ألكسي القادشي
الحوار المتمدن-العدد: 1801 - 2007 / 1 / 20 - 12:17
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تعصف الرأسمالية برياحها السامة بالطبيعة البشرية و تظهر المعانات البشرية الجائعة لكل ما هو إنساني وحقيقي و ما لا يباع و لا يشترى , يكتظ المجتمع بالإضطرابات و العصابات النفسية بكل تلاوينها وأشكالها ............. .........النفس الحائرة و المسلوبة و المضطربة تبحث عن قشة لتتعلق بها و تعطيها شيئ من السعادة في الحياة لكي تستطيع أن تتابع هذه الحياة التي باتت عند كثير من الناس هم و لكن لا بد من مزاولته بدافع الغريزة .
تحل النقود محل كل شيئ و تتغلغل و تتسلل كالغاز الخانق لتسمم كل العلاقات الإنسانية الزوج مع الزوجة الأم مع طفلها الحبيب مع حبيبته الصديق مع صديقه أو صديقته بالأحرى فالصداقة قد دفنت منذ فجر بعيد فتحولت لعلاقة من المنفعة الرخيصة المتبادلة
في هذه اللوحة المظلمة تغترب الإنسانية و تبتعد عن واقعها لأن الأشياء ذات القيمة الإنسانية هي غير ذات قيمة في المجتمع الرأسمالي و هي غير قابلة للتداول و للبيع و الشراء في السوق و بالتالي لا تراها لا على الشاشات و لا تسمعها من خلال أجهزة الراديو و لا في دور السينما و لا تتعلمها لا في المدرسة و لا في الجامعة فهي أشياء غير قابلة للتداول النقدي و هي بالتالي منقرضة سلفا في هذا المجتمع .
في ظل الغياب شبه الكلي للأشياء الإنسانية تلهث الناس بمحاولة أشبه بالبحث عن جزر الكنز لإيجاد الأشياء التي تكسبها التوازن النفسي و العاطفي و تعطي لحياتها طعما و معنى فتجد نفسها وراء الأشياء الرخيصة و المبتذلة المقدمة بأسلوب فاقع و جذاب من خلال الإعلان المشوه فتشتري أجهزة الخليوي الجديدة كل سنة والموديلات الجديدة من الأزياء و التلفزيونات و السلع و تغير أساس المنزل كل سنة دونما نتيجة و تظل تتخبط بعلاقات كلبية فيما بينها و يغرق الجميع في جو من الفردية حيث لا يرى الإنسان في الإنسان إلا شيئ لتحقيق ربح جديد أو منفعة جديدة , فيتشوه و عيه و تقنعه الرأسمالية بأجهزة العربدة و التلفزة أن الإستهلاك هو الحل الوحيد لتحقيق التوازن النفسي و أن كل شيئ تفتقده تستطيع أن تشتريه .................. .و هكذا يصبح كبطل قصة دونكي شوت الذي يلهث طول حياته وراء طواحين الهواء دون أن يجدها.
لنفكر بكلمات كارل ماركس العميقة حول قوة النقود التي تشوه العلاقات الإنسانية الطبيعية
((لنفرض الآن الإنسان إنسانا و علاقاته بالعالم علاقات إنسانية في هذه الحالة لا نستطيع مبادلة الحب إلا بالحب و الثقة بالثقة و هكذا.
و إذا أردت أن تتمتع بالفن فعليك أن تكون مثقفا فنيا .و إذا أردت أن تؤثر بالناس فيجب عليك أن تكون فعلا إنسانا يدفع الأناس الآخرين و يحركهم للأمام.إن كل علاقة لك بالإنسان و الطبيعة يجب أن تكون محددة وتناسب موضوع إرادتك ,و أن تكون مظهرا من مظاهر حياتك الفردية الحقيقية)................ (1)
فالإنسانية المباعة و الراضخة تحاول أن تشتري كل شيئ الفن و الأدب و الحب و الأبوة و الصداقة..... بالنقود و بما أن كل هذه الأشياء ليس لها أي قيمة في التداول لأنها أشياء إنسانية و هي غير قابلة للاستهلاك السلعي و هي فقط قابلة للاستهلاك الروحي و الإنساني
لا تتورع الرأسمالية عن الدخول في بزنس جديد يقوم على تشويه و انحطاط كل هذه الأشياء و القيم لكي تستطيع أن تظهرها بالشكل النهائي و هو شكل السلعة
فتشوه صورة المرأة و العلاقات العاطفية لتظهر المرأة على شكل جسد له مواصفات بالوزن و الطول و اللون تستطيع أن تتصفح الإنترنت لتشتري من الحب و الأجساد
و تنقرض علاقات الحب القائمة على المعانات الإنسانية و الصدق و التي هي الأساس للتوازن النفسي لأي إنسان على الأرض
و الأدب يتحول إلا نوع من المقامرة الرخيصة ,و تظهر القصص البوليسية والخيالية التي تروج العنف و تشوه خيال القارئ و تجعله يعيش كالأرنب الخائف الذي يتهيأ بأن البشر هم مجرمين و أشرار و لامكان للعلاقات الإنسانية ,فتتلقفه الأمراض النفسية لتغسله و تلتهمه و هو ما يحقق بزنس جديد في العيادات النفسية في المجتمعات الرأسمالية
والفن .((فنحن أولا نرى الخلجات و التشنجات المؤلمة للوعي الفني الذي فقد الثقة بذاته ))...........(2)
.فيتحول الفن من مهمته الإنسانية القائمة على دفع البشرية للتقدم و طرح مشاكلها و معاناتها لشيء رخيص غير مفهوم عبارة عن بزنس جديد خرفشات تباع بملايين الدولارات.
و بذلك تتكامل خطوط لوحة نشاط المجتمع الرأسمالي الذي لا يرى سوى الربح في أي شيئ فيغرق الطبقة العاملة في جو من التوتر و القلق والتعب لا يحقق لها شيئ من حاجاتها الإنسانية التي تدفعها للتقدم و الارتقاء والسعادة...................... هذه العقبة في حياة الإنسانية يجب أن تزال و يجب أن تدخل المتاحف التاريخية و للأبد.
فإلى متى ستظل حياة الشعوب و مشاعر الشعوب و نفسية الشعوب وأسر الشعوب و أطفال الشعوب و راحة الشعوب و فن الشعوب و حب الشعوب و صداقة الشعوب ..............................مكرسة لتقديم الأرباح لحفنة صغيرة جشعة و وقحة من الرأسماليين
-(1) ماركس و أنجلز عن الفن .المجلد الأول ص192
-(2) أسس علم الجمال الماركسي اللينيني ,المجلد الأول ص373
#ألكسي_القادشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟