أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي قرّه - الكتاب المقدّس محور الأدب والفن الغربي















المزيد.....

الكتاب المقدّس محور الأدب والفن الغربي


سامي قرّه

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 14:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أ‌. سامي قرّه:
الكتاب المقدّس محور الأدب والفن الغربي ولم يحتل مكانة مماثلة في الثقافة الشرق أوسطية

نشأ الكتاب المقدّس بعهديه: العهد القديم الذي تشكّل في إطار ديني وثقافي خاص بين بني إسرائيل، والعهد الجديد الذي دوّنه المسيحيون الأوائل، ضمن سياق الشرق الأدنى القديم، في مناطق تشمل اليوم فلسطين وسوريا وبلاد ما بين النهرين ومصر. وقد كُتبت نصوصه الأولى بالعبرية والآرامية، في حين كُتب العهد الجديد أساسًا باليونانية. ومن منظور جغرافي، فإن أصول الكتاب المقدّس شرقية خالصة: القدس، والجليل، وبلاد ما بين النهرين، ووادي النيل. وبناءً على هذه الأصول، قد يُفترض أن يكون أثره الثقافي الأكبر في الشرق الأوسط، غير أن مسار التاريخ يروي قصة أخرى: إذ غدا الكتاب المقدّس المصدر الرئيسي للفن والأدب الغربيين، بينما اقتصر حضوره في موطنه الأول على دوائر محدودة وفي إطار دوائر دينية وثقافية معينة.
تطرح هذه الحقيقة سؤالًا جوهريًا يستدعي التأمل: كيف أصبح كتابٌ مقدّسٌ نشأ في الشرق الأوسط حجر الزاوية في الخيال الثقافي الغربي، في حين ظلّ أثره في الفنون والآداب في الشرق الأوسط أضيق نطاقًا؟
تكمن الإجابة في تفاعل مجموعة من التطورات التاريخية والدّينية والثقافية. فقد ظهرت المسيحية بدايةً كجماعة دينية صغيرة ذات جذور يهودية في فلسطين، ثمّ ما لبثت أن انتشرت بسرعة في أقاليم الغرب الهلنستي والروماني. وبحلول القرن الرابع الميلادي، ومع اعتناق الإمبراطور قسطنطين للمسيحية، غدت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، الأمر الذي مثّل تحوّلًا تاريخيًا ذا أثر بالغ.
لم يكن هذا التحوّل مقصورًا على بُعد سلطوي، بل كان نقطة تحوّل ثقافية محورية. فقد أسهمت ترجمة الكتاب المقدّس إلى اللاتينية على يد القديس جيروم (المعروفة باسم الفولجاتا)، في جعله النص الكتابي المرجعي لأوروبا. كما أدّت الأديرة، عبر قرون، دورًا محوريًا في حفظ هذا النص ونسخه، مما أتاح دمجه في مجالات التعليم والقانون والحياة الثقافية الأوروبية، وجعله أحد المرتكزات الأساسية لتقاليدها المعرفية والروحية. وكما يشير بيتر براون في دراساته عن المسيحية المبكرة، فإن قوة هذا التحوّل لم تكمن فقط في وجود نص موحّد، بل في الطريقة التي أعادت بها المسيحية تشكيل البنى الاجتماعية والثقافية، جاعلةً الكتاب المقدّس محورًا جامعًا لهوّية أوروبا الناشئة.
في المقابل، صعد الإسلام في الشرق الأوسط خلال القرن السابع الميلادي، وسرعان ما أصبح القرآن النص المرجعي المركزي للمنطقة. وينظر المسلمون إلى القرآن على أنه كلام الله المباشر والكامل والأبدي، وليس مجرد كتاب مقدّس. وقد جعل هذا الوضع القرآن محورًا للإبداع الثقافي والفني في الحضارة الإسلامية، مما أوجد سياقًا ثقافيًا وفنيًا متميزًا يختلف عن السياق الغربي المرتبط بالكتاب المقدّس.
لفهم محدودية تأثير الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، ينبغي أولًا إدراك المكانة الفريدة للقرآن. على الرغم من المكانة الرفيعة التي يتمتع بها الكتاب المقدّس كأحد الكتب السماوية، إلا أن بعض التوجهات الفكرية الإسلامية اعتبرت نصوصه عرضة للتغيير أو التحريف، مما قلل من قدرته على تشكيل الثقافة والفكر في المنطقة بنفس مستوى القرآن. وقد ناقش ابن حزم هذه المسألة بتفصيل في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل"، مؤكدًا أن

التحريف طال نصوص اليهود والمسيحيين، وهو ما عزّز في الوعي الإسلامي محدودية القيمة التشريعية والمعرفية لهذه النصوص. وفي الوقت نفسه، استمر المسيحيون في الشرق الأوسط في تقدير كتابهم المقدّس، إلا أنهم أصبحوا مجتمعات أقلية ضمن ثقافة تشكّلت تدريجيًا حول نصوص القرآن وفكر الإسلام. وقد ساهمت الاختلافات في المواقف تجاه النصوص المقدّسة والرموز البصرية ووسائل التعبير الفني في تعميق هذا التباين بين الشرق والغرب. وهكذا، تركّز تأثير الكتاب المقدّس بشكل رئيسي في الغرب، بينما أصبح القرآن الأساس الأدبي والثقافي للشرق الأوسط.
نتيجة لهذا التحوّل الثقافي والدّيني، استمدت التعبيرات الثقافية في الشرق الأوسط—سواء في الشعر أو الفلسفة أو الأدب—إلهامها من القرآن والحديث الشريف، بدلًا من الاعتماد على الكتاب المقدّس. وتظهر الشخصيات التوراتية مثل موسى ويوسف ومريم في التقليد الإسلامي، لكنها تُقدّم دائمًا ضمن السرد القرآني الموحى به، وليس باعتبارها قصصًا مستقلة بذاتها.
إحدى الفوارق الحاسمة الأخرى هي تباين التقاليد الفنية التي نشأت حول النصوص المقدّسة. في الغرب المسيحي، أصبح الفن وسيلة أساسية لتعليم نصوص الكتاب المقدّس، خاصة في مجتمع كانت فيه نسبة الأميّة مرتفعة. اعتمدت الكنائس على النوافذ الزجاجية الملونة والجداريات والمنحوتات لتصوير القصص التوراتية. كما ظهرت المسرحيات الدّينية في العصور الوسطى، مثل المسرحيات الطقسية والأخلاقية التي قدّمت قصص الكتاب المقدّس في مشاهد درامية مبسطة يسهل فهمها، مما جعل النصوص المقدّسة جزءًا من الحياة اليومية للناس. ولم يقتصر هذا الأسلوب على جعل السرد الدّيني متاحًا للعامة، بل أتاح أيضًا للفنانين إعادة تمثيل هذه القصص بأسلوب

إبداعي، وهو ما أدى إلى ظهور روائع فنية على يد فنانين مثل ميخائيل أنجلو وليوناردو دافينشي وغيرهما.
في المقابل، تطور الفن الدّيني في الشرق الأوسط الإسلامي وفق مسارات متميزة. لم يكن التركيز على القصة والسرد بقدر التركيز على الجمال التجريدي للكلمة الإلهية. أدت التحفظات الفقهية على تصوير الكائنات الحية، وخاصة الأنبياء، والتي لم تكن مطلقة وتفاوتت باختلاف المذاهب والفترات، إلى ازدهار الفن غير التصويري مثل الخط العربي والزخارف الهندسية والعمارة. وبدلًا من تصوير المشاهد التوراتية، ركز الفنانون على إبراز جمال القرآن عبر الخط الزخرفي والزخارف البديعة، مما جعل المساجد مزدانة بآيات من القرآن، كتعبير بصري عن مركزية النص القرآني في الحياة الدّينية.
من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال تأثير الكتاب المقدّس في المناطق التي حافظ فيها على حضوره في الشرق الأوسط، أي بين المجتمعات المسيحية الأقلية. وقد أبدع الأقباط في مصر، والأرمن في الأناضول، والسريان في بلاد الرافدين، والمارونيون في لبنان، أعمالًا فنية مستوحاة من الكتاب المقدّس. وتظل الأيقونات التي تصور السيد المسيح والقديسين جزءًا أساسيًا من الممارسة الدّينية المسيحية الشرقية حتى يومنا هذا.
ومع ذلك، بقيت هذه التقاليد الفنية والأدبية محصورة في مجتمعاتها، ولم تحقق الانتشار والتأثير الثقافي الواسع الذي حظيت به الأعمال المستوحاة من الكتاب المقدّس في أوروبا. يمكن تفسير هذا التباين من منظور مفهوم الملكية الثقافية عند إدوارد سعيد، الذي يشير إلى أن النصوص تصبح "ملكية" لمجتمع ما حينما يتم استيعابها وإعطائها دورًا محوريًا في تشكيل الهوّية وفهم التاريخ.

ففي المسيحية الغربية، أصبح الكتاب المقدّس النص المركزي الذي تُفهم من خلاله التجربة التاريخية والثقافية، وبالتالي امتد تأثيره إلى الفن والأدب والثقافة العامة. أما في الثقافة الإسلامية الشرق أوسطية، فقد اقتصر هذا الدور على القرآن، الذي لم يتجسد في شكل سردي وفني مماثل، مما حدّ من انتشار تأثيره الثقافي بنفس الطريقة التي حصلت في أوروبا.
وهكذا، يمكن اعتبار الكتاب المقدّس غربيًا في الخيال الثقافي، رغم أن أصوله الجغرافية واللغوية شرقية. نشأ في الشرق الأوسط، إلا أن أوروبا احتضنته لاحقًا وجعلته حجر الزاوية في هوّيتها الثقافية. هذه المفارقة تظهر لنا أن النصوص المقدّسة لا تنتقل عبر الحدود الجغرافية فقط، بل عبر الثقافات أيضًا، وأن مدى تأثيرها لا يعتمد بالدرجة الأولى على مكان نشأتها، بل على من اعتنقها وجعلها جزءًا من نسيجه الثقافي.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- انشاء ركن القدس في مركز الحضارة الإسلامية في طشقند
- مقبرة الساهرة إحدى أقدم المقابر الإسلامية في القدس
- اتفاق غزة يفضح صراع جبهات الإخوان.. مصر بمرمى المزايدات
- اتفاق غزة يفضح صراع -جبهات الإخوان-.. مصر في مرمى المزايدات ...
- بابا الفاتيكان يشيد بالصحفيين لنقلهم الحقائق من غزة
- المستوطنون يستبيحون المسجد الاقصى وسط إجراءات عسكرية مشددة
- مالي: شهر على حصار العاصمة من قبل -جماعة نصرة الإسلام والمسل ...
- قائد الثورة: الترويج للصلاة، واجب حتمي لاجهزة الدعوة الدينية ...
- مستعمرون يعتدون على مواطن وزوجته ويسرقون محصول الزيتون غرب س ...
- السعودية تعرض لأول مرة عملات إسلامية نادرة.. بينها أول دينار ...


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي قرّه - الكتاب المقدّس محور الأدب والفن الغربي