عماد مكي
الحوار المتمدن-العدد: 1821 - 2007 / 2 / 9 - 12:25
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
احرز اكثر من 20 الف عامل نسيج مصري نصرا نادرا ضد خطط خصخصة شركتهم المملوكة للقطاع العام، عن طريق اضراب جماعي ارغم ادارة الشركة والحكومة المناصرة لاقتصاديات السوق الحر على التراجع.
قال القادة النقابيون ان الانتصار قد نفخ الروح في جسد الحركة العمالية العليلة في البلد، والتي اضعفتها الضربات المتكررة التي توجهها اليها حكومة الرئيس حسني مبارك. اخر اضراب في المدينة كان عام 1988.
عمال شركة غزل المحلة شمال غرب البلاد تظاهروا لمدة خمسة ايام بدءا من نهاية الاسبوع الماضي واحتلوا العديد من العنابر احتجاجا على قرار رئيس مجلس ادارة الشركة محمود الجبالي ايقاف صرف الحوافز، رغم وعد الحكومة لهم بذلك. تقريبا ربع عدد المضربين كان من النساء.
صرحت الشركة ان القرار كان احد الوسائل لخفض التكاليف، رغم ان الوعد الاصلي كان مجرد منح العمال مكافآة زهيدة تبلغ حوالي 200 جنيه مصري في السنة – حوالي 35 دولار.
ردا على ذلك، شن العمال اضربا فوريا واسعا في المدينة، التي تبعد حوالي 130 كيلو الى الشمال الغربي من القاهرة، منددين بالفساد وخطط تحسين اوضاع الشركة لجعلها اكثر جاذبية للمشترين في ظل برنامج الخصخصة المصري تحت رعاية البنك الدولي. كما ان العمال اوقفوا العمل لمدة يومين ونصف.
اثناء التجمعات حمل العمال توابيت رمزية كتب عليها اسم رئيس الشركة. وطالبوا باستقالته وبالتحقيق معه ومع مساعديه. كما طالبوا ايضا بدفع المكافآة الموعودين بها كاملة.
الشرطة المصرية المعروفة بوحشيتها المعتادة فوجئت باعداد المحتجين الضخمة وبهتت الحكومة نفسها ايضا لذلك. لم يتدخل البوليس لمدة خمسة ايام، مفضلا ارسال الاف من القوات الامنية لمحاصرة العمال والمصانع المحتلة.
احتلت هذه الاحتجاجات، الاكبر في البلد في السنوات الاخيرة، عناوين الصفحات الاولى حتى في الجرائد الحكومية وشدت انتباه الرأي العام لعدة ايام.
كتب العنوان الرئيسي لصحيفة الوفد اليومية المعارضة "ثورة العمال". المصري اليوم، اليومية المستقلة، نشرت صورا كبيرة لجموع العمال تحمل لافتات كبيرة مكتوب عليها شعارات مناهضة للحكومة وتحمل التوابيت الرمزية الساخرة. الصحف الاخرى افردت صفحتان لتغطية الاحداث تقريبا يوميا طوال الاسبوع الماضي.
كانت المظاهرات مناسبة ليعرب فيها نشطاء حقوق العمال عن العديد من المظالم والشكاوى.
حمل العمال لافتات، وقد انتهوا توا من الانتخابات النقابية، ينددون ببعض اعضاء اتحاد النقابات "كمزوري انتخابات" بعد ان انضم عددا منهم الى صف الادارة.
اقيمت تلك الانتخابات الشهر الماضي وسط ادعاءات واسعة بالتزوير والتدخل الحكومي والبوليسي لشطب مرشحي الاخوان المسلمين، اوسع المنظمات المعارضة في البلاد.
رفع العمال ايضا صوتهم في قضايا اخرى.
اخبرنا سعيد عبدالله، اب لثلاثة اولاد وعمره 31 سنة: "سد الزغب والبخار الناتج عن الصوف صدورنا. اصبت بمرض الربو. وبعد كل ذلك يريدون حرماننا من حقوقنا: للصبر حدود. ماذا يستطيعون اخذه منا اكثر من ذلك؟". "ربنا وحده انقذنا وانقذ الشركة من الخراب التام بسبب ما اوصلونا له من غضب"، هذا ما قاله لنا ايمن طه وعمره 28 سنة ويعمل في ادارة مبيعات غزل المحلة.
قال طه، "عندما يصل الامر الى طعام اطفالنا فاننا لا نستطيع السيطرة على انفسنا، انهم يتهموننا بعمل اضراب بتحريض من الاخوان المسلمين. انهم يقولون ذلك دائما ولا ينظرون الى ما يفعلونه هم من تصرفات. ليس من بيننا اعضاء في الاخوان المسلمون باقين. لقد قبضوا عليهم كلهم قبل الانتخابات (العمالية)... هذا الاضراب ليس منظما. [لكن] الاضراب افضل من ان نقوم باعمال عنف".
عبر عمال اخرون عن غضبهم من طرد زملاء لهم في العمل عندما سقطوا مرضى اثناء عملهم، مثل قال عبد العزيز عبد المولى، عامل نسيج الذي رفد من العمل بعد ان دخل المستشفى بسبب مرض الفشل الكلوي. يقول العمال ان الشركة يجب ان تدعمه او تصرف له معاشا.
قال كثير من العمال ان سوء ظروف العمل، والاجور المتدنية والفرق الضخم بين دخولهم وبين دخول الادارة العليا كانت من بين الاسباب وراء اختمار "التمرد العمالي" بين صفوفهم.
محمد الكحلاوي، الملقب "بالامام الاكبر للفنيين" بسبب نضاله من اجل حقوق العمال، قال ان العمال كانوا احيانا يجبرون على العمل ايام الجمع، وهي عطلة نهاية الاسبوع في مصر.
لم تعد الشركة تصرف لهم وجبات كما في السابق، ولا يعوضونهم في رواتبهم بنقود كافية. بدل الوجبات ايضا تم تخفيضه نحو الثلثين ليصل الى 33 جنيها مصريا في الشهر (6 دولارات).
يشكو الكحلاوي في تصريحاته للصحف بأن هذه الاجراءات قد تكون تمهيد للخصخصة الكاملة في ظل صفقة الحكومة المصرية مع البنك الدولي والمانحين الدوليين.
شركة غزل المحلة هي اول شركة للنسيج تبنى في مصر ومنذ ذلك الحين احتلت مركز صناعة النسيج، التي تستثمر قطن البلاد المشهور عالميا. وللشركة مساحات شاسعة من الارض تمتد مئات الافندة من الاراضي العالية الجودة.
سامح حسن، عامل نسيج، اخبر وكالة الصحافة المستقلة، "قمنا بالاضراب والاعتصام لاننا لم نعد نتحمل اكثر من ذلك. نحن ننتج الكثير ولكننا نحصل في المقابل على القليل جدا. مرتباتنا اصبحت متدنية لدرجة اننا لا نستطيع شراء الملابس التي نصنعها".
عندما قمنا بجولة لنتفقد مباني الشركة اكتشفنا اختلافا مذهلا بين مستوى معيشة الادارة والعمال فيها.
بينما الارض المخصصة للادارة تنتشر فيها الفيلات، والمباني الانيقة والمساحات الخضراء، يعيش العمال في شقق سكنية على الطراز السوفيتي القديم يغطي الهباب حوائطها الخارجية. شرفات منازل العمال متداعية، ومجاري الصرف الصحي طافحة في الشوارع واكوام القمامة تنتشر على شكل تلال صغيرة كريهة الرائحة.
شكوى العمال الرئيسية التي سمعناها كانت هي شكواهم من الفساد. قالوا ان المدراء قد باعوا ممتلكات الشركة والارض بملايين الدولارات ولكن ارباح العمال القليلة لم يتركوها تفلت من قبضتهم لتصل الى جيوب العمال.
ويقول العمال ايضا ان الادارة العليا قد عينت اقاربها واصدقاءها في مناصب مرموقة دون المرور باجراءات التعيين الرسمية.
وفي الوقت الذي لم تحقق فيه الايام الخمس من الاضراب والاحتشاد اي تنازلات من جانب الادارة والحكومة حول هذه القضية، استطاع العمال الحصول على مكاسب اخرى. تراجعت الحكومة ووافقت على دفع حوافز العمال ووعدت بحل شكاواهم الاخرى فيما بعد.
احد الموظفين القدامى بالشركة الذي لم يرغب في كشف اسمه قال، "بعد انقضاء كل هذه الضجة، المعاملة التي عومل بها العمال كانت مختلفة حقا. اليوم، يهنئ الصرافون العمال وهم يسلمونهم استحقاقاتهم فور ذهابهم للعمل. لم اشارك في الاضراب. ولكني حصلت على حقوقي بسببه. لكم كنت اود لو شاركت فيه من البداية".
ZNet - كفاية زي نت العربية
29 ديسمبر 2006.
المحلة الكبرى، مصر 14 ديسمبر (خدمة الصحافة المستقلة)
#عماد_مكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟