أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد إدبوهوش - المنتصر و المنهزم في مسلسل التحالفات الظرفية بين أحزاب الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية















المزيد.....


المنتصر و المنهزم في مسلسل التحالفات الظرفية بين أحزاب الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية


أحمد إدبوهوش

الحوار المتمدن-العدد: 1868 - 2007 / 3 / 28 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقديم:
ظل النسق السياسي الرسمي في المغرب منذ الأربعينيات إلى الآن يشتغل بآليات التحالف الظرفي بين المؤسسة الملكية و الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية.
و إذا كانت المؤسسة الملكية قد استطاعت أن تلف حولها الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية في كل ظرفية سياسية حرجة، فإن المحصلة النهائية لهذه التحالفات الظرفية هي تقوية المؤسسة الملكية و مركزة القرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و العسكري بيدها، في وقت انتهت أحزاب الحركة الوطنية خلال هذه الرحلة برصيد سياسي هزيل كشف عن انتهازيتها و شل مبادرتها و حولها إلى بيوتات لأداء السخرة الإدارية.

و قصد تتبع أحداث هذا المسار المتعرج من التحالفات هناك ثلاث محطات أساسية تكثف رمزية هذه التحالفات الظرفية:

أ‌- سنوات الأربعينيات:

شكلي وثيقة المطالبة بالاستقلال الصادرة بتاريخ 11 يناير 1944، العقد السياسي الأول بين المؤسسة الملكية (محمد الخامس) و الحركة الوطنية (حزب الاستقلال). غير أن سر هذا التحالف لا يكمن فقط في اتفاق الطرفين خول مطلب الاستقلال بقدر ما يتعلق الأمر في العمق برغبة مشتركة تكنيس المشهد السياسي المستقبلي للبلاد من كل النزعات الشعبية و الراديكالية المتغلغلة في جسد المقاومة المسلحة و جيش التحرير. و بهذا نفسر التوتر الكبير الذي ساد العلاقة بين طرفي التحالف و المقاومة المسلحة بالريف مثلا حتى بعد الاستقلال.

لقد أثمر هذا التحالف إذن عن إبعاد المقاومة المسلحة و جيش التحرير. و بصيغ مختلفة، و هنا هدف مشترك أولي بينما هناك أهداف أخرى لهذا التحالف حيث كان الملك (محمد الخامس) يريد عبر الاستناد إلى حزب الاستقلال و قاعدته الاجتماعية استرجاع شرعيته السياسية و دوره القيادي بعد التهميش الذي طاله بفعل سلطة الوصاية. أما حزب الاستقلال فقد كانت المرحلة بالنسبة إليه مناسبة لإحلال البورجوازية الفاسية التقليدية محل المعمرين بعد الاستقلال. و في أول اختبار لعمق هذا التحالف لما نفي محمد الخامس سنة 1953 أكد حزب الاستقلال التزامه مع المؤسسة الملكية (محمد الخامس) حيث رفع بكثافة شعار "رجوع ابن يوسف الملك الشرعي للبلاد" و أحيانا قبل مطلب الاستقلال نفسه.

لن نفهم مغزى ذلك في مجرد الحديث عن العلاقات الشخصية القوية و الودية التي تجمع محمد الخامس آنذاك برواد حزب الاستقلال و لا عن طريق الحديث عن حرص حزب الاستقلال على الرصيد التاريخي و الرمزي للدولة المغربية، إنما سنفهم مغزى ذلك عن طريق تحديد الخلفيات السياسية و الاقتصادية لهذا التحالف و التي سبقت الإشارة إليها سالفا.

عاد محمد الخامس، و حصل المغرب على "الاستقلال " سنة 1956 و شرعت بورجوازية الحركة الوطنية في الاستحواذ على المصالح الإدارية و الاقتصادية التي خلفها الاستعمار و تتحول رموز الحركة الوطنية إلى معمرين جدد لكن هذه المرة بقبعة وطنية.

عين محمد الخامس حكومة مبارك اليكاي و حكومة أحمد بلافريج و أشرف شخصيا على وضع اللمسات الأولى للحياة النيابية و شكلت كل هذه الإجراءات إشارات قوية على أن التحالف مبني أساسا على الفصل بين السياسي و الاقتصادي. فلقد انشغلت البورجوازية التقليدية بشراهة في الاستحواذ على المقدرات الاقتصادية و على المصالح الإدارية للبلاد بينما انفردت المؤسسة الملكية بالحقل السياسي تديره بشكل مطلق. و حينما حاول يسار حزب الاستقلال (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) كسر هذه القاعدة كانت النتيجة إبعاد حكومة عبد الله إبراهيم و إحكام الطوق من جديد على الحقل السياسي. غير أن اهتمام المؤسسة الملكية (محمد الخامس) بالسلطة السياسية و إعطائها الأولوية لا يعني ابتعادها عن الحقل الاقتصادي، فهما متلازمان، ولكن المقصود هو فتح هامش الاندماج الاجتماعي للحركة الوطنية داخل البنية الاقتصادية الحديثة.

يقال عادة إن البورجوازية دائما انتهازية، و إذا كانت هذه الانتهازية سلوكا سياسيا يرتبط ببعض اللحظات التاريخية فإن حزب الاستقلال أبان عن انتهازية خلاقة طوال عمره السياسي. و الظاهر أن هذه العدوى انتقلت بقوة إلى الركن الثاني في العائلة الوطنية (USFP).

انتهى هذا التحالف الأول بين المؤسسة الملكية و أحزاب الحركة الوطنية بوفاة محمد الخامس سنة 1961 لكن جوهر هذا التحالف ما زال يحكم حفلنا السياسي الرسمي إلى اليوم و هو ابتعاد الأحزاب عن القرار السياسي لصالح المؤسسة الملكية مع إمكانية اندماج القاعدة الاجتماعية لهذه الأحزاب في البنية الاقتصادية الجديدة. إنه نظام الريع و الامتيازات على المستوى الاقتصادي و السلطة الفردية المطلقة على المستوى السياسي.

ب‌- مرحلة السبعينات و الثمانينات:

شكلت هذه المرحلة أقوى اللحظات التاريخية في الزمن السياسي المغربي لعدة أسباب:

1- إنظمام رقم سياسي جديد إلى اللعبة السياسية الرسمية (الاتحاد الاشتراكي) بعد عقد مؤتمره الاستثنائي سنة 1975 و القطع مع التوجه البلانكي (الفقيه البصري) و التوجهات الراديكالية (تيار عبد الله إبراهيم و المهدي بن بركة).

2- الاهتزاز الكبير الذي أصاب المؤسسة الملكية (عهد الحسن الثاني) بعد انقلابي 1971 و 1972 و الذين طرحا مسألة علاقة المؤسسة الملكية بالجيش و سلطتها عليه. و هي المرحلة التي ستشهد إلغاء منصب وزير الدفاع و إسناد رئاسة الأركان إلى الملك شخصيا.

3- صدور محكمة العدل الدولية بخصوص الصحراء و تنظيم المسيرة إلى هذه المناطق سنة 1975.

4- بداية برامج التقويم الهيكلي خلال الثمانينات مع ما أفرزه ذلك من احتقان اجتماعي قاد إلى انتفاضات شعبية (1981 – 1984).

5- بروز تنظيمات ماركسية لعبت دورا كبيرا في تأجيج الصراع الاجتماعي و السياسي و في قيادة صراع إيديولوجي ضد الأحزاب الوطنية أدى إلى تعرية انتهازيتها و فقدان مصداقيتها خاصة وسط شباب الجامعات و أوساط المثقفين.

دفعة واحدة إذن انهالت الضغوط السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية على المؤسسة الملكية (الحسن الثاني) تبحث عن تعاقد جديد.

لبى حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي الدعوة و شكلا ماكينات إدارية و أبواق إيديولوجية لتصريف استراتيجية المؤسسة الملكية لإعادة هيكلة نفسها و ترتيب بيتها الداخلي.

لقد التقى الطرفان حول شعار "الإجماع الوطني" و "الوحدة الوطنية". و مغزى ذلك تغييب مرة أخرى المطالب السياسية و الدستورية و الاجتماعية لصالح الانشغال بمشكلة الصحراء.

استطاعت المؤسسة الملكية إذن أن تفرمل بذكاء كبير هذا الوافد الجديد (USFP) و أن تطوع رزنامته السياسية وفق معاييرها الخاصة و إن كان الجناح النقابي داخل هدا الحزب غالبا ما يشكل حاجزا يمنع من تصريف سلس لهذه الاستراتيجية.

لقد كان دور الاتحاد الاشتراكي في هذا التعاقد هو إضفاء مزيد من الشرعية على مؤسسة برلمانية شكلية و متآكلة و إقناع الجميع أن المغرب يعرف حياة ديمقراطية حقيقية، في وقت تحجرت فيه عقول الاستقلاليين. أدى الاتحاد الاشتراكي هذا الدور بتقدير كبير و من يطلع على الخطابات النارية لرئيس الفريق البرلماني (ولعلو) داخل البرلمان سيظن أن الثورة الكيفارية قادمة لا ريب فيها و من داخل هذه القبة المباركة.

لقد كان الهدف إذن مزدوجا و هو إيهام الرأي العام الخارجي بوجود دولة مؤسسات و من جهة ثانية تنويم الرأي العام الوطني بمسكنات إيديولوجية إلى حين آخر.

و رغم هدا الجهد الذي بدله الاتحاد الاشتراكي في خدمة التعاقد فان هذا التعاقد الظرفي سرعان ما سيهتز نظرا لعدم فدرة الجناح الانتهازي داخل هذا الحزب على ضبط السلوك السياسي للجناح النقابي و الشبيبي وفق إيقاع التوافق ومستلزماته.

الثمانينات ظهرت في الساحة السياسية المغربية ظاهرة فريدة تمثلت في تفريغ الأحزاب الإدارية وصعودها المفاجئ إلى سمة الحكم التشريعي والتنفيذي .

لكن إنهاء خذا التحالف لم يتم إلا بعد أن استأنست المؤسسة الملكية من نفسها القدرة على استعادة التحكم من جديد في الساحة السياسية بكاملها ورغم ذلك ظل الاتحاد الاشتراكي يروج عقاقير السياسة والإيديولوجية لاقناع المؤسسة الملكية بدورة في الحياة السياسية غير أن هذه الأخيرة وجدة في الأحزاب الإدارية –الأحرار + الاتحاد الدستوري- الخادم المطيع لمشروعها المخزني المبني على انفراد المؤسسة الملكية بالقرار السياسي وانتفاع الأحزاب بريح السخرة الإدارية. وفد حاول الاتحاد الاشتراكي تجاوز هذا السقف حينما عارض علنا قرار الحسن الثاني تنظيم الاستفتاء بالصحراء.

وهكذا أدى الاتحاد الاشتراكي ثمن تجاوزه سقف التعاقد وغيب بشكل ممنهج عن الحياة السياسية وان كانت الإدارة حريصة كل الحرص طيلة هذه الفترة على تأثيث البرلمان ييعض من رموزه القياديين. لقد استطاعت المؤسسة الملكية أن تخرج قوية من عنق الحاجة واستعادة القدرة على ضبط و التحكم في عقارب الساعة السياسية للبلاد في وقت انخرط فيه الجناح الانتهازي داخل الاتحاد الاشتراكي سعادة كبيرة في الاستمتاع برواتب السخرة البرلمانية ونظام الامتيازات.

ت‌- سنوات التسعينات

لأول مرة في التاريخ السياسي للمغرب يلتقي حزب الاستقلال يميولاته اليمنية المحافظة مع الاتحاد الاشتراكي

بزعامة الديمقراطية الليبرالية حول شعار سياسي مرحلي موحدة,ؤ هكذا نسق الطرفان داخل البرلمان ؤ قدما ملتمس الرقابة ضد الحكومة في -1990/05/04- ؤ نسقت إمتداداتهما النقابية- C.D.T+UGTM - و أسفر ذلك عن الإضراب العام دجنبر- 1990م-. و قدم الحزبان مذكرة مشتركة إلى الملك- الحسن 2- تضمنت مطالب سياسية و دستورية وصلت حد الحديث عن فصل السلطات و إحداث مؤسسات ديمقراطية و دستورية .

و فد توسعت هذه الحركية السياسية بعد تأسيس الكتلة و رفع مذكرات أخرى إلى المؤسسة الملكية .

استوعبت المؤسسة الملكية رسالة الكتلة و ضغوط الرأي العام الخارجي و كانت أولى الردود صياغة دستور 1992 والتراجع عن بند *كل ما من شأنه * و سرعان ما جاء الرد الثاني سياسيا بمطالبة الملك الحسن 2 للكتلة –أحزاب المعارضة آنذاك- بتحمل المسؤولية الحكومية عبر اتصالات سرية قادها احمد رضا كديرة.

لكن نتائج انتخابات- 1993- و التي لم تمنح للكتلة أغلبية مريعة أغضبت الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي فغادر البلاد و علقت تجربة حكومة التناوب التعاقدي .

و بسرعة كبيرة تلاحقت الأحداث و ولد دستور جديد -1996 – تضمن بالخصوص أحداث غرفة ثانية على غرار النموذج الأنكلوسكسونى .و إذا كانت المؤسسة الملكية نفسها قد اعترفت إن البلاد تمر في أزمة فيصعب جدا استيعاب مغزى أحداث هذه الغرفة الثانية في الحياة البرلمانية مع ما يستلزمه ذلك من فاتورة إضافية في خزينة الدولة .فأنها بالمقابل حرصت على فرملة العمل التشريعي و أحداث صمام آمان تنظيمي يحمى من كل الأنزلأقات التي قد يؤدى إليها فوز الكتلة بأغلبية ساحقة في مجلس النواب.

تناست الكتلة مطلب المجلس التأسيسى و قبلت دستور –1969- بكل عيوبه و أعلنت استعدادها لتحمل مسؤولية قيادة العمل الحكومي ,لكن لماذا أصرت المؤسسة الملكية –الحسن2 - على إنجاح تجربة التناوب التوافقي و إدخال أحزاب المعارضة آنذاك إلى سدة الحكم .

لقد كان المغرب سنوات التسعينات يمر بأزمة خانقة تجلت بالخصوص في الاحتقان الاجتماعي و ارتفاع المديونية الداخلية و الخارجية و تراجع معدلات النمو و ارتفاع مستوى البطالة و كل هذه المؤشرات زكاها تقرير صندوق النقد الدولي و الذي تلاه- الحسن 2- أمام البرلمان.

ما و الحل إذن للخروج من هده الأزمة؟

الحلول ليست متعددة. إنها محددة سلفا و من طرف صندوق النقد الدولي و البنك العالمي. و تتلخص في تسريع عمليات تفويت القطاع العام ( الخوصصة) – تقليص نفقات الدولة – ر فع نسبة النمو – تقليص نسبة العجز... إنها بتركيز كبير الحفاظ على التوازنات المالية. لكن الحفاظ على هده التوازنات المالية يتطلب التضحية بالتوازنات الاجتماعية مما يفرض نوعا من السلم الاجتماعي الذي توجد مفاتيحه الأساسية بيد النقابات و التي تعتبر القاعدة الخلفية للأحزاب الوطنية (UGTM - CDT ). أما UMT فقد حولتها قيادتها البيروقراطية و مند زمن بعيد إلى جهاز مشلول مهمته الأولى و الأخيرة تخليد ذكرى فاتح ماي.

لهده الأسباب استدعي حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي لتحمل المسؤولية الحكومية في ظرفية ستعرف فيها البلاد عملية قيصرية (تفويت القطاع العام – تنصل الدولة من أدوارها الاجتماعية ...). و نزيف هده العملية هده العملية القيصرية يجب أن تحوله النقابات إلى برد و سلام على الجماهير الشعبية.

و في جانب آخر ارتفع الضغط الخارجي على المؤسسة الملكية خاصة من أطراف الاتحاد الأوروبي مطالبة المغرب بإصلاحات سياسية و تأهيل ملف حقوق الإنسان و طي ملف الاعتقالات و الانتهاكات. و كلها شروط أساسية قصد ضمان مقعد في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. و مرة أخرى نجحت المؤسسة الملكية في اختيار شريكها المرحلي المناسب ( u.s.f.p)بحكم علاقاته الواسعة مع الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في أوروبا وبحكم الرأسمال الرمزي الذي يتمتع به عبد الرحمان اليوسفي في أمريكا اللاتينية واسيا وكل ذلك سيفيد في إدارة جيدة أولا للمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي ثانيا لملف الصحراء الذي دخل في مرحلة البحث عن حل سياسي .

... لكن اكثر الروي الاستراتيجية لدى المؤسسة الملكية آنذاك هي تلك التي ربطت بين اتصال المعارضة /الكتلة إلى

الحكم قصد تهيئ الظروف المناسبة لانتقال هادئ للحكم والعرش لولي العهد خاصة والملك الحسن الثاني يدرك الصعوبات التي يجتازها آنذاك .

توفي الحسن الثاني في صيف 1999 م وشاركت الأحزاب الوطنية بشكل لا يقبل الجدل في إدارة المرحلة الانتقالية وترسيخ السلطة الجديدة . وبعد أن ذاقت النخبة حلاوة أضحت تدافع بشراسة عن المؤسسة الملكية وهذا ليس دورها السياسي بل دورها الحرص على تطبيق برنامجها السياسي الذي وعدت به المواطنين و الاستهاثة في تصريفه لكن الاتحاد الاشتراكي بالخصوص قدم البرهان على أن مطالبه الدستورية والسياسية السالفة قبل التتويج الحكومي ليست سوى بهارات مؤقتة تلاشت نكهتها بعد كعكة الاستوزار.

التزم الجميع الصمت وتحول القادة الاتحاديين إلى موظفين يتفقون في إدارة الأزمة شخصان اثنان فقط داخل الاتحاد الاشتراكي كسرا هذه القاعدة وهما محمد الساسي عضو قيادي داخل الحزب.

لكن جاء الرد سريعا وابعد عبد الرحيم أزيري عن الجريدة بقرار من عبد الرحمان اليوسفي أما محمد الساسي فقد تم تهميشه داخل مداولات الحزب وتنظيماته الموازية.

و في وقت و جيز استطاع الملك الجديد أن يتأفلم الرمال السياسية المتحركة للمغرب و أن يفهم منطق اشتغال الأحزان الوطنية، و على استقطاب نخبة جديدة من المثقفين و التكنوقراط و المستشارين من جيله كونت حلقة حديدية في كل شيء و تمارس جميع الاختصاصات و الأدوار خاصة عبر اللجن و المؤسسات و الصناديق الموازية التي ضيقت الخناق على الأداء الحكومي.

أحس الجميع أن الملك الجديد (محمد السادس) يريد إدارة البلاد بأسلوب مقاولاتي يفضل التدبير التقني الميداني على التدبير السياسي.

تأكدت هده التخمينات بعد تعيين رجل الأعمال إدريس جطو على رأس الحكومة الأخيرة و إن كانت المعركة بين حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي حول قيادة الحكومة معركة سياسية مصطنعة للتخفيف من اختيار الملك للتكنوقراط على حساب الاستمرارية السياسية لحكومة التوافق. و الواضح أن الملك الجديد (محمد السادس) لم يعد يلزمه هدا التوافق في شيء يعد أن مكن من استيعاب آليات اشتغال النسق السياسي الرسمي و منطقه السياسي و ضمن دلك الأحزاب الوطنية.

و كما حرصت الأحزاب الوطنية على انتقال السلطة بشكل هادئ فإن الملك (محمد السادس) حرص هو الآخر على إنهاء العمر الافتراضي لحكومة التناوب بشكل هادئ.

إن اختيار المرحلة بالنسبة للمؤسسة الملكية هو التدبير التكتوقراطي (الحكومي) و الموازي (اللجن + الصناديق + المؤسسات) و هدا يعطي الانطباع بأن التواجد داخل الوزارات لقياديين داخل الأحزاب الوطنية ليس تواجدا سياسيا بقدر ما هو تواجد إداري خدماتي.

الآن و بعد كل هدا المسار المتعرج للتعاقدات بين المؤسسة الملكية و الأحزاب الوطنية مند أربعينيات القرن العشرين إلى العقد الأول من القرن 21 ، بعد كل هده المرحلة من التعاقدات و التحالفات الظرفية، مادا ربحت الأحزاب الوطنية؟ و مادا ربحت المؤسسة الملكية؟

بالنسبة للأحزاب الوطنية و أخص بالذكر ( U.S.F.P + P.I )، فإذا استثنينا الامتيازات التي راكمتها قياداتها طوال مشاركتها في اللعبة السياسية و التي أهلتها للاندماج في بنية البورجوازية الكبرى و المتوسطة و هو رهان انتهازي يرهن العمل السياسي بمعادلة تحويل الرأسمال السياسي/الرمزي إلى رأسمال مادي.

موقف نفوذ


ارتقاء
اندماج ثروة


قلت إذا استثنينا الارتقاء الاجتماعي لشرائح من هده الأحزاب و بشكل انتهازي فإن الحصيلة السياسية لها تكاد تساوي الصفر.

إن هده المعادلة الخماسية الأركان هي التي حكمت و لا تزال سلوك الأحزاب الوطنية و هدا ليس غريبا إذا علمنا أن تراكم الثروة في المغرب يمر عير امتلاك النفوذ السياسي و الإداري و ليس عبر التراكم الصحي و الطبيعي للرأسمال عن طريق الانتاج و هو ما حول بورجوازيتنا إلى بورجوازية متعفنة و محنطة ترعرعت في مهد السلطة و لا تريد أن تغادرها.

إن أفق العمل السياسي لهده الأحزاب ينحصر في مدى قدرتها على ابتزاز المواقع الاجتماعية لمريديها و كل صراعها يتم عبر هده البوابة و هده إحدى المظاهر المرضية للصراع السياسي بالبلاد. فالتعاقدات و التحالفات بالنسبة لهده الأحزاب تعني ورقة يانصيب رابحة لا تكلفها إلا إعلان التوبة السياسية و الرقص على نغمات و إيقاع الزمن السياسي الرسمي.

و في كل هدا غيبت البرامج السياسية و المطالب الدستورية و تحولت هده الأحزاب إلى رديفة للأحزاب الإدارية و الصراع الحقيقي بينهما كمن في من سينال حظ إدارة الأزمة و الانتعاش في ظلماتها. لقد انتهت الأحزاب الوطنية (U.S.F.P و P.I) إلى درجة التماهي مع الأحزاب الإدارية و فقدت كل رصيدها التاريخي و اهتزت قواعدها الخلفية.

لقد ماتت النخبة السياسية للأحزاب الوطنية و ترهلت و رغم دلك تصر على رهن مستقبل البلاد مقابل تقاعد سياسي مريح فيما تبقى من أيامها البيولوجية و السياسية المعدودة. و إدا كانت الأحزاب الوطنية قد خرجت من التوافقات مهزومة فإن المؤسسة الملكية استطاعت إدارة هده التحالفات الظرفية بشكل أعطى لها الإستمرارية و أنقدها من العديد من المخاطر.

لقد دافعت الحركة الوطنية عن محمد الخامس أيام الاستعمار و أرجأت مطالبها السياسية و الدستورية بعد الاستقلال لكن محمد الخامس سيقيل حكومة عبد الله إبراهيم مما يعني أن المؤسسة الملكية تنهي التحالف و التعاقد متى استأنست من نفسها القدرة على الانفراد بالقرار السياسي و الاقتصادي. و خلال سنوات السبعينات و الثمانينات استطاعت المؤسسة الملكية عبر سخرة سياسية و إدارية للأحزاب الوطنية أن تخرج من عنق الزجاجة. فقد تمت ‘عادة هيكلة الجيش و عولج الاحتقان الاجتماعي بقوة الحديد و النار و شرد اليسار الماركسي في أكثر الملاحم السياسية بؤسا في التاريخ. بكل بساطة أحكمت المؤسسة الملكية الطوق من جديد على مجمل مناحي الحياة العامة للبلاد و لم يكن هدا ليتحقق دون تغطية سياسية بارعة للأحزاب الوطنية (USFP + PI). و خلال سنوات التسعينات استطاعت المؤسسة الملكية أن تمرر توصيات المؤسسات المالية الدولية في بحر هائج و استطاعت أيضا أن تضمن انتقالا سلسا و انسيابيا للسلطة.

كل هده النتائج السياسية ليست هدايا من السماء بل هي نتيجة لقدرة المؤسسة الملكية على إدارة الصراع السياسي لصالحها و قدرتها على استئجار السخرة السياسية و الإدارية للأحزاب الوطنية في اللحظة التاريخية التي تراها مناسبة و بعد دلك تعيدها إلى وضعها الطبيعي. لهدا فمنطق التحالف بين الحركة الوطنية و الأحزاب الوطنية و بين المؤسسة الملكية تحكمه قاعدة الظرفية و هو بدلك ليس تحالفا سياسيا أو مبدئيا لأن التحالف السياسي يضمن للأطراف المتحالفة هامشا للاختلاف و الحال أن التحالفات دات الموضوع كانت فيها دوما المؤسسة الملكية المبادرة و قادرة على إنهائها متى تشاء مما يجعلنا نتحفظ في تسميتها أصلا بالتحالفات أو التعاقدات. إنها شيء آخر يقترب من مفهوم الاستئجار و السخرة.

لقد انتصرت المؤسسة الملكية و نجحت في إدارة علاقتها مع الأحزاب الوطنية بما يفيد تصليب هياكلها و الحال أن الأحزاب الوطنية و من خلال تعاقدها مع المؤسسة الملكية قدمت الدليل و عبر مسار تاريخي طويل على إن الديمقراطية الحقة لا تبنى بالتوافقات و إنما تبنى عن طريق الصراع على أرضية الديمقراطية نقسها.



#أحمد_إدبوهوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد إدبوهوش - المنتصر و المنهزم في مسلسل التحالفات الظرفية بين أحزاب الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية