أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - أحمد زكي عثمان - سجن أبو غريب فى ذكراه الثانية















المزيد.....

سجن أبو غريب فى ذكراه الثانية


أحمد زكي عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 1830 - 2007 / 2 / 18 - 05:22
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


سجن أبو غريب هو السجن الأشهر ليس في عالمنا العربي فقط بل علي وجه البسيطة، لا يدانيه في الشهرة أي مكان احتجاز في العالم سوي معتقل يقع في الأراضي الكوبية تحت سيطرة أمريكية مطلقة هو معتقل جوانتانامو.
ولسوء حظ السجون العربية فقد خطف سجن أبو غريب الأضواء عنها، فلفترة طويلة من الزمن طبقت أسماء بعض السجون العربية الآفاق، وحيكت حولها الأساطير، وظلت لردح من الزمن مادة خصبة للأدب العربي الحديث، شعرا كان أو رواية. وقد مثلت السجون موضوعا متميزا في الأدب العربي، وما كان لمفردة مثل "أدب السجون" أن تحظي بشرعية التواجد في خريطة الأدب الا لصدق ما تحويه من تجربة تظل هي الأكثر قسوة في تجارب الحياة.
.سرديات السجون في الأدب العربي لا تعد ولا تحصي، ويكاد يكون لكل بلد عربي تميمته من أدب السجون، دشن صنع الله إبراهيم سردية كاملة عن السجن في «تلك الرائحة» في عام 1966و عاد بعد ثلاثة عقود ليكتب سردية أخري عن السجن في رواية "شرف"، وكتبت نوال السعداوي رائعتها "مذكراتي في سجن النساء" لتقتحم منطقة جديدة عن النساء في المحبس الذكوري، مرورا برائعة الراحل عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط" والتي تعد أبرز المحطات الروائية الخاصة بالسجون العربية.
"شرق المتوسط"رواية فريدة وتعكس درجة النضج الكبير للرواية العربية، بداية الرواية ببساطة كانت في الاستهلال بسبعة مواد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو إعلان ظل لفترة طويلة من الزمن مثار إهمال النخبة المثقفة العربية، وكان مما أورده منيف في هذا السياق المادة الخامسة من الإعلان والتي تنص علي "لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة."
جدران السجن التي احتوت بقسوتها "رجب" بطل سردية عبد الرحمن منيف هي جدران لسجن مجهول الاسم يمكن أن تجده ببساطة في أي بلد عربي من المحيط الي الخليج،في سوريا تحت اسم سجن تدمر أو في السودان تحت اسم سجن كوبر، وفي مصر تحت اسم طرة أو أبو زعبل أو حتي القلعة، هذا الأخير مثلا لم تستح جدرانه أن تضم بين جنباتها طلاب المدارس الثانوية والذين خلدهم «نجم» في قصيدة شهيرة قال فيها "صباح الخير علي الثانوي وأهلا بيكو في القلعة".
مشاعر رجب في شرق المتوسط، وحلم "نجم" الخاص بـ "الورد اللي فتح في جناين مصر " ضاعت جميعها بفضل السطوة التي مثلها أبوغريب،لا نعلم حجم الكتب التي تم تأليفها عن أبو غريب ولا كم التقارير التي فصلت الانتهاكات التي حدثت، كل ما هنالك أن سجن أبوغريب استطاع أن ينتزع من السجون العربية سجلها المشرف في سحق البشر.
لقد انتابت الجميع حالة من الغضب المكتوم وإن كان بدرجات مختلفة، فقد دارت نقاشات ممتدة ولا متناهية حول سجن أبو غريب وللأسف الشديد لم يدفع أحد بالنقاش إلي الأمام، وظل تناول مأساة أبو غريب أسير مسارين لا ثالث لهما:
> مسار يعبر عنه الفرد العربي الساخط من جراء المشاهد المهينة والقصص المرعبة عن معاملة السجناء.
> مسار النظم العربية والتي استراحت كثيرا لهذه المشاهد، فهي ليست استثناء في هذا الإطار، ومن ثم وفر سجن أبو غريب حجة للنظم العربية لكي تسخر من مبادرات الإصلاح التي كانت تمطر علي الأراضي العربية..
للأسف الشديد لم يتطور النقاش إلي قضية يفترض أنها قضية إجماع لدي جميع المواطنين في الدول العربية عامة، لقد كان من الممكن استثمار أبو غريب للدفع بعدم "أخلاقية " التعذيب سواء جاء من نظم عربية أو من قوات الاحتلال، لكن للأسف ما حدث هو تصاعد حالة من الخطابية الرنانة والتي صبت جام غضبها علي الاحتلال الأمريكي وبدا واضحا أن المستفيد الأول من هذه الخطابية هي السجون العربية والنظم التي أنشأتها.
للأسف الشديد فقد ضاعت منا فرصة ذهبية لتدشين حوار جاد حول التعذيب وحول السجون، فالتعذيب في الأساس قضية أخلاقية، إنها عصف بمبدأ الكرامة الإنسانية الذي يعد أحد المرتكزات الأساسية للأديان والتي يمكن القول إنها جعلت مفهوم الكرامة أمرا لازما لقيام الجماعة الإنسانية. وقد جاء مفهوم الكرامة في القرآن الكريم جامعا للبشرية "و لقد كرمنا بني آدم...»، والنتيجة المنطقية لشمول الكرامة هو شمول من ينتهك هذه الكرامة، لأنه ببساطة لا توجد فروق بين من يعذب سواء كان عربيا أو أمريكيا.
التاريخ المراوغ لأبو غريب
سجن أبو غريب عبارة عن مبني ضخم يقع غرب العاصمة بغداد، تم بناؤه في فترة الستينات علي يد مقاولين بريطانيين، وقد حظي بشهرة عالمية عندما تم استخدامه للتنديد بممارسات صدام حسين وجمهورية الخوف التي بناها. كتب سيمور هيرش الصحفي الأمريكي المرموق أن سجن أبو غريب قد استضاف مرة ما يقرب من 50 ألف سجين بين جنباته. وفي أحد البرامج علي قناةCBS قال بوب باير Bob Baer العميل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA والذي عمل في بيروت في فترة الثمانينات ثم لاحقا في العراق: " لقد زرت أبو غريب بعد يومين من تحريره ، لقد كان أكثر الأماكن التي رأيتها في حياتي رعبا، وقلت إذا كان هناك سبب واحد للتخلص من صدام فهو أبو غريب.." ثم استطرد باير راسما صورة بشعة للسجن والأجساد المتآكلة بفعل الكلاب والتعذيب".
لكن السجن تحول بشكل دراماتيكي ليكون جزءا من الحملة العالمية للتنديد ليس بصدام هذه المرة ولكن بالاحتلال الأمريكي الذي غير اسم السجن ليصبح "مركز بغداد التأديبي"بدلا عن سجن أبو غريب.
أبو غريب: السردية الأمريكية
بدأت القصة عندما قام أحد الجنود الأمريكيين المتورطين في فضيحة الصور ويدعي "تشارلز جارنر"Charles Graner باستعراض بعض الصور أمام أحد زملائه ويدعي "جوزيف داربي" Joseph Darby " ، لكن جوزيف داربي ببساطة لم يكن علي شاكلة جارنر، فعلي الرغم من أن داربي أتي للعراق محملا بالدعاية الأمريكية الخاصة بتحرير العراق من الطاغية صدام حسين، الا أن داربي كان يعطي وزنا كبيرا لقوانين الحرب، وعلي هذا الأساس قام داربي في يناير 2004 بالإبلاغ عن أفعال وصفها بأنها أفعال حاطة بالكرامة الإنسانية وأعمال تعذيب يمارسها الجنود الأمريكيون ضد السجناء العراقيين. ثم شهد لاحقا ضد زملائه تشارلز جارنر وليندي إنجلاند المجندة صاحبة الصورة الشهيرة والتي فيها تمسك بحبل ربط به سجين عراقي ملقي بلا حول له ولا قوة علي الأرض وأضحت المسألة الآن مسألة وقت حيث لم يستغرق الأمر طويلا فصدر قرار قائد قوات التحالف الجنرال ريكاردو سانشيز Ricardo Sanchez في 19يناير 2004 بفتح باب التحقيق في ادعاءات داربي، بحيث تشمل الفترة الزمنية التي يعالجها التحقيق الفترة من 19 نوفمبر 2003 حتي يوم صدور قرار التحقيق في 19 يناير 2004(أي ثلاثة أشهر فقط)، وكلف سانشيز في 31يناير 2004 الجنرال أنطونيو تاجوبا Antonio Taguba الفلبيني الأصل بتولي مهمة التحقيق في مجموعة من العناصر المحددة التي تم صياغتها بناء علي البلاغ المقدم من جوزيف داربي وهذه العناصر هي:
1 ـ التحقيق في الوقائع والظروف الخاصة بمزاعم سوء معاملة السجناء في سجن أبو غريب.
2 ـ التحقيق في أشكال المحاسبة الخاصة بالوقائع التي ذكرها داربي.
3 ـ التحقيق في سياسات التدريب والتوظيف والمعايير وطريقة إصدار القرارات وما إذا كانت ملائمة أم لا.
4 ـ التحقيق في كل المزاعم حول الانتهاكات مع تقديم التوصيات.
ظهرت نتيجة التحقيق في أبريل 2004 من خلال تقرير طويل نسبيا مكون من 53 صفحة،أطلق عليه إعلاميا تقرير تاجوبا. كانت النتيجة الرئيسية العامة التي خلص إليها التقرير أن "العديد من أفراد قوات حرس الشرطة العسكرية (السرية 372 شرطة عسكرية، من الكتيبة 320 شرطة عسكرية، اللواء 800 شرطة عسكرية) قد مارسوا مجموعة من الانتهاكات الجسيمة بصورة منهجية ضد السجناء للمحتجزين في الطابق 1- أ من سجن أبو غريب".
و فصل التقرير أنه بين أكتوبر وديسمبر 2003 تعرض العديد من المحتجزين إلي أشكال متنوعة من الممارسات السادية والعنيفة والتي تحمل جميعها طابعا جنائيا. التقرير أشار ببساطة إلي أن مصدر المعلومات الرئيسي كان شهادات المعتقلين والصور الفوتوغرافية.
ورصد التقرير مجموعة متنوعة ومختلفة من الانتهاكات، أكثر من 10 أنواع من الممارسات المنهجية للتعذيب وإساءة استخدام السلطة بشكل يخرق القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، وتنقسم هذه الممارسات الي ممارسات جمعية أي أن أفعال التعذيب لحقت مجموعة من السجناء وليس فردا واحدا.. ورصد التقرير هذه الأشكال المريعة مثل ركل المعتقلين وضربهم والضغط علي أصابع أقدامهم، وإجبارهم علي اتخاذ أوضاع جنسية مختلفة ثم تصوير هذه المناظر، إجبارهم علي خلع ملابسهم تماما وإبقائهم عراة لعدة أيام، إجبار المعتقلين الرجال علي ارتداء ملابس داخلية نسائية والسخرية منهم، إجبارهم علي ممارسة العادة السرية بشكل جمعي وتصويرهم، وضع السجناء العراة في شكل هرمي ثم القفز فوقهم، استخدام الكلاب البوليسية لإلقاء الرعب في نفوس المعتقلين، وقد تعرض معتقل واحد علي الأقل لجرح قاس من جراء هجوم كلب عليه، وكذلك القيام بتصوير بعض الجثث العراقية.
كذلك هناك أربع حالات تعذيب تعرض لها سجناء فرادي مثل الصورة الشهيرة التي تم فيها إجبار معتقل علي الوقوف علي صندوق صغير وقد وضع علي رأسه كيس رمل ووصل أصابع يديه بسلك موصول بالكهرباء. كذلك حالة أحد المعتقلين والموجه له اتهام باغتصاب فتاة وذلك عن طريق إجباره علي كتابة "أنا مغتصب" علي رجله وتصويره عاريا، ثم الحالة الثالثة والتي قامت ببطولتها المجندة ليندي إنجلاند من خلال قيامها بلف رقبة أحد المعتقلين بقيد كلب "أو سلسلة"،ثم الحالة الأخيرة قيام أحد الجنود بإجبار إحدي الفتيات المعتقلات علي ممارسة الجنس معه.
و بناء علي التحقيق فقد ذكر التقرير 6 أسماء يحتمل بدرجة كبيرة تورطهم بشكل مباشر في هذه الممارسات وبناء عليه تم توجيه مجموعة من التهم إليهم مثل استخدام القسوة في معاملة المعتقلين وسوء المعاملة وغيرها. إلا أن الإدارة الأمريكية التزمت الصمت في البداية، ولكن دخل الإعلام سريعا كطرف مفصلي في رواية أبو غريب،و كانت الفرصة سانحة لأجهزة الإعلام لأن تقوم بدور تاريخي في الكشف عن حقيقة تلك السردية البشعة.
دور الإعلام
في هذا المضمار ينبغي ذكر مجموعة من الملاحظات الخاصة بالإعلام الدولي سواء كان الأشكال التقليدية منه مثل التليفزيون والصحف أو من خلال الدور الإعلامي للمنظمات الحقوقية الدولية.
لقد كان لجهاز الإعلام دور في فتح بعض الملفات الخاصة بالتعذيب خلال فترة الحرب علي أفغانستان ويذكر بالطبع إشارات النيويورك تايمز في مارس 2003 عن سوء المعاملة في أفغانستان، وإشارة وكالة الأسوشيتدبرس في يناير 2004 عن بعض ممارسات تعذيب ضد المشتبه فيهم في العراق والتي تمت معاقبة مرتكبيها في العراق.
لكن أول الإشارات التفصيلية عن أبو غريب قبل فضيحة أبريل 2004 كانت مع تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 18 مارس 2004، والذي جاء متزامنا مع مرور السنة الأولي لاحتلال العراق، ركز التقرير علي مجموعة من الانتهاكات المنظمة في العراق مثل قتل المدنيين والعنف ضد النساء ومداهمة المنازل والاحتجاز غير القانوني، وفي هذا الانتهاك الأخير ركز التقرير علي "مركز بغداد التأديبي" والذي كان يحمل اسم سجن أبو غريب في عهد صدام حسين، لقد أشار التقرير بأمانة الي بعض الشكاوي التي تلقاها "المركز الدولي لمراقبة الاحتلال" والخاصة بوجود مجموعة من المعتقلين بشكل غير شرعي في أبو غريب، وكما أشار التقرير أيضا فهناك ما يقرب من 8500 معتقل حسب معلومات نشرتها "سلطة الائتلاف المؤقت"، ثم تطرق التقرير لوصف ظروف أماكن الاحتجاز (و منها أبو غريب) علي أنها ظروف قاسية وهناك دلائل عدة علي حالات متعددة للجوء المحتجزين الي الإضراب عن الطعام بسبب هذه الظروف.
تقرير منظمة العفو الدولية رغم السبق الذي مثله إلا أنه لم يحط بحجم الكارثة.
أما بالنسبة للصحافة، فقد اتسمت معالجات الصحف والمجلات "الغربية" بإسهام واضح في تركيز المناقشات حول أبوغريب من خلال فضح الممارسات وتقديم البدائل. فمثلا في السادس من مايو 2004 ظهر غلاف مجلة الإيكونوميست البريطانية التي ساندت ترشيح جورج بوش، وعليه صورة المعتقل العراقي الواقف علي الصندوق وتم ربط أصابعه بأسلاك كهربية وقد كتب علي الغلاف "استقيل يا رامسفيلد"، وذكرت المفارقة الخاصة برامسفيلد والذي جاءت حرب العراق كمبادرة منه ولم تكن بمبادرة من صدام حسين، وعجبا لرواية أبو غريب عندما تصطدم بادعاءات رامسفيلد عن الحرب علي العراق عندما وصفها رامسفيلد أنها حرب القانون، الديموقراطية والحرية والأمانة.،وفي مجلة نيويوركر كتب الرائع سيمور هيرش ثلاثية مقالاته الرائعة عن أبو غريب في مايو 2004 والتي حملت إدانة غير مسبوقة لقوات الاحتلال.
يؤسفني هنا القول إن الإعلام العربي كان ظلا مشوها لما تناوله الإعلام العالمي، يمكن للمرء متابعة الخطاب الإعلامي العربي خصوصا الصحف في شهر مايو 2004 (وهو شهر الصدمة بالنسبة للفضيحة)، ليكتشف أن الصحف كانت غائبة بشكل واضح عن الحوار، وعلي الرغم من النبرة شديدة اللهجة التي أبدتها الصحافة العالمية الا أن الصحف العربية انتظرت قليلا لتري ماذا تكتب وكيف تخطط لاتجاهات النقاش حول أبو غريب.
استقالة رامسفيلد
الفصل قبل الأخير في سردية أبو غريب كان في النتائج، لم يستقل رامسفيلد كما دعته الإيكونوميست، ولم ينته الاحتلال،لكن تم إغلاق أبو غريب في أوائل هذا العام، وبداية من أكتوبر 2005 جرت 65 محاكمة عسكرية لجنود أمريكيين وتراوحت الأحكام بين إجراءات تأديبية لا تنطوي علي الحبس وبين السجن لمدة 10 سنوات فحكم علي تشارلز جارنر Charles Graner في يناير 2005 بالسجن 10 سنوات، وحكم علي إيفان فريدريك Ivan Frederick في أكتوبر 2004 بالسجن ثماني سنوات، وفي مايو 2005 حكم علي سابرينا هارمان Sabrina Harman بالسجن 5 سنوات وفي سبتمبر 2005 حكم علي ليندي إنجلاند Lynndie England بالسجن ثلاث سنوات.
لقد سبق لتوني بلير أن قال في مجلس العموم البريطاني بقوة وثقة " أن هذه الجرائم يمكن أن تحدث في النظم الديموقراطية والفارق هو أن يتم الكشف عن هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها". توني بلير مفرط في الثقة، ولا يستطيع أن يفسر لنا لماذا ظل الضباط الأمريكيون ذوو الرتب العالية بعيدين عن التحقيقات. ولا يستطيع أن يفسر أيضا لماذا قبل حوالي ثلاثة أشهر(يناير 2005) نشرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية تقريرها الصادم الذي أشار الي أن العراق يشهد تصاعد وتيرة التعذيب وسوء المعاملة ضد المعتقلين لدي القوات الحكومية العراقية، وقد توصلت المنظمة الي هذه النتيجة بعد مقابلات شخصية مع 90 معتقلا حاليا وسابقا كشف معظمهم (72 حالة من ال 90 حالة التي تمت مقابلتها) عن تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء فترة احتجازهم وحتي الآن لم تقم الحكومة العراقية أو القوات الأمريكية باتخاذ أي إجراءات للتصدي لهذا النمط من الانتهاكات، ولحماية المعتقلين من التعذيب وسوء المعاملة.
و كشفت جريدة الواشنطن بوست الأمريكية يوم الاثنين 24أبريل الماضي عن أن هناك حالات جديدة للتعذيب في العراق، وكان أخطر ما أشارت إليه الصحيفة هو دخول المتغير الطائفي في ممارسات التعذيب، حيث لم يعد التعذيب حكرا علي القوات الأمريكية فقط، بل إن هناك أدلة قوية علي تورط عناصر وزارة الداخلية العراقية من خلال وزير الداخلية في حكومة الجعفري بيان جبر صولاغ (الشيعي) وعناصر الشرطة العراقية والتي يسيطر عليها عناصر شيعية تنتمي الي المجلس الأعلي للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم، جدير بالذكر أن بيان جبر صولاغ هو أحد قادة المجلس الأعلي للثورة الإسلامية.
علي الرغم من هذا الوضع المأساوي تبقي المقارنة مشروعة بين سجوننا وسجن أبو غريب، المقارنة شيقة للغاية، وذلك لأنها مقارنة بين عالم الحقيقة وعالم تخيلي في الأدب أو السينما، فمثلا انفجرت فضيحة أبو غريب من خلال بلاغ جندي أمريكي ضد زميله، ولا أظن أن في ذاكرتنا مثيل لهذه الحادثة في عالم الواقع، لم يسبق لنا أن شاهدنا شخصا يبلغ ضد زميل له خرق القانون أو حتي يحتج، أقرب الأمثلة كانت في فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" عندما عبر جمال إسماعيل عن غضبه لكذب سعيد عبد الغني مدير السجن، ورغم أن "إحنا بتوع الأتوبيس" يعبر عن معالجة "ساداتية" للتعذيب في العصر الناصري، الا أن العصر الناصري كان مجرد مشهد في رواية التعذيب المصرية سبقته فصول دموية ولحقته فصول أكثر دموية.
سيكون علينا هنا أن نبدأ من مسلَّمة "و لقد كرمنا بني آدم"، لندفع بعدم أخلاقية التعذيب سواء جاء من المحتل أو من بني الوطن، فوطن مستقل تنتهك فيه كرامة البشر لا يختلف كثيرا عن وطن محتل تنتهك فيه السيادة. فكرامة البشر أسبق وأبقي من سيادة الدول.
نشرت فى جريدة القاهرة ،



#أحمد_زكي_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اعتقال 100 طالب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة بوسطن
- خبراء: حماس لن تقايض عملية رفح بالأسرى وبايدن أضعف من أن يوق ...
- البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم -المثلية الجنسية-
- مئات الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن الأسرى بغزة ...
- فلسطين المحتلة تنتفض ضد نتنياهو..لا تعد إلى المنزل قبل الأسر ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون نتنياهو بإعاد ...
- خلال فيديو للقسام.. ماذا طلب الأسرى الإسرائيليين من نتنياهو؟ ...
- مصر تحذر إسرائيل من اجتياح رفح..الأولوية للهدنة وصفقة الأسرى ...
- تأكيدات لفاعلية دواء -بيفورتوس- ضد التهاب القصيبات في حماية ...
- خبراء ومحللون: فيديو الأسرى الذي بثته القسام مهم في توقيته و ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - أحمد زكي عثمان - سجن أبو غريب فى ذكراه الثانية