مستقبل القواعد العسكرية الأجنبية في الوطن العربي في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة

حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8310 - 2025 / 4 / 12 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

د.حمدي سيد محمد محمود

اليوم، وفي ظل ما يشهده العالم من تحولات جذرية في النظام الدولي، وتغيرات متسارعة في موازين القوى الإقليمية، وتزايد حدة التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ الجيوسياسي في الشرق الأوسط، تطرح قضية القواعد العسكرية الأجنبية في الدول العربية نفسها من جديد كأحد أبرز تجليات التدافع الدولي، ومؤشرًا صريحًا على مدى هشاشة أو صلابة القرار السيادي العربي في بيئة أمنية مضطربة. فإلى أين يتجه مستقبل هذه القواعد؟ وما هي محددات وجودها واستمراريتها أو زوالها؟ وهل تشكل حماية للأمن العربي، أم قيدًا جيوسياسيًا على خياراته الاستراتيجية؟ تلك الأسئلة وغيرها، تشكّل محور هذا التحليل.

أولًا: التحولات الجيوسياسية كإطار موجه للمستقبل العسكري الأجنبي في المنطقة

تخضع خارطة القواعد العسكرية الأجنبية في الوطن العربي لمعادلات القوة العالمية المتغيرة. فمع انحسار الحضور الأميركي التقليدي في بعض المناطق، وصعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران، بدأت تبرز أنماط جديدة من إعادة التموضع العسكري في الخليج العربي، والقرن الإفريقي، وشمال إفريقيا، والبحر الأحمر. لم تعد القواعد تُمثل مجرد أدوات ردع، بل تحوّلت إلى مراكز تحكم في شبكات الطاقة والممرات البحرية والمعلومات السيبرانية. من هنا، أصبح من غير الممكن فهم مستقبل هذه القواعد بمعزل عن تصاعد الصراع بين الغرب والشرق، وبروز النظام العالمي متعدد الأقطاب.

ثانيًا: ثنائية السيادة والأمن: معضلة الدولة العربية

تواجه الأنظمة العربية إشكالية بنيوية في علاقتها بالقواعد العسكرية الأجنبية، فهي من جهة تسعى إلى تحصين أمنها الداخلي والخارجي في بيئة إقليمية مضطربة، ومن جهة أخرى تفقد تدريجيًا هامش القرار الاستراتيجي أمام النفوذ المتنامي للقوى الأجنبية التي تدير تلك القواعد. هذه الثنائية تجعل من الوجود العسكري الأجنبي سلاحًا ذا حدين، حيث يوفّر مظلة ردع ضد التهديدات الإقليمية، لكنه في الوقت نفسه يعمّق التبعية الاستراتيجية، ويعيق تشكل منظومة أمن قومي عربي متماسكة.

ثالثًا: الفاعلون الجدد وتحولات موازين الردع العسكري

إن صعود لاعبين جدد مثل الإمارات وقطر كقوى طموحة تسعى لاستضافة قواعد أجنبية متعددة الجنسيات، يعكس تحوّلات داخلية في موازين الردع داخل الخليج نفسه. كما أن الانفتاح السعودي الأخير على تنويع الشراكات الدفاعية يشير إلى رغبة في تجاوز الاحتكار الأميركي التقليدي. أما في شمال إفريقيا، فإن التنافس الفرنسي-الروسي على ليبيا والجزائر يعيد تشكيل الخريطة الأمنية، حيث باتت القواعد تُستخدم كورقة نفوذ سياسي أكثر منها كضرورة أمنية بحتة.

رابعًا: الفضاء السيبراني والتوسع في مفهوم "القواعد"

لم يعد الوجود العسكري الأجنبي مقصورًا على القواعد المادية التقليدية، بل بدأ يمتد إلى المجال السيبراني، والاستخباراتي، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيّرة. ما يعني أن السيادة الوطنية العربية باتت مهددة بأشكال جديدة من التدخل والتحكم الخارجي غير المرئي، بما يجعل من تفكيك مفهوم القاعدة ضرورة لتحليل الأبعاد المستقبلية لهذا الوجود العسكري في ظل التكنولوجيا العابرة للحدود.

خامسًا: سيناريوهات المستقبل: بين الاستدامة والتحلل والتحول

السيناريو الأول: الاستدامة التوسعية، حيث تستمر الدول الكبرى في توسيع شبكاتها العسكرية في المنطقة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب أو تأمين الطاقة.

السيناريو الثاني: التحلل التدريجي، مع تنامي النزعات الوطنية، وتعاظم كلفة الوجود الأجنبي، وبروز رفض شعبي عربي متزايد لهذا الوجود.

السيناريو الثالث: التحول الوظيفي، حيث تتحول القواعد إلى شراكات دفاعية أو مراكز تدريب إقليمي، ما يتيح للدول المضيفة قدرًا أكبر من التحكم والمشاركة.

في ضوء هذه التحولات المتشابكة، يغدو مستقبل القواعد العسكرية الأجنبية في الوطن العربي مرتهنًا بمدى قدرة العرب على إعادة تعريف أمنهم القومي خارج منطق الاستعانة الدائمة بالآخر. فالسيادة ليست مجرد شعار سياسي، بل هي منظومة متكاملة من الاستقلال في القرار، والقدرة على حماية الذات، والتوازن في العلاقات الدولية. إن الحاجة الملحّة اليوم ليست إلى تقليص القواعد فحسب، بل إلى بناء منظومة دفاع عربية مستقلة، تستند إلى التكامل الاستراتيجي، والوعي الجيوسياسي، واستثمار الثروات الوطنية بعيدًا عن الارتهان لمعادلات الهيمنة الأجنبية. فبدون ذلك، ستبقى الرمال العربية مفتوحة لكل من يشاء أن يغرس رايته فوقها.

#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل