أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن المصلوحي - رواية -المائق- بين الطفولة والجرح الوجودي















المزيد.....

رواية -المائق- بين الطفولة والجرح الوجودي


حسن المصلوحي

الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 22:46
المحور: الادب والفن
    


حسن المصلوحي

صدرت رواية الأديب الفلسطيني جميل السلحوت" المائق" وهي رواية موجهة للفتيات وللفتيان عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في ١٦٠ صفحة من الحجم المتوسط.
عندما نقرأ رواية "المائق" للأديب الفلسطيني جميل السلحوت، نعي تماما أننا لسنا إزاء منجز موجه للناشئة وحسب، بل قبالة عمل يثير أسئلة تتجاوز حدوده الأدبية إلى تخوم الفلسفة. فـبطل الرواية "المائق" ليس محض طفل ضعيف البنية، ناتج عن زواج الأقارب، قصير القامة ومحدود القدرات، بل هو مرآة تعكس وهن الطفولة العربية وهشاشة مصيرها المعلّق بين الموروث والحاضر.
لهذا، وأثناء قراءتي للعمل، كنت أرى في "المائق" صورة رمزية مكثفة للعقل العربي نفسه: عقل دامٍ، يرزح تحت التراث، معزول بأغلاله، لكنه في الآن نفسه يبقى محملا ببذرة السؤال، بمعنى بذرة الحرية. وهنا يمكن أن نستدعي ما جاء عن محمد عابد الجابري بخصوص "العقل المستقيل"، أي ذلك العقل الذي استسلم لثقل الموروث، وعاش عالة على الماضي بدل أن يواجه تحديات الحاضر.
لكن "المائق" في نص السلحوت لا يركن ولا يهادن، بل يظل في حالة تطلع مستمر للأفق، نحو إمكانية مساءلة "الكلّ" من موقع الهامش، تمامًا كما يفعل الفلاسفة والمفكرون الكبار حين ينطلقون من هشاشة الواقع ليطرحوا أسئلة عميقة عن الوجود.
• من دوار بوغابات إلى إيطاليا: الطفولة والجسر الثقافي
لا أقرأ "المائق" إلا وأجد شظايا من طفولتي تطفو أمامي. من ذاكرة الطفولة في دوار بوغابات كتبت لاحقًا "الرغيف الأسود"، وكانت الطفولة بالنسبة لي زمن هشاشة ودهشة وخوف، وزمن حلم بما يشبه الخلاص. المائق بهذا المعنى يذكّرني بذلك الطفل العربي الذي يولد محاصرًا بالجراح قبل أن يبدأ في تلمّس طريقه.
ثم جاءت رحلتي إلى إيطاليا، التي لم أعد منها كما ذهبت. لقد عدت محمّلاً بإدراك جديد عن معنى التثاقف، عن كون الأدب نافذة لفهم الذات من خلال الآخر. وهنا التقيت مع السلحوت: فهو يكتب عن فلسطين كي ينير العقل العربي من الداخل، وأنا اهتم بالأدب الإيطالي وأترجمه كي أوسّع فضاء الحرية للعقل العربي من الخارج، عبر الحوار والاختلاف والمقارنة.
هكذا يصبح "المائق" جسرًا بين التجربة الشخصية في رغيفي الأسود و في رحلتي إلى بلاد الفن و الأدب إيطاليا، و أسئلة الذات التي تستفحل يوما بعد يوم في ذهني، ثم من جهة أخرى بين التجربة الجماعية، من جراح فلسطين إلى معضلة العقل العربي المنكوب.
• المائق والوجودية: الضعف كشرط للسؤال
لا يمكن مقاربة شخصية "المائق" داخل الرواية دون أن نستدعي البعد الأنطولوجي. لا خفاء أن الوجود عند سارتر وكامو يسبق الماهية، أي أن الانسان يوجد في هذا العالم باعتباره لا شيء، رغم كل المحددات التي تسبقه، ذلك أنه قادر على الاختيار وتجاوز الوضع الراهن. وهذا بالضبط ما يحدث للمائق، فهو يولد ضعيف البنية، محاصرًا بوصمة اجتماعية، لكنه مع ذلك يجد في ذاته شرارة التمرد.
هنا يتماهى المائق مع الإنسان بعمقه الوجودي، فعليه أن يختار، وأن يصنع معنى لوجوده من داخل عبث الحياة وقسوتها. إنه أشبه بالبطل الكاموي الذي يتحدى عبث الوجود بوعي مُرهف، أو بسقراط، ذبابة الخيل، الذي جعل من عبارته الشهيرة "اعرف نفسك بنفسك" فعلًا للتحرر. أليس هذا بالذات هو الواقع نفسه الذي يعيشه الإنسان العربي؟ عقل متهم بالاستقالة، لكنه قادر على الانبعاث من رماده إذا اختار مواجهة ذاته وتاريخه بدل الارتهان لهما.
• السلحوت بين مطرقة نيتشه وفلسفة الجرح
ما أشد ما يكون شبه جميل السلحوت في هذا النص بنيتشه وهو يلوّح بمطرقته؛ ليس بغرض هدم كل القيم، بل لوضعها في المحك. و هي مطرقة لا تهوي على النصوص المقدسة نفسها، بل على القراءات الصماء التي صفدت العقل العربي وحوّلته إلى كيان يعيش على أوهام الماضي. وفي كتابته لليافعين، يراهن السلحوت منذ البداية على زرع شتيلة الجرأة النيتشوية: أن تندهش من الثقافة السائدة، أن تسأل، أن تشكّ، أن تضع التراث على مقصلة النقد، أن تعترض الدوكصا بصدر عارٍ لا يخشى ال"النحن".
وهنا أجد مرة أخرى صدى شخصيًا؛ فإذا كانت طفولتي في "بوغابات" هي الجرح المفتوح الذي دفعني لكتابة الرغيف الأسود، فإن طفولة فلسطين هي الجرح الذي جعل السلحوت يكتب المائق. وانطلاقا من هذا الاعتبار فالكتابة عن الطفولة ليست نوسطالجيا إلى الماضي، بل مساءلة فلسفية للوجود، ولطريقة بناء الفكر الجماعي.
• من الكهف إلى المدايات المفتوحة
يمكن القول أيضا إن "المائق" يذكّرنا بأسطورة الكهف عند أفلاطون. لكنه هذه المرة ليس مقيدًا فقط بأغلال الظلال والوهم، بل بقيود الجسد والمجتمع معًا. ورغم ذلك يظل دائما في حالة تطلع إلى النور هنالك بالخارج. هذا البحث هو ما يجعل نصنا هذا مجاورا لمشروع الجابري في نقد العقل العربي؛ تفكيك الحصون الصماء التي كبّلت الفكر، وفتح الأفق أمام إمكان التوازن بين التراث والحداثة، بين الجذور والحرية.
إن المتعمن في شأن "المائق" ليكتشف بلا شك أنه ليس مجرد بطل روائي؛ إنه رمز فلسفي: رمز للطفولة المكلومة، وللعقل العربي المتردد، وللإنسان الذي يملك –رغم هشاشته– أن يفتح أفقًا جديدًا للحرية.
• سؤال الحرية والوعي
في نهاية المطاف، يتركنا "المائق" أمام سؤال محوري: هل يمكن للإنسان، مهما كانت هشاشته الجسدية أو الاجتماعية، أن يحرر ذاته من قيود البيئة والموروثات، ويصنع من وجوده معنى حقيقيًا؟ وهل يقدر العقل العربي على أن يتحرر من رهانات الاستقالة ليغدو فاعلاً في صياغة مستقبله، مع الاحتفاظ بجذوره الثقافية الغنية؟
رواية جميل السلحوت ليست سردا موجها للأطفال، بل هي دعوة للقراء من جميع الأعمار لممارسة الحق في السؤال سواء تجاه ذواتهم أو مجتمعاتهم، لتقدير قيمة الحرية، وللتفكر في الطرق التي يمكن للماضي والحاضر من خلالها أن يلتقيا في أفق جديد من الوعي والإبداع. "المائق" بهذا المعنى يصبح أكثر من شخصية قصصية؛ إنه رمز للتحدي، للتمرد على القدر، ولإشعال بذرة الفعل الحر داخل كل إنسان يسعى إلى فهم ذاته وعالمه.
• مشروع السلحوت وهاجس تحرير العقل العربي
لا خفاء أن منجزات جميل السلحوت تعد جهدا فكريا وفلسفيا وثقافيا متكاملا يهدف إلى تحرير العقل العربي العاطل والمستقيل من قيود الموروث البائد والراكد. يسعى السلحوت، من خلال سرد الطفولة الفلسطينية الجريحة، إلى خلق صحوة للوعي النقدي لدى القارئ، وزرع بذور الشك والسؤال منذ الصغر، لتمكين الإنسان العربي من التجرؤ على التفكير الحر وممارسة النقد الذاتي، مع الحفاظ على موروثه الثقافي الأصيل.
لا مراء إذن أن هاجس السلحوت يتجلى في تحويل النص الروائي إلى فضاء للتفكير والمساءلة والنقد، حيث يلتقي التراث بالحداثة، والتجربة الفردية بالتجربة الجمعية، ليؤسس لما يمكن أن يكون ثورة عقلية حقيقية، قادرة على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية والسياسية. إنه مشروع لا يكتفي بالسرد وحده، بل يمنح القارئ أدوات السؤال والنقد والفحص، ليغدو العقل العربي فاعلاً، واعيًا، حراً، ولينأى بنفسه عن الاستقالة والإذعان لكل قصور داخلي أو مُحدد خارجي.



#حسن_المصلوحي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -تخرشيش-مسرحية مغربية تفضح المسكوت عنه
- روز الياسمين، بنت الشوق والحنين الموشوم على الجبين
- محمود شقير؛ فلسطين، ثدي الحياة و حليب الذكريات


المزيد.....




- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...
- مهرجان الأردن لأفلام الأطفال.. غزة وحكايا النزوح والصمود في ...
- -للسجن مذاق آخر-.. شهادة أسير فلسطيني عن الألم والأمل خلف ال ...
- المخرجة اللبنانية منية عقل تدخل عالم نتفليكس من خلال مسلسل - ...
- الذكاء الاصطناعي بين وهم الإبداع ومحاكاة الأدب.. قراءة في أط ...
- مخيم -حارة المغاربة- بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب
- بصمة الأدب العربيّ: الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة)


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن المصلوحي - رواية -المائق- بين الطفولة والجرح الوجودي