أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المجيد - لماذا لا يغضب المصريون؟














المزيد.....

لماذا لا يغضب المصريون؟


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 1799 - 2007 / 1 / 18 - 11:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تشرب من ماء النيل، وتسمع في شاطئه الجميل ما قالت الريح للنخيل، ثم تشير إلى النهر الخالد متهما إياه بأنه بهذا الهدوء الذي يستمر سنوات طويلة، ثم يفيض مرة، ويسكن إلى الهدوء مرات أنه السبب في العبث بالجهاز العصبي للمصريين.

ماذا حدث لأهل بلدي؟

أغوص، وأقرأ، وأتأمل، وأتابع، وأشارك مع آخرين في محاولة ايقاظ العملاق النائم وأنا على يقين أنه لم يمت، فلا يتحرك جسده الممتد من الصعيد إلى الثغر.

تتكدس أرصفة القاهرة العتيقة بصحف ومجلات وأنواع عجيبة من المطبوعات تحمل عناوين لو نطق الحجر وقرأها لهزّ صراخُه وادي النيل كله.

يختلي بك كل مصري تقابله وتحدثه فيصف لك المشهد الحيّ كأنه يعيشه منذ أن سقط من بطن أمه، فيحدثك عن الفساد والرشوة والمحسوبية والغلاء وتسمم المزروعات والأمراض المعدية والوبائية وسرطنة الخضراوات وتلوث الهواء واغتيال النيل .. واهب الخلد لحضارة المصريين.

يستطيع أي مصري أن يقص عليك حكايات حقيقية لو نفخ الله في الجبال روحا وسمعتها لانفجرت من قممها براكينُ تصل إلى نهاية السماء الدنيا قبل أن تهبط ثانية على أهل الأرض.

تبحث في العلوم والآداب والفلسفات وتاريخ الشعوب وحِكَمِ المصلحين لعلك تعثر على سرّ تعطل الجهاز العصبي للمصريين فلا يزيدك البحث إلا حيرة، ويوردك الردى حُبًّ الوطن لو زاد عن الحد المطلوب سلطوياً لتهوي عصا الراعي التي يهش بها، وعصا الزعيم التي يلسع بها.

تخترق شوارعَ عاصمة أم الدنيا فتمر على ثلاثة ملايين مواطن يعيشون في المقابر وكأنهم يحتمون بالأموات، فلا تعثر على اشارة واحدة أن غضباً قد يأتي منهم على أوضاعهم، أو أن واحدا منهم يصيح في الآخرين بأن لهم حقوقا أكثر من تلك، ولو فعل لرجموه حتى الموت، وربما طاردوه، وطردوه إلى مقابر مجاورة.


يسمع المصري أن عشرات من لصوص الوطن خرجوا بمئات الملايين من أمواله، وأن غيرهم يسرقون اللقمة من أفواه أولاده، وأن مصريا على مبعدة أمتار منه في قسم الشرطة المجاور تَجَمّع حوله ضباط الشرطة والمخبرون والمرشدون وبعض المسجلين خطرين، ثم انهالوا عليه ضربا وتعذيبا، وبعد ذلك نزعوا ملابسه، وتم اغتصابه وسط ضحكات الشياطين الذين تتراقص فوق أكتافهم عدة نجوم.

لكن المصري يُسرِع الخطى فموعد المسلسل اليومي سيبدأ بعد قليل، وربما يشاهد نشرة الأخبار قبلها فيغضب للعراق وفلسطين، وسيتابع الزلزال الذي لم يعرف مقياس ريختر له مثيلا، فوزير الثقافة يتحدث في المحرمات، ويقول شيئا عن الحجاب، وتلك هي حدود غضب المصري.

أما قانون طواريء للرقيق، ووجود ثلاثين ألف سجين من أبناء بلده خلف القضبان وحرمانهم حريتهم، وانهيار نظام التعليم والتربية، وتراجع الاعلام المصري لينافس أقل الدول تخلفا في البدائية والحماقة، فتلك أمور لا تغضب.

أنْ يشاهد المصري استعانةَ الدولة بمسجلين خطرين تأتي بهم سيارات الشرطة بأوامر مباشرة من وزير الداخلية وتوجيهات صارمة من رئيس الدولة، فيضربون المواطنين، ويصفعون كبار السن، ويتحرشون جنسيا بفتيات مصريات غضبن عندما صمت الرجال، فهنا يصبح سلوك الأرانب نموذجا للتطهر من أي أفكار تناهض السلطة، فعصا ضابط الأمن التي ستدخل دُبر المواطن وسط قهقهات كلاب السلطة لا تفرق بين المصريين، فأوامر السيد الرئيس في ولايته الخامسة وهو يقترب من
الثمانين يطيعها المصريون قبل أن تغادر مكتبه في القصر الجمهوري: عاملوا المصريين كما تعاملون الحشرات والجيفة وجثث الموتى ورقاب العبيد، فهم لن يغضبوا أبدا، ولو ضرب ضابط الأمن قاضيا ورئيس محكمة بالحذاء على وجهه فسيصمت عشرون ألف قاض هم حَمَلة رسالة العدالة في أرض الكنانة.

يصيبك الاعياء الشديد وأنت تبحث عن سبب واحد لعدم غضب المصريين فتعثر على مئة مبرر بل قد تقابل سبعين مليونا من الأبطال المؤجلة بطولاتهم إلى حين .. أما متى يأتي هذا ( الحين )؟ فالاجابة لا يعلمها إلا رب العرش العظيم.

تقول لنفسك قد يغضب المصريون لو حدثتُهم عن مستقبلهم في ظل وجود سبعة ملايين عاطل عن العمل سيتضاعفون بعد خمس سنوات! أو قد يغضب المصريون لو نشرت أمامهم تفصيلات ما يحدث في أقسام الشرطة والسجون بموافقة صريحة من السيد رئيس الدولة. أو قد يغضب المصريون عندما تجتاح الوطنَ أمراضٌ وبائية طاعونية تهلك الحرث والنسل وتقتل عدة ملايين طفل سممتهم نفايات دفنها أحد أصدقاء جمال مبارك تحت الأرض الزراعية أو ألقتها المصانع في مياه النيل.

وتظل تحدس، وتخمن، وتبحث عن بارقة أمل واحدة في سبب يفتح كوة صغيرة ثم يدخل عنوة إلى النفس المصرية ويزيل عنها ما تراكم من بلادة وخوف واحساس بصفرية الكرامة، ثم يضع مكانها معجزة المعجزات .. إنها روح الحياة التي بدونها تنقطع الصلة مع السماء، فيكتشف المصري فجأة أن مصر بلده، وأن هؤلاء لصوص يعبثون بها منذ ربع قرن، وأن عشرات الآلاف في السجون والمعتقلات هم أهله، وأن عدة ملايين مصاب بأمراض الكبد الوبائي تربطهم به صلة رحم، وأن قانون الطواريء ازدراء له، وأن استمرار الرئيس مبارك كاستمرار شخص يبصق على وجوه المصريين كلهم، في بيوتهم وسجونهم ومأكلهم ومشربهم وحتى وهم يقفون أمام خالقهم في المساجد والكنائس فإن الرئيس لن ينتظر حتى الانتهاء من الصلاة فهو يظن أنه وحده العزيز الجبار مالك الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء. قتلني البحث عن اكتشاف كلمة السر في اغضاب المصريين فتناهت إلى سمعي ضحكات ساخرة من أبناء وطني وتبينت منها أن الغضب تأتي به الملائكة فقط وهي لم تحلق منذ ربع قرن فوق المصريين، فالملائكة ومبارك لا يجتمعون في مكان واحد!

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 2 يناير 2007
النرويج




#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلنا خائفون، فكيف تتحرر مصر؟
- هذه الفتوى باطلة .. باطلة .. باطلة
- فتاوى الرأي السديد للشيخ محمد عبد المجيد
- رسالة مفتوحة إلى صدام حسين حفار القبور يحكم الجمهورية السجن
- الاستشفاء بالمشهد العُماني .. سلطنة عُمان تعيد إليك روحك
- المؤسسة الدينية أقوى من آل سعود
- رسالة تهنئة من إبليس إلى العراقيين
- ضيوف لبنان يرفضون لقاء رئيس الدولة
- عمرو موسى ... الطاووس
- رسالة مفتوحة إلى حرامي مقالات
- كيف يصوم المسلمون في بلاد شمس منتصف الليل؟
- خمس وعشرون ليلة قدْر من عمر الرئيس مبارك
- أنا حمار لأنني صَدّقت الرئيس علي عبد الله صالح
- مستقبل مصر كما أحلم به
- السيناريو القادم في مصر ... ماذا يخطط الرئيسان؟
- انتحار المثقف المصري
- معذرة ... لكنني لا أتحدث في الدين
- بل ستسمع الموسيقى والغناء رغم أنفك
- حرمة تحريم الموسيقى والغناء
- نشرة الأخبار يقرأها عليكم حمار


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المجيد - لماذا لا يغضب المصريون؟