عبدالقهار العتابي
الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 01:56
المحور:
الادب والفن
اخذ مصطلح الانتظار مديات واسعة في الفلسفة. فعند مارتن هيدغر ان الانتظار مرتبط بالزمن، هذا الزمن الذي يحقق القلق الوجودي. وعندما ننتظر لشيء او اشياء او شخوص او مواقف فأننا في انتظار وجودي كما هو الحال عند سارتر، الذي يرى ان هذا الانتظار باعث على العبث. اما في عبثية البير كامو فأن الانتظار بحد ذاته هو مضيعة للوقت كوننا في انتظار شيء لم يحصل.
وعند الحديث عن مضامين وبنيات العرض فأننا نجد ان المتفرج اصبح في موقف بين القلق والخوف من المجهول،وبتلك الحالة وضعنا في وسط دوامة من الانتظار ، هذا الانتظار الذي يكون انتظار مهلك وعقيم وغير مجدي ولا طائل منه.. وقد استمر في اقحامنا في تلك الدوامة المظلمة كلما حاولنا الخروج والتسلل منها بذهننا فقد احكم السيطرة على المتفرج بشتى الطرق بعبثية النظام القائم بين ثنايا العناصر ومفردات العرض..
فقد واضح في بيان هام وعاجل اننا في خضم ما موجود من متغيرات سريعة يشهدها العالم من حولنا على كافة الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية فأننا في دوامة من الفوضى والعبث ولا جدوى التي تتراكم وتتزاحم يوما بعد يوم، وقد وجهنا بشكل غير مباشر في محاولة منه في خلق عالم موازي لما يحدث و لبث الامل من خلال هذه الفوضى والضياع في توجيهنا بأنه هنالك نور في نهاية ذلك النفق المظلم، على الرغم من انه نفق مظلم، ألا انه يوجد في نهايته شعلة خافته ولكنها مضيئة تبعث على الامل ولكنه امل بطعم الانتظار الطويل ام القصير هذا الذي يفعل القلق...
فقد ابتعد عن واقع العبث في عبثية حياة العرض ولكن اعطى صورة واضحة عن واقعنا المرير والذي يسوده التخبط وعدم الاستقرار وكأنه واقع يعاني ( انفصام الشخصية).. ... واقع نراه غير مجدي تارة.. ونرى فيه امل تارة اخرى...
كذلك اننا لم نشاهد اي تطور تسلسلي في الاحداث او تطور درامي. انتهى من حيث بدأ، من بداية العرض ونحن في النهاية، وعندما انتهى العرض ظننا اننا في البداية، لذلك عندما توقف العرض معلن نهايته، تولد لدينا شعور بأن المخرج تركنا ورحل بكادره وبقينا نحن في تلك الدوامة دوامة الانتظار في الانتظار منذ اللحظة الاولى والى الان ولكن من الذي كنا في انتظاره؟ كلنا اصبحنا تائهون في عملية الانتظار تلك!! فكل منا عاش تلك الفوضى والضياع وهو ينتظر ذلك القادم (كودو) انتم كيف كان انتظاركم وماذا تنتظرون.. حتى انتظارنا هو في وسط العبث هو عبث!!! فأننا في زمن من الانتظار المشوه المثقل، بتوقف الحاضر و مستقبل مبهم. وذلك بسبب سرعة المتغيرات في هذا العالم الفوضوي، حتى اصبحنا لا نميز ماذا ننتظر؟ من ماذا نقلق ونرتبك؟ هل نحن في انتظار شيء مادي ام معنوي، بانتظار شخص ام بانتظار فعل؟
وللوقوف على اهم تفاصيل عناصر العرض التي استكملت الصورة المسرحية لابد من التطرق الى ما يلي:
اولا: الاداء التمثيلي:
اتسم الاداء التمثيلي بالتشكيل الحركي الجماعي والتعبير الايمائي.. وهو ما ركز علية مايرهولد في البايوميكانيك. فقد كان ادائا مشبع بالإحساس مشبع بالصدق. فأن كل فرد في المجموعة كان يؤدي مهامه كما لو انه يؤدي عرضا ميلودراما. فتارة تراهم عوالم مختلفة وتارة تراهم عالم واحد غير منفصل، فأنهم ينسلخون من الواقع ثم يعودون الية وكأنهم ينتظرون معنا ثم يرونا ذلك الانتظار.
ثانيا: الاضاءة والازياء والموسيقى(المؤثرات الصوتية)
فقد وضف المخرج الصوتيات والاضاءة بالاوانها المتعددة في عملية تدعيم وزيادة حرارة العرض وفاعلية من خلال التلاعب بالألوان الضوئية..
الصوتيات التي كانت تمثل اولى مراحل العبث والممل الذي اشعرنا به منذ اللحظة الاولى وننحن ننتظر ان ينتهي ذلك الصوت وهو يعرف ويقدم لنا العرض.. وبعدها اخذ الصوت مكانة في اثارة مواضع الملل وضبط ايقاع الممثلين وتوجيهم وزيادة قابليتهم الحسية ودفعنا ذهنيا لي نشترك في عملية الانتظار.
أما الازياء فقد استخدم اللون الابيض الذي يدل ويدعم فكرة العبثية واللاجدوى التي يدعوا لها مسرح العبث، فقد استخدم الازياء باللون الابيض فقد وضح فكرة الحيرة والارتباك والضياع..
ثالثا: الحوار
في العرض المسرحي استطاع المخرج ان يفرز لنا حوارا ك عنصر دراماتيكيا عبثيا فقد طبق فيه قواعد اصول مسرح العبث من خلال اللغة الغير مفهومة والكلمات المتقاطعة والغير والبطيئة، الحوار عبارة عن كلمات متناثرة مفككة.
رابعا: الإكسسوار ومفردات الديكور:
فقد استخدم المخرج مجموعة من المفردات والقطع الديكوريه ولكنه لم يوضع بعض هذه ولمفردات.. ولم يشبعها حركيا اي من خلال تعامل الممثل معها..
أما الشكل الاخير للعرض فقد اهتم المخرج بأدارة الشكل بحرفية فقد كان شكلا مبهرا في الابتكار في الاستخدام والتعامل مع هذا الشكل في بناء الصورة المسرحية من خلال التعامل الجسدي للممثلين مع مفردات الشكل وهذا يرجع الى ما عمد على استخدامه مايرهولد.
الخاتمة:
انقسم العرض المسرحي الى مجموعة من العوالم، التي اخذ فيها كل عالم يمثل عملية الانتظار بالطريقة التي يراها..
ففي العالم الاول اصبح الانتظار مقرونا بالقلق والخوف من المجهول.
اما في العالم الثاني اصبح الانتظار يأخذ شكل انتظار شخص عبارة عن مخلص مما في عالمنا من قبح وعدمية سائدة.
في العالم الثالث الذي كان يعني من العزلة والوحدة، اخذ فيه الانتظار شكل الشريك الغائب، لان العزلة ترتبط بالوحدة والظلمة والسوداوية.
واخيرا في العالم الرابع فأن العرض بذاته كان يحمل كل جزء منه انتظار متنوع وهذا الانتظار هو التساؤل الذي يبقى يدور بديمومه واستمرارية.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟