أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيناني إبراهيم - هيرو والعود الأبدي إلى الأرض














المزيد.....

هيرو والعود الأبدي إلى الأرض


عيناني إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1815 - 2007 / 2 / 3 - 11:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



في إطار حديثه عن الموسيقى، يصرح نيتشه أن اللحن هو كل ما هو جيد، خفيف، وكل ما هو الهي يسير على أرجل دقيقة حساسة. وتماشيا مع هذه الأطروحة القائلة بوجود ارتباط وطيد بين الفكر الخفيف والإيقاع الموسيقي البسيط والخفيف، فإن هيرو كقطعة موسيقية احتفال بالحياة وتأكيد على الاستمرارية والبقاء على هامش بنية ذكورية مركزية مؤسسة على إيقاع معقد ثقيل في الهضم، لأنه مبني على العقل ومرتبط بالأزلية والخلود.
وبعيدا عن إيقاع المطلقات داخل فضاء المسجد وهواجسه المرتبطة بالخوف والموت، فإن هيرو يتطلع إلى منطق آخر مختلف كليا، منطق مؤسس على اللامعقول ومبني على المشاعر وفلسفة الحياة النامية، فهو طرب وتناغم يعمل على تحديد الوجود لدى الكائن الأمازيغي، ويهدف إلى إعادة تكوين جسم خفيف منسجم مع تفكيره الخفيف. فهيرو كحقيقة لما ينفع الحياة الأرضية يعلن عن انعدام ماهية ثابتة للكائن الأمازيغي ويؤكد أسبقية وجوده عن ماهيته، خاصة بعدما فشل الفكر المسجدي في تحديد هويته وماهيته باستعمال العقل. فإذا كان الإنسان خالقا لذاته كما يقول زرادوشت، فإن هيرو كتفكير وجودي يسعى، وباستمرار وفي كل مساء، إلى إعادة تجديد هويته، وذلك ما تشير إليه الأنشودة الجماعية في اليوم الأخير لمراسيم الزواج في المنطقة الجنوبية الشرقية للمغرب.
A waba Rebbi ssiwy ad gegh agwerram ad netfur winna nemnin.
هنا يعلن هيرو انهيار العالم الآخر ورفضه للميتافيزقيا الوافدة عليه. فهو لا يرضى بماهية المسجد ولا يقف عند حدها، بل يتجاوز الذات أو الحالة السابقة ليتوجه إلى حالة مغايرة. فالبيت في حد ذاته، وكنظام من العلامات يؤسس لذلك الصراع اللانهائي بين الروح الأبلوينة، كروح النظام والوضوح والخلود، وبين الروح الديونيزية –اكورام كروح الاندماج مع الطبيعة والخضوع للغريزة التلقائية، أي استحواذ اللامعقول، وبذلك يقر هيرو أن الحقيقة قيمة متغيرة خاضعة للنفع الحيوي وتمجد الحياة لأنها هي القوة الدافعة لكل نشاط خلاق في الإنسان. إن الرجوع إلى اكورام كرمز لعبادة الأرض مرتبط بأثر قديم نابع من الماضي السحيق عندما كان الإله ينجب أطفالا من زوجة فانية، وتعود الفكرة إلى عهد اليونان أو عهد الفراعنة، عهد يؤمن بتعدد الآلهة وبعدد لانهائي من العوالم. وهذه إشارة واضحة إلى أن كل عالم تتكرر فيه نفس الحوادث، وبالتالي فإن الرجوع إلى اكورام يؤكد حدوديته ونهاية القوة الكونية للميتافيزقيا العربية الوافدة، ويقر استمرار التحول إلى ما لانهاية. فتكرار هيرو كل مساء يكون على شكل تحول خالد ويمهد لخلود أبدي يعلو مجال الفناء الذي تنادي به فلسفة المسجد كل صباح.
إن العود الأبدي لهيرو يجسد رغبة النفس والذات الأمازيغية في السيطرة على الزمان: فحين تتم إعادة الماضي مرات عديدة يستوي عند الكائن الأمازيغي كل من الماضي والمستقبل، ويصبح كل ماض قام به هيرو مستقبلا سيقوم به الكائن فيما بعد. وانطلاقا من تجربته التاريخية مع الفراعنة، الرومان و اليونان، فإن استمرار هيرو في البقاء يثبت أنه لا يعترف بالمطلقات إلا مطلقا واحدا: الحياة والإقبال على المرح والبهجة ويؤكد مع نيتشه أن كل حضارة حاربت العالم الأرضي وركزت آمالها على العالم الآخر، فمآلها الفناء والزوال. فإذا كان الفكر الوافد داخل المسجد يؤمن بثبات الحقيقة، فهذا راجع إلى فصل الحقيقة عن الأرض والحياة وتجاهله للنزعة الطبيعية لهيرو في كل مساء.
Sboin as llan alin xef izilalen ar ttaren ayt ileghwman
Sb3in n ulghwem ad yusin ttib nnan –ax tislit as ddan
إن الفكرة الأساسية من وراء مفاهيم هذه الأشعار هي «عش بحيث ترغب في الحياة ثانية». وإذا كان الأصل في الحقيقة هو نفع الحياة وتوفير الشروط اللازمة لنموها، فإن الهدف من التغني بأشعار هيرو هو استمرار الحياة والبقاء في عالم يسوده التغير وعدم الاستقرار، عالم الترحال والمجاعة كحقيقة أزلية. وبإضفاء المعنى الإنساني على هدا العالم تتفوق النزعة اللاعقلية ويسود نوع من التصوف:
Iwigh laz awigh fad awigh azir
Awigh-d tyni n ifrxan
فالي جانب كون هدا النص يعبر عن مرحلة تاريخية، فجانبه الفلسفي يحمل مفهوم إرادة الحياة أو إرادة القوة بمفهومها النيتشوي. ويذكرنا أيضا بدلك نحو الموت أو الحياة القربية من أبواب الموت كموضوع يلخص فلسفة هيدكر الوجودية في كتابه «الكائن والزمان». نحن إذن كائن غير مقتنع بما وصلت إليه حالته، العيش في الجبال والأدغال، وأمام زمن فشل فيه منطق اللغة الوافدة عليه في اتجاه معنى لحياته. فللبحث عن الحقيقة والتجربة الأصلية للوجود، يجب الابتعاد عن المطلقات الواهمة واستخدام لغة المجاز لإخفاء الحقيقة أو القيام بهدمها على حد تعبير هيدكر. ومن أجل الرجوع إلى الأصل الأصيل يجب السير في الطريق والعيش في خطر باستعمال مفاهيم نيتشه وهو قلق يعبر عنه هيرو هنا بقطع الجبال الصعبة والمشي حافي القدمين بدون زاد ولا ماء، واقتراب حدوث الموت، وكلها أشكال تعبر عن عدم تحديد الهوية، أو بالأحرى تعبير عن ذات تسير من إنسان أخير متخلف في اتجاه إنسان أرقى تسود حياته الغرائز والتلقائية الحيوية، يعيش الحياة في مجملها عندما يواجه الموت ويصل إلى علاقة حقيقية مع ذاته. إن هيرو بعوده الأبدي وارتباطه بالعالم الأرضي كلما حاول العقل السائد البرهنة على وجود ذلك العالم المثالي المرتبط وجوديا بالتخلف، يذكرنا بالقولة المشهورة لزرادوشت في مقدمة كتاب نيتشه «هكذا تكلم زرادوشت»: أنا أناشدكم أيها الأصدقاء أن تظلوا مخلصين للأرض وأن لا تصدقوا من يحدثكم عن آمال تعلو الأرض، ففي أحاديثهم هذه سموم، سواء علموا ذلك أو لم يعلموه.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هروب الأمازيغ من التجريد كخلاص


المزيد.....




- نتنياهو يتهم زعماء بريطانيا وفرنسا وكندا بـ-تقديم جائزة ضخمة ...
- -هو أنا لسه عايش؟-.. كاتب صحفي مصري يروي تفاصيل إيقاف معاشه ...
- بوتين وترامب.. توافق لإنهاء حرب أوكرانيا
- نتنياهو: موقف لندن وأوتاوا وباريس بشأن غزة سيؤدي إلى هجمات إ ...
- ترامب: لن أفرض عقوبات على روسيا لأن هناك فرصة للتوصل إلى تسو ...
- مجلس الأمة الجزائري يزكي رئيسا جديدا
- عاجل | ترامب: الحرب في أوكرانيا ليست حربي وأنا فقط أحاول الم ...
- مقرر أممي: خطط إسرائيل لتوزيع الغذاء بغزة سياسية لا إنسانية ...
- محللون: احتلال غزة لن يكون سهلا وواشنطن محبطة وتريد وقف الحر ...
- ما دلالة تزايد أعمال المقاومة وفشل عملية الاحتلال؟ الدويري ي ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيناني إبراهيم - هيرو والعود الأبدي إلى الأرض