أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالناصر حنفي - قلق المسرح..قلق الوجود تأملات نظرية حول عروض مهرجان مدن شرق الدلتا















المزيد.....

قلق المسرح..قلق الوجود تأملات نظرية حول عروض مهرجان مدن شرق الدلتا


عبدالناصر حنفي

الحوار المتمدن-العدد: 560 - 2003 / 8 / 11 - 04:12
المحور: الادب والفن
    




ربما كان تقلص نسبة العروض التي تتبنى أنماط التفكير المسرحي التقليدي هو أبرز سمات هذا المهرجان الذي لم يشهد سوى عرض واحد ( من 12 عرض) يمكننا أن نصنفه كعرض تقليدي تماما.
وتأتي هذه السمة مصحوبة بتصاعد ما يمكن تسميته بالقلق المنهجي تجاه أسلوب أو طريقة بناء العرض ، والتي عادة ما كانت تشهد خليطا مكونا من أكثر من طريقة في التفكير، إن لم نقل أكثر من منهج مسرحي.
ولتوضيح هذه النقطة فعلينا أن نقول أنه من المألوف أن نجد منهجا مسرحيا مستقرا يسيطر على العرض ويحاول أن يستوعب أو يستثمر لصالحه تقنيات أو طرائق تعود إلى مناهج مسرحية أخرى،وهذا أمر مختلف عما نحن بصدده هنا، فنحن إزاء حالة من الاختراقات المستمرة، أو فلنقل الازاحات المستمرة، والتي لا تتراكب معا لتنتج مسارا منهجيا مستقرا.
وبعض مصادر هذا القلق المنهجي يمكن إرجاعها – ربما- إلى ظروف تتعلق بالمرحلة الآنية لمسرح الثقافة الجماهيرية (خاصة فيما يتعلق بعملية إحلال جيل جديد من المخرجين، وهو ما يجري منذ عدة سنوات) إلا أنني أعتقد أن الكتلة العظمى لهذا القلق تعود إلى المناخ السياسي والاجتماعي الراهن، والذي يفرز ذاتا (قومية) على قدر غير مسبوق من وضوح الملامح، على الأقل فيما يتعلق بما تخشاه تلك الذات،وذلك في اللحظة نفسها التي تبدو فيها هذه الذات وكأنها مهددة بالفناء والزوال.
وهذا الاعتقاد قد يعززه ملاحظة أن معظم العروض تستدعي الآخر في صورة من يملك القدرة على التدمير والإفساد والفناء، من يملك التحكم (علانية أو خفية) في مصائرنا،والأكثر غرابة أن صورة الآخر يتم استدعاؤها على هذا النحو بغض النظر عن العلاقات التي يقدمها العرض، بحيث تبدو أحيانا وكأنها جسم غريب(بقدر ماهو قاهر) يصطدم به العرض عند نهايته.
هذه الصدمة التي يكاد العرض يعيها بصعوبة(ولكنه يتركنا نراها وكأن هذه هي كل مهمته) ساهمت إلى حد كبير في بلورة لحظة نهاية ذات طابع ملتبس شمل كل العروض تقريبا، فثمة مالا يمكن السكوت عليه أو مالا يمكن تحمله، ثمة شيء بالغ الفظاعة يحدث لنا جميعا، ولا نملك له ردا ، وفي هذا الإطار فإن تجميع كافة ممثلي العرض عند الحافة الأمامية لخشبة المسرح ( وهي لقطة انتهت عندها أغلب العروض) هذا التجميع الصارخ سيبدو أحيانا وكأنه محاولة للم الجهد تجاه المقاومة ولكنه سيبدو أكثر وكأنه انصهار للجميع تحت وطأة ألم لا يطاق.
وفي هذا الإطار شهدت عروض المهرجان (باستثناء عرض واحد) غيابا لعملية التأمل في تنوع المجموع، أو في اختلاف ردود الأفعال حسب طبيعة العلاقات والمواقف، أو غياب التفرد الخاص لكل شخصية فوق الخشبة ،فقد بدا وكأن الكلمة (أو النص الحواري) تقود الجميع، فهي تعطي تركيزا أو تأكيدا كاملا لمن يملكها (أو ينطقها) بحيث لا يتبقى أمام الجميع سوى أن يندفعوا تجاهه بحركتهم أو ردود أفعالهم ، أو أن ينزلقوا نحو سكون جامد وكأنهم غير موجودين فوق الخشبة.
وفيما عدا استثناءات قليلة ، فإن الملاحظات السابقة قد قادت الأداء التمثيلي تجاه الخضوع لهيمنة ما يمكن أن نطلق عليه "نمط التخارج" بحيث بدا أن كل ما يتم تداوله أو توزيعه فوق الخشبة (من جمل حوارية إلى جمل حركية إلى انفعالات وردود أفعال) وكأنها مجرد تحصيل حاصل، وكأنها تقول "هنا حزن" هنا غضب" بدلا من أن تقدم حزنا حقيقيا أو غضبا حقيقيا،وكأنما لم تعد هناك خصوصية للمشاعر والانفعالات بحيث تكفي مجرد الإشارة إلى  إحساس ما لاستدعائه أو استحضاره/ لم تعد مشاعرنا شيئا داخليا نطرحه على العالم بقدر ما أصبحت تحيط بنا – في الخارج- كالجدران،بحيث تكفي أبسط الإيماءات للفت نظرنا لوجودها.

هنا تتجمع ملاحظاتنا لتومئ بأن ثمة حالة من خمود الروح (أو مواتها)، حالة من الاستلاب أو الاغتراب تجاه وجودنا ذاته ، والتي تجعلنا بلا داخل ، بلا عمق، بلا قدرة على الفعل إزاء العالم.

 

إننا إزاء مفارقة ذات طابع مأساوي إلى حد ما، فكلما حاولت هذه العروض تقصي مصدر الخطر القومي ستجد نفسها وقد فقدت قدرتها المنهجية على التماسك الداخلي ، وعلى التأمل في عالمها الخاص .
وعلى مستوى آخر يمكننا قراءة هذه المفارقة بوصفها صرخة مدوية – بقدر ما هي غير مقصودة – إنها صرخة نابعة من اللاوعي ولكنها تنادي بحاجتنا إلى وعي مختلف تماما في علاقتنا بالعالم ، صرخة قد تظل غير مسموعة بوضوح لأنها لازالت مكبلة بالأكليشيهات المباشرة للخطاب القومي العتيق ، ذلك الخطاب الذي كلما حاولت هذه العروض إبرازه أكثر كلما عزلته على السطح أكثر فأكثر.

لقد جاءت هذه العروض  من خمس محافظات مصرية أي أن ملاحظاتنا -إن صدقت- تدور حول عمل كم غفير من المبدعين وتتوزع على مناخات جغرافية متباينة ،وبالتالي فهذا يعني أن الأمر هنا لا يتعلق بالكفاءة الفنية لمبدعي هذه العروض ومدى قدرتهم على صياغة رؤى مختلفة ومتحررة حول اللحظة الراهنة ، بقدر ما يتعلق بأزمة وجودية تأخذ بتلابيب هذا المجتمع ، وهي أزمة قد تتحول في لحظة خاطفة إلى مصعد جبار يهبط بنا ( ومن يدري فقد يصعد بنا ) إلى وضع مغاير يكفي أن نقول عنه أنه قد يكون مختلفا على نحو يصعب توقعه .
ولو كنت أملك تفاؤل "جولدمان" (بتجاوزاته المنهجية ! ) لطالبت هذه العروض بتقديم رؤيتها حول "الوعي الممكن" الذي يمثل مخرجا من هذه الأزمة ، ولكن للأسف الشديد فقد بتنا نعرف أ، الفن لا يستطيع أن يلعب هذا الدور " النبوي" أو "الرائي" بعيدا عن  الدعم المناسب لأطر المعرفة الاجتماعية بأشواقها الوجودية وقدرتها على الاندفاع نحو العالم ، لذلك لا يبقى لنا سوى أن نأمل  أن ثمة طاقة اجتماعية مخزونة أو حبيسة في مكان ما من أرواحنا في انتظار اللحظة المناسبة لتندفع نحو مواجهة مستقبلها،


أجل .. لنأمل أننا لم نمت بعد.




#عبدالناصر_حنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في التقنية الجمالية - أطروحات إبستمولوجية


المزيد.....




- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالناصر حنفي - قلق المسرح..قلق الوجود تأملات نظرية حول عروض مهرجان مدن شرق الدلتا