أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماجد الغرباوي - الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعنف المبطّن















المزيد.....

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعنف المبطّن


ماجد الغرباوي

الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 16:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة اسلامية متفق عليها، وقد تردد ذكرهما في عدد كبير من آيات الكتاب الحكيم. فهما مبدأ قرآني لا ريبة فيه. وقد امتدح الله تعالى الآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر في اكثر من آية واعتبرها صفة ملازمة للايمان. والمقصود بهما الأمر بما أمرت به الشريعة والنهي عما نهت عنه. واكدت النصوص اهمية هذه الفريضة وضرورة تعهدها والالتزام بها. كما حذرت من التخاذل والتقاعس في مسئوليتها. فولدت هذه النصوص شعورا لدى المؤمن الملتزم باهميتهما، التي تصل حد توقف قبول الاعمال عليها في احيان كثيرة. وليس الموقف واحدا على طول التاريخ فهناك من يبرر القتل في سبيلهما، في مقابل من لا يسمح بتعرض النفس الى الاذى المادي او المعنوي. أي انها تقف عند حدود عدم الحاق الاذى بسبب الامر بالمعروف او الناهي عن المنكر. وقد اشترط الفقهاء شروطا لهذه الفريضة. فهي فريضة منضبطة ولها مبرراتها، كما لها حد معين من التضحية، وليست مطلقة او متروكة لتقدير الشخص نفسه. لكن بعض الحركات الاسلامية اتخذت من فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اساسا لوجودها، وربطت نفسها بها ومن اجلها، حتى اصبحت مبررا لقيام دولة اسلامية، ولو بالقوة والعنف، اذا توقف العمل بهما عليها. وايضا صار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سببا ودافعا لنشوء وتأسيسي حركات اخرى، استجابة لقوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [1] (. وبهذا الشكل تفاقمت الفريضة في حدودها وصلاحياتها ومسؤولياتها. بل استمدت بعض الحركات الاسلامية من فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجودها، ووجدت فيها ضالتها، فانطلقت تتحرك بصلاحيات مفتوحة تستمد شرعيتها من الفريضة نفسها. وقد ساعد على ذلك عدم وجود مفاهيم محدد للمعروف والمنكر، فهما بطبيعتهما فضفاضان يمكن تأويلهما وتوظيفهما وفقا لاجتهاد الاشخاص والحركات، فكانت مركزا للاجتهادات والتأويلات، واسهلها صياغة المصالح الحزبية موضوعات ناجزة لتفعيل الفريضة واتخاذها ذريعة لتحقيق اهدافهم السياسية.
لكن الصحيح ينبغي ان لا تترك هذه الفريضة لارادة الاشخاص، والا ففوضى وعدم استقرار، سيما اذا عرفنا ان سقف الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يتمدد حسب المصلحة الاسلامية، وحينئذ من سيحدد هذه المصلحة؟ واساس المشكلة يكمن في تعدد القراءات والفهم بحسب الفقهاء وقبلياتهم وثقافاتهم وفهمهم للاحداث والقضايا الساخنة والمصيرية، ومدى استجابتهم لضرورات الزمان والمكان.
ان موضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الاحكام الشرعية المنصوصة المتفق عليها بين المسلمين، والقيم الاخلاقية، وليس العقيدة او الدين، بل ولا الاحكام الاجتهادية. فموضوعهما القيم والاخلاق الاسلامية، التي هي اخلاق انسانية، وتأكيد الالتزام بالواجبات الالهية، والنهي عما حرم الله تعالى من افعال واعمال واخلاق ذميمة وقد اشترط الفقهاء لممارسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر شروطا، لا تجب الفريضة في حالة اختلالها، فهي ليست وظيفة كيفية خاضعة لمزاج الافراد، وليست مطلقة في مصاديقها بل تبقى الآيات والاحكام الاخرى مقيدات ومحددات لها. كما انها واجب كفائي، أي اذا قام بها البعض سقطت عن الباقين. واما شروطها لدى الفقهاء فهي:
1 - معرفة المعروف والمنكر، ليأمن الغلط في الامر والانكار. اذ ربما ينهي الناهي عن عمل ليس محرما في الشريعة او ليس متفق على تحريمه، وربما يأتي ارتاكبه باعتباره مباحا في نظر من يفتي باباحته. ومثاله عندما جوز الامام الخميني لعب الشطرنج، خلافا للمشهور بين العلماء. فحينئذ لا يصدق النهي عن المنكر في مثال هذه اللعبة، لان اللاعب ربما يعمل وفقا لرأي من يرى جوازه. وامثلة اخرى كثيرة. لهذا نضع قيد الاتفاق على المحرم المنهي عنه في الشريعة، وهو ما نص على حرمته. بل ربما يصبح النهي في هذا المثال خرقا للحرية الشخصية التي يعاقب عليها القانون. كما لا يصح نهي غير المسلم عن عمل حلال في شريعته، بل يصبح تدخلا في شؤونه الخاصة الممنوعة قانونا. لكن يجوز النهي من اجل سلامة المجتمع، وحينئذ يجب تحويل القضية الى دعوى قانونية، اذا رغب المجتمع في ذلك. فيأتي ارتكابه للمحرم بنظر المسلمين وبشكل علني يضر بسلامة المجتمع مخالفة قانونية، تأخذ مجراها في الدوائر المختصة دون تدخل الافراد. او أي جهة اخرى غير مخولة قانونا.
2 – احتمال التأثير، فلو غلب على ظنه، أو علم أنه لا يؤثر، لا يجب. فكثير من الناس لا يؤثر فيهم الامر ولا يرتدعون بالنهي.
3 - اصرار واستمرار الفاعل على فعل المنكر. فلو لاح منه ما يدل على الامتناع أو أقل سقط الانكار. مما يعني انها ليست قضية ارهابية او مقصودة بذاتها وانما من اجل اصلاح الفرد والمجتمع فاذا حصلت أي علامة على المطلوب سقط الواجب، واما الاستمرار بالنهي الى عمل سلبي مضر.
4 - الا يكون في الانكار مفسدة، او تداعيات جانبية. فلو ظن توجه الضرر إليه أو إلى ماله، أو إلى أحد من المسلمين، سقط الوجوب[2].
5 - لا يلجأ الى الضرب الا بعد فشل سائر الاساليب. والحد الاعلى للضرب ان يبقى ما دون الكسر والجروح، فان توقف الردع على الكسر او الجرح او القتل وجب كونه باذن الامام او نائبه الخاص، وربما العام، الفقيه العادل الذي بيده ادارة الموضوع بالنحو الذي لا يسيء للنظام العام، ويوصله بعد الدرس والتأمل الى النتائج المطلوبة المناسبة للمصلحة الاسلامية العليا التي تفترض التحرك نحو مواقع الفساد، وذلك كما في حالة الثورة على الحاكم الظالم والنظام الجائر التي يمكن الوصول بها الى قتله او جرحه، او قتل اعوانه او جرحهم، تمهيدا لاسقاطه[3].
ثم للانكار مراتب تبدأ من القلب ثم اللسان واخيرا اليد[4]. فاذا تحقق المطلوب في مرتبة اللسان لا يجوز الانتقال الى مرتبة اليد. لكن بعضا يلجأ فورا الى اسلوب العنف والاكراه بشكل فج. مما يؤلب الآخرين على الدين والرسالة، ويعكس عنهما صورة سوداوية مشوهة.
وتارة يكون المخاطب في هذه الفريضة هو الفرد، فيكون موضوعها المفردات التي تصادفه في حياته داخل محيطه (العائلة/ المدرسة/ العمل/ الجمعية/ النادي/ ...). أي جزء او شريحة صغيره من المجتمع. فممارسته لهذه الفريضة مراعيا لكل شروطها الفقهية، لا شك انه سيزيد من تقويم الناس ودفعهم نحو الفضيلة والخير، من خلال الالتزام باوامر الله تعالى والانتهاء عن نواهيه. وفي هذه الحدود يكون الفرد الملتزم دينيا محددا بمستويين من الفعل، هما القلب والسان. بأن يمارس النهي عن المنكر من خلال الانكار بقلبه اولا، ومن ثم باللسان، والكلام والحوار، فتأتي آيات اخرى لتعرفنا بكيفية الحوار وشروطه، وهو الحوار بالحسنى والموعظة، وتحاشي نفور الناس من الدين بسبب الاساليب الخاطئة التي يعتمدها الفرد خلال ممارسته لهذه الفريضة. فينقلب عمله الى فعل سلبي يكون ضرره اكثر من نفعه. كما لا يصار الى المرحلة الاخيرة، وهي التغيير باليد الا بشروط، فلا يسمح معها للفرد بهذا اللون من التغيير ما لم تتم الموافقة عليه مسبقا من قبل الفقيه او الحاكم الشرعي، الواعي، غير المسكون بالعمل الثوري[5]، ويضمن النتيجة وعدم الضرر، وجملة شروط اخرى يذكرها الفقهاء في محلهم[6].
واخرى يكون الخطاب موجها للجماعة وليس الفرد، فيكون موضوعها المفردات التي يتعذر على الفرد معالجتها. وهنا يمكن تصور العمل الجماعي ضمن اطر متعددة، فيمكن للجماعة ان تعمل ضمن مؤسسة او حزب او جمعية، او أي تشكيل آخر، لكن في جميع الاحوال تستمد مرجعيتها من هذه الفريضة بالذات. وحينما تكون بشكل منظم فأنها ستندرج في اطار مؤسسات المجتمع المدني. والشرط الاول في هذه المؤسسات هو العمل ضمن القانون، فحينما تجد مؤسسات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تصادما بين الفريضة والقانون عليها حل التعارض والتصادم في اطار القانون والاساليب المتبعة في الانظمة الديمقراطية. واما اذا تصورنا ان المجتمع ليس مجتمعا مدنيا وان الحكومة غير منتخبة بشكل صحيح ودستوري، فالكلام آنئذ يختلف كليا. لكن كما هو المفترض اننا نعمل في اطار مجتمع مدني وقوانين تستمد شرعيتها من ارادة الافراد بشكل مباشر او غير مباشر والحكومة منتخبة بشكل دستوري.
واللافت في آيات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انها تثني على الامرين بالمعروف والناهيين عن المنكر، لكنها توجه الامر الى الجماعة والامة: (ولتكن مّنكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون[7](. حتى ان الفقهاء اختلفوا في دليل الوجوب (بعد ان اعتبروا وجبوهما على الفرد مفروغا عنه باجماع الامة كما يعبرون) هل هو عقلي فيكون ما ورد في الكتاب والسنة ارشادات لحكم العقل، ام الوجوب شرعي؟. وعمدة الدليل الشرعي روايات عن الرسول (ص). واما الآيات فقد خصت هذا الامر بالجماعة دون الفرد[8]. ومهما يكن فهل اختصاص الامر بالجماعة دون الفرد هدفه السيطرة والتقنين وابعاد الفرد بما هو فرد عن هذه الوظيفة الحساسة؟ ربما باعتبارها وظيفة لا يمكن السيطرة عليها اذا خضعت للاجتهادات الشخصية والخطابات الايديولوجية. فلا تؤدي وظيفتها، فوضعت في عهدة الجماعة المنظمة التي تأخذ على عاتقها دراسة الموضوع والظروف المحيطة به ومدى صلاحية ممارسة النهي اذا كان منكرا او الامر اذا كان معروفا، فيحد هذا العمل المنظم من السلبيات التي قد تتلاشى اذا حظيت بدرجة عالية من الحيطة والتخطيط ورعاية مصالح الوطن والمسلمين.[9].
***
باحث بالفكر الديني
https://almothaqaf.org/foundation/majed-algharbawi



#ماجد_الغرباوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القتل المقدس
- الدولة ومبررات العنف لدى الحركات الاسلامية
- جاهلية المجتمع.. جريمة الخطاب الديني المتطرف
- جريمة الخطاب الديني المتطرف
- الكتابات الايروسية بين -الانسنة- و(التشيئ)
- الحاكمية الإلهية.. أو شرعنة الاستبداد
- في البدء كان القتل..
- الخطاب الديني وقرصنة الحريات
- تزوير الوعي.. خرافة الانتماء الطائفي
- تطرّف الحركات الدينية ومأزق الإرهاب
- دعوة لإنقاذ الدين من سطوة الفقهاء


المزيد.....




- إنتخابات الكنيسة السويدية الأحد - ممارسة ديمقراطية في مؤسسة ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- نيويورك.. يهود يتظاهرون احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعات ...
- يهود يتظاهرون في نيويورك احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعا ...
- القمة العربية الإسلامية في الدوحة.. نجاح مرهون بمراجعة التحا ...
- التعليم كجبهة في الحرب الناعمة: بين الاستخراب الغربي وبناء ا ...
- خليج الجنة في تركيا.. رفاهية خفية على شاطئ لا يقصده سوى الأث ...
- أردوغان يعين صافي أرباجوش رئيسا للشئون الدينية التركية
- مظاهرة يهودية في نيويورك ضد مشاركة نتنياهو في اجتماعات الأمم ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماجد الغرباوي - الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعنف المبطّن