أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - منازل المعنى المهدومة: رحلة في ظلال اللغة وموت المركز














المزيد.....

منازل المعنى المهدومة: رحلة في ظلال اللغة وموت المركز


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 09:32
المحور: الادب والفن
    


في المشهد الفلسفي والنقدي الذي تشكّل في النصف الثاني من القرن العشرين، وقفت أسماء مثل جاك دريدا، ميشيل فوكو، رولان بارت، يورغن هابرماس، بول دي مان، وجون بيرديو عند تخوم اللغة والمعنى، كلٌّ منهم يحمل أدواته ويتلمّس طريقه في غابة لا تشبه الغابات القديمة: لا مركز، لا يقين، لا ذات متعالية، بل عبور دائم، وتصدّع متواصل في بنية المعنى.
في فكر جاك دريدا، كل خطاب مؤجَّل، وكل معنى ينزلق أبعد مما نظن أننا قبضنا عليه. فالمعنى، في منظوره، ليس جوهرا مستقرا، بل هو أثر ناتج عن اختلاف وتغاير لا نهائي بين الدوال. اللغة ليست وسيلة لنقل المعنى بل شبكة تؤجّل ظهوره، في ما يسميه (الاختلاف). لا يوجد مدلول أخير، بل دوال تُحيل إلى دوال، وعملية التأويل لا تنتهي. من هنا، لم يعد (المؤلف) مركزًا للمعنى، بل تهاوى، لأن النص أصبح فضاءً تُكتب فيه آثار اللغة لا نية الكاتب. العلامة، في هذا السياق، كائن زئبقي، منزلق، يحيا على الحدود التي لا تُمسك.
أما ميشيل فوكو، فقد سلك طريقا مختلفا، لكنه لا يقل راديكالية. لم يشغل نفسه بإرجاء المعنى بقدر ما انشغل بكشف القوى التي تنتج الخطاب نفسه. فالمعرفة، عنده، ليست بريئة، ولا المعنى حياديا. إن الخطابات تنتظم ضمن علاقات سلطة ومعرفة، ويصبح (المؤلف) وظيفة تُستخدم لتنظيم النصوص وتقييدها داخل بنية خطابية تُنتج المعنى وتراقبه. المعنى، إذن، ليس حوارا بين دوال، بل أثر من آثار السلطة. اللغة هنا ليست أداة بل مؤسسة. و(ما بعد الحداثة) عنده ليست لحظة انفصال عن الحداثة، بل استكمال جذري لها، تفتّح جذري لشبكات المراقبة والانضباط عبر اللغة والمعرفة والجسد.
رولان بارت، من جهته، أعلن (موت المؤلف) في لحظة أصبحت أيقونية في النقد الحديث. لم يعد النص يُقرأ بوصفه مرآة لذات المبدع، بل كنسيج من الاقتباسات، واللغات، والمراجع، المتقاطعة. المعنى لا ينبع من أصل، بل من لُعبة في الكتابة تُنتجها القراءة. وهكذا يصبح القارئ هو من يمنح الحياة للنص، لا المؤلف. العلامة عند بارت ليست وحدة، بل نظام دلالي تُشارك فيه الثقافة برمّتها. وما بعد الحداثة لديه ليست تيارًا، بل ممارسة جمالية تُحرّر النص من قدسيته، وتجعله مفتوحًا على التأويل، اللعبة، والاختلاف.
يورغن هابرماس يقف، غالبا، على الضفّة المقابلة. نظرته للحداثة ليست نقدا جذريا بل مشروعا لم يكتمل بعد. يرى في ما بعد الحداثة نوعا من التخلّي عن العقلانية التواصلية التي يجب أن تكون أساسًا للخطاب الاجتماعي. إن إزاحة المؤلف، وإنكار المعنى المستقر، وتفكيك الخطاب، ليست خطوات نحو التحرر، بل نحو النسبية التي تدمّر إمكان الحوار العقلاني. العلامة، لديه، لا يجب أن تكون حقل نزاعٍ تأويليّ لا نهائي، بل وسيلة تواصلية تشترط إمكانية الاتفاق ضمن أفق مفهومي مشترك.
أما بول دي مان، فقد كان من رواد التفكيك، لكنه لم يجعل اللغة نظامَ إرجاء فقط، بل كشف عن التناقضات الداخلية في كل خطاب، حيث القول غالبًا ما يهدم نفسه دون وعي منه. البلاغة، المجاز، والتورية، ليست زينة، بل آليات داخلية تنتج عدم استقرار في الدلالة. المعنى هنا ليس مؤجلاً وحسب، بل مخاتل، يتورّط في نفي ذاته. المؤلف لا يموت عنده فقط، بل يتوارى داخل النص الذي ينقض نواياه الأصلية. وما بعد الحداثة في فكره هي وعي بهذا الاستحالة، لا احتفال بالفوضى، بل تفكيك لمزاعم الاتساق.
أما جون بيرديو، فيمثل امتدادا واعيا للتقويض البنيوي، واشتغل كثيرا على جدليّة (الواقع والتمثيل). يذهب إلى أن العلامة لا تحيل إلى واقع بل إلى نظام من العلامات، وبالتالي فإن (الدال) أصبح طاغيًا على (المدلول)، بل أن المدلول ذاته لم يعد بريئا، بل مشكوكا فيه. ما بعد الحداثة، في هذا السياق، ليست فقط وعيا بزوال المعنى، بل فعلا تقويضيا يعري ادعاءات التمثيل، ويكشف عن التحيّزات في بنية اللغة نفسها.
هكذا، تتناثر الحقيقة وتتكثّف داخل اللغة: بين دريدا الذي يرى في المعنى شبحا لا يُمسك، وفوكو الذي يقرأ الخطاب كأثر للسلطة، وبارت الذي يحرّر النص من خرافة المؤلف، ودي مان الذي يكشف عن انتحار اللغة في ذاتها، وبيرديو الذي يحوّل الواقع إلى تواطؤ دلاليّ، وبينهم جميعًا يقف هابرماس، مدافعًا عن العقل كمشروع لم ينتهِ بعد.
إنهم جميعا، رغم اختلافاتهم، ألغوا المركز، وفتتوا الإطلاق، وتركوا الفلسفة والقراءة عالقتين في منتصف الطريق، لا لتضيع، بل لتبقى حيّة، تسأل: من يتكلم؟ من يكتب؟ من يفهم؟ وماذا يعني (المعنى) حين لم يعد له بيت يعود إليه؟



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيهما الأصل الخير أم الشر: رأي جديد لتفسير الشرّ في الوجود
- في أروقة الوعي الثلاثي أو تجلّيات الكينونة بين الشك والفيض
- أطلانتس القارة المفقودة: سفرٌ في الذاكرة الغارقة للكبرياء ال ...
- التأويل الجدلي للتوحيد: قراءة فلسفية في أفق العلاقة بين الوا ...
- الشعر الجاهلي بين مطرقة العقل وسندان الوجدان: تأملات في شكوك ...
- الديستوبيا: تجليات الخراب في الوعي والمجتمع
- جدل الهوية والانتماء في الرواية العراقية بعد ٢٠& ...
- العرفان بين التجربة الروحية والفكر الفلسفي: نظرة في المفاهيم ...
- المرجعيات الفلسفية للبنيوية
- فلسفة الأصل: المادة أم الوعي
- الخير والجمال بين الذاتية والموضوعية
- العدالة بين الفلسفة والسياسة: رحلة أفلاطون نحو المدينة الفاض ...
- الشعر بين الإدراك الخفي والتعلّم الضمني: كيف استوعب العرب ال ...
- مطالع المعلقات العشر، تأملات في الزمان والإنسان
- المنطق الروائي: فن بناء العوالم المتماسكة
- فلسفة التجربة الشخصية
- المسكوت عنه في التاريخ العَربيّ، سيرةٌ فجائعيّةٌ
- جماليّاتُ البِنيةِ الزّمانيّةِ بينَ الرّوايةِ والسّيرةِ الذّ ...
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً؟


المزيد.....




- -الشاطر- فيلم أكشن مصري بهوية أميركية
- رحلتي الخريفية إصدار جديد لوصال زبيدات
- يوسف اللباد.. تضارب الروايات بشأن وفاة شاب سوري بعد توقيفه ف ...
- بصدر عار.. مغنية فرنسية تحتج على التحرش بها على المسرح
- مع حسن في غزة.. فيلم فلسطيني جديد يُعرض عالميا
- شراكة مع مؤسسة إسرائيلية.. الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو ...
- -الألكسو- تُدرج صهاريج عدن التاريخية ضمن قائمة التراث العربي ...
- الطيور تمتلك -ثقافة- و-تراثا- تتناقله الأجيال
- الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
- الممثل الإقليمي للفاو يوضح أن إيصال المساعدات إلى غزة يتطلب ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - منازل المعنى المهدومة: رحلة في ظلال اللغة وموت المركز