بشار مرشد
الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 13:38
المحور:
المساعدة و المقترحات
ب.م
#المقدمة:
في عصر تتسارع فيه المعلومات، أصبحت الساحات الرقمية فضاءات مفتوحة للتواصل والحوار، لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى منابر للمضطربين أو المهمّشين اجتماعيًا، ممن وجدوا في هذا الفضاء فرصة للتعبير دون ضوابط، وغالبًا بطرق تُثير التوتر وتغذّي الصراعات.
يمكن عزو هذا الانفلات الرقمي إلى عوامل نفسية عميقة، فالعالم الافتراضي يمنح درعًا من عدم الكشف عن الهوية، مما يتيح للبعض التعبير عن غضبهم أو شعورهم بالدونية من دون مواجهة عواقب مباشرة. قد تكون هذه المنصات متنفسًا لمن يعانون من ضغوط نفسية أو إقصاء اجتماعي، حيث يجدون في الصراع الافتراضي وسيلة لإثبات الذات أو جذب الانتباه، حتى لو كان ذلك بطرق سلبية.
كما أن هناك فئة أخرى تتعامل مع هذا الفضاء كوسيلة للتسلية أو إشباع وقت الفراغ، ممن لا يجدون عملاً أو هدفًا واضحًا، فيحوّلون النقاشات إلى جدل عبثي أو إثارة مفتعلة. هذا الاستخدام العابر قد يبدو غير ضار، لكنه في كثير من الأحيان يضاعف من حدّة الفوضى الرقمية ويغذي النزاعات من دون قصد أو وعي.
إن فهم هذه الدوافع خطوة أولى نحو حلول لا تقتصر على الضوابط التقنية والقانونية، بل تشمل التوعية بالصحة النفسية وأهمية التعبير عن المشاعر بطرق بنّاءة.
كما أن الفضاء الرقمي كشف الثقافات المتنوعة وقرّبها من بعضها البعض، من دون مراعاة أن ما يُعتبر مقبولًا في مجتمع قد يكون مرفوضًا في آخر. ولم تعد المنصات الرقمية مجرد أدوات لنقل الأخبار أو التواصل، بل غدت مؤثرة في تشكيل السلوك والأفكار والعلاقات الاجتماعية، وأحيانًا مهددة للروابط الإنسانية نفسها.
ويبقى السؤال: هل يمكن استثمار هذا الفضاء لتعزيز الحوار والروابط، أم أنه سيبقى ساحة هشّة بيد من يسعون إلى إثارة النعرات والصراعات؟
#الفلاتر الرقمية والتقنية الذكية:
إن خط الدفاع الأول ضد الانفلات الرقمي هو التقنية ذاتها. فالمطلوب تطوير أنظمة ذكية قادرة على رصد خطاب الكراهية، والتحريض، ونشر الشائعات قبل وصولها للجمهور.
ويُفترض بهذه الفلاتر أن تكون دقيقة وعادلة، تحمي النقاش من الانحراف من دون أن تُقيد حرية التعبير المشروعة.
ومن الأدوات المقترحة:
1. إشعارات تحذيرية قبل النشر.
2. حظر تلقائي للرسائل المسيئة أو المحرِّضة.
#دور الأسرة:
الأسرة هي الحاضنة الأولى لتكوين الوعي الرقمي لدى الأطفال.
دورها يشمل:
1. غرس قيم الحوار والاحترام.
2. تعليم التعبير عن الرأي دون تعدٍّ على الآخرين.
3. التوعية بمخاطر الانفتاح المبكر.
4. توجيه الأطفال نحو التفكير النقدي قبل التفاعل.
#دور المدرسة والمؤسسات التعليمية:
يتجاوز التعليم حدود التلقين الأكاديمي ليشمل التربية الرقمية والفكرية.
ومن المهم تدريب الطلاب على:
1. التفكير النقدي والتمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة.
2. تقبّل الاختلاف الثقافي والاجتماعي.
3. التعامل الواعي مع منصات التواصل والإعلام الرقمي.
#يمكن تحقيق ذلك عبر:
1. مشاريع عملية مثل محاكاة النزاعات الرقمية.
2. أبحاث حول الأمان الرقمي والتأثير الاجتماعي للمنصات.
كما يمكن الاستفادة من تجارب الدول الرائدة التي دمجت برامج متخصصة في مناهجها لتعليم الطلاب كيفية التحقق من المصادر وفهم أبعاد الثقافة الرقمية.
#دور المجتمع والثقافة العامة:
يلعب المجتمع دورًا رئيسيًا في تعزيز القدوة الإيجابية داخل الفضاء الرقمي.
الأدوات المتاحة:
1. برامج توعية عامة وورش عمل.
2. تشجيع المحتوى البنّاء وقصص النجاح الرقمية.
3. حملات الحد من التنمر الإلكتروني.
الهدف: خلق بيئة رقمية صحية ومستدامة.
#القوانين والتشريعات الحديثة:
لا يمكن إغفال الدور القانوني في ضبط الفضاء الرقمي.
من الضروري سنّ تشريعات حديثة لمكافحة:
1. الإساءة الإلكترونية.
2. الإساءة للأديان أو الأقليات.
3. خدش الحياء العام ومخالفة الأعراف.
4. خطاب الكراهية والتحريض.
5. نشر الشائعات المضللة.
وقد أثبتت بعض الدول نجاحًا ملحوظًا حين فرضت قوانين تُحمّل منصات التواصل مسؤولية إزالة المحتوى غير القانوني، مثل خطاب الكراهية، في غضون فترة زمنية محددة، مما ساهم في الحد من الانفلات الرقمي. كما أن إنشاء محاكم متخصصة بالقضايا الرقمية، وتحديد عقوبات متناسبة مع خطورة الأفعال، يُعزّزان من فعالية إنفاذ القانون مع الحفاظ على حرية التعبير.
#الخاتمة والدعوة للعمل الشخصي:
إن بناء فضاء رقمي متوازن هو مسؤولية مشتركة بين الأفراد والأسرة والمدرسة والمجتمع والدولة. يمكن لكل واحد منا أن يسهم في هذا الحل عبر احترام الآخر ونشر المعرفة بدلًا من الشائعات والمساهمة في خلق بيئة تحمي الحوار وتجنب الانزلاق نحو الصراعات. فالعالم الرقمي فرصة عظيمة للتواصل والحوار البنّاء، لكنه يحتاج إلى وعي وانضباط ومسؤولية جماعية لضمان أن يظل جسرًا للتقارب لا منبرًا للتهجّم والصراع أو التعدّي على ثقافات الشعوب وخصوصياتها.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟