أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - قاسم محمد عباس - إحراق الكتب والكتبيين في شارع المتنبي للراحلين.. ونعوشهم مجلّدات وقصائد وروايات














المزيد.....

إحراق الكتب والكتبيين في شارع المتنبي للراحلين.. ونعوشهم مجلّدات وقصائد وروايات


قاسم محمد عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1849 - 2007 / 3 / 9 - 13:54
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لم يكن شارع المتنبي بمكتباته ووراقيه وباعة كتبه على علم بأن قوى الظلام على مشارف حصن الثقافة الأخير في بغداد، لم يعلموا انه يوم ستختلط فيه الحروف بدماء البشر، لم يتوقع احد منهم بأن فكرة الاندثار والمحو تعيد سيرتها الأولى.
الخراب الذي تحول إليه شارع المتنبي،الصورة التي غدا عليها الشارع تدفع بالموت وحده ليكون في المشهد حيث اختفت ألوان الكتب وأغلفتها إلى لون وحيد هو الموت الذي زحف نحو الكتب والمكتبات ورواد شارع، ليعلن عن اندثار كل شيء في هذا المكان.. إن الكلام عن اغتيال شارع بحجم شارع المتنبي ينقصه رثاء ثقافتنا وموتانا، أو البكاء على وجدان ثقافي تعرض للتمزق والإساءة على النحو الذي حدث..
وأنت تقف وسط هذا الشارع لا ترى إلا اختلاط الكتب بالأجساد، وتداخل الجدران بالبنايات المقابلة، لترى حجم تخلف وجهل وظلامية الهولاكيين الجدد الذين قاموا بهذه الجريمة، فمعلوم للمهتمين بالتاريخ أن مثل هذا المشهد قد تكرر كثيرا، ومحارق الكتب ومشاهدها في تاريخنا معلومة ومعروفة التفاصيل منذ حرق مكتبة (الإسكندرية) وحتى شارع المتنبي.إن القضية برمتها تنطوي على فكرة المحو، محو الفكر ومناجزته بكل وحشية ودموية..
ولكن ربما نسي هؤلاء أن فكرة المحو فكرة بمستويين اثنين الأول: يهدف إلى الإقصاء والإبادة والمحو،والثاني تكريس وإبراز في الذاكرة والواقع دون أن يدري هؤلاء أن هذه الحادثة وملحقاتها في وعي الناس،وبضمنهم أهل الثقافة والأدب والكتبية والوراقين والرواد أنهم كرسوا الشارع وحفروا ذكراه في الوجدان والوعي والقلوب إن لم يكن قد أضاف إليه تاريخا مشرفا آخر، ونقصد انه رمزياً قد تم تعميد شارع المتنبي بالدم والفكر معا بهذه الحادثة التي لن تمحو ذكراه وإنما ستجذره في ذاكرة ووعي الثقافة العراقية والعربية عموماً.
قد يتم استيعاب صدمة قتل شارع المتنبي، وقد نستطيع ولو بألم مواجهة بقايا مقهى الشابندر حيث كان يلتقي المثقفون العراقيون،قد نقدم العزاء لتلك الرفوف ولواجهة مكتبة عدنان الذي استشهد بالحادث، ولمقر مركز دراسات فلسفة الدين، ويقدم الدكتور عبد الجبار الرفاعي قرباناً للثقافة مركز دراساته الذي شيده في الشارع لينشر عبره ثقافة التسامح، وقد ينتهي مشهد مروع كهذا ببرقيات وعزاء ولافتات سود، لكنه سيشير لحقيقة أن الفكر وحده هو المقصود من حرب الظلام على الكتاب، الكتاب هو المقصود من حرب الإرهاب على العراقيين، فالفكر والكتاب هما العقدة التي تسببت بقتل السهروردي وحرق مكتبة الأزهر وأعدمت الحلاج، وأحرقت تلاً من مؤلفات ابن رشد، وغيرهم.
في كل الظروف التي مرّ بها العراق من تقلبات وانعطافات، كان المقهى ومن خلفه الشارع الممتد في ذراعين نحو شارع الرشيد من جهة ونحو سراي الحكومة من ناحية ثانية، وثالثة نحو نهر دجلة عبر سوق القرطاسية. كان نقطة تحول لإعادة إنتاج الثقافة، فقد صمد الشارع في كل تلك المحن وصار رمزاً للمقاومة الثقافية، وقدمت أجهزة الاستنساخ الموجودة في الشارع نموذجاً حقيقياً لترويج الفكر الممنوع، ونشرت الكثير من الكتب التي كانت تمنع حينها.
الفكر والكتاب اللذان كانا مركز خوف الصنم وأجهزته إلى الحد الذي خصصت فيه أجهزة القمع جلاوزتها وعيونها للمراقبة والتجسس وإلقاء القبض على عدد غير قليل من باعة الكتب هناك..أحداث مثل هذه صاغت ضمير الشارع ووجدانه المعاصر، فقد أعيا هذا الشارع النظام السابق الذي لم يكن يجرؤ على قتله في ما مضى ليعود اليوم بكل وحشية وقسوة وظلامية بلباس جديد،ليقوم بما لم ينجح به في الماضي ويقتل شارعاً واحداً، شارعاً واحداً فقط في بغداد،عدّ منبعاً للمعرفة والتثقيف والتنوير ليكتسب كل هذه السمعة والمنزلة في ضمير المثقفين عموماً.
ما نحن في مواجهته بمذبحة الدم والكتب هذه هو أن قوى التخلف والقتل والدمار تعلن عن شراهتها لاقتحام حصون الثقافة لتؤكد أهدافها التي تتلخص بمعاداة العقل والنور والكتاب. قد يكون الكلام عن مذبحة شارع المتنبي عزاء لنا ونحن نؤبن موتانا الذين يقضون كل يوم، فمنهم من مات وهو يعمل ومنهم من مات وهو في طريقه إلى الزيارة، ومنهم من مات وهو يشتري الكتاب أو يبيعه، في مجمل الأحوال سيسمح لنا شارع المتنبي اليوم أن نؤبن ونرثي موتانا، موتانا الذين كفنتهم الأفكار، وأوراق الكتب وهم يرحلون عنا عابرين نهر دجلة ونعوشهم مجلدات وقصائد وروايات وتواريخ.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -كانت تضيء الغرفة بابتسامتها-.. رصاصة تنهي براءة طفلة بعمر 3 ...
- -كمين قاتل- لجنود الجيش الإسرائيلي يُظهر تحولا جديدًا في قتا ...
- الشرع يلتقي علييف في باكو.. وحديث عن لقاء إسرائيلي-سوري على ...
- -كانوا مجرد أطفال-: أم تنعى أولادها الذين قُتلوا في غارة إسر ...
- العلاقات الألمانية الصينية بعد حادثة الليزر
- محادثة في -قمرة القيادة- تشير إلى سبب كارثة الطائرة الهندية ...
- ما حققه نتنياهو وما لم يحققه من زيارة واشنطن
- اجتماع مرتقب في بروكسل يضم وزيري خارجية فلسطين وإسرائيل
- المستوطنون يكثّفون انتهاكاتهم بالضفة وشهيد ثانٍ في رام الله ...
- أميركا تطالب اليابان وأستراليا بتوضيح دورهما إذا خاضت حربا م ...


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - قاسم محمد عباس - إحراق الكتب والكتبيين في شارع المتنبي للراحلين.. ونعوشهم مجلّدات وقصائد وروايات