إياس الساموك
الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 14:12
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
يعرّف الدكتور ماجد راغب الحلو الاستفتاء الشعبي بأنه "عرض موضوع على الشعب لأخذ رأيه فيه بالموافقة أو الرفض"، إذ يُعد وسيلة تمكّن المواطنين من الاحتفاظ بحق الفصل في بعض شؤون الحكم، وتجنّب احتكار نوابهم لكامل السلطة السياسية.
ويقسّم الفقه الاستفتاء من حيث موضوعه إلى: استفتاء دستوري، وهو ما يتعلق بإقرار الدستور أو تعديله، واستفتاء سياسي ينصب على مسألة سياسية ذات أهمية، يخشى القابض على السلطة الانفراد باتخاذ القرار فيها، فضلاً عن استفتاء تشريعي، الذي يتصل بمشروع قانون معين.
قد ثار جدل فقهي بشأن خضوع القوانين التي تُقرّ عبر الاستفتاء الشعبي للرقابة الدستورية؛ فذهب فريق إلى اعتبارها أسمى من غيرها من القوانين التي تُقَرّ من قبل السلطة التشريعية، بينما أكد فريق آخر أنها تدخل ضمن زمرة هذه القوانين، ولا تتمتع بأي حصانة من الرقابة الدستورية، وبذلك يمكن الحكم بعدم دستوريها إذا ما اعترتها معايب دستورية.
ويرى الدكتور سليمان محمد الطماوي أن القانون الذي يحظى بموافقة الشعب عبر استفتاء تشريعي يُعد أعلى مرتبة من القانون العادي الصادر عن المجلس النيابي، إذ يُضفي هذا الاستفتاء على القانون شرعية جديدة مستمدة من إرادة الشعب، مما يجعله في نظره معصوماً من الرقابة السياسية أو القضائية. ويُؤكد أن إلغاء هذا القانون لا يمكن أن يتم إلا من خلال استفتاء آخر، استناداً إلى قاعدة "تقابل الإجراءات".
في المقابل، يرى الدكتور رمزي طه الشاعر أن اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي لا يضفي حصانة على القوانين محل الاستفتاء، ولا يُصحّح ما قد يشوبها من عيوب دستورية؛ فإذا صدرت هذه القوانين مشوبة بعدم الدستورية، فإنها تظل كذلك ولو أُقرّت عبر الاستفتاء، وكل ما في الأمر أن الشعب حلّ محل المجلس النيابي في إقرار هذه التشريعات.
ويؤيد هذا الاتجاه الدكتور يحيى الجمل، الذي يرى أن الشعب، عند إدلائه برأيه في مثل هذا النوع من الاستفتاء، لا يمارس صلاحياته باعتباره سلطة تأسيسية، بل باعتباره سلطة تشريعية، وهو ما يتوافق مع منطق الديمقراطية شبه المباشرة.
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر في القرار رقم (56) لسنة (6) قضائية- دستورية الصادر في 21 حزيران عام 1986 بأن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة في الاستفتاء لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التي لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها في الدستور وبالتالي لا تصحح هذه الموافقة ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور، فتتقيد بأحكامه، وتخضعه بالتالي لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
ونجد أن الحكم المشار إليه آنفاً له سنده إذ نص دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1970 (الملغى) في مادته (74) على الآتي: "لرئيس الجمهورية إذا قام خطر حال وجسيم يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الاجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر بعد أخذ رأي رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلس الشعب والشورى، ويوجه بياناً إلى الشعب، ويجري الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها، ولا يجوز حل مجلسي الشعب والشورى اثناء ممارسة هذه السلطات".
وفي هذا السياق، قد يُطرح التساؤل الآتي: هل يجوز عرض قانونٍ ما على الاستفتاء الشعبي بموجب دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ)؟.
نجد ان الدستور العراقي قد عرف الاستفتاء الشعبي، إذ نص في المادة (131) على: "كل استفتاء وارد في هذا الدستور يكون ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين مالم ينص على خلاف ذلك.
وبالدخول في تفصيلات الدستور، نجد أن نصوصه تضمنت الاستفتاء الدستوري، وذلك في المادة (144) المتعلقة بآلية نفاذ هذا الدستور إذ نصت على الآتي: "يعد هذا الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره في الجريدة الرسمية وتشكيل الحكومة بموجبه".
كما تضمن استفتاءات دستورية أخرى تتعلق بتعديل الدستور، وهي التي وردت في المادة (126) إذ نصت في فقرتها (ثانياً) على الآتي: "لا يجوز تعديل المبادئ الاساسية الواردة في الباب الاول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام"، والفقرة (ثالثاً) التي تنص على الآتي: "لا يجوز تعديل المواد الاخرى غير المنصوص عليها في البند (ثانيا) من هذه المادة الا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام"، والفقرة (رابعاً) التي تنص على الآتي: "لا يجوز اجراء اي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الاقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني وموافقة اغلبية سكانه باستفتاء عام".
كما تضمنت المادة (142) استفتاءً دستورياً على التعديل إذ نصت الفقرة (ثالثاً) منها على الآتي: "تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب، وفقا لما ورد في البند (ثانيا) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ إقرار التعديل في مجلس النواب".
وتضمن الدستور أيضاً استفتاءات سياسية الأول يتعلق باتخاذ لغة رسمية إضافية حيث نصت المادة (4/ خامساً) على الآتي: "لكل اقليم أو محافظة اتخاذ اية لغة محلية أخرى لغةً رسمية اضافية اذا اقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام"، والثاني يتعلق بتكوين الأقاليم إذ نصت المادة (119) على الآتي: "يحق لكل محافظة أو اكثر تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين..."، والثالث يتعلق بالمناطق المتنازع عليها إذ نصت المادة (140/ ثانياً) على الآتي: "المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (٥٨) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة".
وهذا يعني أن دستور جمهورية العراق لعام 2005 (النافذ) خلا من أي نص يجيز عرض القوانين- باستثناء الدستور- على الشعب للاستفتاء العام، إذ حصر حالات الاستفتاء بموضوعات محددة كما بيّنا سابقاً، وهي تدخل في نطاق الاستفتاء الدستوري، سواء لإقرار الدستور أو تعديله، أو في إطار الاستفتاء السياسي الذي يهدف إلى عرض موضوعات محددة على سبيل الحصر على الشعب لأخذ رأيه فيها.
ويؤكد هذا المعنى ما ورد في المادة (61/ أولاً) من الدستور، التي أناطت بمجلس النواب الاختصاص الحصري بتشريع القوانين الاتحادية، وهو ما ينفي إمكانية اللجوء إلى الاستفتاء التشريعي في النظام الدستوري العراقي.
وتأسيساً على ما تقدّم، يتعيّن حصر الاستفتاءات في الحدود التي نصّ عليها الدستور حصراً، وبما أن الاستفتاء التشريعي يفتقر إلى سند دستوري، فإن اللجوء إليه يُعدّ غير جائز، استناداً إلى مبدأ سمو الدستور، من هنا اتضحت لدى القارئ غياب الاستفتاء التشريعي في نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ).
وقد حاول مجلس النواب الأخذ بالاستفتاء التشريعي عند تضمينه في قانون (تصديق الاتفاق المبرم بين جمهورية العراق والولايات المتحدة بشأن انسحاب القوات الأمريكية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت رقم 51 لسنة 2008)، شرطاً نصّت عليه المادة (2). إذ أوجبت في فقرتها الأولى عرض الاتفاقية على الشعب العراقي للاستفتاء الشعبي في موعد أقصاه 30 تموز 2009، وأناطت في فقرتها الثانية بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات تنفيذ الاستفتاء وفقاً لمقتضيات الدستور والقانون، فيما ألزمت المادة (3) الحكومة العراقية بنتائج هذا الاستفتاء.
إلا أن هذا الاستفتاء التشريعي لم يُنفّذ، وبقيت الاتفاقية نافذة حتى الآن، على اعتبار أن النص القاضي بإجراء الاستفتاء يُعدّ لغواً لا قيمة له، لعدم استناده إلى نص دستوري.
وبهذا ندعو المشرّع الدستوري إلى تضمين دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (النافذ) نصّاً يتيح الاستفتاء التشريعي، ولا سيّما في الموضوعات المهمة.
ولنا في دستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 (المعدّل) خيرُ مثال؛ إذ نصّت المادة (151) منه على وجوب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلّق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.
ويُعدّ هذا مثالاً لأحد تطبيقات الاستفتاء التشريعي، إذ تنص المادة ذاتها على أن للمعاهدات قوة القانون بعد نشرها، وذلك وفقاً لأحكام الدستور.
وفي النهاية، لا بد من القول إن إجراء أي استفتاء شعبي لا يقتصر على وجود السند الدستوري فحسب، بل ينبغي أن تسبقه خطوات تمهيدية تهدف إلى توعية الشعب وتمكينه من فهم شامل لمحتوى الموضوع المطروح للاستفتاء، على أن يُدلي المواطنون بأصواتهم بحرية تامة ومن دون أي ضغوط.
باحث دكتوراه في القانون العام
#إياس_الساموك (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟