أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - خالد الصقر - الجزء الثاني من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكيف يهاجمونها؟- نقد مقال للكاتب الوطني للنهج الديمقراطي عبد الله الحريف 4















المزيد.....



الجزء الثاني من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكيف يهاجمونها؟- نقد مقال للكاتب الوطني للنهج الديمقراطي عبد الله الحريف 4


خالد الصقر

الحوار المتمدن-العدد: 1861 - 2007 / 3 / 21 - 12:37
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تقديـــــم
**********
بالرغم من مضي أزيد من 3 سنوات على كتابته يضل كتاب الرفيق خالد الصقر، الذي أقدم جزئه الثاني للقراء، ذا قيمة كبرى بالنظر إلى المسألة التي يتناولها، أي مسألة تقييم المرحلة الحالية للرأسمالية و المهام السياسية المرتبطة بها. فالزمن الذي مر على كتابة هذا الكتاب قد أكد العديد من الأطروحات النظرية و السياسية التي تناولها خ. الصقر. فالصراع بين الامبريالية الأمريكية و الامبريالية الروسية-الصينية حول الملف النووي الإيراني يقدم دليلا ماديا واضحا حول ضيق أفق القائلين بـ"انتفاء الصراع بين الامبرياليات" أو محدوديته. كما أن حجم نمو الاقتصاد الصيني في السنتين الأخيرتين و التصريحات الأخيرة لديك تشيني حول تزايد القدرات العسكرية للصين توضح هي الأخرى بعض اتجاهات الصراع بين الامبرياليات العالمية.

يعتبر الجزء الثاني من كتاب الرفيق خالد الصقر ذا أهمية خاصة خصوصا في المرحلة الراهنة التي تتعالى فيها الصيحات حول المرحلة الجديدة من الرأسمالية و ما يرتبط بها من مواقف سياسية. فالحديث اليوم حول المرحلة الجديدة من الرأسمالية يخفي في طياته التراجع على مجمل المهام السياسية التي حددتها اللينينية، خصوصا تلك التي ترتبط بموقفها من الانتهازية و من رؤيتها لاتجاهات الصراع الطبقي بما هي اتجاه الثورة. و هكذا أصبحت المهمة المركزية لدى الداعين بالمرحلة الجديدة ليس تنظيم المقاومة الطبقية للبروليتاريا و الجماهير الشعبية من أجل حسم السلطة السياسية و تحطيم الرأسمالية و إنما تنظيم "الحركات الاجتماعية" المقاومة لما يسمونه بـ"العولمة المتوحشة" و توسيع أدوات "المجتمع المدني". بل لقد وصل الأمر ببعض ماركسيي العهد الجديد إلى التنظير لانخراط الماركسيين في "النضال" من أجل فرض ضريبة على المضاربات المالية، أي تعويض السياسة الثورية بالإصلاحية. و هذا هو المضمون السياسي لأصحاب المرحلة الجديدة.

إن قيمة هذا الجزء من كتاب الرفيق خ.ص هو أنه يوضح أن الحجج التي تقدم بها بعض ماركسيي العهد الجديد بالمغرب حول "المرحلة الجديدة" هي ذاتها –أو في أغلب الحالات- الحجج التي قدمها لينين في دراسته للامبريالية. و كل ما هناك أن الظواهر التي رصدها لينين قد عرفت نموا كميا كبيرا بدون أن تحقق قفزة نوعية لمرحلة أعلى من الامبريالية. و هو ما يعني على المستوى السياسي راهنية المهام السياسية التي حددتها اللينينية و على رأسها النضال الحازم ضد الانتهازية الذي بدونه لا يمكن إطلاقا الحديث عن النضال ضد الامبريالية من وجهة نظر الطبقة العاملة.
ملاحظة: النص يحمل بين طياته جداول ونظرا لكون التقنية المستعملة ببوابة الحوار المتمدن لا تسمح بنشر الجداول ، فلكل من يرغب في قراءة المقال بطبعته الكاملة المرجو الاتصال بالبريد الالكتروني رفقته
مناضل شيوعي بالمغرب



مضمون الامبريالية السياسي
******************
لقد سبق وأن وضحنا بما فيه الكفاية على حضور المميزات والخصائص الأساسية للإمبريالية في ظل المرحلة الحالية من وجهة نظر الاقتصادية، أما الآن فسوف نحاول مقاربة المسألة من الناحية السياسية والاجتماعية.

إن الإمبريالية هي الرأسمالية الاحتكارية، والاحتكار يعني النزوع الدائم للأقوى من أجل التهام الأضعف وإزاحته، والاحتكار يولد دائما الميل نحو الركود والتعفن، لذلك كان من الضروري أن يعكس البناء الفوقي السياسي القائم على قاعدة هذا الاقتصاد، طبيعة هذا الأخير وخصائصه، ومنه فإن البناء الفوقي السياسي لن يكون بهذا التحديد إلا انعطافا من الديمقراطية إلى الرجعية «فالديمقراطية تقابل المنافسة الحرة والرجعية تقابل الاحتكار»[15] وبذلك تكون «الإمبريالية من الناحية السياسية هي بوجه عام نزوع إلى العنف والرجعية»[16] وهذا بالضبط هو الأساس الطبقي والمضمون السياسي للإمبريالية.

غير أنه لا يجب أن نفهم من ذلك، أن نزوع وانعطاف الإمبريالية نحو الرجعية لا يتعلق إلا بعلاقة البلدان الإمبريالية بالبلدان التبعية بل إنه نزوع نحو الرجعية على طول الخط أي حتى داخل البلدان الإمبريالية ذاتها، فالديمقراطية الغربية التي يتغني بها الانتهازيون وكل أذيال البرجوازية والإمبريالية قد كشفتما العديد من الوقائع والأحداث. فهل المرحلة الجديدة لا تؤكد هذه الخلاصات الأساسية ؟ بلا بكل تأكيد.

إن المسألة الثانية في دراسة الإمبريالية سياسيا هي علاقتها بالاتجاهين الأساسيين في حركة العمال وهي مسألة ذات أهمية قصوى بالنسبة لمن يسعى أن يكون ممثلا فكريا وسياسيا للطبقة العاملة. فالإمبريالية التي تعني سطوة حفنة من الرأسماليين على العالم واقتسام العالم كله بين الدول والأكثر تطورا تعني أيضا الأرباح الاحتكارية الفاحشة لحفنة من أغنى الدول. وهي بذلك تخلق اقتصاديا إمكانية رشوة الفئات العليا من البروليتاريا، خالقة الشروط الموضوعية التي تعكس على المستوى الفوقي السياسي أيضا تكون وبروز الانتهازية في صفوف حركة العمال.

وقد لاحظ كل من ماركس و إنجلز هذه الظاهرة وأوضحا الصلة التي تربط الانتهازية في حركة العمال بالخصائص الإمبريالية التي اتسمت بها الرأسمالية الإنجليزية في عهدهما. وقد كتب إنجلز إلى ماركس في أكتوبر 1858 قائلا: «في الواقع تتبرجز البروليتاريا الإنجليزية أكثر فأكثر، ويبدو أن هذه الأمة الأكثر برجوازية بين الأمم تريد أن تكون لديها في نهاية الأمر إلى جانب البرجوازية، أرستقراطية برجوازية و بروليتارية برجوازية، وبديهي أن هذا، بمعنى معين، أمر منطقي من أمة تستثمر العالم كله».

أما لينين الذي عايش هذه المرحلة في نضجها، فقد ذهب إلى دراسة هذه الظاهرة من كل جوانبها الاقتصادية والسياسية والعلمية أيضا. ومن منظور الجدل المادي، لا يعتبر التناقض والصراع بين قطبي التناقض داخل وحدة معينة كميا أو ميكانيكيا بل كيفيا أيضا وجدليا، بمعنى أن هذا التناقض في صيرورة تطوره يمس حتى بنية كلا القطبين. إن هذا الفهم للجدل المادي، كان وحده كافيا، بالنسبة للينين لفهم تكون وظهور الانتهازية، داخل الحركة العمالية. الشيء الذي مكنه من تقديم الإجابة عليها بشكل سديد.

وقد كانت تلك أيضا إحدى المؤشرات النوعية الأخرى التي أكدت انتقال ورقي الرأسمالية كيفيا من مرحلة إلى أخرى ف «الصفة المميزة للوضع الراهن هي وجود ظروف اقتصادية وسياسية تجعل الانتهازية، لا محالة، أبعد لدرجة أكبر(التسطير لي) عما يلائم حركة العمال من مصالح عامة وحيوية»[17]. فهل «المرحلة الرأسمالية الجديدة « تبرز غير هذه الحقيقة ؟

إنه لمن المؤسف حقا، أن ينتبه السيد الحريف إلى هذه الحقيقة بدون أن ينتبه إلى ما تعنيه من خلاصات سياسية وعملية، بل إن تأسفنا هنا غير سليم «فلو كانت البديهيات تقف أمام مصلحة الناس لسعوا بكل تأكيد إلى دحضها» وهو حال صاحبنا الحريف بشكل أو بآخر.

إن النتيجة الأساسية لهذه الخلاصة – التي أصبحت بديهية – تكمن في أي موقف يجب على الطبقة العاملة والماركسية اللينينية أن تقفه اتجاه الانتهازية، إن الكاتب يتهرب من الإجابة الواضحة على هذا السؤال المحوري لكنه في ذات الوقت يقدم لنا إجابة ضمنية، هي ذاتها الإجابة الواضحة التي يعبر عنها وبدافع عليها تيار النهج الديمقراطي، أي ضرورة التحالف مع الانتهازيين ومع الإصلاحيين أيضا. فالكاتب يؤكد لنا على طول المقال، ضرورة استحضار الأوضاع الجديدة والمتغيرات التي انبثقت من صلب الواقع الموضوعي، ويتحفنا في ذات الوقت بضرورة تحيين الماركسية وعدم التقيد بتعاليمها «غير الكاملة» والبالية. إلا أنه في هذه النقطة بالذات لا يتجرأ على ذلك. فبعد عرضه لفهم لينين للأرستقراطية العمالية ولتحول الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية إلى حليف للبرجوازية وإلى إفلاس الأممية الثانية يكتب قائلا: «وقد تمكن لينين، قبل غيره، من أن يفهم الدور الثوري لحركات التحرر الوطني في المستعمرات مهما كانت الطبيعة الطبقية لقيادتها»[18] . هكذا إذن، هذه هي خلاصاتك من لينين ؟ لكن، لماذا لا تتحدث أيها الأستاذ الجليل، عن التغيرات الجديدة التي حصلت منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا في هذه المسألة أيضا، أي في مسألة الانتهازية؟. هل لازال الواقع الاجتماعي والطبقي لتركيا- التي استشهدت بها – على حاله منذ ذلك العهد ؟ ألم تنم الطبقة العاملة وتبرز على الساحة السياسية أيضا داخل هذا البلد ؟

وإذا كان الأمر كذلك، كما هو عليه، ألا يعني ذلك دفاعا عن الانتهازية وعن البرجوازية ؟ «إن المقادير الهائلة من الرأسمال المالي المتمركز في عدد ضئيل من الأيدي» والذي ينشئ شبكة كثيفة في منتهى السعة من العلاقات والصلات لا تخضع له فقط جمهور المتوسطين والصغار من الرأسماليين وأصحاب الأعمال، بل كذلك الصغار جدا، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى النضال العنيف ضد فرق الماليين من الأمم والدول الأخرى كل ذلك يسبب انتقال جميع الطبقات المالكة أفواجا إلى جانب الإمبريالية"[19]. إن كل ما ذكرناه سالفا، ليؤكد مرة أخرى على طبيعة المرحلة الحالية من الرأسمالية بوصفها مرحلة الإمبريالية ويؤكد من الجهة المقابلة أن المهام التي رسمتها وحددتها الماركسية اللينينية لازالت راهنية إن لم تكن قد أصبحت أكثر استعجالية.

أما فيما يخص النقط الأخرى أو التجليات الأخرى للعصر الإمبريالي التي أكد عليها لينين فإنها لازالت هي الأخرى قائمة إلى يومنا هذا بل زادت حدتها أكثر. وسوف نقتصر على ظاهرتين ، هما على كل حال ، ليس محض اختلاف مع معظم دعاة «المرحلة الرأسمالية الجديدة».

الأولى تكمن في اتجاه الإمبريالية نحو إنقاص نسبة الناشطين في القطاعات المنتجة وتضخم الجيش الاحتياطي للعمل. وهنا نود أن نشير إلى أن خطأ السيد الحريف ومن على شاكلته أي الذين يحاولون التأكيد على نقص الطبقة العاملة كميا، يكمن في حصر العديد منهم للطبقة العاملة في مجرد العمال الناشطين دون الانتباه بما فيه الكفاية إلى نسبة ازدياد الجيش الاحتياطي للعمل.

أما الظاهرة الثانية فتلك التي تتعلق بانخفاض الهجرة من البلدان الإمبريالية وازدياد الهجرة نحوها من البلدان الأكثر تأخرا ذات الأجور المنحطة، ولعل هذه التي أشار إليها لينين وقبله انجلز لازالت قائمة إلى حدود المرحلة الحالية بل إن درجة تعمقها وصل إلى حد أفرزت معه العديد من جمعيات الهجرة السرية في العديد من البلدان. تبقى الإشارة هنا إلى أننا اقتصرنا على معظم الظواهر التي أشار إليها لينين في تحليله للمرحلة الإمبريالية ، لكننا لا نود بذلك أن نقول إطلاقا، بالاستغناء عن دراسة وتحليل مختلف الظواهر الجديدة بل بالعكس تماما وهو ما سنحاول إنجازه في أقرب وقت ممكن.

أزمة الدولة و أزمة التفكير البرجوازي الصغير.
********************************
أما النقطة الأخيرة التي حاول بها السيد الحريف، الدفاع على المرحلة «الجديدة» للرأسمالية فتكمن في ما قاله بخصوص انعكاسات هذا التطور على الدولة وعلى الدولة التبعية بشكل خاص، وهنا سوف نتوقف معه قليلا أيضا لما لهذه «المقاربة النظرية» من تداعيات سياسية وعملية.

وقد طرح الكاتب المسألة متسائلا على النحو التالي: «هل لا يمكن أن نجد في هذه التطورات أسباب أزمة الدولة، وخاصة في العالم الثالث؟ « ومباشرة بعد هذا التساؤل المشروع، يسترسل الحريف قائلا : «فالدولة ، التي كانت تعبر عن مصالح الطبقة السائدة المتحالفة، أصبحت تفتقد قاعدتها الطبقية السابقة لتصبح، أكثر فأكثر، المعبر عن مصلحة الفئة المدولة من البرجوازية، هذه الفئة التي تخدم مصلحة تدويل الرأسمال أكثر من خدمة مهمة التراكم على الصعيد الوطني ...وهكذا تنزع أجهزة الدولة، في هذه البلدان إلى التحول إلى أدوات لتنفيذ سياسات الرأسمال المدول».

إن هذا المقطع، لوحده ، يوضح لنا أي ضيق أفق وأي تشوش نظري يسري في تفكير كاتبه. ما الدولة؟ إنها نتاج استعصاء واستحالة حل التناقضات الطبقية و تعبير عن مصالح الطبقات المالكة. وما هي هذه التناقضات ؟ إنها أساسا التناقضات بين الطبقات المسيطرة والطبقات المسيطر عليها، ولا يمكن فهم أزمة الدولة إلا بفهم هذه الحقائق الأولى. و إذن، وما دامت الدولة تعبر عن مصالح الطبقات المالكة والمتحالفة، فإن هذا التحالف مثله كمثل أي تحالف، مهما كانت طبيعته، ليس ثابتا ولا أزليا. وهو رهين بمستوى موازين القوى الاقتصادية والسياسية بين مختلف الطبقات والفئات الطبقية. وموازين القوى، هي كما يعلم الكل، مقدار متحرك وليس ثابت ، محكوم بالمعطيات السياسية أساسا عند الحديث عن التناقض الأساسي داخل المجتمع الرأسمالي أي عند الحديث عن التناقض بين الطبقة العاملة وحلفائها الموضوعيين وبين البرجوازية وبكل فئاتها الطبقية. أما عند الحديث عن موازين القوى بين الطبقات المسيطرة فلا مناص من التحديد الاقتصادي بالدرجة الأولى، دون إغفال أو التقليل من المستوى السياسي فهدا الأخير يعبر بشكل أو بآخر على المستوى الأول أي الاقتصادي، إن القوة هي مقدار اقتصادي.

وهكذا فالقاعدة الاقتصادية التي تقوم عليها الطبقات المسيطرة تفرز في صيرورة تطورها مستويات مختلفة ومتغيرة من التحالفات بين مختلف الطبقات والفئات الطبقية. وهذا ليس بالأمر الجديد على الإطلاق ، فكل تاريخ المجتمعات الطبقية يبرزه بوضوح وخير مثال يمكن أن ندرجه هنا. وهو ما أصبح شبه عرف لدى الماركسيين. هو التحليل القوي الذي قام به ماركس لدراسة الصراعات الطبقية في فرنسا [20] إن أول جملة يبدأ بها ماركس كتابه الصراع الطبقي في فرنسا كانت كالتالي "إن أصحاب المصارف هم من سيحكمون الآن فصاعدا ...".

إذن فالدولة وإن عبرت في مرحلة معينة على فئة دون الأخريات فإن ذلك ليس بالجديد على الإطلاق بل إنه من طبيعة الرأسمالية كنظام طبقي، لكن لنتساءل هل القاعدة الطبقية للدولة بالمغرب لازالت على حالها منذ عشرين سنة أو ثلاثين ؟ أو للدقة هل موازين القوى بين التحالف الطبقي المسيطر لازالت هي ذاتها ولم تتغير منذ الاستقلال اللقيط ؟ لا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يتجرأ للإقرار بذلك.

فبمجرد إطلالة على مختلف الصراعات السياسية التي شهدها المغرب يمكن أن نتأكد من ذلك، وإذا استحضرنا مجالات أخرى غير السياسية يمكن أيضا أن يتضح ذلك.مثلا، بقراءة متأنية لقانون الاستثمارات الأخير أو ما قبل سوف نجد هذه الحقيقة ساطعة بكل وضوح، فما معنى التخفيض أو إلغاء أداء رسوم البقع الأرضية المخصصة للمشاريع «التنموية» ؟ أليس ذلك تطاولا ومسا بمصلحة الملاكين العقاريين ؟ وماذا تعني إثارة «ملفات الفساد» وسرقة المال العام بالرغم من أحد أبعادها المتعلقة بالمناورة مع الاتحاد الأوربي لإعادة جدولة الديون وبالرغم أيضا من أبعادها الإيديولوجية الرامية إلى تثبيت شعارات النظام من قبيل «العهد الجديد» و «دولة الحق والقانون» و"طي صفحة الماضي" وما على شاكلتها من شعارات أخرى. بالرغم من ذلك كله ألا تعني أيضا تطاولا على مصلحة البرجوازية البيروقراطية ؟ وهل الوثيرة المتصاعدة لخوصصة أو بيع القطاع العام هي أيضا من مصلحة البرجوازية البيروقراطية ؟ ولكن من الجهة المقابلة يجب الانتباه سواء داخل المغرب أو خارجه، فهناك نوع من التدخل بين مختلف هذه الفئات والطبقات ، بل إننا نجد في الغالب أن أصحاب العقارات والأراضي الشاسعة هم أصحاب المصارف وهم أنفسهم أصحاب المصانع الكبرى...

لذلك عندما يقول السيد ع.الحريف بأنه «إذا كانت بعض فئات البرجوازية في المحيط، مدمجة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي (البرجوازية النفطية مثلا)، فإن بعض فئات البرجوازية في المركز تظل مهمشة عنه» هو بذلك على صواب إلا أنه نسي أن تلك البرجوازية النفطية هي ذاتها المالكة للعديد من القطاعات الصناعية الكبرى والمالكة لوسائل الاتصال والمواصلات و ....كما أنه لم يفهم أن عملية التهميش ليست رغبة ذاتية للأفراد أو المؤسسات بل تحكمها الضرورات الاقتصادية، فإذا كان الرأسمال ينحو دائما إلى «الاستثمار» في القطاعات المربحة أي القطاعات التي تعرف معدلا للربح مرتفعا فإنه لا يجب أن ننسى أننا في مرحلة الاحتكار، فالمعدل الوسطي للربح ينتج من خلال حرية انتقال الرأسمال من فرع اقتصادي إلى فرع اقتصادي آخر ومن قطاع إلى آخر غير أن هذه الحرية قد تقيدت بشروط كثيرة جدا في ظل واقع الاحتكار.

ومهما يكن، فإننا متفقون مع الكاتب، مع استحضار التحفظات الواردة أعلاه، في أن الدولة أصبحت «تفقد قاعدتها الطبقية السابقة»، فما هي النتيجة السياسية لذلك ؟إن الإجابة على هذا السؤال تجد أساسها في تحديد القاعدة الاقتصادية الجديدة وبالتالي الطبقية لجهاز الدولة، ففي أي اتجاه ينحو إذن هذا التطور؟ وما هي القاعدة الاقتصادية الجديدة والفئات الطبقية الجديدة التي تتجه نحو السيطرة على جهاز الدولة ليصبح المعبر عن مصالحها ؟ أو بمعنى بسيط ما هي الفئات الطبقية التي أصبحت أو في طريقها إلى السيطرة على جهاز الدولة ؟. إنها «الفئة المدولة من البرجوازية» هذه هي إجابة الأستاذ العظيم ع. الحريف، لكن ماذا يعني هذا المفهوم ؟ دائما حسب ع.الحريف إنها الفئة البرجوازية المعبرة عن مصلحة الرأسمال المدول. لكن هذا التحديد هو الأخر لم يحل المسألة وإنما فقط استبدال الأشكال بآخر. لأن الرأسمال المدول يستدعي تحديدا نظريا لكن الكاتب لا يفعل ذلك على الإطلاق بل يراهن في ذلك على المصطلح في حد ذاته ويقتصر على تكراره وكأنه شيء بديهي. الرأسمال المدول هو الرأسمال الذي يسعى إلى أن يكون مسيطرا على كل الدول أي فوق الدول، إن هذا النوع من التحليل هو ما عبر به ماركس على آدم سميت حيث وصفه بأنه «يفسر الماء بالماء» بل إنه أقل من ذلك.

إن ما يسمى الرأسمال المدول ليس إلا مفهوما ضيق الأفق كصاحبه، فالمفكر البرجوازي الصغير لا يرى في الرأسمال سوى مالك الرأسمال وشكله ولا يستطيع بحكم موقعه وضيق أفقه أن يرى أن هذا الأخير (أي مالك الرأسمال) ليس إلا عبدا للأول أي للرأسمال، بمعنى أن الرأسمالي يخضع ويسير وراء ضرورات واحتياجات الرأسمال. لقد وضح ماركس بما فيه الكفاية صيرورة تطور وتكون الرأسمال بوصفه علاقات إنتاج وعندما كان يتحدث عن الإشكال التي يظهر فيها الرأسمال أي الرأسمال التجاري والرأسمال الصناعي فإنه يرتكز في هذا التحديد على القاعدة الاقتصادية التي تفرز هذا الشكل أو ذاك بمعنى تحديد لموقع هذا أو ذاك داخل الإنتاج الاجتماعي ككل.

وفي تطور سير التراكم وتمركز الإنتاج الكبير وتمركز الرأسمال النقدي نشأ نوع من التحالف أو للدقة نوع من الاندماج بين الرأسمال الصناعي والرأسمال المصرفي ليكونا الرأسمال المالي وهذا الأخير باعتباره تعبيرا بشكل ما عن الاحتكار ينزع بطبيعته إلى التدويل أي إلى السيطرة على العالم، وقد وضحنا ذلك بما فيه الكفاية سابقا.

إن عملية تشكل الاحتكارات وتشكل الرأسمال المالي قد اجتازت مسارات جد متنوعة ومختلفة إلى أقصى الدرجات لكنها تكونت أيضا في جدلية بين النشأة والتكون الوطني والقومي والعالمي. فإذا كانت البرجوازية تنزع سابقا إلى تحقيق حلمها المتمثل في إنشاء الدولة الوطنية والقومية فإن صيرورة تطورها ذاتها جعلتها تنزع إلى السيطرة على العالم بأسره. إن هذا الواقع الذي اتسم بإلحاق البلدان الأكثر تطورا وقوة للعديد من البلدان الأخرى سواء أخذ ذلك شكله المالي أو السياسي أو العسكري المباشر قد نتج عنه تكون مجموعة من البلدان الإمبريالية المسيطرة على كل أقطار الأرض والمتصارعة فيما بينها. وكذا تكون وظهور العديد من البلدان التابعة لهذه الإمبريالية أو لتلك، وإذا كانت ثورة أكتوبر قد خلقت وأوضحت للشعوب الأخرى عن مسارات جديدة لتطور المجتمعات، مسارات تقدمية بل المسار الوحيد الممكن للتقدم و الحتمي أيضا، فإن الأمور قد عادت إلى عهدها الأول لكن في درجات لولبية مختلفة ومرتفعة. وعادت معها أيضا العديد من الظواهر الأخرى بما فيه العسكرية أي الاحتلال المباشر. إلا أن ما يهمنا هنا هو عملية تكون الدولة التبعية وإن كان تكوينها قد قام هو الآخر في ظروف في منتهى التنوع وأخذ هو الآخر مسارات مختلفة ما بين هذا البلد وذاك. رغم ذلك كله فقد استطاع ماو تسي تونغ إبراز العديد من الخيوط الناظمة لعملية التكون هذه.

فالبلدان التبعية أو -وهو الشيء نفسه-، الدول التبعية هي تبعية ليس بتبعية المؤسسات والأجهزة أو بتبعية الأشخاص والجماعات. بل إن ذلك لا يعدو أن يكون النتيجة الموضوعية لتبعية طبقات وفئات طبقية داخل المجتمع أو ذاك – وهي ذاتها إفراز لعملية تقسيم العمل على النطاق الدولي و المحلي. وهذه الطبقات أو الفئات هي نفسها التي تسيطر على جهاز الدولة ومؤسساته وتجعله في خدمة مصالحها ومعبرا عن احتياجاتها ومصالحها المرتبطة بشكل عضوي بمصالح الإمبريالية، بحكم طبيعة علاقاتهما أي بحكم علاقة التبعية للأولى للثانية. وإذا كان الرأسمال المالي قد تشكل في صيرورة تطور وتركز الإنتاج الصناعي الكبير وتمركز الرأسمال، فإنه قد خلق في صيرورة تطوره الظروف الاقتصادية لنشوء و سيطرة الرأسمال التبعي داخل هذه الدول و تبلور كل من البرجوازية الكمبرادورية والبيروقراطية.

فعندما يقول لنا ع.الحريف بأن هذه الفئة البرجوازية المدولة أصبحت تخدم مصلحة تدويل الرأسمال أكثر من خدمة مهمة التراكم الوطني فإنه بكل تأكيد قد أغفل هذه الحقيقة رغم امتنانه لماو تسي تونغ و «الدفاع» عنه. فمتى كانت البرجوازية الكمبرادورية تخدم مهمة التراكم الوطني ؟ ومتى لم تكن في خدمة مصالح الرأسمال المالي أولا ؟

إنها مرحلة «الرأسمالية الجديدة» بالفعل لكن ما هو جديد فيها هو نسيان الحقائق والبديهيات ، نسيان وعود الماضي الجاثم على صدور أصحابنا والمشع في عقولنا. لكن، والحق يقال، إن كل ذلك ليس بالجديد، بل إنه ممتد في كل تاريخ المجتمعات الطبقية، فإذا كنتم قد نسيتم ضرورة «بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو» ونسيتم أن الأقنعة قد سقطت منذ سنين فإننا نقول الآن ها هي ذي مرة أخرى تسقط الأقنعة فلنفتح الطريق الثوري.

لكن السيد الحريف لا يود أن يقف عند هذا الحد، بل يتحفنا بالمزيد من إرهاصاته قائلا «هكذا تنزع أجهزة الدولة في هذه البلدان إلى التحول إلى أدوات لتنفيذ سياسات الرأسمال المدول» لكن ماذا كانت هذه الدولة فيما قبل ؟ ألم تكن عبارة عن دولة المعمرين الجدد ؟ ألم تكن أداة للسيطرة الطبقية ؟ ألم تكن الطبقات المسيطرة هي ممثل الرأسمال المالي محليا ؟ وإذا كانت هذه هي إرهاصات السيد الحريف فيما يخص الدولة التبعية فإنه لم ينسى الدول الإمبريالية فكتب قائلا: «أما في الدول الرأسمالية المتطورة نفسها، فإن قدرة الدول، بمختلف أجهزتها التشريعية والتنفيذية على بلورة وتنفيذ سياسات اقتصادية واجتماعية أو حتى ثقافة مستقلة، قد أصبحت تتقلص باستمرار أمام ضرورات تدويل الرأسمال وتفويض تلك الدول للعديد من اختصاصاتها لهيآت فوق-وطنية كالمجموعة الأوربية مثلا»[21].

أولا: إن الاستشهاد بالدول الأوربية في هذه المسألة بالذات، هو استشهاد غير موفق على الإطلاق فحلم تكون «الولايات المتحدة الأوربية» ليس بالجديد كما ان العمل في اتجاهه لم يبدأ البارحة أو مع نهاية الثمانينات بل إنه يمتد في جذور تاريخ الرأسمالية الأوربية قديما. و إلا فليحاول السيد الحريف أن يقول إن ضرورات تدويل الرأسمال تؤدي إلى تفويض الدولة الأمريكية والفرنسية للعديد من اختصاصاتهما لأجهزة فوق وطنية ولينظر في أي وضع مضحك وأبله سوف يلقي بنفسه فيه.

ثانيا: إن اختصاصات الدولة تختلف من هذا المنظور أو ذاك أي أن ما تراه أنت اختصاصا للدولة هو بالنسبة لآخر غير ذلك، واختلاف وجهات النظر في هذه المسألة أي في مسألة اختصاصات الدولة هو اختلاف بين المصالح الطبقية أي أن الطبقة التي ترى بأن هذا الأمر أو ذاك هو من اختصاص الدولة لها مصلحة في ذلك ومن ثم فإن طبقة أخرى أو فئة طبقية أخرى لا تراه كذلك لأنه لا ينسجم ومصالحها وبالتالي تصارع لأجل أن لا يكون كذلك أي لا يكون من اختصاص الدولة.

فمثلا ضبط السيولة المالية والنقدية لم تكن تراه الأرستقراطية المالية اختصاصا من اختصاصات الدولة نظرا لأن ذلك يتيح لها المزيد من إحقاق الشروط الاقتصادية لتسيطر على الدولة عن طريق الديون. كما أن التعليم والتكوين والتشغيل أيضا لا تعتبره كل الطبقات اختصاصا من اختصاصات الدولة فكل يراه حسب مصلحته.

فما هي الخلاصة إذن من كل كلام الكاتب إن لم تكن اضمحلال وانتفاء الدولة أو على الأقل الدولة القومية – على النطاق العالمي، إن مجمل إرهاصاته لا تستحق إلا أن تكون غفوة مزعجة أي كابوس، لكنه ممل وسخيف أو في أحسن الأحوال يمكن اعتبارها ثرثرة، لكنها مع ذلك ككل ثرثرة تعبر بهذا الشكل أو ذاك عن رؤية طبقية معينة وبالتالي عن مصالح طبقية بعينها أصبحت الآن معروفة إنها مواقع البرجوازية الصغيرة التافهة الضيق الأفق.

إن الكاتب لا يفوته أن يسجل أنه «لا مفر، من التأكيد، بهذا الشأن على أنه، إذا كانت الرأسمالية كأنماط الإنتاج السابقة المرتكزة إلى استغلال الإنسان للإنسان محكوم عليها بالزوال (أنظروا ذلك جيدا) فإنها تتوفر على قابلية أكبر للتطور من أنماط الإنتاج السابقة، وذلك لأنها أول نمط إنتاج قادر على أن يصبح عالميا لأنه يرتكز إلى السوق المعممة ولأن الرأسمالية تبدو...و كأنها خاضعة لقوانين اقتصادية موضوعية حيث يتم انتزاع فائض القيمة بشكل أوتوماتيكي وليس كما في الأنماط السابقة عبر اللجوء إلى الإكراه...»[22].

إذن الرأسمالية محكوم عليها بالزوال لكن ليس الآن بل بعد قرون، هذا ما تعود إليه كل فقرة هذا المدافع عن «الجوهر الحي للماركسية»، فنحن نعلم على كل حال كم استمرت سيطرت أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية التي هي «أقل قابلية للتطور من الرأسمالية». لذلك يجب أن نسقط من أيدينا لافتات شعار تحطيم الرأسمال ونعوضها بلافتات أخرى مكتوب عليها شعار آخر لن يكون بطبيعة الحال سوى «النضال الديمقراطي الجماهيري» أو «الجبهة الاجتماعية"... أو لما خلص إليه الحريف قائلا «لذلك لا بد من تسليط سلاح النقد الماركسي على هذه الإيديولوجية وتجلياتها الحديثة». إلا أنه نسي أن سلاح النقد الماركسي لا يصوب دون اتجاه بل في اتجاه واضح ووحيد هو الثورة والقضاء على الرأسمال وإن اختلفت مساراته من هذا البلد أو ذاك وفق الشروط الموضوعية الاقتصادية والسياسية لهذا البلد أو ذاك.

مرة أخرى الوقائع تؤكد موضوعات الماركسية اللينينية.
**************************************
لقد قال ماركس ذات مرة على برودون إنه لا يرى في البؤس سوى البؤس ونحن نقول أن الحريف لا يرى في «القوة غير القوة» في حين أنها تحمل عناصر القوة وعناصر الضعف أيضا بل وعناصر الدمار. فالبروليتاريا مثلا تكمن إحدى عناصر قوتها في ازديادها المطرد إلا ان هذا الازدياد بوصفه هنا عنصر قوة يصبح من جهة أخرى أي مع تكون الجيش الاحتياطي للعمل الذي يزداد هو الآخر بشكل مطرد عنصر ضعف أيضا. وإذا كانت الرأسمالية تنحو في اتجاه أن تصبح نمط إنتاج عالمي كما بين ذلك مؤسسا الماركسية وكما تؤكد الوقائع تحليلاتهما. فإن اتجاهها هذا بالقدر الذي يعطيها إمكانيات هائلة للتنفيس عن أزماتها فإن هذا الاتجاه ذاته يلقي بها في الطريق المؤدية إلى حتفها النهائي. لكن ليس بشكل عفوي بل بهمة الثوريين في صفوف الطبقة العاملة وباستحضار مهامها العاجلة والأساسية و بتناقضات الدولة الإمبريالية فيما بينها و ...

فإذا كانت المرحلة الراهنة تتسم بسيطرة الإمبريالية الأمريكية بالنظر إلى موقعها داخل موازين القوى العالمية «فهل من المعقول أن نتصور أن تناسب القوى بين الدول الإمبريالية سيبقى دون تغير بعد عقد أو آخر من السنين ؟ لا يمكن تصور ذلك على الإطلاق».

لقد نسي صاحبنا الحريف قانون التطور اللامتكافئ الذي اعتبره من «الاسهامات الرائعة للينين». وربما نجد في الأحداث الجارية حاليا على المستوى العالمي ما يوضح بما فيه الكفاية حجم التناقضات التي تحبل بها الإمبرياليات ويوضح أيضا أن عهد التروست العالمي الواحد و «الرأسمال المدول» لازالت بعيدة وبعيدة جدا والحديث على حجم الصراعات داخل منظمة التجارة العالمية بل وحتى مختلف التناقضات حتى بين الإمبرياليات الأوربية سوف نحاول أن نلقي بعض الضوء على ما يقع في الشرق الأوسط وبالتحديد معنى احتلال العراق وأفغانستان.

لقد كان التقاسم القديم للعالم مستندا كما سبق وأشرنا على قاعدة التوازنات العالمية القديمة المحكومة بالصراع ضد «شبح الخطر الشيوعي» إلا أن انتفاء هذه القاعدة سيولد احتياجات جديدة وضرورات جديدة لإعادة القسمة وفق الموازين الجديدة. فقد ابتدأت المناوشات بين الضواري حتى قبل سقوط التحريفية وترسخت بعده بشكل أكثر وضوحا[23]. وبدأت تتشكل التحالفات على الصعيد العالمي والمصادقات على المعاهدات العسكرية و»الأحلاف السلمية تحضر الحروب وتنشأ بدورها عن الحروب» مشترطة بعضها بعضا ومكونة تغير أشكال الصراع السلمي وغير السلمي على أساس صعيد واحد لا يتغير هو صلات وعلاقات الاقتصاد العالمي الإمبريالية والسياسة العالمية»[24].

إن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تقول لأوروبا، أنا التي حطمت «الشيوعية» وأنا الذي أعدت بنائك وأنا الآن سيدة العالم، ونحن أبناء اليوم وليس البارحة فأعطونا حقنا؛ بل سوف نستحوذ على نصيبنا. «لكن ماذا يعني نصيبنا ؟ وبأي صورة يمكن تحديده في العالم الرأسمالي، في عالم البنوك ؟ فالقوة هناك يحددها عدد البنوك والقوة هناك تحدد كما حددتها إحدى الصحف أصحاب المليارات الأمريكان بالصراحة الأمريكية الصرفة وبالوقاحة الأمريكية الصرفة. فقد أعلنت هذه الصحيفة «في أوربا تدور رحى حرب من أجل السيطرة على العالم ولغرض السيطرة على العالم يجب توفر أمرين : الدولارات والبنوك، أما الدولارات فهي موجودة لدينا وأما البنوك فسنؤسسها وسنسيطر على العالم»[25].

إن التنبؤات الأمريكية قد تحققت اليوم رغم أنها أخذت مسارات لم تكن متوقعة إطلاقا. فالأمريكيون أو للدقة الإمبرياليون الأمريكيون معروفون بالنزعة البرغماتية والعملية الجامحة. لقد فهموا قانون العصر الإمبريالي وعملوا في اتجاهه ووفرت لهم شروط غياب أو تغييب الطبقة العاملة الوصول إلى ما كانوا يحلمون به.

وإذا كان البعث العربي في العراق يعتبر إحدى الحواجز التي تقف أمام زحف الرأسمال المالي الأمريكي على الخصوص وأمام الاحتكارات العملاقة فإنه من غير السليم اعتبار احتلال العراق هو فقط نتيجة للاحتياجات الاقتصادية الأمريكية الخاصة. إن الإمبريالية تنزع إلى السيطرة وإلى احتلال ليس بالقدر الذي تحتاجه إلى نفسها وإنما بالقدر الذي تحتاجه من أجل إضعاف خصومها ومنافسيها. وحساسية وأهمية منطقة الشرق الأوسط لا تحتاج إلى توضيح سواء من زاوية الثروات الهائلة التي تمتلكها خصوصا ما يتعلق بالنفط أو من زاوية موقعها الجغرافي والسياسي العسكري فهي تشكل قلب القومية العربية وكذلك الجبهة الشرقية لأوروبا ومدخلا أساسيا للشرق الأدنى وآسيا.

لقد وصف لينين ذات مرة ألمانيا، عندما كانت طبول الحرب العالمية الأولى تدق، قائلا: «وعندما غدا الوحش الضاري الفتي الذي شارك في التقاسم آنذاك جولة رأسمالية قوية هي ألمانيا أخذت تقول: تعالوا نعيد التقاسم إنكم تريدون الاحتفاظ بما كان سابقا ؟ وتعتقدون بأنكم الأقوى ؟ فلنجرب من الأقوى؟" .

وها هي الولايات المتحدة تقول نفس الكلام لكنها تعلم بحس أرفع من كل تفاهات البرجوازية الصغيرة الضيقة الأفق، أن الأمور لن تبقى على حالها إذ قد تجوع الوحوش الأخرى أو يظهر وحش ضار آخر ليقول نفس الكلام. و لذلك فهي تستعد للمعركة بإضعاف الكل ومحاصرة الكل ولا أحد إلا ضيقي الأفق يمكن أن يدير ظهره إلى أنياب الضيف التي تكبر وتشتد يوما بعد آخر، فلن تجد أي كتاب أو مقال في التاريخ الاقتصادي للعقد الأخير إلا ويعترف بهذه الحقيقة الواضحة ، ألا وهي سرعة وثيرة تطور الاقتصاد الرأسمالي في الصين فهي السنة الرابعة على التوالي تحقق أكبر نمو اقتصادي على النطاق العالمي.

إننا هنا لا نود أن نقول بحتمية دخول الصين إلى حلبة المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية فقد يكون أي لص آخر غير الصين، لكننا نؤكد على حتمية الحرب العالمية الثالثة إذا لم تنتصر الاشتراكية على النطاق العالمي. فحتى وإن كان البعض يقول بأن طبول الحرب لم تدق بعد، فإنها على كل حال غير بعيدة عن ذلك، فالإمبرياليات العالمية المتصارعة والمتناقضة توقد النار اليوم تحت الطبول لكي تكون أصواتها، حين تعطى إشارة الانطلاق، قوية ومدوية.

إن كل تاريخ الرأسمالية، كل تاريخ الإنتاج والتبادل البضاعي وكل تاريخ الأزمات الرأسمالية الدائمة والمستمرة، كل تاريخ القرن 19 و 20 يؤكد بجلاء هذه الحقيقة التي ينكرها العديد من ضيقي الأفق، العديد من ألقاهم وضعهم الطبقي بين نارين، البرجوازيون الصغار، دوي النزعة «الإنسانية» الطيبة لكن المقرفة والتافهة.و بماذا يحاولون إنكار هذه الحقيقة اليوم، ليس بشيء آخر سوى هذه النزعة «الإنسانية»، فبالنسبة لهم، أن ما وصلت إليه آلة الدمار العسكري والنووي يهدد في حالة قيام حرب عالمية اليوم، بنهاية تاريخ الإنسانية ككل ومن تم نهاية حتى الرأسمالية لذلك لن تجرئ هذه الأخيرة على نفسها، إن أحس رد على هذا المنطق المسكين هو كل ما أوضحناه سابقا من وقائع حالية ومن قوانين موضوعية التي تحكم تطور تناقضات الرأسمالية، لكننا بالمناسبة نود أن نستشهد بما استشهد به ماركس لوصف فعالية إحدى القوانين الرأسمالية وبالضبط قانون معدل الربح.

"آمنوا 10% يشتغل الرأسمالي في أي مكان، 20% ينشط، 30% تمتلكه أحاسيس مجنونة، 100% يدوس بالأقدام جميع قوانين البشرية، 300% ليست تمة جريمة لا يجازف في ارتكابها حتى و لو قادته إلى حبل المشنقة".

إنه قانون تطور الرأسمالية، وإذا أضفنا إحدى خصائص المرحلة، أي: الاحتكار فسوف يصبح ذلك القانون هو بالضبط ما أسماه لينين بقانون معدل الربح الاحتكاري فلتتصوروا ما يمكن أن يفعله هذا القانون بالرأسمالي الإمبريالي. إن الحرب ليس رغبة للقيادات أو للدول الإمبريالية وإنما هي نتاج موضوعي وحتمي لقوانين نمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلته الحالية أي في مرحلته الإمبريالية التي انتهى تقسيم كل الأرض بين كبريات الدول. وكل إعادة تقسيم تفرز ما تفرزه من أحداث ووقائع.

إننا لا ندعي إطلاقا بمقاربة المسألة من كل جوانبها أو حتى من مجمل جوانبها، فتلك مهمة لازالت مطروحة أمام كل الماركسيين وسوف نعمل من جانبنا على المساهمة في إنجازها، لكننا في ذات الوقت حاولنا أن نبيت أي إرهاصات يحملها إلينا السيد ع.الحريف ومن على شاكلته عن ما يسمى بالرأسمال المدول وأي نتائج أوصلته إليها طريقة تفكيره ومنطق تحليله، إنه «من الخطأ نظريا نبد تحليل التبادل والإنتاج البضاعي والأزمات إلخ عموما و «الاستعاضة» عن هذا التحليل بتحليل الإمبريالية ككل. وذلك لأن هذا الكل غير موجود «لذلك» كان هذا الربط بين «المبدأين» المتناقضين : المنافسة والاحتكار هو بالذات الأمر الجوهري بالنسبة للإمبريالية وهو بالذات الذي يمهد للانهيار، أي للثورة الاشتراكية»[26].

موقف الطبقة العاملة من السياسة الامبريالية.
***************************
تلك هي خلاصتنا الأساسية من هذه المسألة. والآن وعلى ضوء كل ما سبق ذكره أي مهام يضطلع بها الماركسيون اللينينيون في هذه المرحلة داخل الحركة العمالية وأي مهام نضطلع بها نحن الماركسيون اللينينيون المغاربة محليا.

وسوف نبدأ مما انتهينا به سابقا، أي تحديد موقف الطبقة العاملة اتجاه سياسة الإمبريالية في ظل المرحلة الراهنة، غير أن هذا التحديد لا يجد أساسه المتين إلا في تحديد الموقف الذي تقفه كل طبقات المجتمع اتجاه هذه السياسة، بحيث لا يوجد صور صيني يفصل هذه الطبقات فكل منها تحدد وتتحدد مواقفها في علاقتها بباقي الطبقات وتبعا لعقليتها العامة الناتجة من موقعها داخل الإنتاج الاجتماعي فوجهة نظر كل طبقات المجتمع وموقفها حيال الإمبريالية وحيال كل القضايا يحددها بصورة كلية مركزها في الإنتاج الاجتماعي.

إذا كان من المعتاد أن يدافع الإمبرياليون المكشوفون والوقحون ومن على شاكلتهم من ممثليهم داخل البلدان التبعية، فهناك أيضا من الإمبرياليين من اقتصاديين وعلماء وصحفيين وساسة ممن يدافعون عليها بشكل مستور مخفين سيطرتها التامة وإجراميتها وتعفنها، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها على التفاصيل الجزئية التافهة محولين الأنظار عن جوهرها وطبيعتها بالزعيق التافه على شاكلة «إصلاح المنظومة الدولية» و «إصلاح منظمة الأمم المتحدة» و «الالتزام بالقانون الدولي» و «التقيد بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» و «المواثيق الدولية» ... إلا أن هؤلاء وإن كان ضروريا فضح خلفياتهم الحقيقية فإن الأحداث والوقائع كفيلة بتعريتهم وكشف خداعهم فكل المدافع التي تقصف العراق، وقبلها أفغانستان ويوغسلافيا...كانت في ذات الوقت تهز كل أركان مباني الأمم المتحدة وترمي بأوراقها ومواثيقها إلى القمامة أو في أحسن الأحوال إلى الأرشيفات السفلية، إن صوت المدافع ببغداد وسفارات الإنذار كانت تدوي ببنايات الأمم المتحدة بحدة أكبر ورنين أقوى حتى من بعض مناطق العراق نفسه.

«إن المسائل الأساسية في انتقاد الإمبريالية هي مسائل ما إذا كان في الإمكان تغير أسس الإمبريالية بالطرق الإصلاحية، ما إذا كان ينبغي السير إلى الأمام في اتجاه زيادة حدة التناقضات التي تنشأ عنها وتعميقها ، أم إلى الوراء في اتجاه تلم حدتها»* ففي سنوات العقد الأخير ، على وجه الخصوص ، برزت ونمت نزعة «مناهضة العولمة» في كل بلدان العالم تقريبا بما فيها البلدان الإمبريالية ، وأصبح حينها كبيرا وتحركاتها تجاوزت النطاقات المحلية وامتدت إلى المستوى الأوروبي بل والعالمي أيضا لكن هذه الظاهرة ليست بالجديدة ، فقد رافقت الإمبريالية في كل صيرورة تطورها التاريخي ففي الولايات المتحدة مثلا قد أثارت الحرب الإمبريالية ضد إسبانيا سنة 1898 بالفلبين معارضة «مناهضي الإمبريالية» آنذاك ، بقايا العثرة الديمقراطية البرجوازية كما أسماهم لينين، فقد أقاموا الدنيا ناعتين تلك الحرب بـ «الإجرامية» واعتبروا إلحاق أراضي الغير مخالفة للدستور ..» إلا أن هذا الانتقاد برمته يظل «أمنية بريئة» مادام الغير يخشى الاتحاد مع القوى التي تنشأ عن الرأسمالية الضخمة وتطورها»[27].

والكل يتذكر حملات الاحتجاج مع القوى العالمية المناهضة للتدخل الإمبريالي الأمريكي في الفيتنام وما خلفه التدخل الإمبريالي الأمريكي البريطاني الاسباني الأسترالي ...في العراق من تصعيد لوثيرة الاحتجاجات المناهضة للحرب العدوانية، إلا أننا هنا لا يمكن في أي حال من الأحوال أن ننكر ما قدمته تلك التحركات الجماهيرية من دعم للفيتناميين آنذاك ومن فضح للأمبريالية الأمريكية وحلفائها، لكن انتقاد الإمبريالية لا يجب أن يحصر من هذه الزاوية أو يكون أفقه هو تلك التحركات، بل إنها تنظر إلى المسألة من زاوية الأفق التي تعطيه مختلف الطبقات لتلك التحركات وفي أي اتجاه توجهه وهي المسألة الجوهرية بالنسبة لنا.

ولما كانت خواص الإمبريالية السياسية هي الرجعية على طول الخط واشتداد الظلم القوي بسبب استبداد الطغمة المالية وإزاحة المنافسة الحرة، ولما كانت الوقائع والأحداث تكشف يوما بعد آخر على هذه الحقائق، وبعدما أزيل الغطاء الإيديولوجي الذي كان يجب هذه الحقيقة على ضيقي الأفق في عصر محاربة «الشيطان الأحمر» فإن معارضة الإمبريالية وانتقادها كان لا بد لها وأن تساير هذا الواقع وهو بالضبط ما عكسته النزعة الجديدة، نزعة «مناهضة العولمة». فأصبح الفاعلون فيها يوجهون ساهم نقدهم إلى التروستات وإلى الاحتكارات العالمية وأصبحت تتصاعد احتجاجاتهم ضد تدمير البيئة وضد الحروب وأصبحت تلك الاحتجاجات موازية لأب تحرك لمنظمة «الثمانية الكبار» ولاجتماعات منظمة الكات، بل إنهم أصبحوا ينظمون المؤتمرات الموازية لمؤتمرات القوى الاحتكارية والإمبريالية رافعين شعار «عولمة النضال ضد عولمة الاستغلال» غير أن هذا التقدم النضالي والميداني لم يوازي أي تقدم على المستوى الفكري أي على مستوى تحديد أفق هذا النضال واتجاهاته. وهنا بالضبط يتشكل ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين ممثلي البرجوازية الصغرى بكافة تلاوينهم وممثلي الطبقة العاملة، بمعنى أن ما يميز هذا عن ذاك ليس هو الانخراط النضالي في هذه الحركة أو تلك وفقط، وإنما أساسا المضمون والاتجاه الذي يعطيه هذا أو ذاك لهذه الحركة أو لتلك وهذه مسألة سوف نعود إليها فيما بعد.

فما هو المضمون الذي تنتقد به التيارات، المتواجدة حاليا داخل هذه الحركة، الإمبريالية والسياسية الإمبريالية ؟ وفي أي أفق توجه «صراعها» ضد هذه السياسة أو تلك من سياسات الإمبريالية؟ إن مجرد إلقاء نظرة على مختلف الشعارات الأساسية التي تناضل تحت يافطتها هذه التيارات داخل هذه الحركة تكفي لتوضح لنا ذلك. فقد وصل الحال ببعض المتمركسين إلى درجة "النضال" من أجل وضع الضريبة على المضاربات المالية !!! و الانضواء في إطارات وجدت و لا تزال لخدمة البرجوازية ....


خلاصــــات أولية وأساســـية
***********************
لماذا يجب التركيز على النضال ضد الانتهازية؟ و ما هي اتجاهات هذا النضال. ؟
****************************************************
لقد كتب هيلفيردينغ ذات مرة، أنه «ليس من شأن البروليتاريا أن تعارض السياسة الرأسمالية الأكثر تقدمية بسياسة انصرم عهدها هي سياسة عهد التجارة الحرة وموقف العداء من الدولة.» إن جواب البروليتاريا على السياسة الاقتصادية التي يمارسها الرأسمال المالي، على الإمبريالية ، لا يمكن أن تكون التجارة الحرة، بل الاشتراكية وحدها، والمثل الأعلى الذي يمكنه الآن أن يكون هدفا للسياسة البروليتارية ليس بعث المزاحمة الحرة. وقد غدا الآن مثلا رجعيا، بل فقط القضاء التام على المزاحمة عن طريق إزالة الرأسمالية».

إن هذه الأسطر القليلة قد لخصت، إلى حد ما، كل مضمون واتجاه نضال البروليتاريا ضد الإمبريالية ونحن نؤكد على كلمة، إلى حد ما، لأن الماركسيين اللينينيين لا ينسون أبدا أن نضال البروليتاريا الأممي لا ينفي إطلاقا أو يقفز على شروط نضالها المحلي، فالممثلون الفكريون والسياسيون للطبقة العاملة ينطلقون في تحديد مهامها المباشرة على قاعدة «الشروط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العامة التي تكونت فيها هذه الطبقة وتطورت داخلها».

وإن كان هدف البروليتاريا هو إقامة المجتمع اللاطبقي فإن مسارات الوصول إليه واتجاهات نضالها نحو تحقيقه تختلف من هذا البلد إلى ذاك باختلاف مراحل تطور البلد المعني. فنحن ماركسيون لينينيون، لذلك فشعارنا الاستراتيجي هو الثورة الاشتراكية العالمية الظافرة لكننا أيضا لا ننسى أو نغفل أننا نناضل بشكل مباشر إلى جانب البروليتاريا المغربية التي يجب أن نوجه سهامها نحو خلق الشروط الموضوعية الاقتصادية والسياسية من أجل إنجاز تلك المهمة العظيمة وهذه الشروط قد حددها الماركسيون اللينينيون المغاربة في ضرورة بناء الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي للطبقة العاملة من أجل إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، فهي وحدها التي سوف تضع في جدول أعمال البروليتاريا المغربية المهمة المباشرة التي يعبر عنها الشعار الثوري، تحطيم الرأسمال أي الثورة الاشتراكية. إننا اشتراكيون وعقيدتنا هي الاشتراكية وبالتالي فعملنا الإيديولوجي يجب أن يعكس هذا الموقف، لكننا في ذات الوقت، الآن، ديمقراطيون أيضا ولذلك يجب أن يعكس عملنا السياسي هذا الموقف بكل وضوح.

إن مواجهة الإمبريالية مستحيلة، بدون الدخول الفعال و الدينامي للطبقة العاملة في قلب الصراع الطبقي وبدون قيادتها لهذا الصراع بوصفها حزبا سياسيا، وذلك ما لا يجب على الماركسيين أن ينسون ولو للحظة واحدة، إن كل تاريخ العقود الأخيرة وكل تاريخ المرحلة الإمبريالية يؤكد هذه الحقيقة الساطعة، ونسيان ذلك يعني نسيان كل ذلك التاريخ، إلا أن حضور الطبقة العاملة يبقى في آخر المطاف رهين بمستوى وعي ممثليها الفكريين والسياسيين بذلك، رهين بمدى عملهم في اتجاه تحقيق هذا الهدف، وهنا يكمن جوهر الأمر كليا.

فالطبقة العاملة قد أزيحت عن هذا الصراع لعدة عقود والكل أصبح يعلم نتيجة ذلك، من انهيار للمشروع التحريفي ومن إطلاق العنان للمزيد من سيطرة أسياد المجتمع العبودي الحديث.

فالحركة العمالية في عهد الإمبريالية تعرف تقاطبا بين اتجاهين رئيسيين الاتجاه الثوري، والاتجاه الانتهازي، ونسيان هذه الحقيقة يعني نسيان الماركسية ويعني التضحية بكل تاريخ نضال البروليتاريا العالمي، إنها خلاصة لا يمكن الحياد عنها إطلاقا، ومحاولة السيد الحريف ومن على شاكلته تنحو سياسيا بالضبط إلى طمس هذه الخلاصة بالذات. ومن هذه الخلاصة، يمكن أن نفهم إصرار لينين على ضرورة ربط النضال ضد الإمبريالية بالنضال ضد الانتهازية، حيث أن النضال ضد الإمبريالية لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانتكاسات والهزائم إذا لم يقترن بشكل واضح مع النضال ضد الانتهازية، فالانتهازية ليست خيانة شخص ما أو خطأ أحد ما، بل إنها نتيجة عصر بكامله إنه عصر الإمبريالية.

وإن كان الماركسيون اللينينيون يسعون في نضالهم، بجانب الطبقة العاملة إلى الحفاظ والدفاع على استقلالها السياسي والإيديولوجي والتنظيمي ويسعون إلى الدفاع عن وحدتها والرقي بنضالاتها إلى أبعد الحدود وإلى قيادتها لكل نضالات الجماهير الشعبية، إلا أنهم لا ينسون أن الطبقة العاملة في المغرب ليست وحدها في تناقض مع البرجوازية المسيطرة بكل فئاتها وتحالفاتها بل إن الماركسيين اللينينيين المغاربة مقتنعون بأن هناك طبقات وفئات طبقية أخرى لها نفس المصلحة في دك بنيان هذا النظام الاجتماعي ككل. وتلك هي الألف باء في علم التكتيك الثوري. فالبروليتاريا بالنسبة للماركسيين هي: «ليست ...ثورية إلا بقدر ما تعني فكرة الزعامة هذه وتطبيقها عمليا...فالبروليتاري الذي لم يدرك فكرة زعامة طبقته، أو ينكر هذه الفكرة هو عبد لا يدرك وضعه كعبد وهو في أحسن الأحوال، عبد يناضل في سبيل تحسين وضعه كعبد، لا في سبيل دك نظام العبودية»[28].

في حين أن الانتهازيين هم على عكس كل ما ذكرناه، فبحكم مصلحتهم أي بحكم موقعهم الطبقي يسعون في «نضالـ» هم داخل الحركة العمالية إلى شق صفوف الطبقة العاملة وإلى جعلها ذيلا من أذيال البرجوازية فكريا وسياسيا وتنظيميا أيضا. إن موقعهم الطبقي المتميز يجعل من مصلحتهم الحفاظ على البرجوازية وعلى عبودية العصر الحديث، عصر الرأسمالية الإمبريالية، لقد فقدوا بحكم مصلحتهم الثقة في البروليتاريا وأصبحوا أكثر المؤمنين الواثقين بالبرجوازية وبذلك فقدوا كل قدرة على استخلاص المهام التي يفرضها الواقع الموضوعي وتفرضها صيرورة التطور التاريخي.

والانتهازية تأخذ ألوانا وأشكالا بعدد ما تأخذه البرجوازية من مواقف وبقدر ما تتغير ظروف ومعطيات الواقع بقدر ما تتغير جلالب الانتهازية وأغطيتها. فلنكن يقظين و صارمين في الصراع ضد الخطوط الانتهازية و التحريفية دفاعا عن المشروع التاريخي للبروليتاريا و سياسية و تكتيك البروليتاريا المنسجمين.

هوامــــــش
**************
[15] . لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، ص 91.

[16] لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، ص 43.

[17] . لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية.

[18] يثير الكاتب في الهامش إلى فضح لينين لاتفاقية سابيس-بيكو ودعمه لثورة مصطفى كمال في تركيا.

[19] . لينين: نفس المرجع السابق.

[20] أنظر في هذا الصدد : الثامن عشر من لويس بونابارت ، الحرب الأهلية في فرنسا، الصراع الطبقي في فرنسا.

[21] . ع الحريف: نفس المرجع.

[22] . ع الحريف: نفس المرجع.

[23] لينين نفس المرجع ص 82.

[24] الجزائر...

[25] . لينين نفس المرجع .

[26] لينين ، مواد إعادة النظر في البرنامج الحزبي ص 143.

[27] لينين الأمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ص 70-71.

[28] لينين : الإصلاحية في الاش – ص 69.



#خالد_الصقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكي ...
- الجزء الأول من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكي ...


المزيد.....




- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - خالد الصقر - الجزء الثاني من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكيف يهاجمونها؟- نقد مقال للكاتب الوطني للنهج الديمقراطي عبد الله الحريف 4