شغيلة فندق فالتور باكادير تناضل من اجل استقرار العمل وقوات القمع تتدخل لضمان استمرار خرق تشريعات الشغل

سعيد الريشة

الحوار المتمدن-العدد: 1806 - 2007 / 1 / 25 - 05:37
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

هجمت قوات القمع بالمنطقة السياحية باكادير على عمال وعاملات القرية السياحية فالتور المطالبين باستقرار العمل وبحقوق أولية نصت عليها التشريعات الاجتماعية (قانون الشغل والضمان الاجتماعي) منذ عشرات السنين.

فبكل ما أوتيت من ضراوة انقضت قوات التدخل السريع والقوات المساعدة على العمال والعاملات فور الشروع في إضراب مدة 48 ساعة يوم الأربعاء 17 يناير 2007 على الساعة 12 وربع ليلا ، وهجمت عليهم مرة ثانية في الساعة الثامنة صباح يوم الخميس 18 يناير، ومرة ثالثة في الساعة السابعة مساء نفس اليوم. أصيب عدد من العمال بجروح، واعتدت قوات القمع على مسؤولين من الاتحاد المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل مؤازرين للعمال بعين المكان، ونقلت ثلاث عاملات، إحداهن حامل، ممن تعرضن للضرب إلى مستشفى الحسن الثاني.

لماذا تهجم قوات ُتمول من أموال الشعب على عمال وعاملات عزل أجبرهم ظلم أرباب العمال على الاحتجاج؟

لماذا تحركت السلطة على وجه السرعة لضرب العمال والعاملات بعد عقود من التغاضي الكلي عن خرق منهجي للقانون ( قانون الشغل والضمان الاجتماعي) من طرف رب العمل؟ لقد كشف التدخل "الأمني" ( أمن من؟) سهولة وسرعة تبخر الكلام الرسمي المنمق حول "الحوار الاجتماعي"؟ و"الحداثة" و"الانتقال الديمقراطي"؟

إن شراسة هذا العنف نابعة من كون القطاع السياحي الذي يراهن عليه الماسكون بزمام أمور بلدنا، في إطار الأدوار المسندة لاقتصاد المغرب من طرف الأوصياء الامبرياليين، قطاع قائم على درجة كبيرة من استغلال اليد العاملة، حيث هشاشة التشغيل، لا سيما العمل المؤقت، هي القاعدة، والحقوق العمالية منتفية إلى حد بعيد. وقد سبق أن قضى القمع على التنظيمات النقابية بالعديد من الوحدات السياحية، وُطردت العشرات من المناضلين والمناضلات النقابيين، وفرض على العمال والعاملات قبول أسوأ أنواع الاستعباد والإذلال، تحت تهديد التجويع والتشريد والسجن.

هذا التهديد المرفوع كالسيف فوق أعناق الشغيلة يدل أنهم لم يتحركوا للنضال في قرية فالتور السياحية إلا بعد نفاذ طاقة التحمل والصبر. فمشكل العمل المؤقت قائم بها كما بكافة فنادق أكادير عاصمة السياحة، وبها من اشتغل بصفة عامل مؤقت طيلة 15 سنة، بينما كان قانون الشغل القديم يقضي بترسيم العمال ( اعتبار عقود عملهم غير محددة المدة) بعد سنة عمل (ظهير 23 أكتوبر 1948 ) وجاء قانون الشغل الجديد في يونيو 2004 ليرفع المدة إلى عامين[المادة 17]. ولا تسلم إدارة فالتور للعمال بطاقات الشغل [المادة 23 من قانون الشغل]، ولا تسمح لهم بانتخاب مندوبيهم [المادة 430]، وتشغل متدربين ب1000 درهم شهريا ( نصف الحد الأدنى القانوني)، وتحرم العمال والعاملات من منحة الاقدمية، ولا تؤدي أجرا عن الإجازة السنوية، ولا تصرح بكامل أيام العمل لإدارة الضمان الاجتماعي. هذا وحده كاف لإبراز مستوى ما بلغ قهر العمال بهذه المنشاة السياحية الفاخرة، ودون الحديث عن الجحيم المفروض على عمال المقاولات العاملة من باطن لصالح فالتور في التنظيف والأغراس والحراسة.

هذا هو واقع تطبيق قانون الشغل بالمغرب عام 2007. لسنا في معمل شبه سري في قبو بأحياء الدار البيضاء، ولا بورشة صغيرة للصناعة التقليدية، إننا في مؤسسة سياحية راقية تابعة لشركة ايطالية رائدة منذ أربعين سنة و لها قرى سياحية أخرى بمصر وتركيا وتونس و تدر أرباحا طائلة ( بلغ رقم معاملاتها في العام الماضي 200 مليون يورو أي زهاء 2.2 مليار درهم).

هذا هو واقع قانون الشغل الذي تدعي جرائد أرباب العمل، وغيرها من الأبواق الموالية لهم، انه ساهم في خفض عدد الإضرابات و نزاعات الشغل، بينما الحقيقة ان الدولة خفضت عدد الإضرابات بالقمع المنهجي، و بضرب استقرار العمل ( تعميم الهشاشة)، والضغط بالبطالة المتنامية على استعدادات العمال النضالية ( أصبح الحفاظ على فرصة العمل يطغى على أي سعي الى تحسين الأوضاع)، وبجر القيادات النقابية إلى ما يسمى "الشراكة الاجتماعية" أي الشراكة في نسف قوة العمال الكفاحية.

ماذا يعني ان تغير الدولة المغربية قانون الشغل لتزيل منه العديد من مكاسب العمال، وان تستعمل القوة لفرض عدم تطبيق ما تبقى منه؟ إنها لا تضع نصب أعينها غير مصلحة أرباب العمل وتقدم للعمال البؤس و الكلام الخاوي والعصا عند الاقتضاء.

ما العمل؟

لا فائدة من التباكي والتماس الرحمة من العدو كما تفعل الصحافة المنافقة الموالية لأرباب العمل ودولتهم. ولا جدوى من المراسلات الى الوزارات ما عدا إقناع العمال الواهمين بلا جدواها ليتجه اهتمامهم إلى النافع فعلا: التضامن العمالي. ليس للعمال والعاملات من جهة ينتظرون رحمتها. وحده اتحادهم قادر على الحد من جبروت الرأسماليين ودولتهم، وتأمين شروط عمل وحياة لائقة.

إن الوعد الذي أعطي لعمال وعاملات فالتور بإجراء حوار مع والي ولاية اكادير اداوتنان هذا الأسبوع لن يكون غير وسيلة لربح الوقت وتفكيك تعبئة العمال ما لم تنهض القطاعات العمالية الأخرى بقطاع السياحة وبمدينة اكادير بوجه عام لنصرة قوى النضال النقابي في فالتور، وما لم تتحمل القيادات النقابية العليا مسؤوليتها في التعبئة وتنظيم النضال لان ما يعانيه شغيلة فالتور ليس بأي وجه استثناء، وهذا ما يعرفه كل عامل وعاملة حق المعرفة.

ان ما يجري في فالتور يذكر بعشرات الحالات التي كذبوا فيها على العمال بالحوارات والوعود الزائفة.

لقد عبر مناضلو قطاعات نقابية باكادير، مثل منشاة أماندل للتعليب وفندق ادرار ونقابة التعليم، وناشطون من جمعية اطاك المناضلة ضد العولمة، عن تضامنهم مع نضال شغيلة فالتور، انها بداية لحملة التضامن الواجب تنظيمها من طرف كل قوى النضال النقابي سواء بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل او بالاتحاد المغربي للشغل أو غيرهما. وواضح ان لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كامل مكانته في هذا النضال.

تقتضي الصراحة قول إن تقاليد التضامن العمالي والشعبي تكاد تنتفي بفعل عقود من سياسة "الحوار و السلم الاجتماعي" و"المصلحة الوطنية المزعومة" (أي مصلحة وطنية بينما الشركات الأجنبية تنهب البلد بتعاون مع الرأسماليين المحليين؟)، وقد أدى عمال المغرب ثمن ذلك غاليا، وليس من حل غير إحياء تقاليد التضامن وإزالة الحواجز المصطنعة بين القطاعات النقابية وبين المركزيات النقابية.

يستدعي الوضع بقطاع السياحة وجود مكتب موحد لنقابات الفنادق و المطاعم، في إطار نقابة وطنية لعمال السياحة، المنضوية بدورها في اتحاد نقابي وطني وحيد يوحد كفاحات الطبقة العاملة برمتها في مواجهة أرباب العمل ودولتهم. جلي أننا بعيدون عن هذا الهدف، فالمكاتب الموحدة للقطاعات نادرة، ولا تشتغل وفق المطلوب، والمركزيات النقابية كثيرة ومتضاربة. لكن العمال الواعون يجدون سبلا لتوحيد الجهود في ظل هذا الوضع، في شكل تنسيق نقابي وتضامن لا يقف أمام تعدد الانتماءات النقابية.

الحالة عامة تستدعي اعادة بناء الحركة النقابية على اسس الوحدة والديمقراطية والكفاح

تشتغل غالبية عمال المغرب وعاملاته بلا حقوق، حتى المدونة منها في قانون الشغل، وبلا حماية اجتماعية، حيث لا تسجيل في الضمان الاجتماعي، وان كان فبصورة ناقصة ( عدم التصريح بكامل الأيام ولا بكامل الأجور ،الخ)، وبلا تأمين ضد حوادث الشغل وأمراضه. يحكم تملص أرباب العمل هذا من الحد الأدنى من الحقوق العمالية على الشغيلة و أسرهم بانعدام الأمان الاجتماعي: خوف دائم من فقدان العمل، ودخل لا يلبي الحاجات الأساسية، وشبح قضاء آخر سنوات العمر في بؤس اشد، وارتعاد دائم من مخاطر المرض والإصابات، ومصير تمدرس الأطفال، وشروط سكن غير لائقة، وبالمقابل يحصل أرباب العمل على أكداس من المال.

قد يتواصل هذا الوضع عقودا وتواصل معه السلطات غض الطرف، سواء الولاية أو مصلحة تفتيش الشغل أو مندوبية الضمان الاجتماعي. القوانين ذات الصبغة الاجتماعية ليست كباقي القوانين، إنها لا تطبق إلا بضغط العمال والعاملات.

يخرق رب العمل القانون سنوات طوال تحت أنظار السلطة التي تمتنع عن أي تدخل رغم ما يسبب ذلك الخرق من ويلات كثيرة للمعنيين من عمال وعاملات وأسرهم. لكن عندما يقف العمال بالاعتصام او الإضراب تتدخل السلطة على وجه السرعة، وبكل حزم وعنف، للتصدي لما تعتبره خرقا للقانون، قد تسميه مسا بالأمن العام أو تظاهرا أو تجمعا بلا ترخيص، أو أي تهمة ، لا يهم . المهم تحطيم المقاومة العمالية للاستغلال المفرط.

أما البرلمان المزور فهو الذي يشرع القوانين المحطمة لحقوق العمال وللمكاسب الشعبية بوجه عام، والقوانين القاتلة للحريات العامة، ويمتنع عن تشريع قوانين تجعل من مفتشية الشغل جهازا فعالا يجبر أرباب العمل على تطبيق قانون الشغل، الخ انه يعبر عن حقيقة الأحزاب الممثلة فيه :أحزاب في خدمة البرجوازية بصيغ مختلفة الأشكال وموحدة الجوهر.

أما "العدالة" القائمة فليست منصفة حتى لأرباب العمل والمال فيما بينهم، فـ"إصلاح القضاء" من المطالب الكلاسيكية لمنظمة أرباب العمل، ومن التوصيات الأساسية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي الذين يعتبرانه إحدى مستلزمات جذب الرأسمال الأجنبي، وهو لا يعني سوى قضاء أقل خضوعا للضغوط أو التدخلات، وتأثير أصحاب النفوذ، فيما يخص النزاعات بين الرأسماليين. أما في مواجهة العمال فان النظام القضائي في أي مجتمع رأسمالي، حتى الخلو من التدخل الفج المميز لبلدنا، مصنوع أصلا لخدمة البرجوازيين ( كيفية وضع القوانين ومضامينها، تكوين القضاة وتعيينهم، الخ).

هكذا يقف جهاز الدولة بكامله ضد العمال، لكن لهؤلاء قوة عظيمة يستمدونها من موقعهم كمحركين لآلة الإنتاج وكل الحياة الاقتصادية بوسعهم فرض تنازلات على أرباب العمل ودولتهم، وحتى تغييرا عميقا قد يزيل تلك الدولة ذاتها عندما تبلغ القوة العمالية ( تنظيما ووعيا) أرقى مستوياتها.

يوجد النضال العمالي بالمغرب في مستويات أولية، مستويات الدفاع عن حق التنظيم و ما تبقى من مكاسب اجتماعية وعن فرص العمل بوجه الهجوم البرجوازي الكاسح. نجاح هذا النضال الأولي لتحسين الأوضاع هو الذي يعزز ثقة العمال في قواهم ويساهم في رفع وعيهم بحقيقة أعدائهم. انه مدرسة تأهيلهم للنضال لتغيير النظام الاقتصادي-الاجتماعي والسياسي الذي يسحقهم كما يسحق الشباب والنساء وكادحي القرى.

هذا ما يجعل النضال النقابي اليومي أكثر من مجرد نضال اقتصادي إصلاحي، إن هو خيض على أسس توحيد قوى الطبقة بكاملها وفق مبدأ طبقة واحدة –نقابة واحدة، وإشاعة الديمقراطية في تسيير العمال لمنظماتهم ولنضالاتهم، وفق منظور كفاحي يسقط كل أضاليل "الشركاء الاجتماعيين" و"المصلحة المشتركة" بين الرأسمال والعمل.

يلقى هذا على كاهل المناضلين العماليين مهمة رعاية التجارب النقابية الناشئة بالدعم، بالتثقيف العمالي، وحملات المساندة، إعلاميا وماديا ، وبتعبئة القطاعات النقابية. ولا فرق في هذه المهمة بين عامل وعاطل وطالب ونشيط بجمعية حقوقية.

إن المراكمة في التجارب النضالية الأولية، مثل معركة عمال وعاملات فالتور،هي التي ستمكن من التقدم في إعادة بناء الحركة النقابية المغربية على أساس النضال، وفي بناء أدوات النضال الأخرى التي لا غنى عنها لإنهاء وضع الاستغلال والاضطهاد القائم ببلدنا.

22 يناير 2007 –

سعيد الريشة

#سعيد_الريشة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات