أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالناصرحنفي - هيجل و نهاية المؤسسة الثقافية!














المزيد.....

هيجل و نهاية المؤسسة الثقافية!


عبدالناصرحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 591 - 2003 / 9 / 14 - 05:01
المحور: الادب والفن
    



حسنا .. اربطوا الأحزمة، فسندخل هنا إلى أرض "هيجل" الفيلسوف الألماني العظيم، حيث ستتخلى الكلمات والمفاهيم عن معانيها الأحادية المصمتة لينفتح المجال لحركة التناقضات المحيرة والملتبسة، وللإنزياحات المفاهيمية ، والصدامات المروعة التي تحطم الأفكار وتبيدها، ثم تعيد خلقها من جديد، صحيح أن هذه الأرض لم تعد كما تركها هيجل ، فقد جرت مياه كثيرة عبرها، كما أًًعيد بناؤها أكثر من مرة، ولكنها لازالت تحتفظ بميزتها الأساسية، فلا يمكن أن تدخلها، أو حتى أن تمر بها، دون أن تمنحك هدية مدهشة تجعلك ترى ما لم تكن قادرا على رؤيته خلف تداخلات التعقيد والتركيب الهائلين اللذين تعج بهما حياتنا،ولكن حذار ،فهي لن تعطيك إلا بقدر رغبتك  ووفقا لقدرتك على التأمل في تضاريسها ومعالمها.

حسنا.. لقد وصلنا، لنتوقف قليلا عند تلك البقعة المعشوشبة الممتدة بلا حدود،بحيث سيبدو وكأنها تلد الأفق الذي ينتظرنا هناك بين تموجات تلك الأعشاب النزقة، هذه البقعة تسمى " مفهوم النهاية".
والنهاية عند هيجل تختلف عما هو متداول في الخطاب العادي،فهي ليست لحظة محو أو إختفاء ماهو موجود،و ليست لحظة فناء لحركة أو انعدامها ، بقدر ما هي لحظة انبثاق وجود جديد من بين أعطاف وجود قديم ، إنها لحظة إكتمال- نعم- ولكنه اكتمال يكشف عن النقص المحيط به من كل جانب،إنها لحظة موت – نعم- ولكنه موت تولد منه حياة أخرى، إنها لحظة خمود للحركة –نعم- ولكنها أيضا لحظة ظهور حركة  اندفاع جديد تجاه العالم.
وبرغم كل ما يقال عن خبث الأرض الهيجلية، وقدرتها على العبث بل والبطش بالمتطفلين عليها ووضعهم في متاهات مظلمة ليظلوا متخبطين داخلها بلا أمل،إلا أنها ايضا أرض معطاءة لمن يجدون خطاهم فوقها، ونادرا ما يزورها أحدهم دون أن تعطيه شيئا يخصه، وهاهي تهمس لنا عما جئنا لأجله " المؤسسة الثقافية".

بالنسبة لنا نحن مثقفي مجتمعات ما بعد الكولونيالية، والمكبلين بإحباطات تاريخية مروعة، ستبدو المؤسسة الثقافية(بمعناها العام) هي الشيء الأكثر تطلبا لإحداث نقلة إجتماعية حقيقية ، وربما كنا على إستعداد للتضحية بأي شيء ( أي شيء فعلا) من أجل زيادة قدرة وكفاءة هذه المؤسسة بحيث تغطي وتلبي احتياجات الجميع، وتعيد رأب تصدعاتنا الروحية والمعرفية،المزيد والمزيد من الفاعلية والنشاط لتلك المؤسسة هو ما يبدو قادرا على الخروج بنا من هذا المأزق التاريخي المهين الذي نجد أنفسنا فيه.
ولكن لننصت لذلك الهمس الهيجلي ،فلا خير في مؤسسة ثقافية لا تسعى نحو نهايتها، والشر كل الشر أن تعمل لإثبات ضرورتها فحسب، أي أن تعمل ليظل الجميع بحاجة إليها إلى الأبد،فهي عندئذ ستكون قد كرست نشاطها من أجل ذاتها ، من أجل أن تبقى على حساب أي شيء آخر، وبذلك تصبح تلك المؤسسة عائقا في وجه التقدم.
فالكفاءة الحقيقية لأي مؤسسة ثقافية تقاس بمدى سعيها إلى نهايتها الخاصة، أي سعيها إلى نفي ذاتها، وإلى إفساح المجال لمرحلة مختلفة تظهر فيها تبديات أخرى أو أدوار أخرى سواء عبر نفس المؤسسة ، أو عبر أشكال أخرى أكثر إختلافا، إن قدرة المؤسسة الثقافية على نفي ضرورتها هو قمة نجاحها وإكتمالها، فهي مثل المقاول الذي يرصف الطريق الذي يسير فيه الناس ، نجاحه هو أن ينتهي دوره هنا ( وليبدأ في مكان آخر !) ليترك للبشر فرصة السير عبر الطريق الذي عبده ، أما عندما يحدث العكس  ( ويظل المقاول يرصف الطريق إلى الأبد) ، أي عندما يصير دور المؤسسة هو تكريس وجودها فحسب بغض النظر عن مدى فاعليتها،بحيث تظل في سعي دائم لتثبيت الحاجة إلى  حضورها المهيمن وتدخلها المستمر ومرجعيتها " العليا" المتفردة على نحو لا يترك مساحة أو فرصة لأي مبادرات أخرى، فهنا نصطدم بالمفهوم القبيح والقميء المتداول حول البيروقراطية( وهو يختلف بالطبع عن المفهوم العلمي لهذا المصطلح)، بحيث ستتحول أداءات  المؤسسة إلى مجرد عمليات إجرائية جوفاء  بلا معنى، أو غاية، كما ستتحول حركتها إلى عملية مراوحة غبية دون إتجاه أو توجه ، وستتحول المؤسسة برمتها إلى جسم ثقيل بلا روح ، جسم لا يحيا إلا على حساب ما يسلبه من أرواحنا .......
ولكن ما هذا ؟ أين ذهبتم؟   هل أضجركم حديث العجوز هيجل ، هل أخافكم؟ هل كشف عن زيف رهاناتكم فلم تعودوا تطيقونه؟ هل أحسستم فجأة أن أرضه أشد قسوة وعنفا مما كنتم تعتقدون؟
حسنا.. اتركوني هنا قليلا لعلي أجد مكانا يصلح للمبيت ، أو أعثر على قبر لائق. 
 






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- يحقق نجاح كبير قبل عرضه في السينما المصرية .. أيرادات فيلم أ ...
- في جميع أدوار السينما المصرية .. فيلم الشاطر رسميًا يعرض في ...
- لمى الأمين.. المخرجة اللبنانية ترفع صوتها من في وجه العنصرية ...
- وصية المطرب أحمد عامر بحذف أغانيه تدفع فنانين لمحو أعمالهم ع ...
- قانون التوازن المفقود.. قراءة ثقافية في صعود وسقوط الحضارة ا ...
- وفاة الفنانة الإماراتية رزيقة طارش بعد مسيرة فنية حافلة
- ماذا بعد سماح بن غفير للمستوطنين بالغناء والرقص في الأقصى؟
- فيديوهات وتسجيلات صوتية تكشف تفاصيل صادمة من العالم الخفي لم ...
- مونديال الأندية: هل يصنع بونو -مشاهد سينمائية- مجددا لانتزاع ...
- الشاعرة نداء يونس لـ-القدس-: أن تكون فلسطين ضيف شرف في حدث ث ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالناصرحنفي - هيجل و نهاية المؤسسة الثقافية!