البحرين وحقوق الإنسان: إنجازات مشهودة في وجه حملات الاستهداف السياسي

عبده حمد الدوسري

الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 01:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في زمن تتكاثر فيه الأصوات وتتشابك فيه المصالح، تبرز مملكة البحرين كنموذج متقدم في منطقة الخليج في مجال ‏تعزيز حقوق الإنسان، حيث لم تكتف بإطلاق شعارات إصلاحية، بل قامت بترجمتها إلى برامج وتشريعات ‏وممارسات فعلية غير مسبوقة. فالمتأمل في تجربة البحرين الحقوقية خلال العقدين الماضيين يلحظ قفزة نوعية في ‏مستوى الضمانات القانونية، والمؤسسية، والاجتماعية، كان لها أثر مباشر في تحسين الحياة اليومية للمواطنين ‏والمقيمين على حد سواء، حتى باتت البحرين تُقارن بدول أكثر تقدمًا في بعض جوانب العدالة الجنائية والإصلاح ‏القانوني‎.‎
ولعل أبرز ما يميز المسار البحريني هو تبني نهج "السجون المفتوحة" و"العقوبات البديلة"، وهما خياران حقوقيان ‏يضعان كرامة الإنسان، وإعادة دمجه في المجتمع، في صلب العملية العقابية. هذا التحول الجوهري من العقوبة ‏الانتقامية إلى الإصلاح السلوكي والاجتماعي هو ما جعل البحرين سبّاقة على المستوى العربي، بل حتى بين العديد ‏من الدول النامية. فالنظام القضائي أصبح أكثر مرونة وإنسانية، في حين أُعيد تعريف مفهوم العدالة من مجرد إنزال ‏العقوبة، إلى إعادة بناء الإنسان‎.‎
ولم تكن هذه التحولات وليدة لحظة أو رد فعل لضغوط خارجية، بل جاءت امتدادًا لما رسّخته سياسة الملك حمد بن ‏عيسى آل خليفة من قيم إنسانية عميقة، تستند إلى أسس قوية ومتينة تُصون حقوق الإنسان وتعزز من كرامته. وقد ‏انعكس هذا التوجه الملكي في قرارات سامية وشجاعة، تجسدت في تأسيس أطر مؤسسية مستقلة وفاعلة لحماية ‏الحقوق، من أبرزها مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والأمانة العامة ‏للتظلمات، وهي مؤسسات أصبحت مرجعية وطنية في ترسيخ العدالة، والرقابة، والمحاسبة، بعيدًا عن أي اعتبارات ‏سياسية أو أمنية ضيقة. وتزامن مع هذه المبادرات تطوير متكامل للمؤسسات القضائية والعدلية، ورفدها بالكوادر ‏الوطنية المؤهلة، وبالوسائل والآليات الحديثة التي تعينها على أداء دورها بكفاءة واستقلالية‎.‎
وفي الوقت الذي تحققت فيه هذه القفزات الإيجابية، برزت في الخارج حملات مشككة في السجل الحقوقي البحريني، ‏تقودها مجموعات معارضة تنشط في الخارج، وتحرص على توظيف الملف الحقوقي لأغراض سياسية بحتة. ومن ‏الطبيعي أن يتساءل المواطن العادي: لماذا تهاجَم البحرين في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا تُستهدف إنجازاتها، رغم أنها ‏لا تزال في طور البناء والتطوير؟ الجواب يكمن في تشابك الاعتبارات السياسية والجهات الداعمة لهذه الحملات‎.‎
أول أوجه الاستهداف يتمثل في تسييس ملف حقوق الإنسان داخل المحافل الدولية. فبدلًا من أن يكون هذا الملف ‏مساحة للتعاون وتبادل الخبرات، تحوّل إلى أداة للضغط على الدولة، وتحريض المنظمات الغربية ضد البحرين. تُقدَّم ‏تقارير منقوصة أو مجتزأة، ويُروَّج لروايات أحادية، في تجاهل صارخ لكل التطورات الجذرية التي شهدتها البلاد‎.‎
أما الوجه الثاني، فهو ما يرتبط بالعلاقة العضوية بين بعض أطياف المعارضة الخارجية وإيران. وهي علاقة لا تخفى ‏على أحد، وقد وثقتها تقارير وشهادات موثقة. فهذه الجهات لا تتوقف عن بث الرسائل التي تسعى لتأليب الرأي العام، ‏داخليًا وخارجيًا، مستفيدة من خطاب "حقوق الإنسان" بوصفه لغة دولية للتأثير، لكنها في الواقع تمارس دورًا وظيفيًا ‏لخدمة محور إقليمي يهدف إلى زعزعة استقرار البحرين والخليج العربي عمومًا‎.‎
وتزداد خطورة هذا الاستهداف حين يُوجَّه مباشرة إلى مؤسسات الدولة السيادية كالأجهزة الأمنية والسلطة القضائية، ‏إذ تُصوَّر في بعض التقارير على أنها أدوات قمع لا ضامنة للأمن، وهو ما يمسّ مصداقية الدولة في حماية السلم ‏الاجتماعي. ويُضاف إلى ذلك محاولة التأثير على التحالفات الدولية البحرينية، من خلال الضغط على الحلفاء ‏الغربيين، خاصة أمريكا وبريطانيا، لربط التعاون العسكري أو الأمني بسجلات حقوق الإنسان، مما قد يُستخدم كورقة ‏ابتزاز في أوقات حرجة‎.‎
أما في الداخل، فإن هذه الحملات تسعى إلى زعزعة الوحدة الوطنية وزرع التشكيك بين الدولة ومواطنيها، عبر بثّ ‏الشائعات، وتحريك بعض الفئات الاجتماعية العاطفية، وتشويه المسار الإصلاحي التدريجي الذي اختارته المملكة‎.‎
وبرغم هذه التحديات، فإن البحرين أثبتت قدرتها على التماسك والانفتاح في آن واحد، إذ واصلت تطوير منظومتها ‏الحقوقية بهدوء وثقة، دون أن تلتفت لحملات التشويه أو الابتزاز الإعلامي والسياسي. إن الفوز الحقوقي العالمي الذي ‏تحققه البحرين اليوم ليس مجرد اعتراف خارجي، بل هو تأكيد على أن الدولة اختارت طريق الإصلاح البنيوي ‏الحقيقي، لا التجميلي، وأنها تمتلك من الإرادة السياسية والشرعية المجتمعية ما يؤهلها للاستمرار في تعزيز حقوق ‏الإنسان، دون أن تفرّط بأمنها أو سيادتها‎.‎

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل