وداد حماد مخلف الفهداوي
الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 22:20
المحور:
حقوق الانسان
في العقود الأخيرة، لم تعد الحروب مقتصرة على السلاح التقليدي، بل تطورت لتشمل أدوات جديدة أكثر خطورة وأقل وضوحًا، يُطلق عليها "أسلحة ناعمة". ومن أخطر هذه الأدوات، هي المخدرات، التي تُستخدم في تدمير المجتمعات من الداخل دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة. العراق، بما يمر به من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، أصبح بيئة خصبة لهذا النوع من الحرب الخفية. هذا المقال العلمي يناقش كيف تُستخدم المخدرات كسلاح ناعم لتفتيت المجتمعات العراقية الضعيفة، من خلال تحليل أبعاد هذه الظاهرة، والعوامل المساهمة فيها، وأبرز نتائجها وآليات مواجهتها.وهنا يستوجب تعريف "السلاح الناعم" والمخدرات كأداة ضمنه ما هو السلاح الناعم؟"السلاح الناعم" (Soft Power Weapon) هو أسلوب غير تقليدي في الصراع بين الدول أو القوى، ويعتمد على التأثير الثقافي، الإعلامي، النفسي والاجتماعي، وليس على القوة العسكرية. هدفه زعزعة استقرار الخصم داخليًا وإضعافه من دون مواجهة مباشرة.ولان المخدرات تعتبر كسلاح ناعم تُستخدم لإضعاف بنية المجتمع، خاصة فئة الشباب، من خلال تفشي الإدمان، انهيار الروابط الأسرية، وتدهور الصحة النفسية والبدنية. ما يجعلها أداة فعّالة في الحروب غير المعلنة لتدمير المجتمعات من الداخل.وهنا لابد من الحديث عن أبعاد تلك الظاهرة الخطيرة
1- البُعد الاجتماعي:تستهدف المخدرات تفكيك الروابط الاجتماعية، من خلال تدمير الشباب، وهم الفئة الحيوية لبناء المجتمع. كما تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة، والانحراف، والتفكك الأسري.
2- البُعد السياسي:يُستخدم انتشار المخدرات لإضعاف هيبة الدولة، وتشويه صورتها، وزعزعة استقرارها الداخلي، مما يُضعف ثقة المواطنين بمؤسساتهم.
3- البُعد الاقتصادي:تُفقد المخدرات القوى العاملة إنتاجيتها، وتزيد من التكاليف الصحية والأمنية، ما يؤدي إلى إنهاك الاقتصاد الوطني.
4- البُعد الأمني:تترافق تجارة وتعاطي المخدرات مع عصابات الجريمة المنظمة، التي تعمل أحيانًا بغطاء سياسي أو خارجي، ما يُهدد الأمن القومي.
وبحسب تقارير وزارة الصحة العراقية لعام 2024، ارتفعت نسبة الإدمان بنسبة تزيد عن 30% مقارنةً بعام 2020. كما ان أكثر الفئات استهدافًا: الشباب بين سن 15 – 30 عامًا. حيث تشهد المناطق الحدودية ومحافظات الجنوب تشهد أعلى معدلات التهريب والترويج. ومن بين أسباب انتشار المخدرات في المجتمعات العراقية يمكن ايجازها بما يلي :
1. الهشاشة الاقتصادية:البطالة والفقر تدفع الكثير من الشباب إلى الإدمان كوسيلة للهروب من الواقع، أو حتى إلى العمل في الترويج والتوزيع.
2. ضعف المؤسسات:قلة المراكز المتخصصة للعلاج وضعف الرقابة الأمنية على الحدود
3. عدم وجود برامج توعية فعّالة:غياب الحملات الإعلامية التوعوية المنظمة ,نقص التثقيف في المدارس والجامعات حول مخاطر المخدرات
4. استهداف متعمّد من الخارج:تشير تقارير أمنية إلى وجود شبكات دولية تعمل على إغراق العراق بالمخدرات، في إطار استراتيجيات تخريبية لضرب النسيج المجتمعي.
وتشير تقارير رسمية إلى ازدياد أعداد المتعاطين، خصوصًا بين الشباب، حيث أضحى الإدمان على المخدرات ييسجل في المدارس والجامعات. ويتركز الانتشار في بعض المحافظات الحدودية، ما يعكس حجم التحدي المرتبط بتهريب المواد المخدرة. وللسير نحو استراتيجية وطنية متكاملة للوقاية من المخدرات في العراق لابد من الإشارة الى ملامح تلك الاستراتيجية الوطنية المطلوبة للحد من الإدمان والتعاطي
- الوقاية من خلال التوعية والتعليم
- تضمين مناهج دراسية تركز على مهارات الحياة، وتعليم الطلبة عن أضرار المخدرات.
- تنظيم حملات إعلامية موجهة تستهدف الفئات المعرضة للخطر.
- تعزيز الرقابة وضبط الحدود
- تطوير قدرات الجمارك وحرس الحدود لرصد التهريب.
- استخدام تقنيات حديثة في التفتيش والكشف عن المواد الممنوعة.
- تفعيل القانون وتشديد العقوبات
- توحيد العقوبات بين المحافظات لضمان العدالة والردع.
- إنشاء محاكم خاصة بقضايا المخدرات لتسريع الأحكام وتنفيذها.
- الرعاية الصحية والعلاج النفسي
- إنشاء مراكز تأهيل في كل محافظة، مجهزة بأخصائيين نفسيين واجتماعيين.
- توفير العلاج المجاني للمدمنين بدلًا من العقوبة فقط، واعتبار الإدمان مرضًا يمكن علاجه.
- إشراك رجال الدين في حملات التوعية نظرًا لتأثيرهم الكبير في المجتمعات.
- دعم الجمعيات المدنية المهتمة بالتأهيل والتوعية.
- توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول المجاورة لتبادل المعلومات ومكافحة التهريب
ختاما لابد من تأسيس مركز وطني للبحوث حول المخدرات، يُصدر تقارير دورية ويقترح حلولًا مرنة حسب المستجدات كما تتطلب مكافحة المخدرات في العراق جهودًا جماعية غير تقليدية، تبدأ من المدارس ولا تنتهي عند مراكز العلاج. وفقط من خلال استراتيجية وطنية متكاملة، تتضافر فيها الوزارات والمؤسسات الدينية والتعليمية والأمنية، يمكننا الحد من انتشار هذه الظاهرة وتحصين المجتمع، خاصة فئة الشباب، من الوقوع في براثن الإدمان.
المصادر
- وزارة الداخلية العراقية – قسم مكافحة المخدرات، تقارير سنوية 2021–2024.
- منظمة الصحة العالمية WHO – تقارير الإدمان العالمية.
- مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) – تقرير العراق 2023.
- مجلة "Addiction" – أبحاث علمية حول أساليب الوقاية والعلاج.
UNODC Iraq Reports:
https://www.unodc.org/unodc/en/data-and-analysis/statistics.html
- وزارة الصحة العراقية - قسم الصحة النفسية تقارير رسمية عن حالات الإدمان والعلاج.
- قانون المخدرات والمؤثرات العقلية العراقي رقم (50) لسنة 2017 متاح في موقع مجلس النواب العراقي.
- تقارير إعلامية موثوقة (مثل وكالة بغداد اليوم، السومرية، وكالة شفق): ترصد الواقع الميداني.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟