بيار عطاالله - باريس -النهار
اكتب عن موضوع من المحرمات لأن أحداً لا يريد الحديث عنه اكان سورياً او لبنانياً، واعجب لأن اكثر من يتحدثون عن العلاقات السورية مع لبنان لا يهتمون لأمر هذه المسألة الحقوقية بامتياز والتي تمس صميم العلاقات الانسانية بين الشعبين السوري واللبناني، الا وهو موضوع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.
وسبب الحديث اليوم عن هذا الموضوع هو اقدام السلطات السورية على الافراج خلال الاسابيع الفائتة عن مجموعة من السجناء السياسيين بموجب عفو رئاسي، فيما ذكرت وسائل الاعلام السورية ان ثمة امكاناً للافراج عن المزيد من المعتقلين دون ان تتطرق لا من قريب ولا من بعيد الى موضوع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وعددهم اصبح حوالى 198 بعد وفاة جوزف امين حويس وعادل عجوري...
تمر الايام والسنون والمعتقلون اللبنانيون في سوريا في غياهب النسيان، لا من يسأل ولا من يهتم لعذاباتهم وآلامهم التي لا تنتهي الا بالموت. ولولا همة حفنة قليلة من المدافعين عن حقوق الانسان ونشاط عائلات المعتقلين المدفوعين بلوعة فقد احبائهم واهلهم في ظلمة السجون السورية لما تذكر احد هذه المأساة.
مرت فترة طويلة كان الاهالي وناشطو حقوق الانسان خلالها عرضة لمختلف انواع الاهانات والاستدعاءات واشكال التحقير من الاجهزة وكنا كلما تحدثنا في هذا الموضوع نقابل بزم الشفاه تعجباً من المسؤولين الذين لا هم لهم الا رفض وجود اي معتقل لبناني في سجون سوريا رغم عشرات الوقائع والشهادات الحية والقرائن الدامغة التي تملكها العائلات عن المعتقلين هناك والتي سلمت اخيراً وليس آخراً الى لجنة البحث عن المفقودين برئاسة الوزير السابق فؤاد السعد.
اعرض عدداً من الحالات:
- الجندي في الجيش اللبناني جهاد جورج عيد من المعتقلين في معركة 13 تشرين الاول 1990 نقل الى سوريا ولا يزال هناك حيث ارسل مرات عدة الى عائلته بواسطة معتقلين مفرج عنهم، يسألهم التدخل للافراج عنه فيما عائلته المسكينة لا تستطيع شيئاً رغم الاثبات الدامغ الذي تملكه والدته سونيا عيد انها رأته بأم العين داخل السجن السوري والاغلال في يده.
- الجندي في الجيش جوني سالم ناصيف وهو من المعتقلين في 13 تشرين الاول 1990 وقد حصلت والدته على إذن بمقابلته عام 1994 ثم منعت عن ذلك...
- الجندي طانيوس كميل الهبر من مجموعة 13 تشرين الاول ايضاً زاره والده في السجن السوري والتقاه ثم منع عن ذلك عقاباً له لأنه اخبر الآخرين انه التقى ولده...
- الراهبان البر شرفان وسلمان ابي خليل من الرهبانية الانطونية وقد اعتقلا مع مجموعة من الجنود في دير القلعة - بيت مري غداة معركة 13 تشرين الاول. ونقلا الى الامن السياسي بشهادة المسؤولين السوريين ومنها الى المعتقلات السورية. وشاهدهما كثر في الشاحنات السورية ورغم ذلك اصر الشيخ رفيق الحريري على انهما توفيا ودفنا في مقابر جماعية قرب وزارة الدفاع الوطني! وعندما طلب منه رئيس عام الرهبانية الانطونية الاباتي سمعان عطاالله الحصول على رفاتهما جاءه الجواب غامضاً ومبهماً وغير مبرر...
- علي عبدالله اعتقل في بيروت الغربية وعندما ذهبت شقيقته فاطمة للسؤال عنه في مركز الأمن السوري اخذ يصرخ من الداخل: "يا اختي انا هنا...".
وعشرات الامثلة الاخرى التي تصل الى 197 معتقلاً...
لا يستطيع عاقل ان يفهم سبب استمرار الاجهزة السورية في اعتقال المواطنين اللبنانيين والزج بهم في المعتقلات السورية الرهيبة بعد محاكمات عسكرية صورية يحرمون فيها، وخلالها وبعدها، من كل حقوق الدفاع عن النفس. ولا يستطيع اي انسان ان يجد تبريراً واحداً لهذا العنف المتمادي ضد اللبنانيين واكثر الاعتقالات هي نتيجة الوشايات والنميمة والدس التي ابتلي بها كل اللبنانيين مسلمين ومسيحيين على حد سواء (...).
لماذا لا تفرج سوريا عن المعتقلين اللبنانيين لديها؟
واذا كانت تريد فعلاً تصحيح صورتها العالمية والحديث عن الاصلاح والتطور فلتتفضل قيادتها السياسية وتفرج اولاً عن المعتقلين اللبنانيين الذين لا حق لها في اعتقالهم. ثم كيف يمكن الحديث عن اتفاق انضمام سوريا الى اتفاق الشراكة مع اوروبا في ظل هذه المعطيات؟
ان الادارة الاميركية غير مهتمة بقضية المعتقلين اللبنانيين في سوريا وهي اصلاً غير مهتمة لمصير جنودها البائسين في العراق، اما فرنسا فهي اكثر من مهتمة وهذا الموضوع هو دائماً وحسب علمنا على جدول الاعمال في اكثر اللقاءات مع السوريين. اما في لبنان فيبدو ان احداً لا يهتم بهذا الملف، اما خوفاً واما على الارجح ممالأة لأهل السلطان، ولولا حفنة قليلة من الناس كان آخرها 12 شخصية طالبت بحل هذه القضية في عريضة وقع عليها مجموعة من السياسيين، والاستجواب الذي قدمته مجموعة من النواب الى الحكومة، لما كان هناك احد يهتم وخصوصاً من بين المسؤولين الروحيين الذين يمضون الوقت في الرسائل المرمزة الى دمشق وبعبدا دون ان يكلفوا انفسهم عناء الطلب من القيادة السورية حل هذه المأساة وجعلها شرطاً لأي حوار وبدء علاقة حسن جوار.
ان الافراج عن المعتقلين في سوريا يجب ان يكون امراً بديهياً ومطلباً لبنانياً وسورياً جامعاً، وهو امر يجب ان تبادر اليه القيادة السورية بشجاعة او على الاقل تسليم جثثهم اذا كانوا قد قتلوا هناك وقد اظهرت احداث العراق ان هناك مقابر مخصصة للسجناء والمعتقلين ويمكن تالياً التعرف على الموتى منهم (...). فليعمد ولو مسؤول واحد الى الطلب من القيادة السورية حل مشكلة هؤلاء الـ198 لبنانياً في غياهب السجون السورية وهم يعدون الايام والليالي في انتظار الحرية او الموت البطيء ولا احد يهتم. يجب ان يتوجه احد ما بشجاعة الى الرئيس السوري بشار الاسد طالباً منه العمل على حل هذه المآساة التي طالت وطالت جداً...
"النهار" السبت 9 آب 2003