الذي يشذب من الأخطاء ويتحول إلى معيار مطلق، كلي المعرفة، بل ربما يرتقي لمصاف الآلهة.؟
- - يكاد يكمن الديكتاتور في داخل كل شرقي، ولا أدري هل إن الدجاجة من البيضة أم إن البيضة من الدجاجة، أي هل إن نظم الاستبداد وعهود القهر هي التي بعثت روح الاستبداد في ضحية الاستبداد، فجعلت من المُضطهَد العاجـِز عن رد الاضطهاد عنه، إلى مضطهـِد يُوجِّه اضطهاده إلى مضطهَد عاجز عن رد اضطهاده هو عنه، وذلك انطباقا على المثل الشعبي "أبويه ميگدر إلا على أمي".
ومن شواهد هذه الروح الاستبدادية هو التمسك بالموقع، أيِّ موقع كان، لمدى الحياة، فزعيم الحزب زعيمه مدى الحياة، ورئيس المؤسسة رئيسها مدى الحياة، وإمام المسجد إمامه مدى الحياة، ومؤذن الجامع مؤذنه مدى الحياة، وچايچي الحسينية چايچيها مدى الحياة. وهكذا حمل السياسي مرض المجتمع معه إلى المؤسسة السياسية والأداء السياسي، وحمل رجل الدين مرض المجتمع إلى المؤسسة الدينية والأداء الديني. وإذا لم يستطع السياسي أن يبرر مرضه إلا بدعوى الوطنية، فإن رجل الدين يبرر مرضه بدعوى القداسة، وتتعمق المأساة وتتضاعف آثارها، إذا ما توحد السياسي والديني، وهو يحمل كلا من أمراض السياسي غير النزيه، وأمراض الديني المُتـَقـَدِّس غير المُقـَدَّس، أو لنقل الديني غير المتدين، إلا بما يمثل شكل الدين المُفرَغ من الجوهر.
- * كيف السبيل إلى تأسيس ثقافة الاعتدال والحداثة والوسطية وتعزيز دور الأحزاب الإسلامية الديمقراطية في خضم صعود التيار الديني الراديكالي..؟
- - تركزت مهمة الأنبياء بعد تلاوة آيات الله على الناس، في مهمة التعليم ومهمة التزكية، لتجنيب الإنسان أن يكون جهولا من جراء عدم التعلم، أو أن يكون ظلوما من جراء عد التـَّزَكـّي، حيث قال الله تعالى عن نبيه الأكرم (ص) في تحديد دوره مع قومه "ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة". ونجد أن التزكية إذا ما كانت أحادية المنحى، فإن التعليم ثنائي المنحى، فتعليم الكتاب، هو تعليم أو تـَعَلـُّم ذاتي للنظريات والمفاهيم، وتعليم الحكمة هو تعليم أو تـَعَلـُّم ذاتي لتطبيقات تلك النظريات، ومصاديق تلك المفاهيم. ولذا فإن من شروط عملية التغيير والإصلاح توفير الأرضية التربوية (التزكية)، والثقافية (التعليم)، من أجل أن تحلّ ضمن مسار من جهد مركز ومتواصل في خط التربية والتعليم مفاهيم وأخلاقيات الاعتدال والوسطية، محل التطرف والإفراط، باعتبار أن التطرف ليس إلا نتاجا لمرض ذهني (الجهولية)، أو لمرض أخلاقي أو سايكولوجي (الظلومية). ولكننا لا يجوز لنا الانتظار حتى اكتمال أشواط التغيير على الصعيدين التربوي والثقافي، بل تقع المسؤولية التاريخية اليوم على أكتاف كل قوى الوسط الوطنية الديمقراطية، سواء كانت إسلامية وطنية ديمقراطية، أو علمانية يسارية وطنية ديمقراطية، أو علمانية ليبرالية وطنية ديمقراطية، من أجل تجاوز الأطر المذهبية والقومية والإيديولوجية، وتشكيل تحالف عريض وطني ديمقراطي وسطي. وفي تقديري أن الراديكالية والسلفية والأصولية قد استنفدت، أو هي في طريق استنفادها لشوطها المرسوم مداه من لدن قوانين سنن التاريخ، ولا بد للتنويرية والعقلانية والوسطية أن تستكمل أشواط مسارها الصعب لتملك زمام المستقبل، الذي سيصحح مسار الماضي الظلامي، ويطوي فصل الحاضر الكارثي.
- * علاقة الحقيقة من شأن العقل، والغاية من الشريعة ليست معرفة الحقيقة، بل إيجاد الفضيلة، هل تتفق مع هذه الرؤية؟
- - أجد نفسي منسجما مع هذه المقولة، مع تأكيد مبدأ النسبية فيما هي الحقيقة، لأن ليس من إنسان يستطيع أن يدعي امتلاك كامل الحقيقة، بل أقصى ما نقدر عليه كبشر هو أن يمتلك كل منا جزء الحقيقة، وكذلك مع تأكيد كون الشريعة مرنة ومتغيرة في القضايا الاجتماعية، وهنا لا بد من التمييز بين جوهر الشريعة الثابت، وشكلها المتغير، فجوهر الدين والتدين هو مبادئه الأساسية كـ "كونوا قوامين بالقسط"، و"لا تزر وازرة وزر أخرى"، و"لهن مثل الذي عليهن"، و"أن تعفوا أقرب للتقوى"، "كونوا مع الصادقين"، و"زنوا بالقسطاس المستقيم"، و"اتخذ بين ذلك سبيلا". بينما الشكل هو أحكامه المتغيرة، بشرط أن التغير الطارئ عليها يكون دائما منسجما مع الثوابت، ومعبرا عن المبادئ الأساسية؛ هذه الثوابت والمبادئ التي تمثل الجوهر الثابت، الذي يُصاغ في إطاره المتغيِّر من أشكال التعبير عن الجوهر، والذي يتخذ بتـَغـَيُّر الزمان والمكان صيغا متنوعة ومتغيرة ومتطورة.
- * لماذا لم نسمع من رجال الدين التأكيد أو الاهتمام بما يتناسب مع قراءة معطيات العصر، إذ كما هو معروف أن القرآن هو لكل الأزمنة، فعلى سبيل المثال لم نسمع يوما أن ثمة رجل دين أكد على الآية القرآنية الشريفة (كل يوم هو في شأن)، والتي تتوافق مع مبدأ الديالكتيك في الفلسفة الحديثة التي تشير إلى أن كل شيء في الكون دائب الحركة والتطور وفي تغيير مستمر، أو توظيف مقولة الإمام علي (ع) (لا تعلموا أبناءكم على طبائعكم فهم خلقوا لزمان غير زمانكم) وهو لم يمض عليه سنين قليلة مع الرسول (ص)!! فكيف 1400 سنة!! ولماذا الإصرار على وتيرة تجتر الماضي بشكل بات غير مقبول أو معقول؟
- جاء الإسلام ليحرر الناس من أسر تقديس الماضي وتقديس الموروث والمألوف والمشهور، وأدان وخطـّأ منطق "إنـّا وَجَدنا آباءَنا عَلى أمَّةٍ وَإنـّا عَلى آثارهِم مُّهتـَدونَ"، أو "وَإنـّا عَلى آثارهِم مُّقتـَدون".
ولكن سرعان ما وقع أتباع هذا الدين الذي أعلنها ثورة على ذلك التقديس، ما وقعوا أنفسهم في مرض وأسر تقديس الماضي، مُعنوَنـًا أي هذا التقديس هذه المرة تارة بوجوب اتباع السلف الصالح، وأخرى بلزوم التمسك بالأصالة، والرجوع إلى الأصول والجذور، مع ان الرجوع كان في واقع الحال إلى شكل الأصول والجذور، ولم يكن رجوعا إلى جوهرها، وتارة ثالثة معنونا بضرورة مواجهة الخطر الموهوم للغزو الثقافي المهدِّد للهوية. وفعلا كما أشار السؤال غفل هؤلاء عن ديناميكية الشريعة، وقدرتها على مواكبة متغيرات العصر، دون أن يعوا أن الجمود على النصوص المعبرة عن الشكل، وعدم استيعاب النصوص التي تتناول الجوهر، ولم يدركوا أن هذا الجمود يقف على طرف النقيض من روح الدين، وليس من شأنه أن يحفظه من الضياع كما توهموا، إذ الجمود هو الذي سيهدد الدين، عندما يتحول الدين إلى عقبة كأداء أمام مشروع التطور ومشروع التعاطي الحضاري مع واقع الاختلاف، الذي لم يكن الدين كدين يحمل عقدة تجاهه، بل العقدة كانت لدى (المتدينين)، وإلا فنصوص الوحي تصدح "لِكـُلٍّ جَعَلنا مِنكـُم شِرعَة ً ومِنهاجًا ولـَو شاءَ اللهُ لـَجَعَلـكـُم أمَّة ً واحِدَة ً ولـَكِن لِيَبلـُوَكـُم في ما آتاكـُم فـَاستـَبـِقـُوا الخـَيراتِ إلـَى اللهِ مَرجـِعُكـُم فـَيُنـَبِّئـُكـُم بـِما كـُنتـُم فيهِ تختـَلِفون".
- وعندما نأتي بهذه النصوص نعلم أن دعاة الجمود والواقعين في أسر تقديس الموروث سيُؤوِّلون هذه النصوص إلى متبنياتهم الأصولية. فمنهم من نحسن الظن به، ممن وقع في خطأ منهجي في الفهم والتأويل والاستنباط، ومنهم من لا يمكن حسن الظن به، ممن حمل مشروع سلطة، لشخصه، أو لحزبه، أو في أحسن الأحوال لطائفته، ولم يحمل لا مشروع دعوة دينية كديني، ولا مشروع دولة وطنية كسياسي.
- * الكثير من الحالمين بمشروع التحول، أصابهم الإحباط، أمام هيمنة أحزاب وتيارات إسلاموية على المشهد السياسي، تثقف باتجاه تغليب الهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية؟
- في تقديري لا يؤاخذ الواقعون في الإحباط على هذا الإحباط، لأنهم يملكون مبرراته، من خلال هيمنة هذه التيارات الأصولية على المشهد السياسي، واستغلالها لتراجع المستوى الثقافي، واتساع ظاهرة التدين العاطفي، وشعارات تسييس الدين، مُعنوَنا بالتمسك بأصالة الهوية، فاستحوذوا على عقول ومشاعر الجماهير، ولكن من جهة أخرى يجب أن يعي المُحبَطون أن اليأس محرم دينيا، ووطنيا، وإنسانيا، وعقلائيا، رغم كل مبررات اليأس والإحباط، فإنه لن يصح في المستقبل إلا الصحيح كما بينت.
* ثمة تيارات دينية تسعى لبناء دولة من حيث ابتدأت إيران وليس خط شروعها من حيث انتهت، أليس من الحكمة الاستفادة من تجارب الآخرين، ما تعليقكم؟
- وهذه الظاهرة هي الأخرى تمثل وللأسف واحدا من ملامح الشخصية الشرقية عموما، والسياسية خصوصا، والإسلامية على وجه أخص، وأعني ظاهرة عدم مراجعة التجربة، ونقدها والتعلم منها، بينما تترشد الأمم، كلما كانت أجرأ على مواجهة تجربتها بالدراسة الناقدة، وكلما أقرت بأخطائها، وحولت الأخطاء إلى مادة درس، من خلال دراسة أداء الأمس، لتضع اليوم الحجر الأساس، لبناء غد أفضل من يومها، ناهيك عن أمسها، بينما هناك من يُصاب بشلل التطور، فيستغرق في أمسه، مع كل إحباطاته وكوارثه.
- وسؤالكم يذكرني بلقاء جرى لي مؤخرا مع صديق إيراني، لم أره منذ سنوات طويلة، كان متصديا لموقع مهم من مواقع الانتصار للثورة (الإسلامية)، فقال لي: إننا لو لم نجرب الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، لما وصلنا اليوم إلى قناعة أن ليس مثل الدولة العَلمانية التي تفصل بين الدين والدولة، وتصان بها حرمة الدين والدولة، ليس مثلها يكون ضمانا لخير الدين، وخير الوطن. والذي يمنع هؤلاء من المراجعة مجموعة أسباب، منها ما ذكر في سياق الإجابة على الأسئلة السابقة، كحملهم لمشروع سلطة، أو جمودهم على التدين التقليدي، المجانب لجوهر الدين، أو خوفهم من المزايدات عليهم من قبل المزايدين بالدين والتقوى والأصالة وغيرها.
* الأحزاب السياسية الإسلامية الديمقراطية تبدو خجولة أو مترددة في طرح برامجها أو قريبة من حراك الأحزاب الليبرالية الديمقراطية في المشهد السياسي. كيف نفسر ذلك؟
- - هذا كان في تصوري في السابق، ولكنها كانت خجولة بالاتجاه المعاكس، كانت خجولة في طرح الديمقراطية، لأنها كانت تعيش أجواء وَهْم التعارض بين الإسلام والديمقراطية، باعتبارها رغم قـَلـَق التجديد والمراجعة عندها، كانت قد وُلِدَت من رحم تلك الأجواء، ولذا استغرقت كثيرا في بدايات حركتها الإصلاحية في مدى شرعية اعتبار الديمقراطية نظاما للحكم، أو يمكن الاقتصار على اعتبارها مجرد آلية، ثم بعد مدة استغرقوا في مناقشة اعتماد الديمقراطية السياسية، دون الأخذ بالجانب الاجتماعي منها، وآخرون بدؤوا يناقشون شرعية القبول بالديمقراطية دون الدعوة إليها، وتارة أخرى دون القبول بها كفلسفة، وأجد هذه الأحزاب اليوم ما زالت خجولة في طرح حقيقة عَلمانية الدين في جوهره، باعتبار أن الدين مشروع دعوة، وليس مشروع دولة، ولهذا شواهد من الكتاب والسنة والسيرة، يطول المقام في تفصيلها.
ولذا أقول أن يكون حراك الأحزاب الإسلامية-الديمقراطية مقتربة من حراك الليبرالية-الديمقراطية لا يجب أن يفهم على أنه تعبير عن كونها خجولة، بقدر ما يعبر عن تكامل النضج في فهم أن ليس من فرق في الفهم للديمقراطية كديمقراطية، بين كل الديمقراطيين، ماديين أو دينيين، ملتزمين دينيا أو غير ملتزمين، فها هو الإمام الرضا (عليه السلام) يقول: "إنما يحتاج الناس من الأمراء عدلهم". ومن هنا رسيت على قناعة، مفادها ألا حاجة لا للإسلام ولا للوطن إلى أحزاب سياسية إسلامية، بل ما ينفع الدين وجود مؤمنين متدينين، تدين الصدق وأداء الأمانة، وليس تدين الصلاة التي لا تنهى عن فحشاء ولا عن منكر، فلا تزيد صاحبها إلا بعدا عن الله، كما في الحديث الشريف.
- إذن نحن نحتاج إلى تدين بصدق، وتدين بوعي معمق، وتدين بجوهر وحقيقة الدين وجوهر وحقيقة التدين، مما يجعل أهله يمارسون السياسة بعقلانية وإنسانية الدين، وبوطنية الانتماء، وبديمقراطية التوجه. إنما سمينا أنفسنا إسلاميين-ديمقراطيين أو ديمقراطيين-إسلاميين، فقط من أجل تأكيد أننا لا نجد تعارضا بين أن تكون قاعدتنا الفكرية إسلامية، وبين أن نكون في السياسة وطنيين في أصدق ما يكون الانتماء، وديمقراطيين في أعمق ما يكون الإيمان بالديمقراطية، وبالتالي رفع شبهة أو وَهْم التعارض بين الإسلام والديمقراطية، باعتبار القناعة بعدم التعارض هذا قد وُلِدَ لدينا من رحم الفكر الإسلامي، لكن الفكر الإسلامي المتنور والديناميكي والجوهري. نعم هناك تعارض - كما يبدو - من جهة أخرى بين الإسلام والديمقراطية، لكنه في واقع الحال إنما هو تعارض بين الإسلاموية - وليس الإسلام -، أي بين ما يسمى بالإسلام السياسي، وبين الديمقراطية. ومن هنا فعندما نرفض الإسلام السياسي، لا يعني هذا دعوى عدم اهتمام الإسلام بالشأن السياسي، وأنه ليس إلا طقوسا ونسكا وشعائر، بل يعني عدم جواز فرض الدين اعتقادا، والتدين التزاما، على المجتمع، تعسفا وإكراها، وعدم جواز تسييس الدين، من أجل تحويل الدين إلى مركبة توصل راكبها إلى قمة السلطة والتسلط، فيفقد الدين رسالته، في إعانة الإنسان على مواصلة سير التكامل حتى يحقق إنسانيته. إذن قرب هذه الأحزاب من حراك الأحزاب الليبرالية الديمقراطية ليس لكونها خجولة كما بينت، أو مترددة في طرح برامجها المستوحاة من إسلامها، بل لأنها أدركت أن في عالم السياسة تمثل الليبرالية والعلمانية بما تحتويانه من معاني الوسطية والعقلانية والحرية في العقيدة والتعبير، ما هو من صميم الإسلام وجوهره، ومن هنا فإن المتدين السياسي يختلف في آليات عمله عن المتدين الداعية، وهذا هو الذي جعلني أدعو الأحزاب الإسلامية إلى إعادة النظر في مدى الجدوى دينيا وسياسيا، من الخلط بين المهمة السياسية الوطنية، والمهمة الدينية الوعظية أو الدعوية، وسميت إعادة النظر هذه، بالدعوة إلى الفصل بين السياسي والدعوي. فكما أن الأستاذ الجامعي لا يكون عندما يمارس السياسة محاضرا، ولا يكون الطبيب عندما يكون سياسيا مداويا، لا يكون المتدين عندما يمارس السياسة داعية، إلا بعنوان الدعوة الصامتة، أو دعوة الداعية بغير لسانه، كما جاء عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام). وسبب ذلك هو ما يختزن الخلط بين العمل السياسي والوعظ الديني من شبهة إضفاء القداسة الدينية على ما يحمله الداعية من رؤى سياسية، وما يمارسه من فعل سياسي، ودعوى ذلك يتقاطع مع الدين والتدين الذي أساسه الصدق.
- لأنه كالآخرين تماما، يخطئ تارة، ويصيب أخرى، وكالآخرين، يبتعد تارة عن النزاهة والصدق والإخلاص وحفظ الأمانة، ويلتزم تارة أخرى بكل ذلك، أو ببعضه.
- فخطأ الإسلامي السياسي، إما سيحسب على الدين، فيجري تخطيء الدين بتخطيء السياسي المتدين، وإما سيؤدي إلى توهم الخطأ صوابا، باعتباره صادرا عن متدين، وبالتالي عن الدين نفسه، بحيث يملك قداسة الدين، التي لا يجوز الشك فيها، والمس بها، وبالتالي يعني دعوى قداسة الخطأ.
أما عدم نزاهة وعدم صدق السياسي الإسلامي مدعي التدين، سيؤدي إلى سقوط الدين في أهمِّ بُعد من أبعاده، ألا هو البُعد الأخلاقي، من خلال الدعوى غير المنطوقة، بل المُعبَّر عنها بلسان الحال، بقداسة مجانبة النزاهة، أي قداسة الخيانة، بينما أكدت الروايات الشريفة عن أهل البيت (عليهم السلام) على اختبار تدين المتدين على ضوء صــدق الحديث وأداء الأمانة، وعدم الاغترار بصلاته وصيامه، إذ لعله اعتدادها، دون أن يعيش مضامينها الروحية والأخلاقية والإنسـانية.



#عبد_الجبار_خضير_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في المادة (29) من الدستور العراقي
- هرم ذو أجنحة مهولة ...زحزحة لقناعات راسخة


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الجبار خضير عباس - حوار مع المفكر الإسلامي الديمقراطي ضياء الشكرجي :حركة التاريخ والتطور تسير إلى الأمام،