أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بكريّة - أنسنة اللّا محسوس في ديوان قيثارة الأصيل للشاعرة د. روز اليوسف شعبان















المزيد.....

أنسنة اللّا محسوس في ديوان قيثارة الأصيل للشاعرة د. روز اليوسف شعبان


محمد بكريّة

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


ما أجملَ الوطن لو اكتملتْ ملامحُه كما اشتهتْه ورسمتْه الشاعرة والناقدة الدكتورة روز اليوسف شعبان من خلال ديوانها الأخير "قيثارة الأصيل".
هذه الملامح تجعلُ من بلادنا غرناطة أو قرطبة، حيث الجمالُ والطبيعة ممتزجةٌ مع الّلحن والموسيقى العذبة المعزوفةِ على طرقاتِها، في أزقتها وساحاتِها، وقبل الخوض فيما اختمر َفي قلبي ووجداني، عليّ أن أشير إلى نقطتيْن هامتيْن كي لا يختلطَ الأمرُ عليكم:
أولًا أنا لستُ بناقد أبدًا، وعليه فإن بدر منّي ما لا يليقُ بجماليات وقواعدِ النقد ألتمسُ منكم عذرًا، النقطة الثانيّة:
لم أرتّب ما سأتلوه عليكم بموجب أسس النقد، لأني سأسوقُ محتوى هذه المداخلة التي دوّنتُها كمتلقٍ وشاعر، وليس كناقدٍ أو باحث.
لا أخفي أنّ شاعرتَنا نجحتْ وأيّ نجاح بآلياتِها الإبداعيّة القصائديّة، نجحتْ في التسلّل إلى وجداني وتمكّنت من استمالتي إلى عمق هذه الحديقّة الغنّاء، المضمون يسحبُك بسلاسة وخفّة ، خَدِر الأوصال إلى هذه الحديقة، نعم هي حديقة تجدُ فيها ما يمتّع النظر ويُسعد القلب، قد جمّعت روز اليوسف كلّ ما تشتهي العين والروح، وأقولُ الروح لأنّ ما تراه العين وحده ليس كفيلًا بجعْل المرء مغتبطا سعيدا، بل السعادة تكمن أكثر في استجابة وتفاعل الروح مع ما تحتضنُه هذه الحديقة ، فتجدُ فيها ألّلحن، الموسيقى ، النغم الشفّاف العذب، الورد، الزهر ومكوّناتٍ أخرى خلقها الله وأوجدها لتكتمل بها الدنيا وتتفتّقُ الحياةُ بالجمال، أمّا ، كيف نجحت الشاعرة في تذويت هذه الأشياء المرئيّة والمحسوسة في حديقتِها ذات الرونق الأخّاذ فالجواب ليس صعبًا ، وقد اهتديتُ إليه سريًعا، ببساطة ، الشاعرة تملكُ ثروةً حسيّة وشاعريّة صادقة وليست مختلَقة أو مصطنعة، وتتمتّعُ بمنسوبٍ عالٍ من صدقِ الإحساس، الصدق في ما تشتهيه وتريده، الصدق في التطلّع والفراسة ، الصدق في حبّ الدنيا وجمالياتِها، كل ذلك جعل خيالَها يسبح في فضاءاتٍ إبداعيّةٍ ساحرة." أقتبس من قصيدة " في موطني"
"في موطني"
في موطني شجنٌ يجتاحُني ألمٌ
ما زالَ في بلدي يا صاحبي أملُ
قيثارتي سهرٌ أوتارُها نغمٌ
في شدوها قبسٌ في عزفها غزلُ
ألحانُها لغةٌ في حرفها وصبٌ
أشدو بها شغفًا في لحنها قُبَلُ
دعْني هنا وتدًا مستمسكًا أبدًا
يا لائمي عبثًا في موطني رُسُلُ
قد كان في سفري يا قاتلي قمرٌ
يرنو إلى بلدي في نورهِ غزلُ
أحلامُنا عبرتْ في روحِنا سكنتْ
يا ليتها مكثتْ في القلب تشتعلُ..
الهمُّ الفرداني الذي يعكسُ الهمَّ الجمعي يظهرُ جليّا واضحًا في هذه القصيدة، فالشاعرة تعبّر عن واقعٍ طافحٍ بالألم، وفي ذات البيت الشعري لا تتخلى أو تتنازل عن ضخّ الأمل في حياة أبرأ وأسهلَ وأمتعَ وأطهر.
قيثارة، وتر، نغم، قمر، عزل، مكوّنات روحيّة غير مرئيّة ساقتها الشاعرة لتعبّرَ عن روحِها التوّاقة إلى كلّ جميل، إلى الوطن المنشود المشتهى. وأتوقف عند الشطر الأول: ما زال في بلدي يا صاحبي أملُ، بمعنى لا تيأس أيّها القارئ ولا تَقنط من بزوغِ الأمل وانبعاثِ الفرح بالرغم من الخطوب والمآسي التي تنوء تحت كلاكلِها، فلا يصيبنّك اليأس والإحباط..

كذلك قصيدة "في مدينتي"

في مدينتي!
في مدينتي التي نَسِيَها التاريخ
مكانٌ للفرح.
وآخرُ لسرد الذكريات.
طريقٌ تتعانقُ فيه
ملامحُ الذكرى
تورقُ البسمات.
في مدينتي التي نَسِيَها التاريخ
مكانٌ لطائر الّلقلق
وآخرُ لقبّرةٍ تغفو
في جناح الليل.
وبين الفينة والفينة
تتعانقُ نظرتان
تفيضُ دمعتان
تتهامسُ شفتان
وتطفو على ستار الليل
قُبلتان..
"في بلادي التي نسيها التاريخ مكان للفرح "هنا نلمس النبرة الوطنيّة، تشكو الشاعرة من نسيان التاريخ لبلادِها وتنصّلِ جهاتٍ كثيرة للبلد ولتاريخِها، وهذا أمرٌ مؤلمٌ وخطيرٌ لأنّ نكران الوطن هو نكران للهويّة التاريخية والحضاريّة والقوميّة، لكن مع ذلك هناك مكانٌ للفرح، الشاعرة ليست سوداويّة أبدًا ولا صوفيّة عازفة عن الفرح ليست غارقةً في الهمّ الفرديّ والجمعيّ وهي ليستْ بمعزل عن الوعيّ والإدراك، بل تحملُ مصباحًا تضعه في مشكاة لينيرَ السبيل أمام من فقدوه وضلّوا الطريق من قساوة الأيام وهمومِها..
" تورقُ البسمات " " مكانٌ لطائر الّلقلق واخر لقبّرة تغفو في جناح الليل. الله الله........ ما هذا المشهد العابق بالرومانيسيّة المعجونة بالجمال الطبيعي المكتسَب وليس المستهلك.

----- الشاعرة أجادت بذكاء توظيفَ الأشياء الحسيّة، وبعض المخلوقات المألوفة لخدمة غرضِها الأدبيِّ الإنسانيِّ فقد استوقفتني أنا المتلقّي جماليّةٌ أدبيّة وهي " جعل الأشياء إنسانيّة" أنسنة الأشياء" فقد زرعت فيها روحًا وصارت تشعر وتتحرك وتتفاعل كالإنسان أو أي مخلوق صاحبِ حسٍّ وشعور..
مثال على ذلك:
وبين الفينةِ والأخرى
تتعانقُ نظرتان.
تفيضُ دمعتان.
تتهامسُ شفتان.
وتطفو على ستار الليل
قُبلتان..
عناق الأعين، همس الشفاه، كأنّ العيْنَ كائنٌ كاملٌ ومتكامل، كذلك الشفاه..



----الشغف للحياة والجمال يبرز في غالبية قصائد الشاعرة كذلك خواطرِها الشعرية، فنجدُه قد تذكّى واستعر.
الإحساسُ القويُّ للشاعرة بجمال الأمكنة وتوقُها لشفافيّة الروح والنفس أخذها بعيدًا دون أن تدري أو تتعمّدَ رسمَ الكلمات، فقد تفتّقت الكلمة من تلقاء نفسها ، من مشاعر الشاعرة، من أصالةِ ونقاءِ الروح والخيال، حتى وجدتْ نفسها تتعاطى وتتعامل مع الّلامحسوس على أنه قائمٌ ومرئيٌّ وملموس، أعني تنطيقَ غِير المنطوق وزرعَ الأحاسيس في الّلامرئيّ، وخيرُ دليل على ذلك ما ورد في قصيدة " على الشاطئ"

على الشاطئ
نسماتُ البحر
تداعبُ خصلاتِ شعري.
تنسدلُ على وجهي
تلامسُ أطرافُها جفنيَّ.
تدغدغُ وجنتيّ
أنتشي فرحًا
وأحلم...
قدماي الحافيتان
تغوصان في الرمال
عيناي إلى الأفق البعيد
ترنُوان.
أمواجُ البحر تغازل قدميّ
تداعبهما برشاقة.
تتراجعُ قليلا
ثمّ تُعيد الكَرّةَ
وتنحسر..
مغازلةُ أمواج البحر لقدميْها، دغدغةُ نسمات البحر لوجنتيْها.

كذلك هو الحال في مخاطبتها للبحر في قصيدة
" أيّها البحر".
وقصيدة " لا تُطلْ الغياب""

أيّها الفجرُ القابعُ خلفَ الغمام
لا تُطِلِ الغياب.!
فهذه النفوسُ أعياها الظلام.
يقول جدّي: لا تُسدلوا الستائر!
أنيروا الصباح!
دعوني أرى الفجر!
فأنا لن أرحلَ
قبل أن تُقبّلَ البلابلُ
ثغورَ الأقاح
تقول جدتي: احفظوا الزيتَ في الخوابي،
راقصوا السنابلَ في البيادر
هلّلوا للحق!
صفقوا للخير!
انشدوا للحب!
راقصوا الزمان!
فأنا لن أرحل قبل أن تهيمَ الوردةُ بالكمان.
تقول أمي: لم اكتبِ اليومَ قصيدة
وما قرأتُ أمسِ في الجريدة
غَشِيتْ الظلمةُ عينيّ
سكنني الأرقُ
وغادرتني السكينة.
ألا يا فجرُ اقْبِل إليَّ
دعْ نورَك يستوطن جِفنيَّ
دعْهُ يتعمّدُ بدموع عينيَّ..
هنا تجلّت مخاطبةُ الفجر القابع خلف الغياب، مونولوغ مسرحي أدبيّ، أو لنقل " ابتهال"، فمخاطبةُ الغيب واستعراضُ شكوى الروح والقلب لهذا الغياب وكأنه شخصٌ ماثلٌ أمامها تشكو له حالَها حينما تقول: فهذه النفوس أعياها الظلام..

نبرة الأمل تتجدّدُ فهي غيرُ ولا منقطعة أبًدا في قصائد الشاعرة:

يقول جدّي: لا تُسدلوا الستائر!
أنيروا الصباح!
دعوني أرى الفجر!
فأنا لن أرحلَ
قبل أن تُقبّلَ البلابل
ثغور الأقاح.
يقول جدي لا تسدلوا الستار، أمام الدنيا وجمالِها، أنيروا الصباح. ما أروع هذه الأماني المعجونة بخيال شاعريّ وتشبيهات حاذقة.
" لن أرحل قبل أن تُقبّل البلابلُ ثغور الأقاح.
تجعل الطير يتصرف كالإنسان، قبلة البلبل للأقاح، هل هناك قبلة أبرأ وأطهر وأنعم وأسمى من هذه القبل؟؟؟؟


كذلك قصيدة أيتها الريح

أيّتها الرّيحُ!
خذي مني البذورَ!
انثريها في السهول!
في الجبال، في البيادر والحقول
فقد يلتقطُها طائرٌ مهاجرٌ
أو آخرُ آيبٌ.
كنت قد تحدّثتُ عن الأنسنة، وهذا أنموذج أخر لأنسنة الأشياء والجماد ومكونات الطبيعة..
الشاعرة تخاطب الريح وتطلب منها نثرَ البذور، وأي بذور " بذور الأمل والخير والمحبّة، فالريح أسرع من أي شيء في نشر الأشياء وتعميمِها، وعليه اختارت الريح لنشر بذور الأمل والمحبّة، فالشاعرة تريد لهذا الانتشار أن يكون سريعًا وواسعًا، وعليه توجّهت إلى الريح وليس لشيء آخر، اختارت الريح وخاطبتها كما لو كانت تخاطب صديقة أو شخصيّة أخرى..
أرجو أن تستجيبَ الريح لطلبِك دكتورة روز، وأن تنشرَ هذه البذور بسرعة وعلى مساحاتٍ ضخمة كي تتفتقَ هذه البذور لتنموَ وتُخرجَ سنابل وزرعًا، حَبًّا وحُبًّا..
لك منّي خالصُ احترامي وتقديري على هذا الإصدار العابق بكافة مركبّات الجمال، الجمال المرئي والمحسوس، الشكلي، والروحي، والعاطفي..
أدامَك الله وأدام عطاءَك لما فيه خيرُ مكتبتِنا الأدبية ومتعتِنا الفكريّة والروحيّة.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لماذا تراجع نفوذ مصر القديمة رغم آلاف السنين من التفوق الحضا ...
- موريتانيا تطلق الدورة الأولى لمعرض نواكشوط الدولي للكتاب
- انطلاق الدورة الرابعة من أيام السينما الفلسطينية في كولونيا ...
- سطو اللوفر يغلق أبواب المتحف الأكبر وإيطاليا تستعين بالذكاء ...
- فساتين جريئة تسرق الأضواء على السجادة الحمراء بمهرجان الجونة ...
- ورشة برام الله تناقش استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار ...
- أسماء أحياء جوبا ذاكرة نابضة تعكس تاريخ جنوب السودان وصراعات ...
- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بكريّة - أنسنة اللّا محسوس في ديوان قيثارة الأصيل للشاعرة د. روز اليوسف شعبان