محمد يوسف جوامير
الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 09:53
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
المقدمة
يُعدُّ زواج القاصرات من القضايا القانونية والاجتماعية الحساسة في العراق، خاصة في البيئات الشعبية والريفية، حيث تتداخل الأعراف والتقاليد مع أحكام القانون. على الرغم من أن القانون العراقي للأحوال الشخصية (رقم 188 لسنة 1959) يضع سن الزواج القانوني، فإن تعديلات حديثة أثارت جدلاً واسعًا لإمكانية تقنين زواج القاصرات من سنٍّ مبكرة للغاية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل التداخل بين النص القانوني والواقع الاجتماعي، واستكشاف الآثار المترتبة والتوصيات الواجب اتخاذها لحماية الفتيات الصغيرات.
اولا :الإطار القانوني لزواج القاصرات في العراق
١.قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959
القانون ينص على أن “النصوص التشريعية في هذا القانون تطبق على جميع القضايا موضوعه” مع الرجوع إلى الفقه الإسلامي إذا لم توجد نصوص واضحة. يُشير القانون إلى أن الزواج يتم وفق شروط منها الأهلية والبلوغ. وفق النص الموجود في النسخة المنضبطة: “لا يَذُنّ بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى، ويشترط أن يتحقق البلوغ الشرعي والقدرة البدنية.”
*المادة العاشرة من القانون تحظر عقود الزواج خارج المحاكم، لكن بعض التصرفات العرفية تُمارَس خارج هذا الإطار.
2.قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980
المادة (3 / أولاً / أ) من هذا القانون تنص على أن من أتم الخامسة عشرة وتزوج بإذن المحكمة يُعتَبر كامل الأهلية في الحقوق الناشئة عن عقد الزواج. لكن يُشترط أن يكون الزواج قد تمت موافقته من المحكمة، وليس فقط عقده خارج القضاء ثم التصديق لاحقًا.
3.التعديلات الجديدة على قانون الأحوال الشخصية 2025
في 21 يناير 2025، أقرّ البرلمان العراقي تعديلات على قانون الأحوال الشخصية رقم 188، تسمح للأزواج المسلمين باختيار تطبيق المذهب الجعفري (الشيعي) أو المذهب السني لأحكام الأحوال الشخصية بعد تسجيل العقد في محكمة الأحوال الشخصية. يُشير تقرير مركز لوك إلى أن هذه التعديلات قد تفتح المجال لتطبيق أحكام تبيح زواج القاصرات، في بعض الحالات، حسب التفسيرات الفقهية. من المنظمات الحقوقية، اعتُبِرت هذه التعديلات انتكاسة لحقوق المرأة والطفل، لأنها تُضعف حماية القانون الحالي وتحمل مخاطره على الفتيات الصغيرات. التعديل يُتيح الزواج من سن 15 سنة بوجود موافقة الولي والقاضي، وهو ما يقلل الحماية القانونية للأطفال. كما أن التعديل أثار قلقاً منظمات حقوق الإنسان إذ قد يُقرّ زواج الفتيات من عمر 9 سنوات بموجب بعض التفسيرات المذهبية، وهو أمر انتقدته هيومن رايتس ووتش.
ثانيا: الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لظاهرة زواج القاصرات في العراق
1. الفقر والتدهور الاقتصادي
أ.في البيئات الفقيرة، قد يُعدّ تزويج البنت الصغيرة وسيلة لتخفيف العبء المالي أو لتوفير “مهر” للعائلة.
ب.الأزمات المتكررة والنزوح الداخلي تزيد من الضغوط المعيشية وتُسرّع من زواج القاصرات كحل طارئ.
2. الجهل القانوني وضعف الوعي
أ.كثير من الأهالي والجهات الشعبية يجهلون نصوص القانون أو يفضلون العرف والتقاليد على النص القانوني.
ب. في بعض الحالات يُعقَد الزواج بشكل عرفي خارج القضاء لتجنّب المتطلبات القانونية أو للإسراع في تنفيذ الصفقة الاجتماعية.
3. القيمة الاجتماعية للعِرْض والتقاليد العشائرية
أ.في بعض المجتمعات يُعتبر العُرف مرتبطًا بشرف العائلة، ويُفضّل تزويج البنت قبل البلوغ لتجنب “ما يُعرف بالفضيحة”.
4. الضعف في تطبيق القانون والرقابة القضائية
أ.ضعف الرقابة على المحاكم الشرعية ومحاكم الأحوال الشخصية في بعض المناطق، خاصة الريفية.
ب. بعض الزيجات تُجرى دون تسجيل رسمي، ما يُضعف حقوق الفتاة في حال النزاع أو الطلاق.
ثالثا:الآثار القانونية والاجتماعية لزواج القاصرات
1. بطلان العقد أو إمكانيّة الطعن
أ. إذا لم تُستمَر الشروط القانونية (كالبلوغ، الأهلية، موافقة المحكمة إن طلبت)، قد يُعتبر العقد باطلاً أو قابلًا للطعن.
ب.في بعض الحالات، تُمنح الفتاة حقوق إعادة النظر أو فسخ العقد إن قُدّمت الدعوى.
2. المشاكل المرتبطة بحقوق الفتاة بعد الزواج
أ.النفقة: قد يُعاقِد الزوج أو الأسر على دفع النفقة، لكن في حالة عدم التعرف الرسمي بالعلاقة أو إذا العقد غير صحيح، قد تُصاب الفتاة بضعف في تنفيذ الحق.
ب. الحضانة والولاية: إذا نشأت نزاعات، قد يُستخدم العقد غير القانوني أو الظرف العرفي ضد الفتاة في مطالب الحضانة.
ج.الميراث: الحقوق في الورثة قد تُتأثر إذا الزواج غير معترف به قانونيًا أو تم في ظروف شاذة.
3. الأثر على التعليم والصحة النفسية والجسدية
الفتاة التي تُزوج مبكرًا غالبًا ما تُسحب من المدرسة، مما يحرمها من تحقيق إمكاناتها التعليمية والحمل المبكر يعرضها لمضاعفات صحية، وضعف في النمو البدني والنفسي وقد تتعرض للعنف الأسري أو الاستغلال الجنسي.
4. تقويض مبدأ المساواة والعدالة القانونية
أ.الزاميّة المفروضة على الفتاة رغم أن القانون ينص على حماية القاصرات تعكس تفاوتًا بين الجنسين.
ب.التعديلات القانونية التي تسمح بتفسيرات مذهبية قد تُزيد الهوّة في الحقوق بين الفتيات والفتيان أو بين طوائف مختلفة.
رابعا: لتنازع بين العرف والقانون
في الواقع الشعبي، يُعتَمَد العرف على إنه “القانون الذي يُطبّق على الأرض”، حتى إذا تعارض مع النص القانوني الصريح. عندما يُفضّل القاضي أو الجهات المحلية العرف على النص القانوني، يُحدِث ذلك فجوة بين ما ينص عليه القانون وما يُمارَس فعليا. وبعض العائلات تُصرّ على الزواج العرفي لتجنّب الإجراءات القضائية أو تأخير الزمن، رغم أن القانون يمنع الزواج خارج المحاكم (المادة العاشرة).
التعديلات الأخيرة التي تسمح باختيار المذهب الفقهي قد تُكرّس هذا التداخل، إذ قد يُطبَّق العرف الديني والمذهبي الذي يجيز زواجًا مبكرًا قبل بلوغ الثامنة عشرة.
النتائج والتوصيات
النتائج
1. القانون العراقي الحالي والتعديلات عليه تُشكِّلان إطارًا معقّدًا قد يُسهِّل حدوث زواج القاصرات في بعض الحالات.
2. العرف الشعبي والتقاليد يُمارَسان بقوة في بعض المناطق، ويُفضّلان على النصوص القانونية في الممارسة الفعلية.
3. الفتيات اللاتي يُزوجن مبكرًا يتعرضن لانتهاكات متعددة في حقوقهن فيما بعد (تعليم، صحة، حقوق مدنية).
4. التعديلات التشريعية الأخيرة تثير مخاوف من تراجع حقوق المرأة والطفل في العراق.
التوصيات
1. تعديل التشريعات لحظر صارم
إزالة الإعفاءات التي تسمح بالزواج من دون السن القانوني بقرار قضائي أو وفقًا للضرورات. ومنع أي تفسير فقهي يُتيح زواج الفتيات دون شروط صارمة.
2. تعزيز الرقابة والتحكّم القضائي
إلزام محاكم الأحوال الشخصية برفض العقود التي لا تستوفي الشروط القانونية.
مراقبة دقيقة للزواجات التي تُعقد في المناطق الريفية والعشائرية.
3. التوعية القانونية للمجتمع
حملات تثقيف مجتمعية في الأحياء الشعبية والقُرى تشرح حقوق الفتيات ومخاطر الزواج المبكر.إشراك رجال الدين والوجهاء لتغيير النظرة المجتمعية.
4. الدعم الاجتماعي والاقتصادي
برامج توفير الفرص التعليمية للفتيات، ومنح دعم مادي للأسر الفقيرة لتُبقي البنت في المدرسة وإتاحة مراكز استشارية قانونية في المناطق الشعبية تستقبل الفتيات المعرضات للزواج المبكر.
5. الشراكة مع المنظمات الدولية والحقوقية
التعاون مع جهات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وغِرلز نوت برايدز لمراقبة تنفيذ القانون والدفاع عن الفتيات. واستخدام الشكاوى الدولية إذا لزم الأمر لمتابعة انتهاكات حقوق الطفل والمرأة.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟