أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالله كرمون - ضد التحريم!















المزيد.....

ضد التحريم!


عبدالله كرمون

الحوار المتمدن-العدد: 1817 - 2007 / 2 / 5 - 07:18
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


صدر فقط بداية هذا العام كتاب "تيريزا فيلسوفة" لدى دار فلاماريون في طبعة جديدة، محققة ومنقحة مع توطئة علمية هامة أنجزتها فلورونس لوتري من جامعة ستراسبورغ. لقد صدرت على طول السنوات الماضية طبعات أخرى لدى مختلف دور النشر مثال طبعتي الروائع الممنوعة سنة1979 وغاليمار فقط في 200. طبعة فلاماريون أعادت نشر الصور التي احتوتها طبعة باريس سنة 1785. إذ نشر الكتاب لأول مرة سنة 1748 بلييج وقد تعرض بعد ذلك لمنع وتعقب الشرطة وتم إفساد كثير من النسخ التي سقطت في أيديها آنذاك. ما لم يمنع "تيريزا فيلسوفة" مع ذلك من مقاومة عاديات الرقابة واستطاع بالتالي أن يجتاز مفعوله القرن الذي أطلق عليه بحق فما بعد بعصر الأنوار. إذ أن سنة ظهور الكتاب نفسها كانت سنة الفلسفة والاهتمام الايروسي بامتياز!.
الكتاب لم يحمل اسم كاتب ما على الغلاف، إذ لم يتأكد بعد كون نسبته إلى الماركيز بوير دارجين مفروغ من أمر صحتها، وإن كانت أغلب الدلائل ترجح ذلك. فالكتاب لم ينشر تحت اسم ما، ما ذهب بالكثيرين أن يزعموا كونه من كتب الماركيز دو ساد تارة أو ديدرو تارة أخرى، أو غيرهما، غير أن هذين مستبعدان عن شأن كتابتهما له. فإن كان ديدرو ليس يعلن إلحاده أمام الناس، فالماركيز دو ساد ينزع في فلسفته الايروسية منزعا آخر يختلف في الجوهر عما نجده في تيريزا هذه إضافة إلى كونه من كبار ملحدي القرن الثامن عشرة ومن أشد الذين انبروا بشدة لنشره كما نعلم جميعا.
لم يكن كتاب "تيريزا فيلسوفة" فريدا في طرازه بل جاء ضمن منشورات كثيرة تعالج في مجموعها نفس الموضوع مع تنويعات لها مبرراتها الذاتية المتعلقة بالموضوع ومن يقف خلفه. مثل جولييت دو ساد المعروفة وجيلي نيرسيا، الفيلسوفة هي أيضا. أمر آخر هو أن كتاب تيريزا مثلا قد استفاد من الكتب التي نشرت من قبله سواء أواخر القرن السابع عشرة أو بداية القرن الموالي.
ندرك جيدا الصعوبة التي تعتري قراءة كلاسيكيي القرون السالفة، سواء تعلق أمرها بكونها مكتوبة بالفرنسية القديمة، أو بتخلل نصوصها كلمات قديمة لم تعد تستعمل أو قد طرأ تغيير كبير على معانيها رغم احتفاظها على مبانيها القديمة. إضافة إلى ضرورة فهم كثير من التعابير التي تعوّد الناس على استعمالها آنذاك.
من فضائل الطبعة التي تنشر اليوم أيضا أنها استقت من نسخة متواجدة بالخزانة الوطنية بباريس تعود إلى القرن الثامن عشرة وتم تخطي ذلك بكتابتها ببناء لغوي حديث كما وضعت إحالات تشغل عدة صفحات توضح كثيرا من التعابير والكلمات القديمة، إضافة إلى إيراد ما تقتبسه الرواية من كتب سابقة أو ما تشترك فيها معها.
"تيريزا فيلسوفة" إذن أو مذكرات حول قصة الأب ديراغ والآنسة إيراديس، يقدمه كاتبه إلى القارئ وكأنه نص كتبته تيريزا تحت طلب عاشقها الكونت، وإن نجد معطى آخر وسط الكتاب تذكر فيه تيريزا أنها يلزمها أن تخط قبل أن تنساه لدى عودتها إلى غرفة النوم، ما جرى من مذاكرة فلسفية بين القس "ت" والسيدة "س" في حديقة بيت الأخيرة الريفي، إذ اختبأت ثمة في مكمن كي تعاين كل الذي يدور بين ذلك الرجل وتلك المرأة إذ أحست أن شيئا سريا يجري بينهما. قد لا يهم هذا الأمر لأن تيريزا إذن امرأة مثقفة تقرأ وتكتب ربما على الدوام وهذا الكتاب إذن هو ما يتيح ذكر قصة ديراغ وإيراديس ثم حكاية مانون بعد ذلك أي بوا لوريي.
الكتاب إذن يمزج بين أمرين: الفلسفة والايروسية وإن كانت الايروسية نفسها فلسفة قائمة. ما يعني خصوصا كون الكتاب يركز على نقاش منطقي نوعا حول الدين المسيحي أو الأديان بوجه عام ثم يعاود معالجة مؤاخذة الدين على ممارسة حرةٍ لايروسية طبيعية وعادية.
يجئ الحكي في أول الأمر ونجد فقط في آخر الكتاب حدوث لقاء تيريزا بالكونت الذي تحكي له عن إيراديس وغيرها.
صحيح أن تيريزا راحت في البداية تشهد على أهمية السعادة سعادة الفرد ذاته وسعادة الآخرين بعد ذلك. واللعنة كلها لمن يقف ضدها. تتساءل نفسها في البدء: "لماذا نخشى من كتابة حقائق مفيدة للمجتمع؟"
يطرح الكتاب إذن في تناوب موضوعاتي تنوعا في مضامين معينة تتعلق كما أسلفت بحديث أسئلة الجسد والجنس وضرورته وعن أمر الدين وهدف احتشاد تعاليمه بكثير من المنع ورصد حرمان الإنسان من متع الجنس التي ليس يرتاح العقل والبدن سوى بعد استفاء حقها وإشباع سغبها إذ قال كارل ماركس نفسه، في أمر استحضره من الذاكرة، أن الجنس جوع لكن ليس يمكن إشباعه ماعدا بحضور كائن إنساني!
بغض النظر عن جعل شخوص تنتمي إلى عالم الكنيسة والمجال الديني، فإنها أيضا شخوص، خاصة الأب "ت"، تمتلك فلسفة متنورة عن الدين وعن كون رغبات الإنسان ليست تتعارض مع أساس الأمر الإلهي أو حتى أنها لو تعارضت معه فإن ذلك ليس يمنع ممارستها، بشرط استحضار كثير من الحرص والحذر اللازم عدم إغفالهما. زيادة، وهذا هو الأكثر أهمية، عن عدم إظهار حقيقة إمكان وصحة ذلك لكل العامة والدهماء، من ليسوا في نظر حكمة الكتاب، أهلا لمعرفة الحقيقة كلها، سواء لكونها قد لن تفهم أولا أو لكون هؤلاء قد يستغلون كون وجودها واستباحها لأمور كي تحدث فوضى هائلة. ما نجد من قبل أيضا لدى فلاسفة اليونان وفلاسفة العرب أنفسهم، وغيرهم. من هنا أيضا اختلاف فكرة الكتاب عن جوهر الفكر الذي ناهض دو ساد من أجله كل العالم وخبر بسبب ذلك أفظع سجون فرنسا إذ ذاك.
ودون إسهاب غير ذي بال، نشير أيضا كيف جاءت في كل الذي نقلت إلينا تيريزا، كون فكرة التساؤل حول كون الإنسان مخيرا أم مسيرا؟ قد مازجت نفسها فلسفتها، وتضاربت الأفكار حول كون أفعالنا متأتية من اختيار أو من إجبار مصدره القدر. يعرف الجميع كيف دارت نقاشات مفكري الإسلام القدامى حول نفس الفكرة وكيف خلص أكثرهم إلى استنتاج أن يكون الله ليس يدعو إلى الشر وليس يمليه على الناس أبدا!
فإذا كان الدين يرغب في سعادة الإنسان على الأرض فكيف يرفض للإنسان تمتعاً بملذاته؟
هذا الدين إذا بهذا الوجه يجعلنا نتأكد، كما جاء في الكتاب، أن هذه الأديان والكتب التي نقول عن نفسها كونها سماوية ليست سوى من صنع الإنسان، مادام الله الذي نسبغ عليه كثيرا من الطيبوبة ليس يقدر على كل الشر المسطر فيها! مثلما كانت فكرة شديد القدرة ضحلة قدام مكر الشيطان به!
مع ذلك فإن كتاب تيريزا لا يعلن أي إلحاد وإن شارف نقدا ما لبنية الدين. كما أن كل ما روت تيريزا أو صديقتها بوا لوريي من لوحات إيروسية صارخة، بما فيها مشاهد من استمناء ومن جماع مثليي، لا تذهب فيه مثل ساد إلى أقصاه بل راعت فيه مع ذلك كثيرا من الحذر والحيطة بفضل بلاغة لا تبدي كل شيء بقدر ما تلمح فقط.
فلنشدد إذن مع فلورونس لوتري في الأخير حول خاتمة ذكرت فيها هولباش صاحب "نظام الطبيعة" حوالي سنة 1770، إذ قال: "فلنعمَد إذن أن نزيح عن الإنسان الضباب الذي يمنعه من السير في طريق الحياة بخطو واثق!"



#عبدالله_كرمون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالله كرمون - ضد التحريم!