أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ربحان رمضان - كتاب - حلم الأمل - سرد ووصف جميل لكاتبه سمكو بوتاني















المزيد.....



كتاب - حلم الأمل - سرد ووصف جميل لكاتبه سمكو بوتاني


ربحان رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 04:53
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه " حلم الأمل " .
قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في ثمانينات القرن المنصرم .
اختار له عنوان " حلم الأمل " لينسى أيام الظلم .. ليكون الأمل هو المستقبل الذي يحلم به باستمرار .
مكتبة كازي دهوك أخرجت الكتاب فنيا ً ، والمديرية العامة للمكتبات في أربيل
- كوردستان العراق َتحمّـلت مهمة طباعته .
الأستاذ سمكو اختار أن يهديه لوالده " رينجبر " الذي اعتبره معلمه الأول في النضال ، وإلى والدته الصابرة الحنونة وإلى إخوته وعائلته ورفاق دربه ولكل من حمل في قلبه حلمًا ولم يتخلى عنه ....
لقريته " Zegat مكانة خاصة في المحبة للأرض في جمالها وارتباطها بكردستان التي حلم بها فغادر تلك القرية في سوريا ليقيم بكردستانه التي يقيم بها حتى الأن .
يسرد سمكو ذكرياته باسلوب عاطفي فيه ابداع ، ذكر مقتطفات من تاريخ حياته في تلك القرية حيث يقول أنها " .. لوحة مرسومة تزدان بنهر ينساب برفق ..والنهر يذرف دموعه الصافية كأنها لآلى تزين وجه المياه .. " .. " .. المشهد سيمفونية للطبيعة، تعزفها أصوات الشحارير والبلابل والعصافير، وهي تنشد أغانيها في فصل الربيع، حين تتفتح الأزهار ويبعث الدفء الحياة من جديد.. " .
في كتابه هذا يؤكد حبه لوالده الذي يفتخر به ويقول عنه : " .. رجل عرفه الجميع بحكمته وعمق ثقافته... كان شخصية بارزة، ليس في قريته فقط، بل في كل المنطقة. كان رينجبر يحمل هموم شعبه في قلبه ويعمل بلا كلل من أجل رفع الوعي القومي. كان يعيش حياة مليئة بالنضال الثقافي والاجتماعي، قرر أن يزرع في ابنه "سمكو" حب الأدب والشعر، و أن يعلمه كيف يكون صوتًا لأبناء قريته.. " .
ينتقل الكاتب من ذكريات الطفولة إلى يوم نوروز الذي أسماه " عيد " مع العلم أن نوروز باللغة الكردية هو " اليوم الجديد " الذي يعني الحرية ونجاح ثورة الشعب .. بل أن نوروز هو العيد القومي للشعب الكردي .
يتكلم عن احتفالات قريته " Zegat" بالنوروز كمناسبة كبداية للربيع والاعتزاز بالهوية القومية التي سطر الأبطال تاريخها المجيد ...
يتذكر طفولته ، ويتذكر قدوم رجال البيشمركة من كردستان العراق إلى قريته يتزينون بأسلحتهم في الليالي الحالكة فيتمنى مع أقرانه الأطفال أن يصبحوا بيشمركة مثلهم .
سمكو والحس الوطني ، معركة الكفاح من أجل الهوية
تحت هذا الاسم يذكر سمكو صنوفا ً ً من الاضطهاد القومي الذي يعاني منه الشعب الكردي في سوريا مما أجج ثورة في عقله وبشكل خاص عندما بنى حافظ اسد الأربعين قرية على الحدود السورية – التركية ليوطن فيها عشائر عرب الغمر ويطلق عليها اسماء عربية كقرية " الزهيرية " التي زودها نظام الذل البعثي بالماء والكهرباء وسلَحَ اهلها بهدف تغيير ديموغرافي تنفيذا لمشروع عنصري ُأطلق عليه يومها اسم الحزام العربي .
رأى بعينه كيف مرت أعمدة الكهرباء عبر أكثر من خمس قرى كردية دون أن تنير مصابيحها أي منزل كردي .. قريته Zegat كانت محرومة من الكهرباء كليا .
كل هذه الأحداث لم تمر دون أن تترك أثرها العميق في روح سمكو الشاب الذي كانت مشاهد القهر والتمييز تشعل داخله رغبة متزايدة في التمرد والمقاومة ، رأى في الحرمان الذي عاشته قريته انعكاسا للظلم الذي يعاني منه شعبه بأكمله.

تقرب سمكو من رجال البيشمركة الذين كان لهم حضور قوي في المنطقة ، كان يراهم رمزاً للمقاومة وأمل للكرامة المستعادة
ثم وحول تفاعله وقيادته ليوم النوروز في قريته Zegat كتب يحكي لنا عن كيفية التحضير للنار الكبرى ..
يتذكر قيادته لشباب القرية في محاولة احياء يوم النوروز، وكيف كان يجمع اطارات السيارات ويشعلها نارا فوق تلة القرية ..
يتكلم بافتخار عن مآثره وعن افتخار اهل قريته به وبنجاحاتهم في تحدي القرى الكردية المجاورة في احتفالات النوروز .
ثم يعرج إلى وضعه التنظيمي في الحركة الوطنية الكردية ليصرح بأنه انتسب للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا " البارتي " عام 1980الذي كان في ذلك الوقت يعتبره أحد الأطر السياسية التي حملت على عاتقها قضية الشعب الكردي ، مشيرا ً إلى استقطابه للشباب الواعي والمتحمس ساعيا لانضمامهم إلى صفوف البارتي قبل أن يترك القرية ليكمل دراسته في مدينة " دير الزور " التي كون فيها شبكة واسعة من العلاقات مع أصدقائه وزملائه في الدراسة، من بينهم نصر الدين برهك، وميرو إسماعيل ، وهاشم عزير، ودارا نايف ابن الشاعر تيريج) .. وغيرهم من الاصدقاء .
يسرد لنا عن عودته بعد تخرجه في عام 1984إلى مسقط الرأس واستمرار عطاءه آملا بالعمل والكفاح من أجل لقمة العيش إضافة إلى نضاله القومي والوطني فيذكر كيف ان والده كلفه بمهمة تأسيس فرقة فنية في مدينة ديرك عام 1985 بهدف إحياء عيد نوروز وكيف جمع الصبايا والشباب الكرد ليدربهم ويعدهم لتقديم عروض فنية مميزة خلال احتفالات عيد نوروز.
كتب عن ا ديرك الجوهرة المتلألئة التي جمعت بين سحر الطبيعة مع تنوع الثقافات، -ط محتفظة بإرث تاريخي يروي قصص الحضارات التي مرت عبرها. "
يذكر الجسر الروماني و عين ديوار حيث تجمع هذه المنطقة بين الجغرافيا والتاريخ. هذه المنطقة، التي يعتقد سمكو أنها كانت مركزا تجاريًا هاما في العصور القديمة ..
والعديد من المناطق الأثرية مثل مزار كنيسة به ره بيت و نبع عين جربا بقصر ديب وكنيسة مار شوشان بقرية حكميه ، وكري قسر دیب ... سقلان.... ملا مقصفي برا ... بافد ... باجريق ، ميركا ، بانه قسري ، كرزرك ، سويديك ، مشتل زهيريه ، كاني هجيري ، قبة باعوسي ، نبع تل دار ، نبع وانيك نبع عين روس وانيك مزار كنيسة خانيك على نهر دجله كانیا کجا به ره بیت ، وغيرها من الأماكن التي اعتبرها شاهدًا على التاريخ العريق للمنطقة.
ثم وتحت عنوان " ديرك موطن الفن والثقافة " يعتبر سمكو " ديرك " مهدًا للثقافة ذاكرا ًعمر العلي ، عبد العزيز حسو، أحمدي شيخ صالحنارين عمر ، لوري تلداري ، عبدال خان تلداري، سمكو عمر لعلي، محمد علي حنيفه ، عادل سيف دين، وليد حاج عبد القادر أبو هيجو، هشيار عمر لعلي محمد قاسم، إدريس عمر، يوسف القس يعقوب حنا، د. علي ميراني د. آزاد علي نزار يوسف محمود ديرشوي عرب حوري، رضوان خورسی، عمر رسول هوزان دیرشوي أفين شكاكي ملفان رسول محمود عبدو.
وتوما بيطار ، القس جوزيف ايليا وديع القس ،، صبري يوسف ، فؤاد حنا زاديكي
والفنانون : جمال سعدون آزاد فقه شفكر ميرزا، روني جزراوي، أحمد جزراوي، جوان صبري، ريناس جزراوي، عيسى سفر ، جورج سفر ، کنان سفر، علي كافان، نهاد دياب، أمين نادر، أحمد أبو هوزان عبد العزيز سمي، إبراهيم بانه قسر طارق مراد ادمون موسی، جورج البك، سامي مراد، اديب كوركيس، فرح عازار ، اریج ايشوع ، ریحان ایشوع، ابتسام ایلیا، رشيد و أحمد وعبدو وهجال علانه، أحمد علانه إبراهيم بهنان عيسى جيايي لحدو جيايي، ابراهيم بهنانوديع ابراهيم كابي متو ، محمد بانه قسر.
شریف میرزا ، لزكين بريشان ، خبات دهوکی، آزاد نور الدین ، الند ديركي ومن الرسامين الفنان سعد الله أحمد ملا إبراهيم والصيدلاني بهزاد محمد ملا إبراهيم ، يعقوب بلقو ، كومان صوفي ..
ليلة العشرين من مارس:
تحت عنوان ليلة العشرين من مارس قال أنها ذكرى لا تنسى، يفتخر سمكو بنشاطه و التحضير لندوة جماهيرية بحضور الأمين العام للبارتي الديمقراطي الكردي في سوريا المرحوم كمال احمد درويش " أبو خالد" الذي ألقى يومها كلمة عن نوروز كانت على رأي سمكو بمثابة شعلة أضاءت القلوب وأثارت الحماسة في نفوس الحاضرين .
ثم ينتقل الكاتب إلى ذكريات أخرى بعد نوروز 1985 حيث التحق بالخدمة العسكرية " الاجباري " و ُفرز إلى كلية التسليح ، فشارك في دورة تدريبية متخصصة في صيانة الأجهزة الضوئية نقل بعدها إلى رحبة التصليح والصيانة" في دمشق التي تعرف فيها على بعض المثقفين الكرد فيها مثل السيدة ديا جوان و عمران شيخو .. وغيرهما .
نوروز 1986
الأستاذ سمكو وبدون ذكر تاريخ نجاحات نوروز واحتفالياته بحي الأكراد الدمشقي يدخل مباشرة إلى يوم انتفاضة نوروز التي اشغلت وزارة الداخلية وقوات قمع النظام بالكامل .. يسرد مايتذكره عن نوروز 1986 قائلا : " قررنا أن نعبر عن رفضنا لهذا القرار الجائر " .. لم يذكر من هو الذي قرر سواء شخص أو مجموعة سياسية يتابع قائلا ً : " .. في صباح يوم الجمعة الموافق 21 مارس 1986 قررنا أن نعبر عن رفضنا لهذا القرار الجائر، ونتوجه إلى المكان الذي كان من المقرر أن يقام فيه الاحتفال .. " .. اجتمعنا في حي ركن الدين.. " وللأسف اسم الحي هو حي الأكراد على حين أن الشارع الرئيسي اسمه شارع ركن الدين ، وخلافا لقوله أنه كانت توجد خطة معدة من قبله وقبل مجموعة ما فإن قيادة الأحزاب الخمسة كانت متفقة أن يحتفل المشاركون معا في في منطقة موجودة بين قريتي حرستا القنطرة وبزينة .. على ضفة نهر حاروش ، وكنت انا ربحان رمضان أحد اعضاء تلك القيادة التي عملت على القيام باحتفالات نوروز في ذلك العام معا ً على أن يجتمع رفاق البارتي في المناطق الموازية لمواقف الباصات في في شارع صلاح الدين شارع أسد الدين بحي الأكراد ، ورفاق حزب الاتحاد الشعبي الكردي في الشارع الرئيسي للحي " شارع ركن الدين " وتجتمع جماهير بقية الأحزاب في شارع صلاح الدين من الحي نفسه .
يستمر سمكو في سرد قصته قائلا : كانت خطتنا أن نستقل الحافلات من ركن الدين إلى مكان الاحتفال. ولكن المفاجأة الكبرى كانت عندما تدخلت القوى الأمنية ومنعت سائقي الحافلات من التحرك، ليصبح الاحتفال حلمًا معلقا .
مما دفع الناس التحرك نحو القصر الجمهوري رافظة بمظاهرتها منع الجماهير الكردية من الاحتفاء بيوم نوروز ط" وحسب رأييه : في محاولة لإبلاغ الرئيس حافظ الأسد آنذاك بأننا نريد فقط الاحتفال بعيدنا القومي "
وهنا ايضا أود " أنا ربحان رمضان " أن اتدخل في كتابته عن الخطة واسم الحي ومنع سائقي الحافلات .. فالخطة أوبرنامج الحفل الذي كانت الأحزاب الكردية الخمسة متفقة على احياءه لم تكن خطة اشخاص من خارج هذا الإطار حيث أن الأحزاب الخمسة المشتركة كانت قد أعدت برنامجا للاحتفال في أرض مشاع تقع بين قريتي حرستا القنطرة وبزينة إلا أن وقوات قمع النظام كانت قد قررت منعنا من الاحتفال قبل يوم المظاهرة حيث ارسلت قواتها إلى الأماكن المتفق عليها وخربت مسرح رفاق شيخ آلي وفرقة زوزان ، كما خربت المسرح الذي كنا في قيادة التحالف الديمقراطي الكردي " البارتي وحزب الاتحاد الشعبي" ومجموعة التعاون والتنسيق التي تكونت من ثلاثة احزب هي البارتي السوري والبارتي اليساري والحزب التقدمي الكردي " طبعا وفي اليوم التالي رابطت قوات القمع والمخابرات في موقف البكاري ومنعت الجماهير من ركوب الحافلات وامرتهم بالعودة إلى بيوتهم .. لكننا كأحزاب رفضنا ذلك وطلبنا من جماهيرنا البقاء على الأرض والاحتفال بالشارع ، ذلك الاحتفال الذي تحول إلى مظاهرة غاضبة رفضت المنع وطالبت بالسماح بالنوروز ورفع المتظاهرون عدة شعارات منها بالروح بالدم نفديك يانوروز .
تابع يقول : " بدأت المسيرة من ركن الدين " وهنا مرة أخرى لا بد لي أن أشير بأن تسمية الأستاذ سمكو للمظاهرة " مسيرة " لاتوفي رأي الجماهير الغاضبة يومها لأنها كانت مظاهرة شجبت واستنكرت قرار السلطة في منعها الكرد احتفاءهم بعيدهم القومي نوروز
يستمر في سرد مارآه قائلا :" رأيت الشهيد سليمان آدي يسقط مضرجا بدمائه، شاهدت آخرين يصابون بجراح مختلفة.
ويتابع في سرده حتى عودة جماهير التحالف الديمقراطي الكردي الممثل بالحزبين الحليفين " البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا وحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا " إلى حي الأكراد ثانية مع العلم أن قوات القمع لم تكن ناعمة ولا اصوات افرادها ناعم ، جماهيرنا عادت واستمرينا في التظاهر ..
ارسل النظام وفوده الى بيت المرحوم الأستاذ عبد الرحيم وانلي " ابو نوزاد " الذي كان يشغل منصب عضو اللجنة المركزية في البارتي الديمقراطي الكردي ومسؤول دمشق لحزبه كوفد الادارة المحلية شارك فيها المرحوم الأستاذ راشد جلعو ، وأرسل العميد " سليمان : قائد شرطة قلعة دمشق لتوقيف المظاهرة فلم يقبل المحتجون ، وايضا ارسل السيدة وصال فرحة اأمين العام للحزب الشيوعي السوري لتوقيف المظاهرة وأيضا لم يستمع إليها المحتجون إلى أن القى المرحوم أبو نوزاد عضو اللجنة المركزية للبارتي كلمة طلب فيها جماهير حزبه بالعودة إلى بيوتهم .. فبقي بالشارع بقية الجماهير ومنها جماهير حزبنا حزب الاتحاد الشعبي الكردي التي كانت تتنقل بين الاحتفال في المنطقة جنوب شارع ركن الدين وبين الشارع نفسه حتى السابعة مساء .
يقول سمكو أن الكارثة كانت أكبر من أن توصف ، تجمع حولنا بعض الضباط الموفدين من قبل الحكومة، في محاولة لتهدئة الوضع. تحدثوا إلينا بلهجة ناعمة " !!!!!!!!!!!! " وأبلغونا بأن الرئيس يبارك لنا عيدنا ، وأنه أصدر قرارًا بجعل يوم النوروز عطلة رسمية في الدولة ، طبعا هذا الحديث قرأته منه فقط لأن حافظ اسد كان من الد أعداء الشعب الكردي وحقوقه القومية في سوريا ، ثم يتابع قائلا : أن أولئك الضباط جلبوا الحافلات المخصصة للنقل الداخلي، لتكون تحت تصرف المتظاهرين ونقلهم إلى مكان الاحتفال، لكن وبرأيي ارسال الحافلات كان تلافي لثورة عارمة من قبل الكرد بدمشق وليس محبة من الضباط للشعب الكردي ، ثم يصحح الموقف قائلا : لكننا رفضنا الاحتفال في الوقت الذي لاتزال دماء الشهيد سليمان وجرحانا لا تزال تروي الأرض. فعدنا إلى ركن الدين " حي الأكراد " غضبى لنتظاهر في شوارع حي الأكراد من جديد
كما أنه لم ينسى أن يذكر تدخل السلطة عن طريق موظفين كرد في سلك الدولة مثل العميد سيدو سليمان أو اعضاء بالإدارة المحلية مثل االمرحوم الأستاذ راشد جلعو والأستاذ عبد الكريم أيوبي رحمها الله وأيضا مجلس الزور الذي أطلق عليه المقبور حافظ اسد اسم مجلس الشعب " مثل المرحوم محمود آلوسي محاولة من النظام توقف الجماهير عن التظاهر والعودة إلى بيوتهم يقول سمكو : لكن الموقف كان أكبر من مجرد كلمات أو أوامر، محاولات التفريق قوبلت بتجاهل تام من المتظاهرين الذين أصروا على البقاء والتعبير عن موقفهم.
وعن السيدة وصال فرحة أضيف من جانبي بأنها خرجت من بيتها متأخرة لتطلب من المحتشدين العودة إلى بيوتهم لكن الجماهير الكردية بقيت تهتف مطالبة بجثمان الشهيد ، وفي الساعة الثالثة بعد الضهر وقف المرحوم عبد الرحيم وانلي وقال لرفاقه اليوم يكفي بينما بقيت مجموعة كبيرة من الناس تتنقل بين ارض النوروز وبين الشارع حتى السابعة مساء .
يقول سمكو أنه في خضم هذا التوتر، ظهرت مجموعة من الشباب التابعين لرابطة العمل الشيوعي، رفعوا شعارات سياسية جريئة كان أبرزها "إسقاط النظام " وإزاء هذا التحوّل غير المتوقع قررت أنا وأفراد عائلتي الذين كانوا برفقتي الانسحاب فورا. كنا ندرك أن الأمور قد تنفلت، وأن التصعيد قد يجر نتائج كارثية. عدنا إلى المنزل برفقة هشيار وشيرذاد ونور الدين أبناء خالي، بالإضافة إلى أخي. الجميع كان يعتريه شعور ثقيل من القلق والحيرة حيال ما قد يحدث لاحقا.
ثم يكتب ملحوظته قائلا : " ما أثار دهشتي لاحقا هو ظهور بعض الأشخاص الذين لم يحضروا المظاهرة أصلاً، لكنهم بدأوا يروجون دعاية لأنفسهم كأبطال قادوها . نسجوا قصصا خيالية وبطولات زائفة، فشعرت بالأسى من هذا التزييف الذي شوه صدق اللحظة. "
خلال سرده للحدث يتحول من كاتب عن شخص اسمه سمكو إلى سمكو هو نفسه فيقول : في اليوم التالي، شعرت بحاجة ملحة للتعبير عما عشته. بدأت بكتابة قصيدة تصف كل تفاصيل المظاهرة، بكل ما حملته من مشاعر وأحداث كانت قصيدتي محاولة لتوثيق اللحظة بأمانة، ولتكون شهادة حية على ما حدث في تلك الليلة المليئة بالتوتر والغضب ، " لم ينشرها في الكتاب .
ويضيف أن والده سافر بعد فترة ليطمئن على أبنائه الذين شاركوا في المظاهرة. وبعد أن استمع لكل التفاصيل كتب قصيدة رائعة عبرت عن الأجواء والمشاعر التي عاشها الجميع انتشرت بين سكان حي ركن الدين " حي الأكراد " وأصبحت حديث الجميع .
وتحت عنوان في أواخر عام 1986 لقاء البارزاني وغياب سمكو يسرد سمكو
خبر وصول الرئيس مسعود البارزاني إلى العاصمة السورية دمشق للقاء اطراف المعارضة العراقية الموجود في سوريا .
أعتقد أنه يقصد الأحزاب والفصائل المكونة لتحالف جود وتحالف جوقد ، إضافة للفصائل الكردية العراقية مثل رفاقه في البارتي الديمقراطي الكردستاني – العراق والحزب الاشتراكي الكردستاني بقيادة رسول مامند وكوملة ، وحزب كادحي كردستان بقيادو المرحوم أبو زياد ..
طبعا كان لرفاق البارتي في سوريا حظ ايضا في استقباله واستضافته بحي الأكراد ، بهذا الوقت قدم والد سمكو إلى دمشق مصطحبا ابنه هشيار، لافتا النظر إلى ان كلاهما كانا متحمسين للقائه وطرح سؤال طالما شغل بالهم.
خلال لقاء والده المرحوم رينجبر بالرئيس بارزاني توجه المرحوم رينجبر بسؤاله " ذلك الطريق الذي ينشق عبر جبل بيخير من أسفله إلى قمته ما مصيره ؟؟؟
رد الرئيس البارزاني على سؤال رينجبر بابتسامة مليئة بالثقة والطمأنينة:
"لا تقلق يا رينجبر، ذلك الطريق سيكون لنا ."
يأسف سمكو لعدم وجود مع والده وأخيه في ذلك اللقاء الذي يعتبره تاريخي ومهم وذلك بسبب استدعاءه من قبل أحد أفظع فروع مخابرات النظام اجراما وهو فرع المنطقة المعروف باسم فرع التحقيق العسكري الذي حينها انا شخصيا معتقلا بين جدرانه واعتقاله فيه .
وعن ذلك يقول " بدأت سلسلة من التحقيقات التي كانت أشبه بمحاولات استجواب بائسة لا تفتقر فقط إلى العمق، بل كانت تفيض بالغباء والتعنت. كان المسؤول عن تلك التحقيقات هشام بختيار، الذي بدا عليه أنه يسعى إلى انتزاع اعترافات أو معلومات من سمكو ، دون أن يعي أن الأخير يتمتع بفكر راسخ وإرادة قوية.
يصف حالته قائى : في غرفة التحقيق انهالت الأسئلة على سمكو بطريقة تشير إلى جهل واضح بطبيعة النضال الكردي. ومن بين تلك الأسئلة:
" هل تعرف الرئيس البارزاني شخصيا ؟"
" هل انضممت إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي)؟"
"ما الهدف من فتحك محلا على الشارع الرئيسي ، هل كان بمثابة مكتب سري للحزب؟"
سمكو وصف هشام البختيار بعدم فهمه لتاريخ الشعب الكردي .. بقوله " .. كان واضحًا أن هشام بختيار لم يكن سوى أداة تنفيذية يفتقر إلى الفهم العميق لتاريخ الشعب الكردي ونضالاته.. " . ظهر أن كل أسئلته كانت تعكس محاولاته لإيجاد ثغرة أو دليل يثبت انتماء سمكو للحزب، وكأن ذلك في حد ذاته تهمة. ..فيعلق قائلا : " .. لكن سمكو، الذي عُرف بشجاعته وثباته، ظل محتفظا برأسه مرفوعًا... لم يكن من السهل إخضاعه أو النيل منه. كان يدرك جيدًا أن طريق الحرية محفوف بالمخاطر، وأن الصمود أمام هذه الضغوط هو جزء من النضال "
يقول أنه وبعد انتهاء هشام بختيار من استجوابه انهال عليه بوابل من الشتائم والإهانات، محاولا كسر عزيمته والنيل من إرادته تعرض للتعذيب من السجانين في غرفة التحقيق ذاتها ، يشرح ذلك قائلا : أحكموا وثاقي، ثم قاموا بتغطية عيني بعصابة سوداء حتى لا أتمكن من رؤية شيء. شعرت بأيدِ قاسية تدفعني بعنف نحو الممرات الضيقة داخل المعتقل ، حتى وصلت إلى زنزانة باردة، حيث ألقوا بي دون أدنى شفقة ، بقيت هناك للحظات محاولا استيعاب ما جرى .. لم تمنح لي فرصة لالتقاط أنفاسي. "
بعد وقت لم أتمكن من تقديره، جاء الحراس مجددًا. (طمشوا) عيني مرة أخرى، وسحبوني إلى غرفة التحقيق.
أزالوا العصابة عن عيني، فوجدت نفسي في غرفة كئيبة، ذات جدران رمادية متآكلة، تملؤها صرخات المعتقلين الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب ..
تعمدوا إبقائي فيها ليجبرونني على مشاهدة ذلك المشهد المروع، وكأنهم أرسلوا إلي رسالة تقول هذا مصيرك إن لم تعترف.
قضيت في تلك الغرفة أربعًا وعشرين ساعة، أراقب كيف يسحق المعتقلون تحت سياط الجلادين، وكيف يُرغمون على الاعتراف بما لم يفعلوه تحت وطأة الألم والتهديد. كنت أعلم أن دوري قادم لا محالة، ولم يطل الوقت حتى تحقق ذلك.
في صباح اليوم التالي، جاء أحد الحراس وأمسك بيدي بعنف، ثم عاد ليعصب عيني مجددًا .
شعرت بأنفاسه الحاقدة قرب وجهي وهو يهمس بصوت خبيث: استعد لجولة جديدة". لم أقاوم، فالمقاومة كانت ضربًا من العبث، وكنت أعلم أن كل خطوة تقربني من الجحيم الذي أعدوه لي.
ما إن دخلت غرفة التحقيق حتى نزعوا العصابة عن عيني، فوجدت أمامي المحقق، رجل بملامح جامدة ونظرة باردة لا تحمل أي بادرة للرحمة. لم يكد يفتح فمه حتى انهال علي بسيل من الشتائم القذرة، دون أن يمنحني حتى فرصة للرد. ثم، وقبل أن أستوعب ما يجري، رفع عصا غليظة وهوت بقوة على ركبتي، شعرت بألم هائل كاد يفقدني وعيي، لكن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة له. وجه إلي لكمة عنيفة على جبيني، فارتطم رأسي بالأرض بقوة، وشعرت بدوار شدید تلاشى كل شيء من حولي، وغبت عن الوعي تماما.
عندما أفقت، وجدت نفسي في الزنزانة مجددًا، محاطا ببعض المعتقلين الذين حاولوا مساعدتي على استعادة وعيي.
وجوههم منهكة، لكنها تحمل بريقًا من التضامن، ذلك التضامن الذي يبقي الإنسان صامدًا وسط الجحيم. ساعدوني على النهوض، وبحركات رياضية بطيئة، بدأت أحاول استعادة السيطرة على جسدي. كانت قدمي تؤلمني بشدة، بالكاد أستطيع تحريكها، لكنني كنت مصممًا على ألا أسمح لهم بكسر إرادتي.
كان ذلك مجرد يوم من سلسلة طويلة من العذاب، لكنه علمني درسا واحدا في المعتقل، لا يكمن الانتصار في الهروب من الألم، بل في البقاء حيًا، محافظا على ما تبقى من إنسانيتك، مهما حاولوا سحقها.
بعد توقيفي، أخذت إلى مهاجع الموقوفين " يقصد قاووش المعتقلين " حيث كان المكان مكتظا بأكثر من مئة وخمسين شخصا من المعتقلين ، كل واحد منهم يحمل قصة خاصة به، وتهمة مختلفة.
بمجرد دخولي المهجع " القاووش " انهمرت الأسئلة علي من كل حدب وصوب "من أين أنت ؟ ولماذا تم توقيفك؟
" أجبت: "أنا من ديريك." وقبل أن أكمل السبب، قاطعني أحدهم قائلاً: "أنت كردي؟" أجبته بنعم، فسمعت من بينهم اسما تردد: "أبو جنكو."
كان أبو جنكو ، أو ربحان رمضان، أحد الموقوفين " يقصد هنا أيضا أحد المعتقلين " بسبب مشاركته في مظاهرة نوروز قادتني قدماي نحوه وسلمت عليه. كان يتحدث العربية، الأمر الذي أدهشني للحظة لكنه أوضح أنه من أكراد الشام. منذ اللحظة الأولى، شعرت بأن هذا الإنسان ليس عاديًا، بل يحمل في داخله أصالة الكوردايتي.
أبو جنكو كان رجلا استثنائيًا. علمني كيف أتصرف أثناء التحقيق، وكيف ألتزم الصمت ولا أعترف بأي تهمة توجه إلي. كان دائما يشجعني قائلاً: ستخرج قريبًا." فقد أطلعته على تفاصيل التحقيقات التي أجريت مع كاملة .
مررت بفصول تحقيق عديدة ، كانت قاسية بكل تفاصيلها، وفي كل مرة، كانت عيناي مطمشتين، بينما تتوالى علي الشتائم التي لا تعد ولا تحصى. أما ذلك الكرسي اللعين، فقد كانوا يطلقون عليه اسم "الروسي" أحيانًا، وأحيانًا أخرى كان له تسميات مختلفة، لكن المعاناة المرتبطة به كانت واحدة.
أما السياط، فكانت مصنوعة من الكابلات السميكة، ومع كل ضربة، كانت تمزق جلدي، حتى أصبح الألم لا يُحتمل. في كثير من الأحيان، كنت أفقد وعيي من شدته، فأغيب عن الدنيا للحظات، قبل أن يُعيدوني إليها بالمزيد من العذاب.
هكذا مضت أكثر من ثلاثة أشهر في فرع المنطقة، كنت خلالها أسيرًا للألم والظلم، حتى جاء اليوم الذي قرروا فيه نقلي إلى فرع التحقيق العسكري، حيث كان ينتظرني فصل جديد من المعاناة.
وخلال هذه الفترة، أصبح أبو جنكو مرشدًا لي وداعمًا لا يُنسى. عندما أخبرني أنه سيتم إطلاق سراحي قريبًا، لم أصدق في البداية، لكن كلامه تحقق بعد أن أمضيت ستة أشهر بين جدران الزنازين، تم تحويلي إلى فرع التحقيق العسكري، ومن هناك أفرج عني.
قبل مغادرتي حمّــلني أبو جنكو رسالة لرفاق دربه في حزب اليسار الكردي " وهنا يقصد حزب الاتحاد لشعبي الكردي بقيادة صلاح بدر الدين .
كانت رسالته مليئة بالإخلاص والوفاء سيبقى أبو جنكو الذي عرفتموه مخلصا لوطنه وقضيته الكردية، ولن يتنازل عن مبادئه."
رغم كل الضغوط التي تعرض لها، والإغراءات المادية والسياسية التي وعد بها، اختار أبو جنكو الوفاء لمبادئه. كان يعلم أن خروجه من المعتقل لن يكون ممكنا إلا إذا قدم تنازلات كبيرة .
وما ان ُأطلق سراحه حتى اختار المنفى رغم منعه من السفر منذ الحادي عشر من نيسان عام 1979 هاربًا إلى إحدى الدول الأجنبية تاركا املاكه واراضيه وبيته كي لايخون القضية التي ناضل من أجلها حيث لا يزال حيا يرزق حتى يومنا هذا.
إن قصة أبو جنكو درس في الإخلاص والشجاعة. لكنها أيضا دعوة للتأمل في وضع الحركة الكردية في سوريا اليوم. لقد أصبح عدد الأحزاب الكردية مبالغا فيه بشكل لا يُصدق، ما أدى إلى تمزق الوحدة الكردية وإضعافها.
نصيحتي إلى الأحزاب الكردية أقول: كفاكم تشتتا وانقسامًا. استعيدوا وحدتكم وقوتكم، فالوطن والقضية يحتاجان إلى قلوب صافية وأياد متحدة.
ختامًا .. أحيي الصديق أبو جنكو على إخلاصه ووفائه، وأدعو الجميع لتذكر أن النضال الحقيقي يبدأ من الداخل، من الإيمان بالمبادئ التي لا تباع ولا تشترى.
عندما تم نقلي إلى فرع التحقيق العسكري لإعادة التحقيق، وجدت نفسي في زنزانة مكتظة بالمعتقلين أشبه مايكون بعالم مصغر يضج بالأنفاس المثقلة والتعبيرات المنهكة. كان عددهم يفوق الخمسين، وكل منهم يحمل قصته التي تستحق أن تُروى.
بمجرد دخولي إلى المهجع " القاووش" انهالت علي الأسئلة ذاتها التي واجهتها في فرع هشام البختيار : من أنت ، من أين أتيت ، ولماذا تم توقيفك؟
قال : كنت أشعر كأنني دخلت دائرة تحقيق جديدة، لكن هذه المرة على يد رفاق في المصير.
ثم وفي القاووش ذاته يتعرف إلى صديق حافظ أسد الذي رماه في المعتقل دون رحمة .
يقول سمكو : تعرّفت عليه مع مرور الوقت ، حدثني عن معاناته التي اختزلها بعبارة مؤلمة : " لم يبق سجن في سوريا إلا ونمت فيه "
كان سمكو يشعر في حديث صلاح جديد مزيج من المرارة والصبر سيما بعدما أخبره " جديد" بأنه محتجز برسم " الأمانة " رغم انتهاء مدة سجنه ، وكأن السجن قد أصبح قدراً يلاحقه بلا نهاية .
في المهجع " القاووش " تعرّف سمكو أيضا على مجموعة من الشباب ينتمون إلى رابطة العمل الشيوعي كانوا قد اعتقلوا إثر مشاركتهم في مظاهرة نوروز عام 1986. شرح له أحدهم كيف انتهزوا فرصة التجمع الكبير في المظاهرة للهتاف بشعارات تنادي بإسقاط النظام، غير آبهين بالعواقب كان في قصصهم مزيج ا ً من الجرأة واليأس، وكأنهم يعرفوا أن أصواتهم، رغم ضعفها، قد تحمل وزناً في وجه الجبال.
ثم وفي ليلة 20 إلى 21 مارس من عام 1987، رفاق حزب العمل دعوه إلى جلسة حول عيد نوروز، وطلبوا منه الحديث عن رمزية نوروز .
راحوا ينادوه بـإسم " بيشمركة " يقول واعتبروا حديثي عن العيد بمثابة محاضرة .
جلست وسطهم أتحدث عن نوروز كرمز للحرية، عن نار الثورة التي تشعل القلوب، وعن الأمل الذي يولد مع كل ربيع. كان المشهد مليئاً بالمفارقات؛ نحن معتقلين نعيش في أكثر الظروف بؤساً، ومع ذلك نتحدث عن الحرية وكأنها في متناول أيدينا.
في أوائل شهر نيسان جاء الحارس وطرق باب المهجع " القاووش " وناداه باسمه قائلا ً بلهجة مقتضبة " حَضّر نفسك للخروج "
يقول سمكو أنه لما خرج من القاووش واجه نور الشمس لأول مرة منذ ستة أشهر كانت المسافة بين المدخل والشارع الرئيسي تزيد على مئة متر، لكنه شعر وكأنه يعبر من عالم إلى آخر.. من ظلام إلى حياة ، كل خطوة كانت تحمل وزناً هائلاً من الذكريات والأسئلة التي تراكمت طوال فترة الاعتقال .
وعندما توجه سمكو إلى بيته في القابون نسى موقع غرفته ، التقى صدفة بالعم محمد إبراهيم خليفة صديق والده ومن أبناء قرية كنكلو .
الذي هرع نحوه عندما رآه ليحتضنه ويبكي قائلا بصوت مختنق : لا أصدق أنك حر .
يقول سمكو : " قبلت يده، ووقفنا نبكي معاً، غير قادرين على تمالك أنفسنا ، كان لقاؤنا لحظة نادرة تجمع بين الألم والفرح ..
دعاه العم لتناول الغذاء في بيته واستقبله مع افراد عائلته اجمل استقبلته عائلة العم محمد بجو مليئً بالمحبة والعطف والحنان .
ثم توجها الى بيته ليفاجأ بابن خاله نور الدين وزوجته مما زاد بالفرح يقول و رويت لهما ما مررت به من معاناة وظروف قاسية خلال فترة توقيفي.
في صباح اليوم التالي يعود إلى ثكنته العسكرية لتسوية وضعه ، يقول : " عندما دخلت المكتب فوجئ الضابط المسؤول برؤيتي فتوجه نحوي واحتضنني بحماس وهو يسألني عما جرى ، رويت له ما حدث معي بالتفصيل، فبادر على الفور بإبلاغ ضابط أمن الموقع الذي كنت أخدم فيه. "
جلسنا معا لشرب القهوة وتبادل الحديث، قبل أن يطلب مني الذهاب إلى مكتب ضابط الأمن لتقديم تقرير شامل عما مررت به.
في مكتب ضابط الأمن ، سردت تفاصيل ما تعرضت له بدقة. استمع إلي باهتمام وسجل شهادتي بعد انتهاء الإجراءات عدت إلى الضابط المسؤول في الخدمة، الذي لاحظ آثار الإرهاق الشديد على وجهي، بالإضافة إلى الكدمات الواضحة التي خلفها التعذيب، خاصة بعد استخدام "الكرسي اللعين"، تلك الأداة التي سببت لي آلاما ً لا تزال ترافقني . ثم منحنه الضابط إجازة فورية للراحة والعودة إلى المنزل.
في فترة إجازته يراجع سمكو المشفى العسكري لاجراء معالجة لركبته وقدمه وظهره ، فأكدت النتائج وجود كدمات و آثار ضرب واضحة، بالإضافة إلى كسر في الركبة وإصابات أخرى في ظهري وأسفل قدمي، وهي إصابات تسببت له بآلام شديدة صارت ترافقي بشكل دائم .
يرسل خبر لإطلاق سراحه مع ابن خاله لوالده ثم سافر إلى القرية وكله شوق وحنين ، وما أن اقترب من مدخلها حتى فوجئ بأزيز الرصاص احتفالا بعودته حرا ً .
يقول : " كان المشهد مؤثرًا للغاية، حيث اجتمع معظم أهالي القرية حولي، يعبرون عن فرحتهم بعودتي في لحظات محفورة في الذاكرة. " .
يتابع في كتابه قائلا : " بعد أن أنهيت خدمتي الإلزامية وعدت إلى البيت بدأت سلسلة من الماسي ، فقد أغلقت الأبواب في وجهي عند أول محاولة للحصول على وظيفة " .
يعدد سمكو التهم التي وجهت إليه خلال فترة اعتقاله أولها عضويته في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا " البارتي " ويشرح لنا الجواب قائلا : " نعم، كنت عضوا في هذا الحزب، ولكن عضويتي كانت مجمدة منذ انخراطي في الخدمة الإلزامية. " .
و أنه بعد إطلاق سراحه لم تبادر قيادة الحزب إلى زيارته أو التواصل معه معلقا : " وهو ما كان من حسن حظي، لأنني بعد ما عانيته لم أعد أرى في تلك الزيارة أي نفع ارسلت للقيادة رسالة تفيد بأن مثل هذه الزيارة قد تضر بي أكثر مما تفيدني .. "
ثاني التهم فتح محل على الشارع الرئيسي لاستخدامه مكتبا سريًا للحزب .
ثالث التهم علاقته بالرئيس مسعود البرزاني .
إضافة إلى تهم أخرى مثل العمل على تقسيم سوريا وضمها إلى دولة أجنبية .. فيعتبر هذه التهم جزءًا من الرواية الجاهزة التي وجهت إلى جميع الكرد آنذاك ، وكأنهم يسعوا إلى تفتيت الوطن مضيفا أن لا أساس لهذه الادعاءات سوى أوهام ممن صاغها، وأهداف مبيّتة لتشويه صورة شعب بأكمله.
ثم يختتم كتابه قائلا : " .. أؤمن بأن المحن تجعل الإنسان أكثر صلابة، وأن الظلم مهما طال أمده لا بد أن يزول تاركا وراءه دروسًا عميقة ومعان جديدة للحياة. ..بلغ الألم منتهاه حينما حيكت تهمة كيدية ظالمة لعائلتي بأسرها دبرها أعداء كُثر، غايتهم أن يُجبرونا على ترك قريتنا العزيزة التي سكناها قلبا وروحًا ، تلك القرية التي ولدت فيها، وشهدت ملامح طفولتنا وذكرياتنا التي لا تُنسى، كانت موطننا الذي لم يكن مجرد مأوى، بل كان قلعة للبيشمركة ومنارة للروح الكردية في أرجائه .. كان منزلنا شاهدًا على معاركنا وأحلامنا التي لم تنحن أمام الرياح .... " .



#ربحان_رمضان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيتان مؤثرتان في حياتي - أولهما خطيب وثانيهما فوال .. !!
- جريس الهامس لم ينساني لكن لم يكن يعرف اسمي
- عودة الى نوروز الانتفاضة 1986
- علم ودستور ، وقضية جوابا ً على أسئلة الأستاذ حاجي سليمان
- لاجئ و نازح ومهاجر
- سامي ناصرو ، حدثته ذات مرة عن طرفة
- ياأطفال المنفيين .. مررت عليكم .. لم أجدكم
- - نعم لجبهة معارضة سورية تضم العرب والكورد ولا لعزل حزبه في ...
- جلسة خاصة مع الكاتب والروائي البريطاني جيمس أولدريدج
- نص كلمة ربحان رمضان في لقاء استانبول من أجل سوريا المنعقد بت ...
- الأستاذ جريس الهامس كما عرفته عن قرب
- أحبك حتى .. !! نص من كتابات قديمة
- تســـــامح بلا قيود الجزء الأول
- قراءة في كتاب حول كتاب حي الأكراد في مدينة دمشق للأستاذ عز ا ...
- حرّ ، رغم الحصار ومنع السفر
- مناشدة نشرت في صفحة الحوار المتمدن بتاريخ 30/1/2011 - كي لا ...
- قصة الهروب من الخوف - 1
- من يوميات أحمد المنفي في وطن المنفيين .. !!
- من يوميات أحمد المنفي .. !!
- بطل من حيينا الكردي حاز على لقب بطل العالم لثلاث مرات على ال ...


المزيد.....




- اعتقال عشرات المتظاهرين في لندن لدعمهم حركة -فلسطين أكشن-
- تركيا وحزب العمال الكردستاني.. مرحلة جديدة محفوفة بمخاطر وتح ...
- ما وراء الخبر: ما دلالات بدء حزب العمال الكردستاني تسليم أسل ...
- الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين السلوكات ...
- أمين سر اللجنة المركزية لفتح: تنظيم سلاح الفصائل الفلسطينية ...
- رقابة وسيطرة ناعمة، عبر الذكاء الاصطناعي كأداة قمع سياسي متد ...
- على ماذا ركز أردوغان في خطابه بعد تسليم حزب العمال الكردستان ...
- 60 نائباً من حزب العمال البريطاني يطالبون بالاعتراف الفوري ...
- أردوغان يعتبر تخلي -حزب العمال الكردستاني- عن السلاح انتصارا ...
- -تركيا اليوم أقوى-.. أردوغان يتحدّث عن -مرحلة جديدة- بعد تسل ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ربحان رمضان - كتاب - حلم الأمل - سرد ووصف جميل لكاتبه سمكو بوتاني