نبوبولاصر الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 15:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الديمقراطية التي تحلم بها الشعوب المكبوتة عندما وصلت إلينا كانت أشبه بعلبة كبريت ما أن تقوم فئةٌ أو طائفةٌ بقدح عود واحد منها حتى تحترق أحلام جيل كامل،والحرية التي وعدتنا بها كلاب الغرب المثقفة هو أنهم جعلوا من أراذل القوم أسيادا علينا،وسلموا لهم مفاتيح بيت المال وجعلوهم الأوصياء علينا،الحرية التي كانت أغنية مقدسة تسافر على غيوم المستحيل أو بشارة إلهية تيبست عروق سنواتنا على عتابات انتظارها عندما أُتيحت لنا وجدنا أنفسنا نعبث بشرفها ونسحقها بأقدام الفوضى،فنحن أمةٌ تهذي على خرائب ماضيها المغلوط وتعيش على عفن التاريخ الملفق،نحن قوم نحلم أن نعود لبيئة الصحراء المحترقة التي صوروها لنا عالما مُتمدنا ومُتقدما،ولذلك ومنذ آلاف السنين نحن نعيش على أرض مضطربة ونقتات على الجهالة والقلق
الناس هنا يبيعون الكلام بالكلام يستمتعون بالتافهين من المجتمع ويأنسون بالخصومة والبغضاء فيما بينهم!!وما يدهشني من هولاء برغم خوفهم من الله إلا أنهم يصنعون أصناما من أمراضهم النفسية ويبقون إليها عاكفون
في هذه البلاد الصخب يشعل البيوت بالهرج والعداوة،والأسواق غاباتٌ تعجُّ بمخلوقاتٍ مشوهة،وأبسط ما تراه فيها إن الله ساقطٌ من حسابات الجميع،وإن من يحظى بسرقة صغيرة أو بعملية غشٍ حتى إن كانت تافهة فهو الذكي المحظوظ!! في هذه المدينة أرى جميع الأصدقاء يشربون من مستنقع الخيانة ويتلونون كالحرباء كلما تسوقهم المصلحة إلى فعل ذلك،وإن مهما يكذبني المعترضون ويقذفني المبخسون سوف يجدونني بصيرا برؤيتي ومخلصا لهم بما كشفت،فحينما أشرقت الحكمة على مَخابئ الإنسانية،وعصفت في الشعوب رياح التطور والتقدم،كان الناس هنا منشغلين بقياس أطوال اللُحى وشرب بول البعير،ومنغمسين في وحل الموروثات البالية التي صارت أفيونا مزمنا يتعاطونها بفتوى وتعاليم!في هذه المدينة الغني جائع والفقير كاذب وكبار السنّ أخطر من الشباب والنساء فاكهةٌ فاسدة وحتى رجال الدين قد حازوا درجة الامتياز في السرقة والدجل وأبدعوا بتقمص أدوار العهر المقدس!! بين الشوارع والتقاطعات صور متناثرة للطفولة التي يغتصبها الضياع يوميا أمام عيون القدر وضمير الإنسانية،هناك صور لأحاديث الموتى على شكل رسومات جامدة معلقة على الأرصفة والجزرات الوسطية وهي لا تقلُّ بؤسا عن مشاهد الجدران القديمة عندما ينتزع جلدها الزمن،وهناك جيوش من النفايات تحيط بنا من جميع الجوانب تتبعها أرتال من الذباب والبعوض،المبصرون عُمي عن الحقيقة والمثقفون مازالوا يلهثون خلف سراب الشهرة ويبحثون عن شيء يسدون به فراغ نفوسهم حتى تزاحموا حول هلوسات الظنون وصاروا ينعقون في كل منفذ
مشكلتنا إننا لا نفهم مشكلتنا وان فهمنا مشكلتنا تأخذنا غفوة طويلة من الجهل والتجاهل ونبقى ندور كالأبقار حول أنفسنا لعشرات السنين حتى يأتي راعٍ مستبد ليسوقنا إلى خمسين عاما تتقهقهر بنا بالقلق والعبودية،مشكلتنا أصبحت للطغاة انفراج وسهولة،نحن أناس نتمتع بعقليات ونفسيات خصبة تتفاعل مع الاختلاف والفتنة بتسارع مذهل,ونمتلك من القوة والإرهاب بما يكفي لتدمير بعضنا وإحراق الوطن بلا مبالاة!! فكلما أقلب في مشاهد هذا المجتمع وأحاول أن أجد أسباب الفوضى التي ترعاه،تأخذني غربان الأفكار وتحملني أحناش التكهنات الى أبعد من المتوقع،حيث العثور على المبادئ المتعفنة بنفوس هؤلاء الناس،والمفاهيم المصابة بشلل الغباوة مازالت ترتجف حتى انحرفت بهم عن مسار الإنسانية،ففي الغابة تتصارع الحيوانات فيما بينها للحصول على السلطة والسيادة،ويتقاتلون حتى الموت للظفر بالمغانم والغلبة،فترى كل حيوان منهم جلّ ما يتمناه هو أن يقتل من يتعارض معه وأن يخضع غريمه لسطوته وسلطانه وهذا ما ورثناه نحن البشر من الغابة وسكّانها لأننا كنا في يوم ما من أصناف تلك المخلوقات المتوحشة مشكلتنا..لا نعرف معنى أن تكون قائدا لعقلك ونفسك،وأن الفرد منا لا يتقبل أن يمسك زمام ذاته ويقود تفاصيل حياته لوحده دون إذعان!! نحن أخطر ما نشعر به هو الإحساس بالضياع وأن الفراغ الوهمي الذي يلازمنا يجعلنا أغناما بمجاميع يحدوا بنا الأحمق والوضيع،فالقادة الجبناء والأدباء التافهون ورجال الدين وحتى الفنانون والشعراء دائما ما يسقطون في شرك الوهم،ويحسبون أنفسهم وكلاء الإله على الناس،يحسبون أنهم نجوم تتألق في سماء المجد أو شموع تذوب في الإنسانية،وفي الحقيقة إنهم ليس لهم فيها،وما هم إلا أسماء طارئة تم وضعها في الأماكن الخطأ، فمنذ سقوط الدولة البابلية الكلدانية على يد الفرس وإلى هذه اللحظة وبلادنا تصاحب العاهرات وتنجب جماعات مصابين بالعمالة والولاء للغير،مشكلتنا الاعتقاد بالعجز والفشل في تدبير حياتنا اليومية والفكرية والدينية والمصيرية دون مرشد،مشكلتنا إننا منطفئون في ذواتنا ولا نسمح لعقولنا أن تُضيء الدروب المظلمة في أعماق الروح،نحن نصدق هراء الواعظين لأنهم سرقوا قيثارة الإله وصاروا يعزفون على أسماعنا لحنا طائفيا مزيفا،فهم بالنهاية يمثلون منطقا دينيا لا يمكن الاعتراض عليه أو التشكيك فيه
نحن من يصنع من الحمقى فرسانا تافهة ونرفق إليهم الأساطير والبطولات الكاذبة لأننا عندما نكذب نشعر بالطمأنينة والرضا ونضيف أمانا مغشوشا لأرواحنا الطافحة بالفراغ! مشكلتنا إننا نعبد العمائم حتى إن كان قابيل مرتديها،ونرى في رجال الدين الوصاية والسيطرة على نفوسنا وتفكيرنا وآرائنا وإرادتنا وأرزاقنا وأحلامنا ورغباتنا في حين أنه لا يمكن أن تثور رصاصة واحدة تقتل إنسانا بريئا في شتى البلدان المتدينة إلا بفتوى ومباركة رجال الدين،ونحن من نلاحق الحثالات من البشر الذين يتصدرون مواقع الشهرة والمنصات والواجهات ونلهث ورائهم بالمجان لأننا نعشق أن نكون في مواقعهم،ونتمنى أن يحدث معنا بمثل ما يحدث معهم حتى وإن كان الحدث معيبا وغير مشرف،فمن الشعراء من يضع في حسبانه إن التصفيق ومتابعات الناس له تجعله يبلغ أسباب العظمة،ومن الأدباء إنه بمجرد أن وقّع كتابا واحدا واحتاز اللقب أنه سوف يرتدي من الفخامة أجودها،وكذلك الفنانين والصحفيين والاعلاميين والمحامين والنشطاء وحتى الرسامين والتجار وأصحاب المنصات ومواقع الميديا تجدهم يتبرقعون بغلاف المصلحة وليس لديهم المانع من ارتكاب الكبائر تحقيقا للرغبة!! فوا أسفي على أولئك الصادقين منهم ويا حيرتي على المخلصين القلائل فهم غرقى في تيار التافهين ومضروبين في خلاط الفوضى مع الطارئين من البشر
ما يزعجني في هذه البلاد إنها وأهلها لم يستطيعوا التحرر من التقليد،ولم يفهموا إن استنساخ الأسلوب لا يرفع من مستوى عقولهم ولا يضيف لهم سوى إنه يجعلهم متقبلين بطالة الأفكار وتعطل الإبداع والإرادة!! التقليد في بلادنا وباء الحمقى ينتقل عبر الأجيال ويعيش في أذهاننا وطبائعنا بالوراثة،نحن نقلّد غيرنا بإيمان مطلق ونتوقع إننا بتقليدنا هذا سوف نحصل على نتائج جيدة وعلامات عالية حتى إن كانت تلك النتائج موعودة إلى المجهول،نحن نوفّر على أنفسنا الابتكار فنقلد ونقلل الساعات العمل لكي ننام ونزدحم على جروف الانتظار لنتلقّى فضلات العالم لأن من أحكم علينا بتقليده قد وضعنا بالمؤخرة وقفل على إدراكنا في مراحيض التدين
ما يزعجني عندما أسير بين حشود الناس في الشوارع والأسواق وأشاهد اكتظاظهم في الأفرع والساحات وهم منشغلون ومتعبون من أحمال الزمن وأثقال العمر،يأتون لهذه الحياة بلا هدف ويذهبون عنها دون أن يفتقدهم أحد،وكأن وجودهم لا يزيد على الأرض حملا وغيابهم لا يعني للعالم شيئا سوى أنهم كانوا نُسخا مكررة من أناس آخرين،وحتى أن لم يتم تكرارهم فإنهم سوف يقلدون غيرهم ويسيرون على خُطى العميان!! ما يزعجني إن هؤلاء الناس يعتقدون أنهم إذا استخدموا عقولهم سيقعون في الظلال،وإذا تخلوا عن تقليد أسلافهم سوف يخسرون العزة والوجاهة، وفي الحقيقة إن هذه البلاد وأهلها منذ سقوط بابل وهي بلا عزة ولا وجاهة ولا كرامة سوى أنهم يتفاخرون ويتقاتلون ويتناطحون ويشترون الأسلحة من كل حدب وصوب لقتل بعضهم
لم أكن مخطئا لو رأيت مجيء هؤلاء الناس لهذه الدنيا بلا هدف؟ فهم ماذا قدموا للعالم؟ وأين موقعهم بالنسبة لسباق الحضارات الجديد؟ نحن ظاهرة الضجيج البشري الذي ملأ الكون صراخا وفاحت منه رائحة الغباء، ونحن الذين نتخيل أننا أسياد الأرض وفي الواقع نحن مازلنا نراوح في الصف الأخير من العالم الثالث!! ما أقسى من أن تقاتل من أجل إظهار الحقيقة للغافلين الذين يجدون المتعة بالغفلة ولا يستفيقون! وإذا مسحت لهم نوافذ الحضارة لكي يروا أضواء الحرية أو بصيصا من شرف الاستقلال تجدهم يغطّون بصرهم وبصائرهم بكفوف التعنت والجهل أنا هنا ناقم بقدر ما أكون مُبينا وناقدا لأخطاء السفهاء من جماهير الآلهة،ومخالفا لكل القواعد والتعاليم التي سكبوها في إدمغتنا ولقنوها لنا عنوةً دون أن يكون لنا رأي فيها أو اعتراض عليها،أنا هنا أعلن الاحتجاج والممانعة لمفهوم التسليم والانقياد لرعاة الجهل وتجار العقول المنطفئة،ورافضا كل النظريات التافهة التي تحدثني عن فوائد الخضوع أو كيف تكون خروفا مطيعا لمن وضع نفسه وصيا علينا من قبل الأرباب وهو في الواقع أشد نفاقا وكفرا، إن هؤلاء الجماعات يهبون لأنفسهم كل خزائن البلد ويسوقون دماء البشر إلى مصير زائف دائما ما يكون على مقياس مصالحهم وأهوائهم،فعندما يشعرون إن مخالبهم بدأت تنزلق من الهيمنة على عقول الناس تجدهم يصرخون ويولولون ويبكون من أعماق عيونهم ويخرجون قميص الدين الملطخ بدماء الخديعة والنفاق حتى يصدقهم السذج ويؤمن بهم البسطاء والمغلوب على تفكيرهم مرة أخرى،وعندما يرون خروج بعض الناس على سياستهم القائمة على التدليس والترغيب والترهيب فلا مانع عندهم أن يفجّروا الشوارع والأسواق والأضرحة وبعدها يتهمون سكان المريخ!! أو يقومون بذبح الكنائس والجوامع والبيوت والأشجار والحمام والأنهار والسحاب وكل شيء يصادف طغيانهم وبعدها يظهرون أنهم دعاة السلام ومؤيدون للإصلاح
إن هؤلاء الجماعات يتوارثون بيوت المال وسياط الاستبداد وقيود المهانة والنذالة التي يمارسونها ضد البسطاء والمغفلين، ولا أُنكر إن ثلثي المخلوقات في هذه البلاد مصابة بداء الحمق والاستغفال، لا أعرف لماذا الناس هنا يكتفون بأسمال البداوة وبعض المخلفات التي يتقيؤها العالم الحديث!! لا أعرف لماذا مازالوا متمسكين بقرون الثيران الهرمة التي تركض بهم في صحراء قاحلة!!
علميني أيتها الطبيعة كيف أخدع نفسي وأصدق الوهم؟ أو كيف أكون دجاجة خاضعة لوعود الثعالب وأقوالهم عن السلام والتقدم والرفاه؟ كيف أنام وفي رأسي تدور الذكريات المزعجة والمشاهد المزيفة وكلام الوعاظ الذي تفوح منه رائحة الدجل والخداع؟ كيف أخون عقلي وأجعله يحلّق مع هؤلاء المغفلين بأجنحة من البخار والدخان وأجبره على الوثوق بنعيق الغربان؟ كيف أشرح لسكان هذه البلاد إن الحاكم يستغل جهلهم وتزداد سطوته وسلطانه كلما أغلق مدرسة أو أوقف مصنعا؟ وكيف يفهمون إن كرش السلطة يتعاظم ويكبر كلما تزداد أعداد الفقراء ويزدحم البلهاء والحمقى حول صناديق الاقتراع ليختاروا من السيئين أقذرهم ومن المخادعين أفسدهم!!هؤلاء الناس يعشقون الفوضى والهياج ويركضون جماعات وفرادى خلف التفرقة والتشتت،يتمردون على الصالح والطالح ولم تستقر نفوسهم منذ بدء الخليقة,فأن من نتائج الديمقراطية الفاشلة التي أصرعوا بها رؤوسنا ويتبجحون بها علينا هو إنهم جعلوا مجموعة من الأغبياء وقاصري التفكير ينتخبون مجموعة من السراق والنشالين,بمعنى آخر إن هناك خمسة ملايين مغفل يقررون مستقبل أربعين مليون ناقم ومحتج لأربع سنوات قادمة!!
أشعر إن سكان هذه البلاد ليسوا سكانها وإن العلاقة بينهم وبين الوطن أصبحت تقاس بالدينار والأمتار، فالولاء والانتماء والإخلاص والأمانة وحتى الارتباط والتقوى والحرص والتمسك كلهم أُصيبوا بعدوى التخلي والإهمال التي جاءتنا مع المنحرفين الهابطين من طائرات المحتل ودباباتهم الذين سرعان ما تحولوا في ليلة وضحاها من متشردين ومتسولين وجائعين وخائفين وتافهين وفاشلين ومتعفنين بين الدول إلى أنبياء وكهنة ورؤساء وقادة وسياسيين وأصحاب قرار وسلطة في هذه البلاد وبفضل جهالة أبناء القوم وسفاهة المائلين منهم حتى أرجعونا الف عام للوراء
*************************
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟